منذُ الانتكاسات التي مرّت بها الأمة العربية، وانهيار شعارات الوحدة والقومية والمصير المشترك، مرّ الإنسان العربي بحالة من الضياع والتشتت، وغياب الأهداف والقضية التي تستحقّ الإهتمام والتضحيات...
ولم تعد هناك أي عوامل مشتركة غير اللغة – بغض النظر عن تعدد اللهجات الشعبية - فالإختلافات في الدين والمذهب والسياسة لا حصر لها، فضلاً عن اتخاذ التنوع الطائفي ذريعة للتناحر، ونقاط الإختلاف ذريعة لنسف الآخر وتصفيته، وتهميشه فكرياً وعقائدياً من قبل المذاهب الدموية وليدة الإستعمار المعاصر، والتي قوضت الكثير من طموحات الشباب العربي.
وقد يجرّك الكلام في الواقع العربي إلى ويلات لا حصر لها، أولها سوء الفهم والإتهام بالزندقة والجهوية والطائفية.. أو الحكم المسبق على الآخرين حسب صبغتهم القومية أو الوطنية أو الدينية أو المذهبية.. من دون النظر لإنسانيتهم، وأن لهم آراء من حقهم التعبير عنها، والدفاع عمّا يرونه ويعتقدونه..
أعتقد أن الدور الفاعل لصناعة خطاب توعوي هادف مُلقى على عاتق النُخب المثقفة الواعية لحجم المسؤولية، والتي يجب عليها إيجاد مساحة مشتركة بين الجميع، يكون همّها التوعية الفكرية والثقافية، والتعويل على النقاط المشتركة، لأن سلّم الإرتقاء الأول للأمم والشعوب - إذا ما أرادت الحياة والنهوض – هو تجنب الصدامات الدينية والمذهبية والقومية، ورؤية الآخرين من منظور الكفاءة والخبرة والمعرفة الميدانية، فالإرتكاز على الإبداع الإنساني في تفضيل بني البشر فيما بينهم، لهو السبيل الوحيد لتهذيب المجتمعات، وتطهيرها من الأدران والشوائب، وتطويرها للأفضل.
ونحن نعيش في عصر الشبكة العنكبوتية، فلايمكن بأي حال إغفال الحقائق، حسب ما تمليه جهات التمويل..! وفبركة تلك الحقائق وتحريفها وتزييفها بالكامل لصالح تلك الأجندات، وبإنحياز فوضوي ماثل للعيان.. فأين ذهب - عندذاك - الوازع الأخلاقي، وضمير المهنة الحقة في طرح غير سوي، والأمثلة على ذلك لاتُحصى..
ولعل مصداقية الطرح قد لاتروق للكثيرين، إذ يجدون فيه شفافية عالية لامبرر لها، في عالم يعيش الواقعية بأبشع صورها، فهل العودة إلى نقطة البداية بات أمراً مستحيلاً؟ وأقصد بتلك النقطة المتعلقة بالفطرة الأولى، عندما كان الإنسانُ مُنتجاً للأفكار التي تؤهِّله للعيش بهناء على أرض البسيطة، أفكار بنّاءة تهتم بالنوع الإنساني ككل، وليس الفردية والتخندق والإنطواء.. وبنظرة سريعة لبعض مجريات الطرح الآني في الإعلام المعاصر، نجده لايخلو من أفكار هجينة من هنا وهناك، ناتجة عن ترسبات قديمة عاث فيها الدهر فساداً، والبناء على أرضية هشة، يودي بالبناء حتماً إلى الإنهيار في النهاية، فهل نحن بحاجة إلى انهيارات جديدة؟
تعليق