إنما المؤمنون أخوة
معنى صلة الرحم وقطعه
الصلة والقطيعة وآثارهما
الإنسان اجتماعي بالطبع فلا يمكن أن يعيش بصورة منفردة ولابد له من الإجتماع والتعاون ، ولكن إن لم يبن هذا الاجتماع على أسس مشروعة صحيحة أدى إلى الفساد والإفساد كما نشاهد اليوم .
لذلك إن الدين الإسلامي قد استوعب كل ما من شأنه ابلاغ البشر إلى أعلى مراتب الكمال ، فأعطى حكمه في كل أمر اجتماعي أو خلقي أو حقوقي أو عبادي .
فلنتعرض في هذا المقام للأمر الإجتماعي واللقاء بين الاخوان في الله ونرى مدى إهتمام الدين الإسلامي بهذا الجانب ، ثم ننطلق إلى الأرحام ونرى مدى اهتمام الدين الاسلامي بهم ، أكثر وأكثر …
إنما المؤمنون أخوة
نعم إن نظرة بسيطة نلقيها إلى تعاليم الدين الإسلامي ، فنراه ينادي بصوت رفيع ( انما المؤمنون اخوة ) .
وللأخ على أخيه في الله حق عظيم بينه لنا أهل البيت (ع) ألا وهو لقاؤه وزيارته ، يقول امامنا جعفر الصادق (ع) : ( اتقوا الله وكونوا اخوة بررة متحابين في الله ، متواصلين ، متراحمين ، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه ) ويقول أمير المؤمنون علي (ع) : ( لقاء الإخوان مغنم جسيم وان قلوا ) ونرى الإمام الصادق (ع) يعظم شأن تبادل الزيارة بين الاخوان في الله ويجعل زيارة الاخوان في الله بمثابة زيارة الله على سبيل المجاز ، تعظيما لشأن المؤمن واهتماماً بالتربية الاجتماعية ، فقد قال (ع) : ( من زار أخاه في الله ، قال الله عز وجل : اياي زرت وثوابك علي وليس أرضى لك ثوابا دون الجنة ) .
واذا كان الإسلام الى هذا الحد يحرضنا على زيارة الإخوان في الله فما بالك بالأرحام ؟ هل تظن أنه أهملهم ؟ كلا ثم كلا ، ان الاسلام حرض على زيارتهم وصلتهم تحريضا شديدا ، بل أوجب ذلك كما تشير إلى ذلك الآيات والأحاديث القادمة .
فمن اهتمام الاسلام بشأن الأرحام أن جعل ذلك من أفضل القربات ، وذلك بقوله جل وعلا : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) فذكر الله جل جلاله لفظ الأرحام بعد اسم الجلالة مباشرة لما هنالك من اهتمام فائق.
فالله تبارك وتعالى يأمرنا أن نتقي الله في قطيعة الأرحام كما يجب أن نتقيه تبارك وتعالى في أعمالنا ، وحسبك قوله تعالى في شأن القطيعة : ( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) وهذه الآية ان دلت على شيء فانما تدل على أن قطيعة الرحم لها أكبر الأثر في انتشار الفساد وتمزيق معالم المجتمع الاسلامي العظيم .
… هكذا نظرة الإسلام في الأرحام بل أزيد وأزيد ، يقول رسول الله (ص) : ( أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة ، فان ذلك من الدين ) .
نعم .. إن صلة الرحم شجرة أصلها الإيمان بالله ، واتباع أوامره ، وفرعها صفاء القلب ، وطهارة النفس .
كيف لا ، وبصلة الرحم يجتمع الشمل بعد التباعد ، وفيها تؤدى الحقوق وبها تحصل المحبة بعد التباغض ويزول الحقد من بين الأقارب بعد استحكامه ، فهي بلا شك من الناحية الإجتماعية ركن كبير لتثبيت التآلف والتكاتف بين أفراد العائلة ، والأقارب ، ومن الجهة المادية لها أكبر الأثر في الترفيه عن ذوي الرحم المحتاجين .
* * *
وبما أننا في هذا الموضوع تناولنا الكلام في ( صلة الأرحام ) من الجدير بنا تحديد الأرحام وتعريفهم ، وكيف تكون صلتهم ، وكيف تكون قطيعتهم ، ثم بعد ذلك نذكر بعض الآيات والأحاديث الشريفة التي تناولت موضوعنا هذا ، ونختم بذكر الآثار المترتبة على الصلة والآثار المترتبة على القطيعة ، في الدنيا والآخرة .
1 ـ من هو الرحم :
الرحم في الأصل رحم المرأة – الذي تتربى فيه النطفة وليداً – ثم استعير الرحم للقرابة حيث يطلق على القريب ( رحم ) وعلى الأقرباء ( أرحام ) وذلك لكون الأقرباء مشتركين في الخروج من رحم واحدة .
إذن .. فالمراد بالرحم الذي يحرم قطعه وتجب صلته هو مطلق القريب الذي يجمع بينك وبينه نسب ، ولا ننسى أن أخص الأرحام وأمسها ما كان بالولادة المباشرة ، فيتضاعف تأكيد الحق فيهم .
2 ـ معنى صلة الرحم وقطعه :
ـ أي عمل يعتبر في العرف اتصالاً فهو صلة ، سواء كان صغيراً مثل الإبتداء بالسلام ، أو رد السلام بالأحسن ، أو كان أرفع من هذا كزيارته وتشريكه بما تناله من المال والجاه وسائر خيرات الدنيا وغير ذلك .
وقال الشهيد الثاني عليه الرحمة في بيان مراتب صلة الرحم :
( إن أعظم مراتبه الصلة بالنفس ، وقد وردت في ذلك أخبار كثيرة .
وبعده الصلة بدفع الضرر ، بمعنى دفع الضرر عن الرحم إذا توجه له .
وبعده الصلة بإيصال المنفعة .
وبعده صلة من تجب نفقته على الرحم مثل زوجة الأب ، وزوجة الأخ .
وأدنى مراتب الصلة أداء السلام للرحم ، وأدنى منه إرسال السلام له ، وهكذا الدعاء له في غيبته ، والقول الحسن حال حضوره ) .
ـ قطع الرحم عرفي أيضاً ، كما أن الصلة كذلك فهو عبارة عن كل أمر يفهم منه في نظر العرف القطع ، مثل عدم التحية أو التهجم أو الاعراض أو عدم مساعدته عند شدة الاحتياج ، أو عدم الدفاع عنه ، أو ترك الاحترام والأدب معه أو عدم جواب الرسالة في السفر أو الحضر أو عدم الزيارة والملاقاة أو عدم عيادته اذا كان مريضاً أو اذا كان عائدا من السفر .
وتختص القطيعة بما اذا كانت ناشئة من الهجران والحقد ، فلا تحصل بترك العيادة أو الزيارة اذا لم يكن سببهما الهجران والحقد بأن كان لأسباب أخر كالغفلة أو الجهل بالمرض أو القدوم من السفر وغيره من أسباب الزيارة واللقاء ، أو كان لمانع شرعي وغير ذلك من الأمور التي يكون فيها معذوراً عند الله تعالى .
3 ـ الصلة والقطيعة في القرآن : ـ
- ان الله تعالى أمرنا في آيات جمة بصلة الرحم وأكد ذلك ، قال جل شأنه : ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) .
وقال جل شأنه : ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيباً ) .
وقال جل شأنه : ( أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ان الله بكل شيء عليم ) .
- ثم إنه تعالى حذرنا من قطع الرحم تحذيراً شديداً حيث أنه وعد القاطع بالنار واعتبره خاسراً ومورداً للعن رب العالمين .
انه تعالى يقول : ( فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) .
ويقول تعالى أيضاً : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) .
وقال تعالى أيضا : ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) .
مجموع هذه الآيات تدل على وجوب صلة الرحم وحرمة قطيعته .
4 ـ الصلة والقطيعة في الأحاديث الشريفة :
ـ ورد في صلة الرحم عن أهل البيت أخبار كثيرة ، نقتصر هنا على ما يلي :
عن أبي عبدالله (ع) أنه قال : ( صل رحمك ولو بشربة من ماء ، وأفضل ماتوصل به الرحم كف الأذى عنها وصلة الرحم منسأة في الرجل ومحبة في الأهل ) .
ويقول الإمام الصادق (ع) في حديث له : ( … فصلوا أرحامكم وبروا اخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب ) .
وقال الامام الباقر (ع) : ( ان الرحم متعلقة يوم القيامة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ) .
وعن أبي جعفر (ع) قال : قال رسول الله (ص) : ( وان أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ) .
وورد عنهم عليهم السلام في قطيعة الرحم الكثير من ذلك :
قال الامام الصادق (ع) : ( اتقوا الحالقة فانها تميت الرجال ، قيل وما الحالقة ؟ قال : قطيعة الرحم ) .
وقال الامام الباقر (ع) : ( ثلاث خصال لايموت صاحبهن حتى يرى وبالهن : البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة ) .
وقال علي (ع) في خطبة له : ( أعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء ، فقام اليه عبدالله بن الكوى اليشكري فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجل الفناء ؟ فقال : نعم ، ويلك قطيعة الرحم …. ) .
5 ـ الصلة والقطيعة وآثارهما الدنيوية والأخروية :
أ ـ صلة الرحم والآثار الدنيوية :
وردت روايات كثيرة تؤكد إن من آثار صلة الرحم طول العمر ، وتأخير الأجل ودفع البلاء وزيادة الرزق ودفع الفقر ، وزيادة النسل .
عن الإمام الصادق (ع) : ( صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمار ، وان كان أهلها غير أخيار ) .
وروي عنه (ع) أنه قال لميسر : ( قد حضر أجلك غير مرة كل ذلك يؤخر الله بصلتك لرحمك وبرك قرابتك ) .
وعن الامام الباقر (ع) : ( صلة الرحم تزكي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع البلوى ) .
وعن الصادق (ع) : ( صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكف وتطيب النفس ) .
ب ـ قطع الرحم والآثار الدنيوية :
المستفاد من الأخبار والآثار أن قطيعة الرحم تؤدي إلى قصر العمر والضيق في الرزق وتفكك كيان الأسرة والتحلل الاجتماعي ، وتمنع من استجابة الدعاء .
قال الامام الباقر (ع) في حديث له : ( … وان اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها ، وتنقل الرحم ، وان نقل الرحم انقطاع النسل ) .
وقال رسول الله (ص) : ( قطع الرحم يمنع استجابة الدعاء ) .
ج ـ الآثار الأخروية :
ـ في شأن القطيعة قال الرسول (ص) : ( أخبرني جبرائيل أن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ، ما يجدها عاق ولا قاطع رحم ) .
ـ في شأن صلة الرحم قال الامام الصادق (ع) : ( صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة وهي منسأة في العمر وتقي مصارع السوء ) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعليق