تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ان كلمة الفلق تشبه كلمة الفجر في المعنى اذ يعنيان الانشقاق والفلق, كما جاءت في الايات التالية: فالق الاصباح[1] وفالق الحب والنوي.[2]اما الغاسق فيعني الليل اذا غاب الشفق واشتدت ظلمته كما جاء في الاية التالية: اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل.[3]قد يعني الغاسق كل شئ غاسق يأتي بالظلمات المعنوية ويروجها.بما ان الاشرار يستغلون ظلمة الليل لشن هجومهم او حياكة المؤمرات فنستعيذ بالله من شر يقع في الليل.ان كلمة "نفاثات" مأخوذة من "نفث" وتعني هذه الاخيرة النفخ كما ان كلمة "عُقَد" هي جمع لكلمة "عَقْد".ان الشر قد يصدر من كل شئ حتى الصفات الكمالية كـ العلم والاحسان والشجاعة والعبادة فانها تحمل في طياتها مضرات. ان ضرر العلم هو الغرور وضرر الاحسان يتجلى في المنة وضرر العبادة يبرز في العجب وضرر الشجاعة يظهر في الظلم والتهور.هناك ثلاثة اصول في معرفة المخاطر اذا كانت الاولى هي استعداد العدو لشن الهجوم فان الثانية تتمثل في وجود فرص ملائمة لبدء الهجوم كـ الظلمات والبؤر و الاصل الاخير هو نقاط الضعف. اجل ان العدو يبحث عن الظلمات والبؤر ونقاط الضعف.ان الدعاية المغرضة وخلق اجواء متوترة والنمامة والتجسس وبث الشائعات تعد نماذج من (نفاثات في العقد) اي انهم ينفخون كي يضعفوا المحكمات. كما جاء في التنزيل الحكيم: مايفقون بين المرء وزوجه.[4]صحيح ان كل ما خلقه الله هو خير (الذي احسن كل شئ خلقه)[5], بيد ان كل شئ لو لم يسير على دربه الصحيح يتحول الى شر. على سبيل المثال ان الحديد بطبعيته خير, بل لو تحول الى سكين فيمكن استغلاله في الامور غير الصحيحة. "من شر ما خلق".شر ما خلق يعني الشر الذي يصدر من المخلوقات وليس من الخالق او الخلقة.ان الاستيعاذ بالله عند الخطر لم يتم بقول كلمة "اعوذ" بل ينبغي اقترانه بالعمل, كما كان اهل البيت يقولون: (انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا[6], وذلك عندما يطعمون مسكينا او يتيما او اسيرا. وجاء في التنزيل الحكيم: فوقاهم الله شر ذلك اليوم.[7] هذا يعني ان مجرد قول "انا نخاف" لايجدي شيئا بل لابد من اقترانه بالعمل.شكى شخص قبيح الوجه عند الرسول قباحة وجهه, فنزل جبرئيل وبلغ سلام الله الى ذلك الرجل وقال ان الله قال : اما ترضى ان احشرت على جمال جبرئيل.ففرح الرجل وقرر ان يقوم بكافة العبادات والمستحبات.[8]ليس هناك شر مطلق ولم يخلقه الله وقد تكون امور شر اذا نظرنا اليه من زاويه وتبدو لنا خير اذا غيرنا زاوية رؤيتنا. كما يقول الشاعر مولوي:ان سم الحية سبب في حياتها غير ان السم ذلك يقتل الانسانفليس هناك شر مطلق بل ان الشر يكون نسبيا فاعلم هذاهناك صعوبات وضغوطات نتعرض لها وانها ليست بالشر بل رمزا للرقي والتكامل, كما يقول الشاعر مولوي:زرعوا حبة قمح فحصدوا منها سنابل كثيرةثم قاموا بطحنها في الرحى فازدادت ثمنا واصبحت خبزا تغذى الجسم.ثم طحنت بواسطه الاسنان فصارت العقل والروح والفهم الصحيح.ثم تلك الروح التي تذوب في العشق فالزارع يعجب بعد زرعه وعمله ويفرح.ان القرآن يوصينا بالمعاملة الحسنة مع زوجاتنا (وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).[9] على سبيل المثال قد تكون امرأة قبيحة الوجه لكنها تصبح والدة لابناءا كبار وعظماء. هناك الكثير من الصعوبات تبرز مواهبنا وتنمو الصبر والمقاومة في وجودنا وتجعل الانسان خاضعا وخاشعا (لعلهم يتضرعون).[10]ان الليل هو وقت العبادة. (يتلون آيات الله آناء الليل).[11] لكن الرذلة يستغلون الليل لحياكة المؤامرات واطلاق التهديد وشن الهجوم. "ومن شر غاسق" ان النفاثات هي كلام او حركة تضعف العلاقات والصداقات الراسخة ولابد من الاستعاذة بالله منها.ان الاستعاذة بالله يفترض منح الله العياذ لنا, ففي غير هذه الحالة يكون العياذ في حكم الملغيات.هناك ثلاثة شرور تم ذكرها في هذه السورة:"من شر غاسق اذا وقب""من شر النفاثات في العقد""ومن شر حاسد اذا حسد".هناك نساء يضعفن عزيمة الرجال في اتخاذ القرارات بسبب جمالهن او الليونة في الكلام فبذلك يصبحن من مصاديق النفاثات.من المصاديق الاخرى لـ النفاثات هو السحر لهذا ان تعليمه والعمل به هو حرام.صحيح ان عبارة "شر ما خلق" يشتمل على كافة الشرور لكن تم ذكر ثلاثة من هذه الشرور بصورة منفردة وذلك للاهمية التي تكتسبها وهي : "غاسق اذا وقب – النفاثات في العقد- حاسد اذا حسد". فان الاستعاذة ضرورية في كافة الاحوال سواءا كان هناك خطر: "شر ما خلق" وسواءا كان الموضوع يتعلق بنوال الكمالات: (فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).[12]نحن نستعيذ في سورة الفلق الى "رب الفلق" في مواجهة ثلاثة شرور خارجية. لكن الامر يختلف في سورة الناس حيث نستعيذ في مواجهة الخطر الداخلي الى ثلاثة صفات الاهية (اي نحن نستعيذ في مواجهة وسوسة القلب الى رب الناس ملك الناس واله الناس).عن الحسدان بذل الجهود والمحاولة لنوال الصفات الكمالية التي يتملكها الاخرون تسمى غبطة وقيمة, اما ان تحاول ان تزول الكمالات عن الاخرين فهذا ما يسمى حسد. ان الحسد يدل على ضيق النظر. ان اول حادثة ادت الى اراقة الدماء والقتل على المعمورة كانت نتيجة الحسد الذي نشب نيرانه بين ابناء آدم كما كان اول ذنب ارتكب في السماء هو حسد الابليس النبي آدم. كما ورد في الحديث فان الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطب.[13] ما حدث لاهل البيت وادى الى عزلهم كان ناتجا عن الحسد. يقول الله في التنزيل الحكيم: (ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).ان الحسد هو الابرز بين كافة انواع الشرور لأن الحسود يخطط ويلجأ الى انواع الحيل ويرتكب انواع الشرور كي يبلغ مراميه.يقول الامام علي (ع): الحسد داء عياء لايزال الا بهلك الحاسد او بموت المحسود.[14]في واقع الامر الحسود يعارض الخالق فانه يتخذ موقف المعارض حيال ارادة الله وعلمه ولسان حال يقول لماذا وهب الاخرين ولم يهبني.ان الحسود لاينصح ولايريد الخير للاخرين فانه بسبب حسادته يمنع الخير عن الاخرين.ان القرآن يرى ان اساس اكثر الذنوب هو البغي, اي الحسد. يقول الامام الصادق (ع): ان الكفر اصله الحسد.[15] كما كان الكفار يقولون للانبياء (أبشر يهدوننا).[16]ان الحسود لم يكن من المتواضعين ولا من الذين يقدمون الشكر لمن يقدم لهم عملا, فانه لايعترف بكمال الاخرين ويرتكب بذلك وذنب كتمان الحق.ان الحسود قد يكون منافقا. يقول الامام علي (ع): الحاسد يظهر وده في اقواله ويخفي بغضه في افعاله.[17]ما هو اساس الحسد؟قد يكون التفرق الجائر بين الاشخاص يثير الحسد بينهم.قد يكون الناس لم يستوعبوا الظروف ويظنون ان الظروف متساوية فعندما يشاهدون افضلية لشخص ما يتحاسدون. في حين لو تبين الامر بالدليل والعلم فيرتفع الحسد.ان الحسد تسرب في اسرة الانبياء والشاهد اولاد النبي يعقوب الذين القوا باخيهم الى البئر لحسدهم.ان حدود الحسد لاتتوقف عند النعمات المادية بل تتجاوز بعض الاحيان لتشمل ايمان الاشخاص حيث الهدف تحويلهم عن الايمان الى الكفر(يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا).[18] انه من الواضح ان الحسود يتمنى زوال النعمة عند الاخرين لأن طلب النعمات من الله ليست بالحسد كما طلب النبي سليمان من الله (ملكا لاينبغي لاحد)[19] ويقول الامام علي (ع): واجعلني من احسن عبيدك نصيبا عندك واقربهم منزلة منك... .ينبغي القيام بمثل هذه الاعمال بغية علاج داء الحسد:ان الدنيا قصيرة وصغيرة الحجم, فان الهموم لاتنفع شيئا.نحن نمتلك نعمات لايمتلكها الاخرين.ان النعم قسمت على اساس الحكمة حتى ولو لم نعرف تلك الحكمة.من يمتلك الكثير من النعمات تزداد المسؤولية الملقاة على عاتقه.لنعرف ان الحسد لايجدي نفعا كما ان الله لا يزيل لطفه عن العباد بسبب ان هناك شخص لايرغب في رؤية النعم, بل ان عملنا هذا لايزيدنا الا متاعبا.الرسائل:1- لابد من التفوه بعبارة الاستيعاذ بالله(قل اعوذ)2- ينبغي على الانبياء الاستيعاذ بالله وذلك لكثرة المخاطر وهولها (قل اعوذ).3- لايمكن اصلاح النفس او المجتمع دون الاستعانة بالله والاستيعاذ به (قل اعوذ برب الفلق).4- بما ان الشرور تنطبع على قلب الانسان وفكره فعلينا اللجوء الى قدرة تحطم القيود وتزيل الحواجز(برب الفلق)5- لابد ان تكون لدينا نظرة واسعة معمقة في الدعاء (شر ما خلق) حيث يشمل كافة المخلوقات.6- ان شر الحسد وبث التفرقة ونكث العهود وحياكة المؤامرات تكتسب اهمية خاصة بين الشرور كافة. (من شر غاسق... شر النفاثات... شر حاسد...)7- ان العدو يقوم بالنفخ حتى تترك دعايته بصماتها الجلية (النفاثات هي جمع النفاثة وهي صيغة مبالغة).8- ان المعتقد يضعف بواسطة الوسوسة وتترك الكلمة اثرها (من شر النفاثات في العقد)9- ليس للحسد دواء سوى الاستعاذة بالله (قل اعوذ ... اذا حسد).10- ان الحسد يتحول الى عملية خطرة عندما يرى النور (حاسد اذا حسد).11- ان الحسد يوجد في الاشخاص قل حجمه ام زاد فان ممارسته يعد من الذنوب (اذا حسد).
--------------------------------------------------------------------------------[1] . الانعام، 96.[2] . الانعام، 95.[3] . الاسراء، 78.[4] . البقره، 102.[5] . السجده، 7.[6] . الانسان، 10.[7] . الانسان، 11.[8] . بحارالانوار، ج22، ص140.[9] . النساء، 19.[10] . الاعراف، 94.[11] . آل عمران، 113.[12] . النحل، 98.[13] . كافى، ج2، ص306.[14] . نهجالبلاغه، حكمت 493.[15] . كافى، ج 8، ص7.[16] . التغابن، 6.[17] . غررالحكم.[18] . البقره، 109.[19] . ص ، 35.