صدقوا ما عاهدوا الله عليه
((مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)) (الأحزاب: 23)
عندما تقلب أوراق التاريخ وخصوصاً تاريخ وسيرة أئمة أهل البيت(ع) وأصحابهم الأخيار.. تجد رجالاً عظماء وشخصيات بارزة وفريدة من نوعها.. ساندوا الحق وأهله ووقفوا إلى جانبه، ولم يتنازلوا عنه طرفة عين.. حملوا -وبكل إخلاص- راية الحق والدفاع عن الولاية ضد الطغاة الظالمين والمنحرفين.. وقد ضحوا بكل غالٍ ونفيس في سبيل إرساء قواعد الدين والمبدأ، وواجهوا ضغوطاً كثيرة ومضايقات من أجل البراءة من علي بن أبي طالب وولده(ع)، ولكنهم صمدوا وسطروا أحرفاً من نور في سجل المواقف الولائية الشامخة.. وروّوا بدمائهم الزاكية شجرة الولاية.. فنمت وترسخت عروقها أكثر في نفوس المؤمنين.. نماذجٌ أصبحت القدوة والمثل الأعلى في التولي لأولياء الله والتبري من أعدائه.. رموزٌ ظلت خالدة عبر العصور لتعطي درساً للأجيال في الدفاع عن ولاية علي والأئمة من ولده(ع) والثبات عليها بصدق وإخلاص مهما كلف الأمر..
ومن هؤلاء العظماء: مالك بن الأشتر النخعي، محمد بن أبي بكر، حجر بن عدي الكندي، عمرو بن الحمق الخزاعي، ميثم التمار، رشيد الهَجَري، كميل بن زياد النخعي، وغيرهم..
ونحن تقديراً لجزء يسير من جهادهم، وجهودهم، وتضحياتهم، وعرفاناً بفضلهم، ووفاءً لمعاناتهم.. نذكر باختصار نموذجاً من تلك النماذج الفذة، وهي قصة شهادة حجر بن عدي الكندي (رضوان الله تعالى عليه).. نقلاً عن كتاب الغدير للعلامة الأميني (ره)..
فبعد أن يأس المغيرة وبعده زياد بن أبيه على إجباره بالتبري من الإمام علي(ع)، لفقوا له شهادة مزورة بأن حجراً يحرض الناس على الخليفة لقلب نظام الحكم... ولم ينفع ذلك مع حجر وازداد تمسكه، فقرروا إرساله مع أصحابه المؤيدين له إلى معاوية بالشام، فساروا حتى انتهوا بهم إلى (مرج عذراء) قرب دمشق فحبسوا بها..
وجاء رسول معاوية إليهم فعرض عليهم أن: تبرؤوا من علي واللعن له، وإلا قتلناكم.. قالوا: لسنا فاعلين.. فأمروا بقيودهم فحُلّت، وبقبورهم فحُفرت، واُدنيت أكفانُهم، فقاموا الليلَ كلَّه يصلون، فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: تبرؤن من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه.. فأخذ كل رجل منهم رجلاً ليقتله.. فقال لهم حجر: دعوني أصلي ركعتين، فأيمُن الله، ما توضأتُ قط إلا صليتُ ركعتين.
فقالوا له: صل. فصلى ثم انصرف. فقُدّم فضُربت عنقه، وأقبلوا يقتّلونهم واحداً واحداً حتى قَتلوا ستة، وهم: شريك بن شداد الحضرمي، صيفي بن فسيل الشيباني، قبيصة بن ضبيعة العبسي، محرز بن شهاب المنقري، كدام بن حيان العنزي، عبد الرحمن بن حسان العنزي.
لقد بلغ الصحابي العظيم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء الأخيار حداً استساغوا القتل دون ما يرونه، وأبوا أن يتحولوا عن عقائدهم، وبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، فاستمرؤا جرع الموت في سبيلها زعافاً ممقراً.. فسلام الله عليهم يوم ولدوا، ويوم استشهدوا، ويوم يبعثون أحياءً..
وفي الختام ندعو الأخوة الكرام لمراجعة الكتب التي تناولت سيرة هؤلاء المخلصين، وهي كثيرة لا يسعنا ذكرها، منها:
1. الاختصاص، للشيخ المفيد (ره).
2. الاحتجاج، للشيخ الطبرسي (ره).
3. الغدير، للعلامة الأميني (ره).
4. شهداء الفضيلة، للعلامة الأميني (ره).
5. من مدرسة الإمام علي(ع)، للسيد محمد بحر العلوم.
6. ضحايا العقيدة، للسيد محمد بحر العلوم.
7. مواقف حاسمة، للسيد محمد بحر العلوم.
8. سلسلة الأركان الأربعة (أبو ذر، سلمان، المقداد، عمار)، للشيخ محمد جواد آل الفقيه.
9. مناظرات، في العقائد والأحكام والإمامة، للشيخ عبد الله الحسن.
10. أعلام النساء المؤمنات، للشيخ محمد الحسون وزوجته أم علي مشكور.
منير الحزامي (الخفاجي)
كربلاء المقدسة
جوار الكفيل (ع)
كربلاء المقدسة
جوار الكفيل (ع)
تعليق