زيارة القبور في سنة الرسول (ص)
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً)). [الأحزاب: 21]
روي أن النبي(ص) لما رجع من غزوة بني لحيان في اليوم الأخير من شهر ربيع الأول من عام 6 هـ زار قبر أمه آمنة بنت وهب(ع)، فتوضأ ثم بكى، وبكى الناس لبكائه ثم صلى ركعتين، ولم ير باكياً أكثر من يومئذ، ثم أصلح قبرها بعد ذلك.. وهذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها النبي(ص) قبر أمه(ع)؛ فقد زاره بعد رجوعه من عمرة الحديبية، وبعد فتح مكة، وبعد غزوة تبوك، وبعد حجة الوداع..
وإن دلَّ فعلُ النبي(ص) هذا على شيء، فإنما يدل على مشروعية زيارة القبور، والصلاة والبكاء عندها وقراءة القرآن والدعاء والسلام على الميت وغيرها.. فإن الموتى يعلمون بمن يزورهم ويفرحون؛ فقد روى إمام السنة أحمد بن حنبل في مسنده عن النبي(ص) أنه قال: (كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة). (مسند أحمد: ج5 ص355)، وفي رواية صححها شيخ الوهابية الألباني في مختصر إرواء الغليل: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّها تُذكّرَكم المَوتَ) (رواه مسلم). وغيرها الكثير من مصادر أهل السنة.
وجاءت روايات كثيرة عن طريق أئمة أهل البيت(ع) في فضل زيارة القبور وتعميرها وخصوصاً مراقد الأئمة المعصومين(ع).. فقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (زوروا موتاكم، فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدُكم حاجتَه عند قبر أبيه وعند قبر أمه بما يدعو لهما). (الكافي: 3/276)
وعن أمير المؤمنين(ع) عن رسول الله(ص) أنه قال له: (يا أبا الحسن! إنّ الله جعل قبرَك وقبرَ وُلْدِك بقاعاً من بقاع الجنّة... وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم وتحتمل المذلّة والأذى فيكم، فيعمرون قبوركم ويُكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله، مودّة منهم لرسوله، اُولئك يا عليّ المخصوصون بشفاعتي... فأبشِر وبشِّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عينٌ رأت ولا اُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تُعيّر الزانيةُ بزناها، اُولئك شرار اُمّتي، لا نالتهم شفاعتي، ولا يرِدون حوضي). (تهذيب الأحكام: ج6، ص21، ح49).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وكما هو معلوم لدى الجميع: أن قول النبي(ص) وفعله وتقريره حجة شرعية، يجب العمل بها، وتطبيقها في الحياة العملية، فلا يسوغ لأحد -بأي وجه- أن ينكر هذا الفعل إذا أتى به أحد من المسلمين، ويشنّع عليه ويرميه بالشرك بحجة أن هذا ميتٌ لا يسمع، وقبرٌ من حجر لا يضر ولا ينفع.. فضلاً عن اتهامهم لآباء النبي(ص) بالشرك، فكيف يجوز زيارة المشركين!!!
وفي الحقيقة هناك ردود كثيرة على تلك الشبهات الواهية لا يسعنا ذكرها هنا، وإنما نكتفي بذكر بعض أقوال علمائنا الأعلام في معرض ردهم على جانب من تلك الشبهة وهي أن جميع آباء النبي(ص) موحدين مسلمين..
فقد قال الشيخ الصدوق(ره) في كتابه (الاعتقادات): اعتقادنا في آباء النبي(ص) أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، وأن أبا طالب كان مسلماً، وآمنة بنت وهب بن عبد مناف أم رسول الله(ص) كانت مسلمة. وقال النبي(ص): (خرجتُ من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم). وقد روي أن عبد المطلب كان حجة، وأبا طالب كان وصيه. (الاعتقادات: 110).
وقال العلامة المجلسي(ره) في (بحار الأنوار): اتفقت الإمامية (رضوان الله عليهم) على أن والدي الرسول(ص) وكل أجداده إلى آدم(ع) كانوا مسلمين، بل كانوا من الصديقين: إما أنبياءً مرسلين، أو أوصياء معصومين، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية. (البحار: ج15، ص117).
أخوكم
منير الحزامي (الخفاجي)
كربلاء المقدسة
جوار الكفيل (ع)
تعليق