السلام عليكم
آراء وحوادث تكشف الخرافة وإحصائيات تظهر فشل هذا النوع من الزيجات
(الحب قبل الزواج) نظرة فابتسامة فموعد فلقاء.. فضياع!
إعداد: صلاح عباس ومحمد حميد
(الحب قبل الزواج، والزواج عن طريق الحب) كذبة يخدع بها الشباب أنفسهم، ويخدعون بها الآخرين. هذه هي النتيجة التي توصل إليها المجتمع الذي جرب أبناؤه ما جربوه، فلم تخلف التجربة إلا فسادا ودمارا أسريا وأخلاقيا.
تارة يتحدثون عن (الحب العذري) وأخرى عن (الحب الطاهر) وما إلى تلك من مسميات براقة اكتشف الجميع أنها ليست إلا ستارا لإشباع النزوات الجسدية واللذة الحرام. والشباب والشابة؛ اللذان يضحكان على أنفسهما بهذه العناوين والأفكار، ويترجمان هذا (الحب) إلى زواج فعلي، سرعان ما يكتشفان بعد ذلك أن ما وقعا فيه ليس سوى فخ صنعاه لنفسيهما، إذ تبدأ الشكوك تساورهما، وتبدأ حرارة الحب تنطفئ شيئا فشيئا، لشعورهما بالذنب حينا، ورؤيتهما للواقع حينا آخر، وهكذا تدب نار الخلافات بينهما إلى تنتهي إلى الطلاقّ! وهذا ما أثبتته الإحصائيات الأسرية التي انتهت إلى أن أكثر من 84% من المتزوجين عن طريق ما يسمى بـ (الحب) تنتهي حياتهم بالطلاق!
لماذا؟! لأن الشباب الذي يتزوج فتاة عرفها منذ مدة، وصادقها، وتحدث معها هاتفيا، وخرج معها، وربما عاشرها، تبدأ بعض الشكوك بالدوران في عقله بعد الزواج، ربما هو يتساءل في نفسه: إذا كانت زوجتي قد قبلت على نفسها أن تتعرف علي قبل الزواج بعيدا عن عيني أهلها، فما الذي يمنع أن تفعل الشيء ذاته الآن بعيدا عن عيني؟! ما الذي يؤكد أنها فتاة شريفة فعلا ولا تتجاوب مع الرجال؟! ماذا لو ملت مني ولم أعد بالذي يلبي رغباتها؟!
وكذلك تبدأ الزوجة بالتساؤل أيضا: إذا كان زوجي قد غازلني قبل الزواج واستمالني إليه، فما الذي يمنع من أن يفعل الشيء ذاته مع فتاة أخرى الآن؟! ما الذي يثبت أنه ليس شابا من الذين همهم اصطياد أكبر عدد ممكن من النساء؟! ماذا لو مل مني وأصبحت في نظره قبيحة؟!
هذه الأسئلة تدمر الطرفين، وربما يكون مما يزيد الدمار اصطدامهما بالأمر الواقع، فقبل الزواج كان غائبا عن عقليهما ما تتطلبه الحياة الزوجية من التزامات وواجبات، وما يجب أن تشتمل عليه من عناء وتعب، ولذا فإنهما كانا في حالة أشبه بالغيبوبة عن الواقع، حياة وردية يتخيلان فيها نفسيهما أسعد مخلوقين في العالم بعد الزواج، لكن ما إن يتم الاقتران حتى يتسلل البرود إليهما شيئا فشيئا، لأنهما ما كانا مدركين لطبيعة الحياة الزوجية، وما إن تقع أية مشكلة أو حتى خلاف بسيط، حتى تنفجر الأمور وتصل إلى حد الصدام العنيف، لأن كلام الطرفين لم يكن يتصور أن يعيش في وسط هذا البرود وهذه الشكوك وهذه الوجبات والمتطلبات الزوجية. ولذا يقطع الطلاق.
بينما الذين يتزوجون عن طريق ترشيحات الأهل، يكون قرارهم بالاقتران بالطرف الآخر أكثر حكمة وأكثر نضجا، يساعدهم في هذا ذوو رحمهم بما عندهم من تجارب وخبرة، وبذلك يكون كلا الطرفان عارفا بطبيعة الحياة الزوجية المستقبلية، وعند ما يحدث اللقاء بينهما في وسط الخطبة، ويقرران الزواج والقبول ببعضهما، فإنهما يكونان - عادة - قد اختارا قرارهما دون أية تأثيرات نفسية أو عاطفية. وهكذا فحينما ينتقلان إلى بيت الزوجية، يكونان أكثر انسجاما و تلائما ويبدأ الحب الحقيقي بالنمو شيئا فشيئا حتى يصبح أقوى رابطة تجمع بينهما.
هكذا جعل الله تعالى القوانين في الحياة. والذين يريدون كسر هذه القوانين و إتباع قوانين الغرب فإنهم يعمدون إلى تدمير أنفسهم بأنفسهم دون أن يشعرون. وإلا فلماذا تقع كل هذه المشاكل بين الأزواج الذين يتزوجون عن طريق ما يسمى بـ (الحب)؟! ولماذا هذه النسبة الخطيرة في الطلاق؟! ولماذا نجد أن الذين يتزوجون عن طريق ترشيحات الأهل يكون زواجهم أكثر ثباتا ومودة ورحمة؟!
هذا إذا أحسنا الظن بأولئك الذين يتعارفون على أنفسهم قبل الزواج، أما إذا أردنا أن نستجلب حوادث المجتمع وتجارب أبنائه، فسنرى واقعا كئيبا إلى درجة يصعب على المرء أن يتخيلها، فهنا فتاة خدعها شاب بالكلام المعسول وتعهدات الزواج بعد إتمام الدراسة أو بعد (ترتيب الأوضاع) ثم ما لبثت أن خسرت أعزما تملك في شقة في منطقة موبوءة! وهناك شاب جذبته فتاة بسحرها وجمالها الظاهري فانساق وراءها ثم اكتشف في ليلة الدخلة أنها غير عذراء وكان لها ماض مع أكثر من رجل ورجل!!
إن الشاب يعاني اليوم من هموم تفقده توازنه في الحياة، خاصة إذا لم يرى طريقا سليما متاحا له من دون عقبات تخل من توازنه الشخصي والفطري، لذا فإنه ينزلق في شبكة الفساد، باحثا عن إطفاء حرارة شهواته الجياشة وعواطفه العميقة التي تبدأ وتتفاعل معه في سن البلوغ. وهكذا فإنه يتنقل بين الفضائيات الفاسدة والمجلات الإباحية والإنترنت كمحاولة منه لإشباع النقص الذي يحس به، وعندما تتهيأ الظروف فإنه سيقتنص الفرصة للعب بعواطف الفتيات، والعكس بالعكس، حتى يقع ما لم يكن بالحسبان.
هذه المحاكم تحدثنا عن أطفال رضاع أبرياء وجدوا أحدهم في تلك المزبلة وآخر في تلك البالوعة بسبب القصص الغرامية اللعينة!! وهذه ملفات القضايا تحدثنا عن والد سجن نفسه عندما رأى ابنته في غرفتها مع صبي فقتلهما! أو أم اكتشفت أن ابنها زان منحط فأصابتها سكتة قلبية فارقت بها الحياة!!
ومع كل هذا فإن الوعي بين الشباب تجاه خرافة (الحب قبل الزواج) ليس كافيا، وهذا ما اكتشفناه في جولتنا الميدانية التي ذهبت بنا إلى شواطئ البحر والمطاعم والمقاهي لنجد شباب مازالوا يؤمنون بهذه الخرافة ولا يدركون عواقبه الوخيمة.
كانت الساعة العاشرة والنصف مساء عندما قابلناهم، شباب مجتمعون على طاولة في إحدى المقاهي وقد وضع كل واحد منهم إلى جانبه (أرجيلة) يشفط منها الدخان المسموم. سألناهم عن تجاربهم فكانت هذه هي حصيلتها:
* زياد قيس (21 سنة) قال: (أؤيد الحب قبل الزواج لأنني أعرف اتبعوا هذه الطريقة فتزوجا وعاشوا في سعادة ورفاه وبنين. وقد مارست هذا النوع من الحب أما الآن فقد توقفت عن ذلك، نني لا أحب أن أسير في طريق الغلط، علما بأنني لا أحب أن أسير في طريق الغلط، علما بأنني كنت (أحب) فقط عن طريق المكالمات الهاتفية، ولم يتعدَّ الأمر أكثر من ذلك).
- هذا الكلام يشتمل على تناقض، ففي الحين الذي يؤيد فيه زياد ما يسمى بـ (الحب قبل الزواج) نراه يعتبره من جانب أخر (طريق غلط) باعترافه، رغم أنه - حسب قوله - لم يتعد في علاقاته بالفتيات حد المكالمات الهاتفية.
* محمد تيسير (21 سنة) يقول عن نفيسه: (أنا أيضا جربت الحب بهدف الزواج لكنني قطعت كل علاقاتي الآن، لأنني اكتشفت أنكل هذه العلاقات علاقات خادعة وكاذبة، ولأن أخلاق كل الآتي ارتبطت بهن كانت سيئة للغاية ولا يمكن أن تكون إحداهن صالحة لي. وأنا أعرف كثيرا من الذين لجئوا إلى الحب قبل الزواج وقد انفصلوا بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات على الأكثر، أما الذين آثروا الزواج التقليدي ونشأ بينهم الحب بعد الزواج فإنهم استمروا في حياتهم الزوجية السعيدة).
- هذه تجربة واقعية لمحمد الذي اكتشف حقيقة هذه العلاقات الشائنة.
* رضا ذيب (17 سنة) يخالفه ويقول: (أؤيد الحب قبل الزواج لكنني لا أدري مدى مصداقيته! أنا الآن في هذه المرحلة، أحب فتاة وأنوي الزواج منها، لكنني متردد ولا أظن نفسي قادرا على اتخاذ القرار لأنني لا أثق بالبنت التي أصاحبها لأنها بالتأكيد قد صاحبت غيري).
- هذا دليل يقدمه رضا على أن هذه العلاقات وإن آمن بها الشخص، إلا أنه يشعر بشئ ما في داخل نفسه يحذره منها، وينذره بعاقبة سيئة إذا ما تم الزواج على هذا الأساس.
* أحمد الحداد (20 سنة) يتكلم عن الموضوع قائلا: (الصداقة قبل الزواج أو الحب قبل الزواج ليس سوى (لعب شباب)! أما أنا فأؤيد الحب بين الخطيبين فقط وسط معرفة الأهل، فهذه المرحلة تمنح الفرصة الكافية لكليهما للتعرف على بعضهما بعضا، فإذا لم يكن هناك نصيب فيذهب كل إلى حال سبيله بلا مشاكل أو آثار سلبية نفسية أو أحيانا جسدية. إنني لم أحب ولن أحب قبل الزواج، لأنني أنتظر فترة الخطوبة).
- رأي أحمد الحداد ناضج بعض الشيء، لكن قد ينشأ الخلاف في معنى الخطوبة، هل معناها أن يخرج الفتاة والشاب المخطوبان لبعضهما بمفردهما دونما عقد؟ أم معناه إجراء جلسات مشتركة بينهما وسط الأهل والمعارف كما يحدث في كل الزيجات قبل إتمامها؟ إذا كان المعنى هو الأول فهذا مرفوض، لأنه يفتح الباب ثانية لوقوع المآسي والمشاكل والويلات، فكم من فتاة سلم أهلها زمامها لشاب ولم يكن بينهما رابط سوى خاتم صغير (دبلة) ثم اقتادها عنوة إلى إحدى الأوكار وانقض عليها منتزعا عذريتها ثم أرجعها إلى بيت أهلها! هذه المحاكم تشهد. ولذا فإذا كان معنى الخطوبة هو الثاني فهو مما يمكن التسالم عليه والقبول به.
* أحمد غازي (23 سنة) يتحدث بكل جرأة وصراحة قائلا: (أنا مؤيد للحب قبل الزواج حتى يكون عندي خلفية عن التي أريد الزواج منها. البنات عندي تجارب، أجرب الفتاة كما يجرب الميكانيكي محرك السيارة! هناك فتاة لا تريد إلا المكالمات الهاتفية، فأستجيب لها. وهناك فتاة تقبل حتى بممارسة (...) فأتي بها إلى الشاليه! وصدقوني لست أنا من يتعرف على البنات دائما ويحاول استمالتهن، بل بعضهن وربما أكثرهن يفعلن ذلك إذا وجدوا الشاب وسيما أو خفيف الظل، فذات مرة كنت أوصل أختي إلى المدرسة فرأتني إحدى صديقاتها، فقالت لها: (ياي.. أخوك يجنن)! فأسرعت أختي إلى إعطائها رقم هاتفي النقال، واتصلت بي، ثم جرى التعارف بيننا وتوثقت علاقتنا)!
- هكذا سقطت كل القيم والأخلاق! وهكذا حلت كل هذه المصائب الاجتماعية! ترى هل يقبل أحمد أن يقوم أحد بابتزاز أخته كما يفعل هو مع بنات الناس؟! وطبعا لا يطلب أحد من أحمد أن يتزوج فعلا إحدى تلك الفتيات اللاتي تعرّف عليهن! لكن المسؤولية لا تقع على أحمد وحده، بل على أسرته وعلى مجتمعه الذي خرج بوسائل إعلامه الفاسدة، وبنسائه المتبرجات الساقطات شخصا يفكر مثله! أما الطامة الكبرى فهي أن تقوم أخته بإعطاء رقم هاتفه إلى صديقتها التي قالت ما قالته عنه بلا حياء!
* مشعل جاسم (19 سنة) يقول: (معظم البنات اللاتي يقبلن بالتعارف قبل الزواج هن بنات يطلبن مصلحة ما، إما الإثارة أو تضييع الوقت أو اللعب، وأحيانا كثيرة المال والهدايا من المعجبين، ولذلك فإنك تلاحظ أن الفتاة الواحدة لها أكثر من صاحب، وكلهم يغدقون عليها بالأموال والهدايا، ولا يمكن الوثوق بهؤلاء، فالزواج عن طريق الأهل أضمن وأحسن).
- وهذا اعتراف آخر من مشعل بأن الفتيات اللائي يعرضن سمعتهن للخطر لا يلهثن إلا وراء مصالحهن في المتعة والمال. وأن الزواج الشرعي عن طريق ترشيحات الأهل أو الأصدقاء هو أكثر ضمانا وأفضل.
فهذه هي حصيلة آراء الشباب في جولتنا الميدانية، ولننتقل الآن إلى الفتيات، وسنذكر هنا على لسان اثنتين منهن تجربتيهما القاسيتين في شأن ما يسمى بـ (الحب قبل الزواج) وما آلت إليه الأمور في نهاية الطريق.
* تقول (س.ك) شارحة قصتها: (أنا فتاة مسيحية من بلد عربي، ذات مرة رأيت شابا وسيما بشكل يفوق الخيال يعمل على غسل السيارات الواقفة مقابل المستوصف الذي أعمل فيه بمهنة كاتبة. أعجبني الشاب وانجذبت إليه، فحاولت أن ألفت نظره أكثر من مرة، لكنه لم يكن يعبا بي ولم أكن أعرف الأسباب. وفي إحدى المرات سلمت عليه مباشرة، فرد عليّ السلام، فسألته عن اسمه وعن جنسيته وديانته، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث إلى أن أحس بأنني أريده. فقال لي: يجب أن نلتقي ببعضنا في مكان خاص حتى نتعرف على بعضنا أكثر. ومن حسن الحظ أنه كان مجازا في قيادة السيارة ولديه رخصة قيادة، فاستعار سيارة من مديرية المستوصف وأقلّني بها، وذهبنا إلى أحدى الأماكن العامة فقال لي: أنا لا أصلح لك، لأنني مسلم شيعي وأنت مسيحية، كما أنني من بلد غير بلدك، وأنا غريب في هذا البلد وفقير حيث أعمل كما ترين في تغسيل السيارات. وهذا لا يناسبك. لم أتمالك نفسي وقلت له بكل جرأة: فقرك ليس عيبا وأنا أريدك وأحبك، ومستعدة لما تطلب.
وبعد أيام نشأت بيننا علاقة قوية، فأخبرني بأنه مستعد للزواج مني، وأنه سيذهب معي إلى المحكمة الجعفرية لعقد القران. طرت من الفرحة، أما والدي فكانا غير عالمين بما سأقدم عليه لأنني أخفيت الأمر عنهما، لإدراكي بأنهما سيعارضان، فهو لا يدين بديننا، وليس من بلدنا، وليس من مستوانا الاجتماعي.
ذهبت معه إلى المحكمة، لكن القاضي رفض عقد قراننا إلا إذا أتيت بولي أمري، رغم أن عمري كان يتجاوز الحادية والعشرين وهو ما يسمح لي حسب القانون بالزواج ممن أشاء، وعندما ألححت على القاضي وأخبرته بأنني لا أستطيع العيش من دون هذا الشاب، وأنني أهيم به حبا، وافق على مضض على أن يزوجنا وتم عقد القران. علم والداي بالأمر الواقع، ودبت المشاكل والخلافات، والصراخ في أكثر من مرة، لكنهما بنتيجة الحال رضخا للتحصيل الحاصل. وسافرت مع زوجي لبلده، وهو ريف من الأرياف الإيرانية ذا الطبيعة القاسية والمعيشة الشاقة. وبعد كل هذا الحب والعشق، وبعد كل هذه التضحيات، بدأت المشاكل تدب بيننا، خاصة بعد إدراكنا صعوبة الحياة نظرا للفارق بيني وبينه، وبعد إنجابي منه أربعة أطفال أهلكوني في تربيتهم وتلبية حاجاتهم، تركني زوجي وذهب إلى بلدة أخرى ليتزوج بأخرى من بلده!!
نعم.. هكذا تخلى عني بكل بساطة! وتركني وحدي مع أولادي بلا معيل ولا أنيس! لقد أيقنت الآن أن ما حدث لي كان عقابا لي للهثي وراء وسامة زوجي، دون أن أنظر إلى حقائق الأمور، واليوم أنا نادمة جدا، لأنني جربت الحب قبل الزواج، وكم تمنيت لو كنت لم أفعل ما فعلته، وتزوجت عن طريق آخر.
لكنني رضيت بالأمر الواقع وسلمت أمري إلى الله، خاصة بعدما أنعم الله علي بنعمة الإسلام والإيمان، فأسلمت وارتديت الحجاب الشرعي الكامل، وبدأت أتردد على المجالس الحسينية. وهذا هو ما هون علي من مصيبتي).
- قصة تلك الفتاة قصة تحمل تأكيدا على فشل الزواج الذي ينظر طرفاه إلى وسامة أو جمال بعضهما فقط. وفشل أي زواج عن طريق ما يسمى بـ (الحب قبل الزواج) ما دام هو زواج بني على علاقة محرمة، مهما كان نوعها وحدودها. وإذا كانت تلك الفتا قد تعرّضت لهذه المشكلة، وأنعم الله عليها بالإيمان فهوّن ذلك عليها مصيبتها، إلا أن مصيبة هذه الفتاة التي سننقل قصتها هي أكبر وأسوأ عاقبة. إنها قصة مؤلمة حقا، فقد تدمرت حياة أسرة بأكملها نتيجة التصرفات اللا مسؤولة من الطرفين، عندما نشأت بينهما تلك العلاقة المغلفة بقناع (الحب الطاهر)!
- هذه تجارب واقعية للذين يلهثون وراء الحب الكاذب، الحب قبل الزواج، تلك العلاقة الآثمة مهما كان نوعها، سواء اقتصرت على المكالمات الهاتفية أو الخروج أو تطورت إلى ما هو أكثر رزءا من ذلك.
إن الإسلام، وشريعة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، لا تقبل بهذه الأفعال، ولا تسمح بانفلات العلاقة بين الرجل والمرأة.
والطريق الذي رسمته الشريعة الغراء للزواج الناجح، المبني على المودة والرحمة، هو ذلك الذي يجري فيه التعارف عن طريق وسيط، مثل الأقارب أو الأصدقاء أو الوحدات الاجتماعية الفاعلية، وعندما يقررر الشاب المضي قدما في مشروع زواجه، يمكنه أن يعقد جلسة مع من يطلب الزواج منها، على أن لا تكون خلوة، بل في محيط الأهل والأقارب، ويمكنه أن يحادثها ويحاورها، وإن شاء فيمكنه أيضا النظر إليها من دون حجاب بشرط عدم الالتذاذ أو الشهوة ومادامت عنده إرادة جادة في الزواج. وهذه فرصة كافية لتعرف كلا الطرفين على بعضهما بعضا، ولتفهم مدى قابلية بعضهما للاقتران بالآخر.
وما نسبة الطلاق المرتفعة في بلداننا الإسلامية، غلا نتيجة لعدم تطبيق هذا القانون الإلهي، على جانب القوانين الكثيرة الداخلة ضمن هذا الإطار، كالزواج المبكر، والبعد عن التكلف في المهور، والبحث عن المتدين والمتدينة وليس المظهر الخارجي الزائف، والمحافظة على العفة والطهارة والحجاب. تلك القوانين التي ألغتها مجتمعاتنا فعانت مما تعاني الآن من مشاكل وأزمات اجتماعية خطيرة، أضاعت مستقبل شبابنا وشاباتنا.
ويمكننا أن نختصر خرافة (الحب قبل الزواج) بقولنا:
نظرة.. فابتسامة.. فموعد.. فلقاء.. فضياع أو طفل من الحرام!!
آراء وحوادث تكشف الخرافة وإحصائيات تظهر فشل هذا النوع من الزيجات
(الحب قبل الزواج) نظرة فابتسامة فموعد فلقاء.. فضياع!
إعداد: صلاح عباس ومحمد حميد
(الحب قبل الزواج، والزواج عن طريق الحب) كذبة يخدع بها الشباب أنفسهم، ويخدعون بها الآخرين. هذه هي النتيجة التي توصل إليها المجتمع الذي جرب أبناؤه ما جربوه، فلم تخلف التجربة إلا فسادا ودمارا أسريا وأخلاقيا.
تارة يتحدثون عن (الحب العذري) وأخرى عن (الحب الطاهر) وما إلى تلك من مسميات براقة اكتشف الجميع أنها ليست إلا ستارا لإشباع النزوات الجسدية واللذة الحرام. والشباب والشابة؛ اللذان يضحكان على أنفسهما بهذه العناوين والأفكار، ويترجمان هذا (الحب) إلى زواج فعلي، سرعان ما يكتشفان بعد ذلك أن ما وقعا فيه ليس سوى فخ صنعاه لنفسيهما، إذ تبدأ الشكوك تساورهما، وتبدأ حرارة الحب تنطفئ شيئا فشيئا، لشعورهما بالذنب حينا، ورؤيتهما للواقع حينا آخر، وهكذا تدب نار الخلافات بينهما إلى تنتهي إلى الطلاقّ! وهذا ما أثبتته الإحصائيات الأسرية التي انتهت إلى أن أكثر من 84% من المتزوجين عن طريق ما يسمى بـ (الحب) تنتهي حياتهم بالطلاق!
لماذا؟! لأن الشباب الذي يتزوج فتاة عرفها منذ مدة، وصادقها، وتحدث معها هاتفيا، وخرج معها، وربما عاشرها، تبدأ بعض الشكوك بالدوران في عقله بعد الزواج، ربما هو يتساءل في نفسه: إذا كانت زوجتي قد قبلت على نفسها أن تتعرف علي قبل الزواج بعيدا عن عيني أهلها، فما الذي يمنع أن تفعل الشيء ذاته الآن بعيدا عن عيني؟! ما الذي يؤكد أنها فتاة شريفة فعلا ولا تتجاوب مع الرجال؟! ماذا لو ملت مني ولم أعد بالذي يلبي رغباتها؟!
وكذلك تبدأ الزوجة بالتساؤل أيضا: إذا كان زوجي قد غازلني قبل الزواج واستمالني إليه، فما الذي يمنع من أن يفعل الشيء ذاته مع فتاة أخرى الآن؟! ما الذي يثبت أنه ليس شابا من الذين همهم اصطياد أكبر عدد ممكن من النساء؟! ماذا لو مل مني وأصبحت في نظره قبيحة؟!
هذه الأسئلة تدمر الطرفين، وربما يكون مما يزيد الدمار اصطدامهما بالأمر الواقع، فقبل الزواج كان غائبا عن عقليهما ما تتطلبه الحياة الزوجية من التزامات وواجبات، وما يجب أن تشتمل عليه من عناء وتعب، ولذا فإنهما كانا في حالة أشبه بالغيبوبة عن الواقع، حياة وردية يتخيلان فيها نفسيهما أسعد مخلوقين في العالم بعد الزواج، لكن ما إن يتم الاقتران حتى يتسلل البرود إليهما شيئا فشيئا، لأنهما ما كانا مدركين لطبيعة الحياة الزوجية، وما إن تقع أية مشكلة أو حتى خلاف بسيط، حتى تنفجر الأمور وتصل إلى حد الصدام العنيف، لأن كلام الطرفين لم يكن يتصور أن يعيش في وسط هذا البرود وهذه الشكوك وهذه الوجبات والمتطلبات الزوجية. ولذا يقطع الطلاق.
بينما الذين يتزوجون عن طريق ترشيحات الأهل، يكون قرارهم بالاقتران بالطرف الآخر أكثر حكمة وأكثر نضجا، يساعدهم في هذا ذوو رحمهم بما عندهم من تجارب وخبرة، وبذلك يكون كلا الطرفان عارفا بطبيعة الحياة الزوجية المستقبلية، وعند ما يحدث اللقاء بينهما في وسط الخطبة، ويقرران الزواج والقبول ببعضهما، فإنهما يكونان - عادة - قد اختارا قرارهما دون أية تأثيرات نفسية أو عاطفية. وهكذا فحينما ينتقلان إلى بيت الزوجية، يكونان أكثر انسجاما و تلائما ويبدأ الحب الحقيقي بالنمو شيئا فشيئا حتى يصبح أقوى رابطة تجمع بينهما.
هكذا جعل الله تعالى القوانين في الحياة. والذين يريدون كسر هذه القوانين و إتباع قوانين الغرب فإنهم يعمدون إلى تدمير أنفسهم بأنفسهم دون أن يشعرون. وإلا فلماذا تقع كل هذه المشاكل بين الأزواج الذين يتزوجون عن طريق ما يسمى بـ (الحب)؟! ولماذا هذه النسبة الخطيرة في الطلاق؟! ولماذا نجد أن الذين يتزوجون عن طريق ترشيحات الأهل يكون زواجهم أكثر ثباتا ومودة ورحمة؟!
هذا إذا أحسنا الظن بأولئك الذين يتعارفون على أنفسهم قبل الزواج، أما إذا أردنا أن نستجلب حوادث المجتمع وتجارب أبنائه، فسنرى واقعا كئيبا إلى درجة يصعب على المرء أن يتخيلها، فهنا فتاة خدعها شاب بالكلام المعسول وتعهدات الزواج بعد إتمام الدراسة أو بعد (ترتيب الأوضاع) ثم ما لبثت أن خسرت أعزما تملك في شقة في منطقة موبوءة! وهناك شاب جذبته فتاة بسحرها وجمالها الظاهري فانساق وراءها ثم اكتشف في ليلة الدخلة أنها غير عذراء وكان لها ماض مع أكثر من رجل ورجل!!
إن الشاب يعاني اليوم من هموم تفقده توازنه في الحياة، خاصة إذا لم يرى طريقا سليما متاحا له من دون عقبات تخل من توازنه الشخصي والفطري، لذا فإنه ينزلق في شبكة الفساد، باحثا عن إطفاء حرارة شهواته الجياشة وعواطفه العميقة التي تبدأ وتتفاعل معه في سن البلوغ. وهكذا فإنه يتنقل بين الفضائيات الفاسدة والمجلات الإباحية والإنترنت كمحاولة منه لإشباع النقص الذي يحس به، وعندما تتهيأ الظروف فإنه سيقتنص الفرصة للعب بعواطف الفتيات، والعكس بالعكس، حتى يقع ما لم يكن بالحسبان.
هذه المحاكم تحدثنا عن أطفال رضاع أبرياء وجدوا أحدهم في تلك المزبلة وآخر في تلك البالوعة بسبب القصص الغرامية اللعينة!! وهذه ملفات القضايا تحدثنا عن والد سجن نفسه عندما رأى ابنته في غرفتها مع صبي فقتلهما! أو أم اكتشفت أن ابنها زان منحط فأصابتها سكتة قلبية فارقت بها الحياة!!
ومع كل هذا فإن الوعي بين الشباب تجاه خرافة (الحب قبل الزواج) ليس كافيا، وهذا ما اكتشفناه في جولتنا الميدانية التي ذهبت بنا إلى شواطئ البحر والمطاعم والمقاهي لنجد شباب مازالوا يؤمنون بهذه الخرافة ولا يدركون عواقبه الوخيمة.
كانت الساعة العاشرة والنصف مساء عندما قابلناهم، شباب مجتمعون على طاولة في إحدى المقاهي وقد وضع كل واحد منهم إلى جانبه (أرجيلة) يشفط منها الدخان المسموم. سألناهم عن تجاربهم فكانت هذه هي حصيلتها:
* زياد قيس (21 سنة) قال: (أؤيد الحب قبل الزواج لأنني أعرف اتبعوا هذه الطريقة فتزوجا وعاشوا في سعادة ورفاه وبنين. وقد مارست هذا النوع من الحب أما الآن فقد توقفت عن ذلك، نني لا أحب أن أسير في طريق الغلط، علما بأنني لا أحب أن أسير في طريق الغلط، علما بأنني كنت (أحب) فقط عن طريق المكالمات الهاتفية، ولم يتعدَّ الأمر أكثر من ذلك).
- هذا الكلام يشتمل على تناقض، ففي الحين الذي يؤيد فيه زياد ما يسمى بـ (الحب قبل الزواج) نراه يعتبره من جانب أخر (طريق غلط) باعترافه، رغم أنه - حسب قوله - لم يتعد في علاقاته بالفتيات حد المكالمات الهاتفية.
* محمد تيسير (21 سنة) يقول عن نفيسه: (أنا أيضا جربت الحب بهدف الزواج لكنني قطعت كل علاقاتي الآن، لأنني اكتشفت أنكل هذه العلاقات علاقات خادعة وكاذبة، ولأن أخلاق كل الآتي ارتبطت بهن كانت سيئة للغاية ولا يمكن أن تكون إحداهن صالحة لي. وأنا أعرف كثيرا من الذين لجئوا إلى الحب قبل الزواج وقد انفصلوا بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات على الأكثر، أما الذين آثروا الزواج التقليدي ونشأ بينهم الحب بعد الزواج فإنهم استمروا في حياتهم الزوجية السعيدة).
- هذه تجربة واقعية لمحمد الذي اكتشف حقيقة هذه العلاقات الشائنة.
* رضا ذيب (17 سنة) يخالفه ويقول: (أؤيد الحب قبل الزواج لكنني لا أدري مدى مصداقيته! أنا الآن في هذه المرحلة، أحب فتاة وأنوي الزواج منها، لكنني متردد ولا أظن نفسي قادرا على اتخاذ القرار لأنني لا أثق بالبنت التي أصاحبها لأنها بالتأكيد قد صاحبت غيري).
- هذا دليل يقدمه رضا على أن هذه العلاقات وإن آمن بها الشخص، إلا أنه يشعر بشئ ما في داخل نفسه يحذره منها، وينذره بعاقبة سيئة إذا ما تم الزواج على هذا الأساس.
* أحمد الحداد (20 سنة) يتكلم عن الموضوع قائلا: (الصداقة قبل الزواج أو الحب قبل الزواج ليس سوى (لعب شباب)! أما أنا فأؤيد الحب بين الخطيبين فقط وسط معرفة الأهل، فهذه المرحلة تمنح الفرصة الكافية لكليهما للتعرف على بعضهما بعضا، فإذا لم يكن هناك نصيب فيذهب كل إلى حال سبيله بلا مشاكل أو آثار سلبية نفسية أو أحيانا جسدية. إنني لم أحب ولن أحب قبل الزواج، لأنني أنتظر فترة الخطوبة).
- رأي أحمد الحداد ناضج بعض الشيء، لكن قد ينشأ الخلاف في معنى الخطوبة، هل معناها أن يخرج الفتاة والشاب المخطوبان لبعضهما بمفردهما دونما عقد؟ أم معناه إجراء جلسات مشتركة بينهما وسط الأهل والمعارف كما يحدث في كل الزيجات قبل إتمامها؟ إذا كان المعنى هو الأول فهذا مرفوض، لأنه يفتح الباب ثانية لوقوع المآسي والمشاكل والويلات، فكم من فتاة سلم أهلها زمامها لشاب ولم يكن بينهما رابط سوى خاتم صغير (دبلة) ثم اقتادها عنوة إلى إحدى الأوكار وانقض عليها منتزعا عذريتها ثم أرجعها إلى بيت أهلها! هذه المحاكم تشهد. ولذا فإذا كان معنى الخطوبة هو الثاني فهو مما يمكن التسالم عليه والقبول به.
* أحمد غازي (23 سنة) يتحدث بكل جرأة وصراحة قائلا: (أنا مؤيد للحب قبل الزواج حتى يكون عندي خلفية عن التي أريد الزواج منها. البنات عندي تجارب، أجرب الفتاة كما يجرب الميكانيكي محرك السيارة! هناك فتاة لا تريد إلا المكالمات الهاتفية، فأستجيب لها. وهناك فتاة تقبل حتى بممارسة (...) فأتي بها إلى الشاليه! وصدقوني لست أنا من يتعرف على البنات دائما ويحاول استمالتهن، بل بعضهن وربما أكثرهن يفعلن ذلك إذا وجدوا الشاب وسيما أو خفيف الظل، فذات مرة كنت أوصل أختي إلى المدرسة فرأتني إحدى صديقاتها، فقالت لها: (ياي.. أخوك يجنن)! فأسرعت أختي إلى إعطائها رقم هاتفي النقال، واتصلت بي، ثم جرى التعارف بيننا وتوثقت علاقتنا)!
- هكذا سقطت كل القيم والأخلاق! وهكذا حلت كل هذه المصائب الاجتماعية! ترى هل يقبل أحمد أن يقوم أحد بابتزاز أخته كما يفعل هو مع بنات الناس؟! وطبعا لا يطلب أحد من أحمد أن يتزوج فعلا إحدى تلك الفتيات اللاتي تعرّف عليهن! لكن المسؤولية لا تقع على أحمد وحده، بل على أسرته وعلى مجتمعه الذي خرج بوسائل إعلامه الفاسدة، وبنسائه المتبرجات الساقطات شخصا يفكر مثله! أما الطامة الكبرى فهي أن تقوم أخته بإعطاء رقم هاتفه إلى صديقتها التي قالت ما قالته عنه بلا حياء!
* مشعل جاسم (19 سنة) يقول: (معظم البنات اللاتي يقبلن بالتعارف قبل الزواج هن بنات يطلبن مصلحة ما، إما الإثارة أو تضييع الوقت أو اللعب، وأحيانا كثيرة المال والهدايا من المعجبين، ولذلك فإنك تلاحظ أن الفتاة الواحدة لها أكثر من صاحب، وكلهم يغدقون عليها بالأموال والهدايا، ولا يمكن الوثوق بهؤلاء، فالزواج عن طريق الأهل أضمن وأحسن).
- وهذا اعتراف آخر من مشعل بأن الفتيات اللائي يعرضن سمعتهن للخطر لا يلهثن إلا وراء مصالحهن في المتعة والمال. وأن الزواج الشرعي عن طريق ترشيحات الأهل أو الأصدقاء هو أكثر ضمانا وأفضل.
فهذه هي حصيلة آراء الشباب في جولتنا الميدانية، ولننتقل الآن إلى الفتيات، وسنذكر هنا على لسان اثنتين منهن تجربتيهما القاسيتين في شأن ما يسمى بـ (الحب قبل الزواج) وما آلت إليه الأمور في نهاية الطريق.
* تقول (س.ك) شارحة قصتها: (أنا فتاة مسيحية من بلد عربي، ذات مرة رأيت شابا وسيما بشكل يفوق الخيال يعمل على غسل السيارات الواقفة مقابل المستوصف الذي أعمل فيه بمهنة كاتبة. أعجبني الشاب وانجذبت إليه، فحاولت أن ألفت نظره أكثر من مرة، لكنه لم يكن يعبا بي ولم أكن أعرف الأسباب. وفي إحدى المرات سلمت عليه مباشرة، فرد عليّ السلام، فسألته عن اسمه وعن جنسيته وديانته، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث إلى أن أحس بأنني أريده. فقال لي: يجب أن نلتقي ببعضنا في مكان خاص حتى نتعرف على بعضنا أكثر. ومن حسن الحظ أنه كان مجازا في قيادة السيارة ولديه رخصة قيادة، فاستعار سيارة من مديرية المستوصف وأقلّني بها، وذهبنا إلى أحدى الأماكن العامة فقال لي: أنا لا أصلح لك، لأنني مسلم شيعي وأنت مسيحية، كما أنني من بلد غير بلدك، وأنا غريب في هذا البلد وفقير حيث أعمل كما ترين في تغسيل السيارات. وهذا لا يناسبك. لم أتمالك نفسي وقلت له بكل جرأة: فقرك ليس عيبا وأنا أريدك وأحبك، ومستعدة لما تطلب.
وبعد أيام نشأت بيننا علاقة قوية، فأخبرني بأنه مستعد للزواج مني، وأنه سيذهب معي إلى المحكمة الجعفرية لعقد القران. طرت من الفرحة، أما والدي فكانا غير عالمين بما سأقدم عليه لأنني أخفيت الأمر عنهما، لإدراكي بأنهما سيعارضان، فهو لا يدين بديننا، وليس من بلدنا، وليس من مستوانا الاجتماعي.
ذهبت معه إلى المحكمة، لكن القاضي رفض عقد قراننا إلا إذا أتيت بولي أمري، رغم أن عمري كان يتجاوز الحادية والعشرين وهو ما يسمح لي حسب القانون بالزواج ممن أشاء، وعندما ألححت على القاضي وأخبرته بأنني لا أستطيع العيش من دون هذا الشاب، وأنني أهيم به حبا، وافق على مضض على أن يزوجنا وتم عقد القران. علم والداي بالأمر الواقع، ودبت المشاكل والخلافات، والصراخ في أكثر من مرة، لكنهما بنتيجة الحال رضخا للتحصيل الحاصل. وسافرت مع زوجي لبلده، وهو ريف من الأرياف الإيرانية ذا الطبيعة القاسية والمعيشة الشاقة. وبعد كل هذا الحب والعشق، وبعد كل هذه التضحيات، بدأت المشاكل تدب بيننا، خاصة بعد إدراكنا صعوبة الحياة نظرا للفارق بيني وبينه، وبعد إنجابي منه أربعة أطفال أهلكوني في تربيتهم وتلبية حاجاتهم، تركني زوجي وذهب إلى بلدة أخرى ليتزوج بأخرى من بلده!!
نعم.. هكذا تخلى عني بكل بساطة! وتركني وحدي مع أولادي بلا معيل ولا أنيس! لقد أيقنت الآن أن ما حدث لي كان عقابا لي للهثي وراء وسامة زوجي، دون أن أنظر إلى حقائق الأمور، واليوم أنا نادمة جدا، لأنني جربت الحب قبل الزواج، وكم تمنيت لو كنت لم أفعل ما فعلته، وتزوجت عن طريق آخر.
لكنني رضيت بالأمر الواقع وسلمت أمري إلى الله، خاصة بعدما أنعم الله علي بنعمة الإسلام والإيمان، فأسلمت وارتديت الحجاب الشرعي الكامل، وبدأت أتردد على المجالس الحسينية. وهذا هو ما هون علي من مصيبتي).
- قصة تلك الفتاة قصة تحمل تأكيدا على فشل الزواج الذي ينظر طرفاه إلى وسامة أو جمال بعضهما فقط. وفشل أي زواج عن طريق ما يسمى بـ (الحب قبل الزواج) ما دام هو زواج بني على علاقة محرمة، مهما كان نوعها وحدودها. وإذا كانت تلك الفتا قد تعرّضت لهذه المشكلة، وأنعم الله عليها بالإيمان فهوّن ذلك عليها مصيبتها، إلا أن مصيبة هذه الفتاة التي سننقل قصتها هي أكبر وأسوأ عاقبة. إنها قصة مؤلمة حقا، فقد تدمرت حياة أسرة بأكملها نتيجة التصرفات اللا مسؤولة من الطرفين، عندما نشأت بينهما تلك العلاقة المغلفة بقناع (الحب الطاهر)!
- هذه تجارب واقعية للذين يلهثون وراء الحب الكاذب، الحب قبل الزواج، تلك العلاقة الآثمة مهما كان نوعها، سواء اقتصرت على المكالمات الهاتفية أو الخروج أو تطورت إلى ما هو أكثر رزءا من ذلك.
إن الإسلام، وشريعة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، لا تقبل بهذه الأفعال، ولا تسمح بانفلات العلاقة بين الرجل والمرأة.
والطريق الذي رسمته الشريعة الغراء للزواج الناجح، المبني على المودة والرحمة، هو ذلك الذي يجري فيه التعارف عن طريق وسيط، مثل الأقارب أو الأصدقاء أو الوحدات الاجتماعية الفاعلية، وعندما يقررر الشاب المضي قدما في مشروع زواجه، يمكنه أن يعقد جلسة مع من يطلب الزواج منها، على أن لا تكون خلوة، بل في محيط الأهل والأقارب، ويمكنه أن يحادثها ويحاورها، وإن شاء فيمكنه أيضا النظر إليها من دون حجاب بشرط عدم الالتذاذ أو الشهوة ومادامت عنده إرادة جادة في الزواج. وهذه فرصة كافية لتعرف كلا الطرفين على بعضهما بعضا، ولتفهم مدى قابلية بعضهما للاقتران بالآخر.
وما نسبة الطلاق المرتفعة في بلداننا الإسلامية، غلا نتيجة لعدم تطبيق هذا القانون الإلهي، على جانب القوانين الكثيرة الداخلة ضمن هذا الإطار، كالزواج المبكر، والبعد عن التكلف في المهور، والبحث عن المتدين والمتدينة وليس المظهر الخارجي الزائف، والمحافظة على العفة والطهارة والحجاب. تلك القوانين التي ألغتها مجتمعاتنا فعانت مما تعاني الآن من مشاكل وأزمات اجتماعية خطيرة، أضاعت مستقبل شبابنا وشاباتنا.
ويمكننا أن نختصر خرافة (الحب قبل الزواج) بقولنا:
نظرة.. فابتسامة.. فموعد.. فلقاء.. فضياع أو طفل من الحرام!!
تعليق