بسم الله الرحمن الرحيم
بمناسبة حلول ذكرى وفاة السيدة (فاطمة المعصومة ) " عليها السلام "
نتقدم بأحرّ التعازي الى مقام سيدنا ومولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والى الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)
والى مقام مولانا صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
والى المراجع العظام كافة (حفظهم الله تعالى وأيّدهم )
والى الأمة الاسلامية جمعاء
والى جميع الموالين والمحبين لأهل البيت(عليهم السلام)
والى أعضاء ومشرفي منتدى الكفيل
نسأل الله تعالى أن يتقبّلها منا ومن المؤمنين بأحسن القبول
***
هجرة السيدة المعصومة إلى إيران
مضت سنة على سفر الإمام الرضا (عليه السلام)إلى مرو، وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في المدينة حرموا من عزيزهم الذي كانوا يستشعرون الرحمة واليمن بجواره، ولم يكن يُهدأ روعهم شيء سوى رؤيتهم للإمام المعصوم (عليه السلام).
السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)كبقية إخوتها وأخواتها قل صبرها وكانت تئنّ كل يوم للوعة فراق أخيها الرضا (عليه السلام).
في هذه الأيام كتب الإمام (عليه السلام)رسالةً مخاطباً أخته السيّدة المعصومة (عليها السلام)، وأرسل الرسالة بيد أحد خدامه إلى المدينة المنوّرة بأقصر زمان ممكن، ثم (عليه السلام)دلّ الرسول على منزل أبيه حيث تسكن أخته المعصومة لكي لا يسأل شخصاً آخر عن منزل الإمام الكاظم (عليه السلام).
وصل مبعوث الإمام إلى المدينة المنورة وامتثالاً لأمر الإمام (عليه السلام)سلم الكتاب إلى السيدة المعصومة. وعلى الرغم من أننا لا نعرف شيئاً عن مضمون ذلك الكتاب، لكنه مهما كان فقد أجج نار الشوق في أهله وأقربائه. ومن هنا قررت السيد المعصومة وبعض إخوة الإمام وأبناء إخوته أن يتحركوا نحو (مرو) ليلتحقوا بالإمام (عليه السلام).
وبسرعة جهّزت عدّة واستعدت القافلة للسير، وبعد التزويد بالماء وأسباب السفر تحركت القافلة من المدينة إلى مرو.
كان في هذه القافلة السيّدة فاطمة المعصومة ويرافقها خمسة من إخوتها، هم: فضل، جعفر، هادي، قاسم، وزيد. ومعهم بعض أبناء إخوة السيّدة المعصومة إضافة لبعض العبيد والجواري .([1])
تحرّكت قافلة عشاق الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم تتوقف عن المسيرة برهة سوى في المنازل الضروية للصلاة والغذاء والاستراحة، مخلفة هضاب الحجاز وصحاريه وراءها مبتعدةً يوماً فيوماً عن مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
السفر في صحاري الحجاز كان صعباً للغاية حتى إن الإبل أحياناً كانت تستسلم للعجز وتتقاعس عن المسير، فكيف بالمسافرين الذين لا بد لهم أن يذهبوا إلى مرو. لكن نور الأمل ولقاء الإمام كان يشرق في قلوب أهل القافلة ويحثهم على متابعة السير وسط رمال وأعاصير الصحراء.
في تلك الأيام، كان خطر اللصوص وقطّاع الطريق يهدّد كل مسافر، ويخلق له مشاكل كثيرة. وإذا هجموا على قافلة لا يبقى لأحد أمل في مواصلة السفر، وأقل ما يفعلونه نهب الأموال والمجوهرات والدواب. وإلا ففي كثير من الحالات يقتلون أعضاء القافلة لسرقة أموالهم. وهذا الخطر كان يهدد فاطمة المعصومة (عليها السلام)ومرافقيها، لكنهم توكّلوا على الله تعالى واستمروا بالسير، ويوماً فيوماً كانوا يقتربون من المقصد.
مرّت الأيام والليالي وقافلة قاصدي الإمام الرضا (عليه السلام)خلفت صحراء الحجاز وراءها ولم يبق لها شيء دون الوصول إلى أرض إيران.
وعناء السفر كان يرهق السيدة المعصومة، إلى جانب عناء الطريق ومشاقه على شابة كالمعصومة، ولكنها لشدة ولهها وشوقها إلى زيارة أخيها كانت مستعدة لتحمل أضعاف هذا العناء.
كانت السيّدة في طريقها دائماً تتصور الوجه المشرق للإمام الرضا (عليه السلام)وتتذكر الأيام الّتي قضتها في المدينة، وكانت عليها مسخة سرور تنذر بقرّة عينها في رؤية الإمام، ولأنها ترى أن عينها ستقرّ برؤيته، فإنها كانت مسرورة جداً.
انتهت المرحلة الصعبة من هذا السفر، وأخيراً وصلت القافلة إلى أراضي إيران، وهنا عليها أيضاً أن تواصل السفر واجتياز المدن والقرى واحدة
بعد أُخرى .
***
____
[1] . الحياة السياسية للإمام الرضا: 428 ; عش آل محمد: 73 .
القافلة في ساوة...
وأخيراً وصلت القافلة إلى مدينة ساوة. وهناك مرضت السيّدة المعصومة مرضاً شديداً بحيث لم تقدر على مواصلة المسير. هذا السفر الطويل المتعب من المدينة المنورة إلى ساوة كان قد أضعف بدنها، إلا أن شدة المرض هي الأُخرى أنحلت جسمها وأشحبت لونها.
هل إن أخت الإمام الرضا (عليه السلام)تستطيع في هذه الحال أن تكمل سفرها لتزور أخاها العزيز في مرو؟ وهل تستعيد عافيتها وتواصل السفر لتلتقي أخاها العزيز في مرو؟ هذه أسئلة كانت تشغل فكر السيّدة المعصومة وتزيد من قلقها.
وعلى أية حال، قررت السيّدة بعد ذلك الذهاب إلى (قم) ([1])، فسألت من معها: (كم بيني وبين قم؟) أجابوها: عشرة فراسخ. ـ أي خمسة وخمسون كم تقريباً ـ وعند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم ([2]).
كانت قم آنذاك ملجأ الشيعة، مع أن مذهب التشيع لم يكن شائعاً في إيران، لكن سبب هجرة الأشعريين العرب من الكوفة إلى قم جعلتها مدينة شيعية وجميع ساكنيها من محبي أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
الأشعريون ـ وبسبب ظلم عمال بني أمية الذين تجاوزوا الحد في عداوتهم لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ولشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)ـ قد هاجروا من الكوفة وسكنوا هنا وبنوا مدينة قم وأسسوها.
ولما بلغ خبر وصول السيّدة المعصومة إلى ساوة ومرضها هناك. إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيّدة ويطلبوا منها الإقامة في قم. ولكن ذهب (موسى بن خزرج) ممثلاً من أهالي قم إلى بنت الإمام الكاظم (عليه السلام)وأخبرها برغبة القميين وفرط اشتياقهم لزيارتها، وأجابت السيدة المعصومة طلبهم وأمرت بالحركة نحو قم.
أخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السيدة المعصومة (عليها السلام)مفتخراً، وقادها إلى المدينة ([3]) الّتي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا (عليه السلام)حتى وصلت القافلة إلى بداية مدينة قم ([4]).
____
[1] . هي مدينة تبعد عن طهران حوالي 150 كم، وتعتبر المدينة المقدسة الثانية في إيران بعد مشهد الرضا (عليه السلام)، وسبب تسميتها بقم كما في روايات أهل البيت(عليهم السلام)عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: «إنما سُميت قم لأن أهلها يجتمعون مع قائم آل محمد (صلوات الله عليه) ويقيمون معه، ويستقيمون عليه، وينصرونه» .
مزارات أهل البيت وتاريخها: 199 ; ترجمة تاريخ قم: 100 ; البحار: 6 / 216 ; عش آل محمد: 77 .
ولقم فضل كما عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «قم عش آل محمد ومأوى شيعتهم». تاريخ قم: 98 ; البحار: 60 / 214 ; عش آل محمد: 78 .
[2] . ترجمة تاريخ قم: 212 ; عش آل محمد: 73 ; موسوعة البحار: 11 / 28 .
[3] . ترجمة تاريخ قم: 213 ; عش آل محمد 79 .
[4] . لا بأس بأن نتبرك بذكر بعض الروايات الواردة في فضل قم وأهلها:
عن الصادق (عليه السلام): (إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنها مأوى الفاطميين ومستراح المؤمنين...) بحار الأنوار: 57 / 215 .
عن الصادق (عليه السلام):
ستخلو «الكوفة» من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم. وتصير معدناً للعمل والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الجبال. وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهلها قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبقَ في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم. البحار: 57 / 213 .
حياة وكرامات فاطمة المعصومة - السيد محمد علي الحسيني - (ج 1 / ص 7)
وفاة ودفن السيّدة المعصومة (عليها السلام)
في 23، ربيع الأوّل سنة 201 هـ . ق. ([1]) وصلت قافلة السيّدة المعصومة إلى مدينة قم، واستقبلها الناس بحفاوة بالغة، وكانوا مسرورين لدخول السيّدة ديارهم.
وكان موسى بن خزرج ذا يسر وبيت واسع، فأنزل السيّدة في داره وتكفل بضيافتها ومن برفقتها. واستشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضيوف الرضا (عليه السلام)القادمين من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وهيأ لهم كل ما يحتاجونه بسرعة.
ثم اتخذت السيّدة فاطمة المعصومة معبداً لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله وتعبده وتناجيه وتشكو إليه آلامها وتستعينه على ما ألم بها. وما زال هذا المعبد باقياً إلى الآن يسمى بـ (بيت النور) ([2]) .
أقلق مرض السيدة المعصومة مرافقيها وأهالي قم كثيراً، مع أنهم
لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها أخذ يزداد سوءاً يوماً بعد
يوم; لأن المرض قد تجذر في بدنها الشريف ([3]).
وفي الثاني عشر من ربيع الثاني 201 هـ . ق. توفيت السيّدة المعصومة(عليه السلام)([4]) دون أن ترى أخاها. ودمعة عينها وغم فؤادها لم تسكن ولم تنقض لفراقه.
فجع أهل قم بتلك المصيبة فأقاموا مراسم العزاء عليها وقلوبهم مفجوعة مملوءة بالأسى والحزن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
[1] . ويقال: 10 / ربيع الثاني مزارات أهل البيت: 200 .
[2] . لا يزال هذا المحراب إلى يومنا هذا يؤمه الناس للصلاة والدعاء والتبرك، وهو الآن في مسجد عامر في شارع (جهار مردان) بقم المقدسة، وقد جُددت عمارته أخيراً بشكل يناسب مقام السيدة المعصومة. موسوعة النبي والعترة: 11 / 29 .
[3] . أذكر احتمالاً قوياً أن تكون وفاة السيدة المعصومة بسبب سم دُس إليها في مدينة (ساوة)، إما من أهلها المتعصبين، وإما من أتباع وشرطة المأمون بأمر منه، وكان قد قتل أخوتها في (ساوة) و (شيراز)، ثم قتل الإمام الرضا (عليه السلام). راجع عش آل محمد 81 .
[4] . وقيل: في العاشر من جمادى الآخرة، وقيل: في الثامن من شعبان; مستدرك سفينة البحار: 8 / 257 ; عش آل محمد: 80 .
المصدر : كتاب (حياة وكرامات فاطمة المعصومة - السيد محمد علي الحسيني - ( ص 5)
وقيل ان السيدة فاطمة المعصومة توفيت في العاشر من ربيع الثاني 201 كما ورد في كتاب (نظرة الى حياة السيدة فاطمة المعصومة - غلام رضا حيدري ابهري )( ص 8)
بمناسبة حلول ذكرى وفاة السيدة (فاطمة المعصومة ) " عليها السلام "
نتقدم بأحرّ التعازي الى مقام سيدنا ومولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
والى الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)
والى مقام مولانا صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
والى المراجع العظام كافة (حفظهم الله تعالى وأيّدهم )
والى الأمة الاسلامية جمعاء
والى جميع الموالين والمحبين لأهل البيت(عليهم السلام)
والى أعضاء ومشرفي منتدى الكفيل
نسأل الله تعالى أن يتقبّلها منا ومن المؤمنين بأحسن القبول
***
هجرة السيدة المعصومة إلى إيران
مضت سنة على سفر الإمام الرضا (عليه السلام)إلى مرو، وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في المدينة حرموا من عزيزهم الذي كانوا يستشعرون الرحمة واليمن بجواره، ولم يكن يُهدأ روعهم شيء سوى رؤيتهم للإمام المعصوم (عليه السلام).
السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)كبقية إخوتها وأخواتها قل صبرها وكانت تئنّ كل يوم للوعة فراق أخيها الرضا (عليه السلام).
في هذه الأيام كتب الإمام (عليه السلام)رسالةً مخاطباً أخته السيّدة المعصومة (عليها السلام)، وأرسل الرسالة بيد أحد خدامه إلى المدينة المنوّرة بأقصر زمان ممكن، ثم (عليه السلام)دلّ الرسول على منزل أبيه حيث تسكن أخته المعصومة لكي لا يسأل شخصاً آخر عن منزل الإمام الكاظم (عليه السلام).
وصل مبعوث الإمام إلى المدينة المنورة وامتثالاً لأمر الإمام (عليه السلام)سلم الكتاب إلى السيدة المعصومة. وعلى الرغم من أننا لا نعرف شيئاً عن مضمون ذلك الكتاب، لكنه مهما كان فقد أجج نار الشوق في أهله وأقربائه. ومن هنا قررت السيد المعصومة وبعض إخوة الإمام وأبناء إخوته أن يتحركوا نحو (مرو) ليلتحقوا بالإمام (عليه السلام).
وبسرعة جهّزت عدّة واستعدت القافلة للسير، وبعد التزويد بالماء وأسباب السفر تحركت القافلة من المدينة إلى مرو.
كان في هذه القافلة السيّدة فاطمة المعصومة ويرافقها خمسة من إخوتها، هم: فضل، جعفر، هادي، قاسم، وزيد. ومعهم بعض أبناء إخوة السيّدة المعصومة إضافة لبعض العبيد والجواري .([1])
تحرّكت قافلة عشاق الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم تتوقف عن المسيرة برهة سوى في المنازل الضروية للصلاة والغذاء والاستراحة، مخلفة هضاب الحجاز وصحاريه وراءها مبتعدةً يوماً فيوماً عن مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
السفر في صحاري الحجاز كان صعباً للغاية حتى إن الإبل أحياناً كانت تستسلم للعجز وتتقاعس عن المسير، فكيف بالمسافرين الذين لا بد لهم أن يذهبوا إلى مرو. لكن نور الأمل ولقاء الإمام كان يشرق في قلوب أهل القافلة ويحثهم على متابعة السير وسط رمال وأعاصير الصحراء.
في تلك الأيام، كان خطر اللصوص وقطّاع الطريق يهدّد كل مسافر، ويخلق له مشاكل كثيرة. وإذا هجموا على قافلة لا يبقى لأحد أمل في مواصلة السفر، وأقل ما يفعلونه نهب الأموال والمجوهرات والدواب. وإلا ففي كثير من الحالات يقتلون أعضاء القافلة لسرقة أموالهم. وهذا الخطر كان يهدد فاطمة المعصومة (عليها السلام)ومرافقيها، لكنهم توكّلوا على الله تعالى واستمروا بالسير، ويوماً فيوماً كانوا يقتربون من المقصد.
مرّت الأيام والليالي وقافلة قاصدي الإمام الرضا (عليه السلام)خلفت صحراء الحجاز وراءها ولم يبق لها شيء دون الوصول إلى أرض إيران.
وعناء السفر كان يرهق السيدة المعصومة، إلى جانب عناء الطريق ومشاقه على شابة كالمعصومة، ولكنها لشدة ولهها وشوقها إلى زيارة أخيها كانت مستعدة لتحمل أضعاف هذا العناء.
كانت السيّدة في طريقها دائماً تتصور الوجه المشرق للإمام الرضا (عليه السلام)وتتذكر الأيام الّتي قضتها في المدينة، وكانت عليها مسخة سرور تنذر بقرّة عينها في رؤية الإمام، ولأنها ترى أن عينها ستقرّ برؤيته، فإنها كانت مسرورة جداً.
انتهت المرحلة الصعبة من هذا السفر، وأخيراً وصلت القافلة إلى أراضي إيران، وهنا عليها أيضاً أن تواصل السفر واجتياز المدن والقرى واحدة
بعد أُخرى .
***
____
[1] . الحياة السياسية للإمام الرضا: 428 ; عش آل محمد: 73 .
القافلة في ساوة...
وأخيراً وصلت القافلة إلى مدينة ساوة. وهناك مرضت السيّدة المعصومة مرضاً شديداً بحيث لم تقدر على مواصلة المسير. هذا السفر الطويل المتعب من المدينة المنورة إلى ساوة كان قد أضعف بدنها، إلا أن شدة المرض هي الأُخرى أنحلت جسمها وأشحبت لونها.
هل إن أخت الإمام الرضا (عليه السلام)تستطيع في هذه الحال أن تكمل سفرها لتزور أخاها العزيز في مرو؟ وهل تستعيد عافيتها وتواصل السفر لتلتقي أخاها العزيز في مرو؟ هذه أسئلة كانت تشغل فكر السيّدة المعصومة وتزيد من قلقها.
وعلى أية حال، قررت السيّدة بعد ذلك الذهاب إلى (قم) ([1])، فسألت من معها: (كم بيني وبين قم؟) أجابوها: عشرة فراسخ. ـ أي خمسة وخمسون كم تقريباً ـ وعند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم ([2]).
كانت قم آنذاك ملجأ الشيعة، مع أن مذهب التشيع لم يكن شائعاً في إيران، لكن سبب هجرة الأشعريين العرب من الكوفة إلى قم جعلتها مدينة شيعية وجميع ساكنيها من محبي أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
الأشعريون ـ وبسبب ظلم عمال بني أمية الذين تجاوزوا الحد في عداوتهم لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ولشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)ـ قد هاجروا من الكوفة وسكنوا هنا وبنوا مدينة قم وأسسوها.
ولما بلغ خبر وصول السيّدة المعصومة إلى ساوة ومرضها هناك. إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيّدة ويطلبوا منها الإقامة في قم. ولكن ذهب (موسى بن خزرج) ممثلاً من أهالي قم إلى بنت الإمام الكاظم (عليه السلام)وأخبرها برغبة القميين وفرط اشتياقهم لزيارتها، وأجابت السيدة المعصومة طلبهم وأمرت بالحركة نحو قم.
أخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السيدة المعصومة (عليها السلام)مفتخراً، وقادها إلى المدينة ([3]) الّتي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا (عليه السلام)حتى وصلت القافلة إلى بداية مدينة قم ([4]).
____
[1] . هي مدينة تبعد عن طهران حوالي 150 كم، وتعتبر المدينة المقدسة الثانية في إيران بعد مشهد الرضا (عليه السلام)، وسبب تسميتها بقم كما في روايات أهل البيت(عليهم السلام)عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال: «إنما سُميت قم لأن أهلها يجتمعون مع قائم آل محمد (صلوات الله عليه) ويقيمون معه، ويستقيمون عليه، وينصرونه» .
مزارات أهل البيت وتاريخها: 199 ; ترجمة تاريخ قم: 100 ; البحار: 6 / 216 ; عش آل محمد: 77 .
ولقم فضل كما عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «قم عش آل محمد ومأوى شيعتهم». تاريخ قم: 98 ; البحار: 60 / 214 ; عش آل محمد: 78 .
[2] . ترجمة تاريخ قم: 212 ; عش آل محمد: 73 ; موسوعة البحار: 11 / 28 .
[3] . ترجمة تاريخ قم: 213 ; عش آل محمد 79 .
[4] . لا بأس بأن نتبرك بذكر بعض الروايات الواردة في فضل قم وأهلها:
عن الصادق (عليه السلام): (إذا أصابتكم بلية وعناء فعليكم بقم، فإنها مأوى الفاطميين ومستراح المؤمنين...) بحار الأنوار: 57 / 215 .
عن الصادق (عليه السلام):
ستخلو «الكوفة» من المؤمنين ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم. وتصير معدناً للعمل والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الجبال. وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهلها قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبقَ في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم. البحار: 57 / 213 .
حياة وكرامات فاطمة المعصومة - السيد محمد علي الحسيني - (ج 1 / ص 7)
وفاة ودفن السيّدة المعصومة (عليها السلام)
في 23، ربيع الأوّل سنة 201 هـ . ق. ([1]) وصلت قافلة السيّدة المعصومة إلى مدينة قم، واستقبلها الناس بحفاوة بالغة، وكانوا مسرورين لدخول السيّدة ديارهم.
وكان موسى بن خزرج ذا يسر وبيت واسع، فأنزل السيّدة في داره وتكفل بضيافتها ومن برفقتها. واستشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضيوف الرضا (عليه السلام)القادمين من مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وهيأ لهم كل ما يحتاجونه بسرعة.
ثم اتخذت السيّدة فاطمة المعصومة معبداً لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله وتعبده وتناجيه وتشكو إليه آلامها وتستعينه على ما ألم بها. وما زال هذا المعبد باقياً إلى الآن يسمى بـ (بيت النور) ([2]) .
أقلق مرض السيدة المعصومة مرافقيها وأهالي قم كثيراً، مع أنهم
لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها أخذ يزداد سوءاً يوماً بعد
يوم; لأن المرض قد تجذر في بدنها الشريف ([3]).
وفي الثاني عشر من ربيع الثاني 201 هـ . ق. توفيت السيّدة المعصومة(عليه السلام)([4]) دون أن ترى أخاها. ودمعة عينها وغم فؤادها لم تسكن ولم تنقض لفراقه.
فجع أهل قم بتلك المصيبة فأقاموا مراسم العزاء عليها وقلوبهم مفجوعة مملوءة بالأسى والحزن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
[1] . ويقال: 10 / ربيع الثاني مزارات أهل البيت: 200 .
[2] . لا يزال هذا المحراب إلى يومنا هذا يؤمه الناس للصلاة والدعاء والتبرك، وهو الآن في مسجد عامر في شارع (جهار مردان) بقم المقدسة، وقد جُددت عمارته أخيراً بشكل يناسب مقام السيدة المعصومة. موسوعة النبي والعترة: 11 / 29 .
[3] . أذكر احتمالاً قوياً أن تكون وفاة السيدة المعصومة بسبب سم دُس إليها في مدينة (ساوة)، إما من أهلها المتعصبين، وإما من أتباع وشرطة المأمون بأمر منه، وكان قد قتل أخوتها في (ساوة) و (شيراز)، ثم قتل الإمام الرضا (عليه السلام). راجع عش آل محمد 81 .
[4] . وقيل: في العاشر من جمادى الآخرة، وقيل: في الثامن من شعبان; مستدرك سفينة البحار: 8 / 257 ; عش آل محمد: 80 .
المصدر : كتاب (حياة وكرامات فاطمة المعصومة - السيد محمد علي الحسيني - ( ص 5)
وقيل ان السيدة فاطمة المعصومة توفيت في العاشر من ربيع الثاني 201 كما ورد في كتاب (نظرة الى حياة السيدة فاطمة المعصومة - غلام رضا حيدري ابهري )( ص 8)
تعليق