العلاقة بين الإمام علي (عليه السلام) والقرآن الكريم علاقة راسخة وثابتة ، فهو قد ارتبط بالقرآن ارتباطاً موضوعياً ، حيث رافق نزول القرآن على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في كل المراحل ، ابتداءً من النداء السماوي الأول : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) واستمرت تلك المرافقة في كل المواقف والأحداث والمواقع ، التي نزل فيها وعلى ضوئها القرآن الكريم . وقد اعتنى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) به عناية خاصة ، وكان (عليه السلام) كثير الأسئلة للنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، فإذا سأل أجابه وإذا سكت ابتدأه ، وقد علّمه ألف باب من العلم كما هو المشهور في كتب الحديث والسيرة .
وقد اختص به النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعهد له بما لم يعهد لغيره كما نقل ابن عباس : ( كنَّا نتحدَّث أنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره ) (1) .
وقد شهد له النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بأعلميته بالقرآن وعلاقته مع القرآن كما جاء في قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( علي أعلم الناس بالكتاب والسُّنّة ) (2) ، وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( علي مع القرآن والقرآن مع علي ) (3) .
وكانت جميع آيات القرآن قد أملاها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) على علي (عليه السلام) ، وخطّها علي (عليه السلام) بيده كما يقول : ( إنَّ كل آية أنزلها على محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندي بإملاء رسول الله وخط يدي ) (4) .
وكان الإمام علي (عليه السلام) أعلم بالقرآن وتأويله ، وفيما نذكر بعض ما اختص به الإمام علي (عليه السلام) في علاقته بالقرآن ، مع اعترافنا بعلاقة الصحابة والخلفاء بالقرآن ، ولا نريد أن نبخسهم أشياءهم ، ولكن نقول : إن علياً امتاز عنهم في علاقته بالقرآن ؛ لأنّه أول الفتيان إسلاماً ، ولقرابته من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، فهو ابن عمه وزوج ابنته ، وهو أخوه في حادثة التآخي بين المسلمين .
* علمه (عليه السلام) بالتأويل ووقت النزول ومورده :
روي عن الأصبغ بن نباتة أنَّه قال : لمَّا بويع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالخلافة ، خرج إلى المسجد فقال : ( سلوني قبل أن تفقدوني ؛ فوالله إنَّي لأعلم بالقرآن وتأويله من كل مُدَّعٍ علمه ، فوالذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسَمة لو سألتموني عن آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيمَ نزلت ) (5) .
وكان (عليه السلام) يعلم بجميع خصوصيَّات النزول من حيث الزمان والمكان كما يقول (عليه السلام) : ( والله ، ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ) (6) .
ويقول (عليه السلام) : ( سلوني عن كتاب الله ، فإنَّه ليس من آيةٍ إلاّ وقد عرفت أبليلٍ نزلت أو بنهارٍ ، في سهْلٍ أو جبلٍ ) (7) .
وهذا الإدعاء لم يدّعه غير علي (عليه السلام) .
* علمه بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاص والعام :
اختلف الصحابة والمفسّرون بالناسخ والمنسوخ والخاص والعام ، ولكن علياً (عليه السلام) كان أعلمهم بذلك ؛ ببركة دعاء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كما جاء في قوله (عليه السلام) : ( ما نزلت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) آية إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها ؛ فما نسيت آية من كتاب الله تعالى ، وعلماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي ) (8) .
فَعِلْمُ علي (عليه السلام) جاء من تعليم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) له ، ثمَّ من دعائه له في الفهم والحفظ .
* علمه بالظاهر والباطن :
إنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يُعلّم أحداً كما علّم علياً (عليه السلام) ، وهذه المؤهِّلات والقدرات غذَّاها ونمّاها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، ومن ذلك تعليمه الظاهر والباطن ؛ لأنَّ القرآن حمّال وجوه ، وقد أقرّ علماء المسلمين وفقهاؤهم بأعلمية علي (عليه السلام) .
فعن ابن مسعود أنَّه قال : ( إنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) عنده من الظاهر والباطن ) (9) .
وقال عبد الله بن عباس : ( والله ، لقد أُعطي علي بن أبي طالب (عليه السلام) تسعة أعشار العلم ، وأيُم الله لقد شارككم في العشر العاشر ) (10) .
* علمه بفقه القرآن :
كان علي (عليه السلام) أعلم الصحابة بفقه القرآن ، بالحلال والحرام والأمر والنهي ، والطاعة والمعصية كما جاء في قوله (عليه السلام) :
( ... وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي ، كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية ، إلاّ علّمنيه وحفَّظته ، فلم أنسَ حرفاً واحداً ، ثمَّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحُكماً ونوراً ) (11) .
وبعلمه هذا استطاع أن ينقذ بعض الصحابة من حكمهم في قضايا الحدود والتعزيرات ، حتى قال عنه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب : ( لا عشت لمعضلة ليس لها أبو الحسن . لولا علي لهلك عمر ) (12) ، وقال عنه (عليه السلام) : ( علي أقضانا ) (13) .
* مرجع لأئمَّة القرَّاء :
كانت قراءة الإمام علي (عليه السلام) للقرآن من حيث الطريقة والأسلوب والتجويد وغير ذلك ، مرجعاً لأئمة القرّاء ، يقول ابن أبي الحديد :
( وإذا رجعت إلى كتب القراءات ، وجدت أئمة القرّاء كلّهم يرجعون إليه ، كأبي عمرو بن العلاء وعاصم بن أبي النجود وغيرهم ؛ لأنَّهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ ، وأبو عبد الرحمن كان تلميذه ، وعنه أخذ القرآن ) (14) .
وقد جمع الخليفة الثالث القرآن على قراءة إمام واحد وهي قراءة الإمام علي (عليه السلام) كما جاء في تفسير البيان : ( نعم ، لا شك أنَّ عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنَّه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنّه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف ) (15) .
وهذا القرآن هو القرآن الذي جمعه علي (عليه السلام) كما يقول العلاَّمة الحلّي : ( يجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات ، وهو تضمّنه مصحف علي(عليه السلام) ؛ لأنَّ أكثر الصحابة اتفقوا عليه ، وأحرق عثمان ما عداه ) (16) .
* مصحف علي ( عليه السلام ) :
ورد في كتب التاريخ والسيرة عبارة (مصحف علي) و (مصحف أُبي بن كعب) و(مصحف ابن مسعود) ، وقد توهَّم البعض في الأزمان الغابرة أنّ ذلك دليل على تحريف القرآن ، وأنَّ مصحف علي (عليه السلام) فيه آيات غير الآيات الموجودة في مصاحف الآخرين .
والصحيح أنَّ مصحف علي (عليه السلام) هو نفس المصحف الذي جمعه ابن كعب وابن مسعود وغيرهم ، ولكن الاختلاف هو في التأويل والتفسير ، يقول السيد الخوئي: ( إنَّ اشتمال قرآنه (عليه السلام) على زيادات ليست في القرآن الموجود وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنَّه لا دلالة في ذلك على أنَّ هذه الزيادات كانت في القرآن وقد أسقطت بالتحريف ، بل الصحيح أنَّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل ، وما يؤول إليه الكلام ، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد ) (20) .
وهذا التفسير قد حُذف في حينه ، ولكن المصحف الذي فيه التفسير لم يتداوله المسلمون ، بل بقي في تداول أبنائه في بعض الأزمان ، وفي ذلك يقول ابن النديم : ( إنَّه رأى عند أبي يعلى حمزة الحسين مصحفاً بخط علي يتوارثه بنو حسن) (21) .
وعن محمد بن سيرين قال : ( لو أُصيب ذلك الكتاب لكان فيه العلم ) (22) .
* أوامر الإمام (عليه السلام) بالتمسُّك بالقرآن :
من أجل ربط الأُمّة بالقرآن الكريم والالتزام بما جاء فيه من مفاهيم وقيم وأحكام وأخلاق ، أمر الإمام (عليه السلام) الأُمّة بالتمسك بالقرآن والالتصاق به وجَعْله دستوراً في الحياة ، وهو دواء لأمراض الأُمّة بجميع أنواعها ، يقول الإمام علي (عليه السلام) :
( ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ ، ولَنْ يَنْطِقَ ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ : أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي ، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي ، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ، ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ ) (23) .
ويوجِّه (عليه السلام) الأُمّة إلى دور القرآن الكريم ، فهو الناصح الهادي ، وهو الشافي من أمراض العقيدة ، وهو الشافع المشفَّع ، وهو المقياس للآراء ، فيقول (عليه السلام) : ( واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُو النَّاصِحُ الَّذِي لا يَغُشُّ ، والْهَادِي الَّذِي لا يُضِلُّ ... فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ ... فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وهُو : الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلالُ ... واعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ... واسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ ، واسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، واتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ ... ) (24) .
وخلاصة القول : إنَّ الإمام علي (عليه السلام) كان مع القرآن في كل مراحل مسيرته ، وقد بذل جهداً في حفظه وتأويله وتفسيره ، ونَشْر ما جاء فيه من أحكام ومفاهيم ، واتخذه دستوراً له في جميع أعماله ونشاطاته ، حتى أصبح (عليه السلام) هو القرآن الناطق الذي يجب إتباعه ، مصداقاً للحديث الشريف عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( إنِّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ... هم حبل الله المتين وصراطه المستقيم ) .
ـــــــــــــــــــــ
وقد اختص به النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وعهد له بما لم يعهد لغيره كما نقل ابن عباس : ( كنَّا نتحدَّث أنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهد إلى غيره ) (1) .
وقد شهد له النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بأعلميته بالقرآن وعلاقته مع القرآن كما جاء في قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( علي أعلم الناس بالكتاب والسُّنّة ) (2) ، وقوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( علي مع القرآن والقرآن مع علي ) (3) .
وكانت جميع آيات القرآن قد أملاها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) على علي (عليه السلام) ، وخطّها علي (عليه السلام) بيده كما يقول : ( إنَّ كل آية أنزلها على محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندي بإملاء رسول الله وخط يدي ) (4) .
وكان الإمام علي (عليه السلام) أعلم بالقرآن وتأويله ، وفيما نذكر بعض ما اختص به الإمام علي (عليه السلام) في علاقته بالقرآن ، مع اعترافنا بعلاقة الصحابة والخلفاء بالقرآن ، ولا نريد أن نبخسهم أشياءهم ، ولكن نقول : إن علياً امتاز عنهم في علاقته بالقرآن ؛ لأنّه أول الفتيان إسلاماً ، ولقرابته من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، فهو ابن عمه وزوج ابنته ، وهو أخوه في حادثة التآخي بين المسلمين .
* علمه (عليه السلام) بالتأويل ووقت النزول ومورده :
روي عن الأصبغ بن نباتة أنَّه قال : لمَّا بويع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالخلافة ، خرج إلى المسجد فقال : ( سلوني قبل أن تفقدوني ؛ فوالله إنَّي لأعلم بالقرآن وتأويله من كل مُدَّعٍ علمه ، فوالذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسَمة لو سألتموني عن آية لأخبرتكم بوقت نزولها وفيمَ نزلت ) (5) .
وكان (عليه السلام) يعلم بجميع خصوصيَّات النزول من حيث الزمان والمكان كما يقول (عليه السلام) : ( والله ، ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ) (6) .
ويقول (عليه السلام) : ( سلوني عن كتاب الله ، فإنَّه ليس من آيةٍ إلاّ وقد عرفت أبليلٍ نزلت أو بنهارٍ ، في سهْلٍ أو جبلٍ ) (7) .
وهذا الإدعاء لم يدّعه غير علي (عليه السلام) .
* علمه بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والخاص والعام :
اختلف الصحابة والمفسّرون بالناسخ والمنسوخ والخاص والعام ، ولكن علياً (عليه السلام) كان أعلمهم بذلك ؛ ببركة دعاء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كما جاء في قوله (عليه السلام) : ( ما نزلت على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) آية إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها ؛ فما نسيت آية من كتاب الله تعالى ، وعلماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي ) (8) .
فَعِلْمُ علي (عليه السلام) جاء من تعليم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) له ، ثمَّ من دعائه له في الفهم والحفظ .
* علمه بالظاهر والباطن :
إنَّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يُعلّم أحداً كما علّم علياً (عليه السلام) ، وهذه المؤهِّلات والقدرات غذَّاها ونمّاها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، ومن ذلك تعليمه الظاهر والباطن ؛ لأنَّ القرآن حمّال وجوه ، وقد أقرّ علماء المسلمين وفقهاؤهم بأعلمية علي (عليه السلام) .
فعن ابن مسعود أنَّه قال : ( إنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ وله ظهر وبطن ، وإنَّ عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) عنده من الظاهر والباطن ) (9) .
وقال عبد الله بن عباس : ( والله ، لقد أُعطي علي بن أبي طالب (عليه السلام) تسعة أعشار العلم ، وأيُم الله لقد شارككم في العشر العاشر ) (10) .
* علمه بفقه القرآن :
كان علي (عليه السلام) أعلم الصحابة بفقه القرآن ، بالحلال والحرام والأمر والنهي ، والطاعة والمعصية كما جاء في قوله (عليه السلام) :
( ... وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي ، كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية ، إلاّ علّمنيه وحفَّظته ، فلم أنسَ حرفاً واحداً ، ثمَّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحُكماً ونوراً ) (11) .
وبعلمه هذا استطاع أن ينقذ بعض الصحابة من حكمهم في قضايا الحدود والتعزيرات ، حتى قال عنه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب : ( لا عشت لمعضلة ليس لها أبو الحسن . لولا علي لهلك عمر ) (12) ، وقال عنه (عليه السلام) : ( علي أقضانا ) (13) .
* مرجع لأئمَّة القرَّاء :
كانت قراءة الإمام علي (عليه السلام) للقرآن من حيث الطريقة والأسلوب والتجويد وغير ذلك ، مرجعاً لأئمة القرّاء ، يقول ابن أبي الحديد :
( وإذا رجعت إلى كتب القراءات ، وجدت أئمة القرّاء كلّهم يرجعون إليه ، كأبي عمرو بن العلاء وعاصم بن أبي النجود وغيرهم ؛ لأنَّهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ ، وأبو عبد الرحمن كان تلميذه ، وعنه أخذ القرآن ) (14) .
وقد جمع الخليفة الثالث القرآن على قراءة إمام واحد وهي قراءة الإمام علي (عليه السلام) كما جاء في تفسير البيان : ( نعم ، لا شك أنَّ عثمان قد جمع القرآن في زمانه ، لا بمعنى أنَّه جمع الآيات والسور في مصحف ، بل بمعنى أنّه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد ، وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف ) (15) .
وهذا القرآن هو القرآن الذي جمعه علي (عليه السلام) كما يقول العلاَّمة الحلّي : ( يجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات ، وهو تضمّنه مصحف علي(عليه السلام) ؛ لأنَّ أكثر الصحابة اتفقوا عليه ، وأحرق عثمان ما عداه ) (16) .
* مصحف علي ( عليه السلام ) :
ورد في كتب التاريخ والسيرة عبارة (مصحف علي) و (مصحف أُبي بن كعب) و(مصحف ابن مسعود) ، وقد توهَّم البعض في الأزمان الغابرة أنّ ذلك دليل على تحريف القرآن ، وأنَّ مصحف علي (عليه السلام) فيه آيات غير الآيات الموجودة في مصاحف الآخرين .
والصحيح أنَّ مصحف علي (عليه السلام) هو نفس المصحف الذي جمعه ابن كعب وابن مسعود وغيرهم ، ولكن الاختلاف هو في التأويل والتفسير ، يقول السيد الخوئي: ( إنَّ اشتمال قرآنه (عليه السلام) على زيادات ليست في القرآن الموجود وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنَّه لا دلالة في ذلك على أنَّ هذه الزيادات كانت في القرآن وقد أسقطت بالتحريف ، بل الصحيح أنَّ تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل ، وما يؤول إليه الكلام ، أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد ) (20) .
وهذا التفسير قد حُذف في حينه ، ولكن المصحف الذي فيه التفسير لم يتداوله المسلمون ، بل بقي في تداول أبنائه في بعض الأزمان ، وفي ذلك يقول ابن النديم : ( إنَّه رأى عند أبي يعلى حمزة الحسين مصحفاً بخط علي يتوارثه بنو حسن) (21) .
وعن محمد بن سيرين قال : ( لو أُصيب ذلك الكتاب لكان فيه العلم ) (22) .
* أوامر الإمام (عليه السلام) بالتمسُّك بالقرآن :
من أجل ربط الأُمّة بالقرآن الكريم والالتزام بما جاء فيه من مفاهيم وقيم وأحكام وأخلاق ، أمر الإمام (عليه السلام) الأُمّة بالتمسك بالقرآن والالتصاق به وجَعْله دستوراً في الحياة ، وهو دواء لأمراض الأُمّة بجميع أنواعها ، يقول الإمام علي (عليه السلام) :
( ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ ، ولَنْ يَنْطِقَ ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ : أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي ، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي ، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ، ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ ) (23) .
ويوجِّه (عليه السلام) الأُمّة إلى دور القرآن الكريم ، فهو الناصح الهادي ، وهو الشافي من أمراض العقيدة ، وهو الشافع المشفَّع ، وهو المقياس للآراء ، فيقول (عليه السلام) : ( واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُو النَّاصِحُ الَّذِي لا يَغُشُّ ، والْهَادِي الَّذِي لا يُضِلُّ ... فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ ... فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وهُو : الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلالُ ... واعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ... واسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ ، واسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، واتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ ... ) (24) .
وخلاصة القول : إنَّ الإمام علي (عليه السلام) كان مع القرآن في كل مراحل مسيرته ، وقد بذل جهداً في حفظه وتأويله وتفسيره ، ونَشْر ما جاء فيه من أحكام ومفاهيم ، واتخذه دستوراً له في جميع أعماله ونشاطاته ، حتى أصبح (عليه السلام) هو القرآن الناطق الذي يجب إتباعه ، مصداقاً للحديث الشريف عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : ( إنِّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ... هم حبل الله المتين وصراطه المستقيم ) .
ـــــــــــــــــــــ
تعليق