: الغِيبَةُ: مفهومهاوأحكامها:
:الظاهرة والعلاج:
في قراءة شرعية وأخلاقية وجيزة .
=================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
الغيبة:
========
هي ذكر عيوب المؤمنين المستورة عنّا، في حال غيابهم أمام الآخرين غير المُطَّلعين عليها،
ولا فرق بين ذكر هذه العيوب باللسان أو بالفعل أو الإشارة أو الكتابة أو التمثيل.
والقصد من كل ذلك، هو الانتقاص من الآخرين،
فإذا عرفت أنَّ صديقك قد أخطأ، فلا تنقل ذلك للآخرين للطعن بكرامته وسمعته، وبدلاً من ذلك انصحه أنت لتجنّب تكرار الخطأ،
وإذا أصر عليه فأخبر أباه أو شخصاً كبيراً، أن يمنعه من دون أن تفضحه بين الناس.
أما موقف القرآن الكريم والسنة النبوية من الغيبة
فقد شبّه القرآن الكريم في الآية المذكورة آنفاً،
المغتابَ بالذي يأكل لحم أخيه الميّت وينهشُهُ،
فالناس تنفُر وتشمئز نفوسهم من هذا المنظر، وهو تشبيه قريب من الكلاب الآكلة للحم الميتة.
والأحاديث في هذا المجال كثيرة، ونختار بعضاً منها:
فعن النبي:ص: من وصيةٍ له يوصي بها أبا ذر الغفاري (رض):
(( >يا أبا ذر إياك والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا،
قلتُ: يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي؟
قال: لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله تعالى، والغيبة لا تُغفر حتى يغفرها صاحبها<
: وسائل الشيعة: الحر العاملي :ج12: ص 281.
. وقال :ص:
>مررت ليلة أسريَ بي، على قومٍ يخمشون وجوههم بأظافرهم،
فقلتُ: يا جبرائيل من هؤلاء؟
فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم<.
: مسند أحمد بن حنبل:ج3:ص224.
أما حكم الاستماع إلى الغيبة، ففي الوقت الذي حرّم الإسلام الغيبةَ، حرم أيضاً الاستماع إلى الغيبة،
وأوجب على المستمع لها أن يزجرَ المغتاب ويردهُ عن اغتيابه لأخيه المؤمن،
وفي حال عدم الاستجابة فلا بد من ترك ذلك المجلس.
وجعل الإسلام العزيزُ السامعَ للغيبة بمثابة المغتاب فعلاً؛ لأن السامع قد خذل بفعله هذا أخاه المؤمن ولم ينصره في غيابه.
قال:ص:
>من اغتيب عنده أخوه المسلم، وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله في الدنيا والآخرة، فإن خذله وهو يستطيع نصره، خذله الله في الدنيا والآخرة<.
:من لا يحضره الفقيه: الصدوق:ج4: ص372.
الأسباب الداعية إلى الغيبة؟
====================
هناك جملة من الأسباب تدعو الناس إلى الغيبة،
وأوّل هذه الأسباب هو عدم الخوف من الله،
وعدم طاعته سبحانه وتعالى،
والتمرد على نواهيه، لأنه جل وعلا نهى عن ذلك،
ويأتي بعد ذلك الحقد والحسد والسخرية من الآخرين،
وكذلك عندما يطغى على مجالس البطّالين -المقاهي وأماكن اللهو- اللعبُ والمزاح والهزل، تتهيأ أسباب الغيبة،
فإذا ما أضفنا إلى ذلك مرافقةَ أهل السوء والباطل من الأفراد، فإن ذلك يزيد الغيبة والبهتان في بعض الأحيان،
لأن حديث أمثال هذا الصنف من الناس، أغلبه الاهانة والاستخفاف بالآخرين.
لماذا حرّم الله الغيبة؟
====================
إنَّ الله عز وجل أراد بتحريم الغيبة، أن يحفظ للمسلمين والمؤمنين حقوقَهم في حرمة دمائهم وذِممهم وأعراضهم،
وأراد أن يقوّي من وحدة تماسكهم الإنساني والاجتماعي؛
لأن الغيبة تؤدي إلى إثارة العداوة والكره والتباعد بين أفراد المجتمع المسلم، وبالتالي توجد النُفرة والفرقة في المجتمع الواحد، وتولد أزمة الثقة بين الأفراد،
وهذه كلها تُسهم في تفكيك وحدة الناس، بدلاً من تقريبهم واجتماعهم.
فيجب على الإنسان المسلم إذا اغتاب أخاه المسلم،
أن يعتذر من أخيه ويطلب العفو والاستحلال منه؛
لأن الغيبة لا تغفر حتى يغفر له صاحبه،
وفي حال التعذر من الوصول إليه والتحدث معه، كأن يكون مسافراً أو ميتاً
فلا بد من الاستغفار له،
فقد ورد في دعاء يوم الاثنين عن الإمام زين العابدين:ع: أنه، قال:
>وأسألك في مظالمِ عبادك عندي، فأيما عبدٌ من عبيدك،
أو أمة من إمائك، كانت له قِبلي مظلمةٌ ظلمتها إياه في نفسه، أو في عرضه، أو في ماله، أو في أهله ووَلده،
أو غيبة اغتبته بها، غائباً كان أو شاهداً، أو حياً كان أو ميتاً، فقصرت يدي وضاق وسعي عن ردها إليه والتحلل منه،
فأسألك يا مَن يملك الحاجات وهي مستجيبة لمشيئته، ومسرعة إلى إرادته أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تُرضيه عني بما شئت، وتهب لي من عندك رحمة، إنه لا تنقصك المغفرة، ولا تضرّك الموهبة يا أرحم الراحمين<))
:المصباح: الكفعمي: ص113.
وجاء عن النبي :ص: قوله:
>من اغتاب مسلماً أو مسلمة، لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلاّ أن يغفر له صاحبه<
:جامع أحاديث الشيعة: البروجردي:ج5:ص52.
لذا فإن كفّارة الغيبة هي طلب العفو والاعتذار ممن اغتابه أو الاستغفار له.
الموارد التي تجوز فيها الغيبة
=======================
:1:
- المتجاهر بالفسق، كالذي يشرب الخمر أمام جميع الناس، ولا يهمه إذا قيل عنه إنه يشرب الخمر،
فمثل هذا الشخص تسقط حرمته وتجوز غيبته،
وهناك بعض الأشخاص يعملون المنكرات، ولكنهم لا يتجاهرون بها، أي يعملونها بالسر ولا يريدون اطلاع الناس على أعمالهم،
فهؤلاء لا يجوز اغتيابهم وفضحهم؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى التأخير في توبتهم، ورجوعهم إلى طريق الحق والهداية
.
:2:
- المظلوم، فإنه يجوز أن يبيّن ظلامته للناس، حتى لو استلزم ذلك غيبةَ الذي ظلمه
{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء: 148].
:3:
- أصحاب البدعة في الدين، فهؤلاء يجوز غيبتهم وكشف بدعتهم؛
ليحذرهم الناس ولا يتأثّروا بهم، وفي هذا العمل نصرةٌ للدين ونُصحٌ للمسلمين،
فالكثيرون في هذا العصر ادّعوا المهدوية، أي أن الواحد منهم يزعم أنه هو المهدي المنتظر
فهؤلاء يجب فضحهم وتكذيبهم، وتعريف الناس بهم وبكذِب دعواهم.
:4:-
نصح المستشير في التزويج، فلو سُئلتَ عن فلان الذي تقدم للزواج من فتاةٍ مؤمنة،
وأنت تعلم أنه يشرب الخمر، أو يتعامل بالربا، فيجوز لك أن تُجيب بما تعرفه عنه،
وإن كان هذا الشخص مستتراً على أعماله وغير متجاهر،
وكذا لو سئلت المرأةُ عن بنت فلان وهي تعرف عنها حقّ المعرفة، أن فيها عيوباً أو أمراضاً خطيرة، فيجوز أن تخبر السائل بذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحقيق :مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف.
:الظاهرة والعلاج:
في قراءة شرعية وأخلاقية وجيزة .
=================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
الغيبة:
========
هي ذكر عيوب المؤمنين المستورة عنّا، في حال غيابهم أمام الآخرين غير المُطَّلعين عليها،
ولا فرق بين ذكر هذه العيوب باللسان أو بالفعل أو الإشارة أو الكتابة أو التمثيل.
والقصد من كل ذلك، هو الانتقاص من الآخرين،
فإذا عرفت أنَّ صديقك قد أخطأ، فلا تنقل ذلك للآخرين للطعن بكرامته وسمعته، وبدلاً من ذلك انصحه أنت لتجنّب تكرار الخطأ،
وإذا أصر عليه فأخبر أباه أو شخصاً كبيراً، أن يمنعه من دون أن تفضحه بين الناس.
أما موقف القرآن الكريم والسنة النبوية من الغيبة
فقد شبّه القرآن الكريم في الآية المذكورة آنفاً،
المغتابَ بالذي يأكل لحم أخيه الميّت وينهشُهُ،
فالناس تنفُر وتشمئز نفوسهم من هذا المنظر، وهو تشبيه قريب من الكلاب الآكلة للحم الميتة.
والأحاديث في هذا المجال كثيرة، ونختار بعضاً منها:
فعن النبي:ص: من وصيةٍ له يوصي بها أبا ذر الغفاري (رض):
(( >يا أبا ذر إياك والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا،
قلتُ: يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي؟
قال: لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله تعالى، والغيبة لا تُغفر حتى يغفرها صاحبها<
: وسائل الشيعة: الحر العاملي :ج12: ص 281.
. وقال :ص:
>مررت ليلة أسريَ بي، على قومٍ يخمشون وجوههم بأظافرهم،
فقلتُ: يا جبرائيل من هؤلاء؟
فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعون في أعراضهم<.
: مسند أحمد بن حنبل:ج3:ص224.
أما حكم الاستماع إلى الغيبة، ففي الوقت الذي حرّم الإسلام الغيبةَ، حرم أيضاً الاستماع إلى الغيبة،
وأوجب على المستمع لها أن يزجرَ المغتاب ويردهُ عن اغتيابه لأخيه المؤمن،
وفي حال عدم الاستجابة فلا بد من ترك ذلك المجلس.
وجعل الإسلام العزيزُ السامعَ للغيبة بمثابة المغتاب فعلاً؛ لأن السامع قد خذل بفعله هذا أخاه المؤمن ولم ينصره في غيابه.
قال:ص:
>من اغتيب عنده أخوه المسلم، وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله في الدنيا والآخرة، فإن خذله وهو يستطيع نصره، خذله الله في الدنيا والآخرة<.
:من لا يحضره الفقيه: الصدوق:ج4: ص372.
الأسباب الداعية إلى الغيبة؟
====================
هناك جملة من الأسباب تدعو الناس إلى الغيبة،
وأوّل هذه الأسباب هو عدم الخوف من الله،
وعدم طاعته سبحانه وتعالى،
والتمرد على نواهيه، لأنه جل وعلا نهى عن ذلك،
ويأتي بعد ذلك الحقد والحسد والسخرية من الآخرين،
وكذلك عندما يطغى على مجالس البطّالين -المقاهي وأماكن اللهو- اللعبُ والمزاح والهزل، تتهيأ أسباب الغيبة،
فإذا ما أضفنا إلى ذلك مرافقةَ أهل السوء والباطل من الأفراد، فإن ذلك يزيد الغيبة والبهتان في بعض الأحيان،
لأن حديث أمثال هذا الصنف من الناس، أغلبه الاهانة والاستخفاف بالآخرين.
لماذا حرّم الله الغيبة؟
====================
إنَّ الله عز وجل أراد بتحريم الغيبة، أن يحفظ للمسلمين والمؤمنين حقوقَهم في حرمة دمائهم وذِممهم وأعراضهم،
وأراد أن يقوّي من وحدة تماسكهم الإنساني والاجتماعي؛
لأن الغيبة تؤدي إلى إثارة العداوة والكره والتباعد بين أفراد المجتمع المسلم، وبالتالي توجد النُفرة والفرقة في المجتمع الواحد، وتولد أزمة الثقة بين الأفراد،
وهذه كلها تُسهم في تفكيك وحدة الناس، بدلاً من تقريبهم واجتماعهم.
فيجب على الإنسان المسلم إذا اغتاب أخاه المسلم،
أن يعتذر من أخيه ويطلب العفو والاستحلال منه؛
لأن الغيبة لا تغفر حتى يغفر له صاحبه،
وفي حال التعذر من الوصول إليه والتحدث معه، كأن يكون مسافراً أو ميتاً
فلا بد من الاستغفار له،
فقد ورد في دعاء يوم الاثنين عن الإمام زين العابدين:ع: أنه، قال:
>وأسألك في مظالمِ عبادك عندي، فأيما عبدٌ من عبيدك،
أو أمة من إمائك، كانت له قِبلي مظلمةٌ ظلمتها إياه في نفسه، أو في عرضه، أو في ماله، أو في أهله ووَلده،
أو غيبة اغتبته بها، غائباً كان أو شاهداً، أو حياً كان أو ميتاً، فقصرت يدي وضاق وسعي عن ردها إليه والتحلل منه،
فأسألك يا مَن يملك الحاجات وهي مستجيبة لمشيئته، ومسرعة إلى إرادته أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تُرضيه عني بما شئت، وتهب لي من عندك رحمة، إنه لا تنقصك المغفرة، ولا تضرّك الموهبة يا أرحم الراحمين<))
:المصباح: الكفعمي: ص113.
وجاء عن النبي :ص: قوله:
>من اغتاب مسلماً أو مسلمة، لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلاّ أن يغفر له صاحبه<
:جامع أحاديث الشيعة: البروجردي:ج5:ص52.
لذا فإن كفّارة الغيبة هي طلب العفو والاعتذار ممن اغتابه أو الاستغفار له.
الموارد التي تجوز فيها الغيبة
=======================
:1:
- المتجاهر بالفسق، كالذي يشرب الخمر أمام جميع الناس، ولا يهمه إذا قيل عنه إنه يشرب الخمر،
فمثل هذا الشخص تسقط حرمته وتجوز غيبته،
وهناك بعض الأشخاص يعملون المنكرات، ولكنهم لا يتجاهرون بها، أي يعملونها بالسر ولا يريدون اطلاع الناس على أعمالهم،
فهؤلاء لا يجوز اغتيابهم وفضحهم؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى التأخير في توبتهم، ورجوعهم إلى طريق الحق والهداية
.
:2:
- المظلوم، فإنه يجوز أن يبيّن ظلامته للناس، حتى لو استلزم ذلك غيبةَ الذي ظلمه
{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء: 148].
:3:
- أصحاب البدعة في الدين، فهؤلاء يجوز غيبتهم وكشف بدعتهم؛
ليحذرهم الناس ولا يتأثّروا بهم، وفي هذا العمل نصرةٌ للدين ونُصحٌ للمسلمين،
فالكثيرون في هذا العصر ادّعوا المهدوية، أي أن الواحد منهم يزعم أنه هو المهدي المنتظر
فهؤلاء يجب فضحهم وتكذيبهم، وتعريف الناس بهم وبكذِب دعواهم.
:4:-
نصح المستشير في التزويج، فلو سُئلتَ عن فلان الذي تقدم للزواج من فتاةٍ مؤمنة،
وأنت تعلم أنه يشرب الخمر، أو يتعامل بالربا، فيجوز لك أن تُجيب بما تعرفه عنه،
وإن كان هذا الشخص مستتراً على أعماله وغير متجاهر،
وكذا لو سئلت المرأةُ عن بنت فلان وهي تعرف عنها حقّ المعرفة، أن فيها عيوباً أو أمراضاً خطيرة، فيجوز أن تخبر السائل بذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحقيق :مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف.
تعليق