وبهذا يكون قد هدم جميع مابناه في كتبهالكلامية والتفسيرية من المكابرات والتشكيكات في ادلة الامامية .
وبما اننا لانملك كتاب الاربعين للفخرالرازي ولذلك نقلناه بالواسطة من كتاب الاربعين لمحمد بن طاهر الشيرازي ص 425ومابعد وقد اشار محقق الكتاب الى المصدر ورقم الصفحة في الهامش .
قال السيد محمد بن طاهر القمي الشيرازي :
(( وقد ذكر امام أهل السنة محمد بنعمر الرازي ، وهو من أعظم علماء الأشعرية ، في كتاب الأربعين في الفصل الخامس منالمسألة التاسعة والثلاثين ، في بيان أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليهوآله ،ويورد عشرين حجة في أن علي بن أبي طالب عليه السلام أفضل الصحابة بعدرسول الله صلى الله عليه وآله . ويقول في الحجة الثالثة منها ما هذا لفظه :
الحجة الثالثة :أن علي بن أبي طالب كان أعلم الصحابة ، والأعلم أفضل ، وإنما قلنا إن علياكان أفضل الصحابة للاجمال والتفصيل .
أما الاجمال : فهو أنه لا نزاع أنعليا عليه السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم ،وكان محمد صلى الله عليه وآله أفضل الفضلاء وأعلم العلماء ، وكان علي عليه السلامفي غاية الحرص في طلب العلم ، وكان محمد صلى الله عليه وآله في غاية الحرص في تربيةعلي وارشاده إلى اكتساب الفضائل ، ثم إن عليا عليه السلام نشأ من أول صغره في حجرمحمد صلى الله عليه وآله ، وفي كبره صار ختنا له ، وكان يدخل إليه في كل الأوقات .
ومن المعلوم أن التلميذ إذا كان في غايةالذكاء والحرص على التعليم ، وكان الأستاذ في غاية الفضل وفي غاية الحرص علىالتعليم ، ثم اتفق لمثل هذا التلميذ أن يتصل بخدمة هذا الأستاذ في زمان الصغر ، كانذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات ، فإنه يبلغ ذلك التلميذ مبلغا عظيما .
وهذا بيان اجمالي في أن عليا عليه السلامكان أعلم الصحابة .
فأما أبو بكر فإنه اتصلبخدمته عليه السلام في زمان الكبر ، وأيضا ما يصل إلى خدمته في اليوم والليلة الامرة واحدة زمانا يسيرا
وأما علي عليهالسلام فإنه اتصل بخدمته عليه السلام في زمان الصغر ، وقد قيل : العلم في الصغركالنقش في الحجر ، والعلم في الكبير كالنقش في المدر ، فثبت بما ذكرنا أن عليا عليهالسلام كان أعلم من أبي بكر .
وأما التفصيل : فيدل عليه وجوه :
الأول :قوله ( تعالى وتعيها اذنواعية ) نزل في حق علي عليه السلام ، وتخصيصه بزيادة الفهم يدل على اختصاصه بمزيدالعلم .
الثاني :قوله عليه السلام ( أقضاكم علي ) والقضاء يحتاج إلى جميع أنواع العلوم ، فلما رجحهعلى الكل في القضاء ، لزم أنه رجحه عليهم في كل العلوم .
وأما سائر الصحابة ، فقد رجح كل واحد منهم على غيره في علمواحد ، كقوله ( أفرضكم زيد ، وأقرأكم أبي ) .
الثالث :روي أن عمر أمر برجم امرأةولدت لستة أشهر ، فنبهه علي عليه السلام بقوله تعالى ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) مع قوله الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، فقالعمر : لولا علي لهلك عمر . وروي أن لمرأة أقرت بالزنا وكانت حاملا ، فأمر عمربرجمها ، فقال علي عليه السلام : إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ فترك عمر رجمها وقال : لولا علي لهلك عمر . فان قيل : لعل عمر أمر برجمها من غيرتفحص عن حالها ، فظن أنها ليست بحامل ، فلما نبهه علي ترك رجمها . قلنا : هذا يقتضيأن عمر ما كان يحتاط في سفك الدماء ، وهذا أشر من الأول . وروي أيضا أن عمر قاليوما على المنبر ، ألا لا تغالوا في مهور نسائكم ، فمن غال في مهر امرأته جعلته فيبيت المال ، فقامت عجوز فقالت : يا أمير المؤمنين أتمنع عنا ما جعله الله لنا ، قالالله تعالى ( وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منهشيئا ) ( 1 ) فقال عمر : كلكم أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت . فهذه الوقائعوقعت لغير علي عليه السلام ولم يتفق مثلها لعلي عليه السلام .
الرابع :نقل عن علي عليه السلامأنه قال : لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها ، لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ،وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما من آية نزلت في بحر ولا بر ولا سهل ولا جبل ولا سماء ولا أرض ، ولا ليلولا نهار ، الا وأنا أعلم في من نزلت وفي أي شئ نزلت . طعن أبو هاشم في هذا ، فقال : التوراة منسوخة فكيف يجوز الحكم بها ؟
الجواب عنه من وجوه :
الأول : لعل المراد شرح كمال علمه بتلك الأحكام المنسوخةعلى التفصيل ، وبالأحكام الناسخة لها الواردة في القرآن .
الثاني : لعل المراد أن قضاة اليهود والنصارى متمكنون منالحكم والقضاء على وفق أديانهم بعد بذل الجزية ، فكأن المراد أنه لو جاز للمسلم ذلكلكان هو قادرا عليه .
الثالث : لعل المرادأن يستخرج من التوراة والإنجيل نصوصا دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وكانذلك قويا في التمسك بها .
الخامس :أنا نتفحص عن أحوال العلوم ، وأعظمهاعلم الأصول، وقد جاء في خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ، ما لم يأتفي كلام سائر الصحابة .
- وأيضا فجميع فرقالمتكلمين ينتهي آخر نسبتهم في هذا العلم إليه .
أما المعتزلة ، فإنهم ينسبون أنفسهم إليه .
وأما الأشعرية ، فكلهم منتسبون إلىالأشعري ، وكان تلميذا لأبي على الجبائي المعتزلي ، وهو منتسب إلى أمير المؤمنين .
وأما الشيعة ، فانتسابهم إليه ظاهر .
وأما الخوارج ، فهم مع غاية بعدهم عنهكلهم منتسبون إلى أكابرهم ، وأولئك الأكابر كانوا تلامذة علي بن أبي طالب عليهالسلام .
فثبت أن جمهور المتكلمين من فرقالاسلام كلهم تلامذة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأفضل فرق الاسلام الأصوليون ،وكان هذا منصبا عظيما في الفضل .
ومنها : علم التفسير، وابن عباس رئيس المفسرين ، وهو كان تلميذعلي بن أبي طالب عليه السلام .
ومنها : علم الفقه، وكان في الدرجة العالية ، ولهذا قال عليهالسلام ( أقضاكم علي ) وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : لو كسرت لي الوسادةوجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، على ما نقلنا
ومنها : علم الفصاحة، ومعلوم أنأحدا من الفصحاء الذين بعده لم يدركوا درجته ، ولا القليل من درجته .
ومنها : علمالنحوومعلوم أنه إنما ظهر منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه .
ومنها : علم تصفيةالباطن، ومعلوم أن نسب جميع الصوفية ينتهي إليه . ومنها : علم الشجاعةوممارسة الأسلحة ، ومعلوم أن نسبة هذه العلوم ينتهي إليه .
فثبت بما ذكرنا أنه عليه السلام كان أستاذالعالمين بعد محمد صلى الله عليه وآله في جميع الخصال المرضية ، والمقامات الشرعية .
وإذا ثبت أنهكان أعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجب أن يكون أفضل الخلق بعده، لقوله تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ) وقوله تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
ثم ذكر الرازي المقدم ذكره فيآخر الفصل المذكور ما هذا لفظه ومعناه :
الحجة العشرون :اعلم أن الفضائل : إما نفسانية ، وإما بدنية ، وإما خارجية .
أما الفضائل النفسانية، فهيمحصورة في نوعين : العلمية ، والعملية .
أما العلمية، فقد دللنا على أنعلم علي عليه السلام كان أكثر من علم سائر الصحابة ، ومما يقوي ذلك ما روي أنه عليهالسلام قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم فانفتح من كلباب ألف باب .
وأماالفضائل النفسانية العملية، فأقسام :
- منها : الفقه والزهد ، وقد كان في الصحابة جمع من الزهاد، كأبي ذر وسلمان وأبي الدرداء ، وكلهم كانوا من تلامذة علي عليه السلام .
- ومنها : الشجاعة ، وقد كان في الصحابةجماعة ، كأبي دجانة وخالد بن الوليد ، وكان شجاعته أكثر نفعا من شجاعة الكل ، ألاترى أن النبي صلى الله عليه وآله قال يوم الأحزاب : لضربة علي خير من عبادة الثقلين . قال علي بن أبي طالب عليه السلام : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكنبقوة الهية .
- ومنها : السخاوة ، وقد كانفي الصحابة جمع من الأسخياء ، وقد بلغ اخلاصه في سخاوته إلى أن أعطى ثلاثة أقراص ،فأنزل الله تعالى في حقه ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) .
- ومنها : حسن الخلق ، وقد كان مع غايةشجاعته وبسالته حسن الخلق جدا ، وقد بلغ فيه إلى حيث نسبه أعداؤه إلى الدعابة .
- ومنها : البعد عن الدنيا ، وظاهر أنهكان مع انفتاح أبواب الدنيا عليه لم يظهر التنعم والتلذذ ، وكان مع غاية شجاعته إذاشرع في صلاة التهجد ، أو شرع في الدعوات والتضرعات إلى الله تعالى ، بلغ مبلغا لايوازيه أحد ممن جاء بعده من الزهاد ، ولما ضربه ابن ملجم لعنه الله قال : فزت وربالكعبة .
وأماالفضائل البدنية :
- فمنها : القوة والشدة ، وكان فيها عظيم الدرجة ، حتى قيل : انه كان يقط الهام قطع الأقلام.
- ومنها : النسب العالي ، ومعلوم أن أشرفالأنساب هو القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو كان أقرب الناس في النسبإلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأما العباس فإنه وإن كان عم رسول الله صلىالله عليه وآله ، الا أن العباس كان أخا لعبد الله والد رسول الله صلى الله عليهوآله من الأب لا من الام . وأما أبو طالب فإنه كان أخا لعبد الله من الأب والام ،وأيضا فان عليا عليه السلام كان هاشميا من الأب والام ، لأنه علي بن أبي طالب بنعبد المطلب بن هاشم ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم .
- ومنها : المصاهرة ، ولم يكن لأحد من الخلق مصاهرة مثل ماكانت له . وأما عثمان فهو وان شاركه في كونه ختنا لرسول الله صلى الله عليه وآلهالا أن أشرف أولاد الرسول هي فاطمة عليها السلام ، ولذلك قال عليه السلام : سيدةنساء العالمين أربع وعد منهن فاطمة ، ولم يحصل مثل هذا الشرف للبنتين اللتين همازوجتا عثمان .
- ومنها : أنه لم يكن لأحدمن الصحابة أولاد يشاركون أولاده في الفضيلة ، فالحسن والحسين وهما سيدا شباب أهلالجنة ولداه ،
ثم انظر إلى أولاد الحسن ،مثل الحسن المثنى والمثلث وعبد الله بن المثنى والنفس الزكية ، والى أولاد الحسين ،مثل زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام ، فان هؤلاء يعدتفضيلهم وعلو درجتهم كل مسلم . ومما يدل على علو شأنهم أن أفضل المشايخ وأعلاهمدرجة أبو يزيد البسطامي ، وكان سقاء في دار جعفر الصادق عليه السلام ، وأما معروفالكرخي فإنه أسلم على يد علي بن موسى الرضا ، وكان بواب داره وبقي على هذه الحالةإلى آخر عمره ، ومعلوم أن أمثال هذه الأولاد لم يتفق لأحد من الصحابة ، ولو أخذنافي الشرح والاطناب لطال الكلام ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
( 1 ) الأربعين للفخر الرازي ص 465 - 468و 474 - 476 ، والطرائف للسيد بن طاووس ص 515 - 520 .
تعليق