قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)
أيّها النّاس ، الزّهادة قصر الأمل ، و الشّكر عند النّعم ، و الورع عند المحارم . فإن عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم ، و لا تنسوا عند النّعم شكركم فقد أعذر اللّه إليكم بحجج مسفرة ، ظاهرة و كتب بارزة العذر واضحة .
المعنى : أيّها النّاس ، الزّهادة قصر الأمل ، و الشّكر عند النّعم ، و الورع عند المحارم . فإن عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم ، و لا تنسوا عند النّعم شكركم فقد أعذر اللّه إليكم بحجج مسفرة ، ظاهرة و كتب بارزة العذر واضحة .
لا يكون الزهد إلا في المقدور ، و لو بالجد و الطلب ، أما الزهد في غير المقدور فهو تماما كزهد الثعلب في العنب الذي قصرت يده عنه . و قد حدد الإمام الزهد بثلاثة أوصاف :
الأول ( قصر الأمل ) و هو أن يحسب الانسان لنزول الموت به في أية لحظة تماما كالمحتضر ، و يستعد له بالعمل الصالح .
الثاني ( الشكر عند النعم ) بالطاعة ، و بالفعل لا بالقول ، و أوضح مظاهر الجحود و كفران النعم أن يستعين بها الانسان على معصية المنعم .
الثالث ( التورع عن المحارم ) . يكف عن المحرمات ، و يقف عند الشبهات . و من أقوال الإمام : لا ورع كالوقوف عند الشبهة ، و لا زهد كالزهد في الحرام
( فإن عزب ذلك عنكم فلا يغلب الحرام صبركم ، و لا تنسوا عند النعم شكركم ) .
ذلك اشارة الى العمل بالأوصاف الثلاثة مجتمعة ، و المعنى اذا لم تعملوا بالثلاثة فعليكم أن تعملوا بالوصفين الأخيرين ، و لا يجوز تركهما بحال ، و هما الكف عن المحرمات ، و شكر المنعم ، أما طول الأمل فإذا لم يؤد الى فعل الحرام فليس بحرام لأنه أشبه بحديث النفس الذي لا مؤاخذة عليه ، و من أجل هذا رخص به الإمام .
( فقد أعذر اللّه اليكم ) أي لم يدع لكم عذرا تعللون به ، ذلك بأنه تعاهدكم ( بحجج مسفرة ظاهرة ) من منطق الحس و العقل ( و كتب بارزة العذر واضحة ) ان ما أنزله سبحانه في كتابه من آيات محكمات هي عذر واضح له ، جلت حكمته ، فيما ينزله بالعاصي من العقوبات . و الخلاصة ان اللّه تعالى منح الانسان العقل و القدرة و الارادة ، و أوضح له نهج السبيل ، و لم يدع له من عذر إن تنكب عنه ، و هذه بمجموعها حجة كاملة للّه على من سوّلت له نفسه أن يتعدى حدوده و أحكامه .
تعليق