كم قطة في حياتنا
تروي الكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبرت، في روايتها الشهيرة “صلاة.. طعام.. حب”، وهي الرواية التي صدرت في العام 2006، ومن ثم ترجمت إلى أغلب لغات العالم، وكذلك تم تحويلها إلى فيلم هوليوودي حاز شهرة كبيرة أيضا، أن جماعة من الهنود يتداولون في موروثهم القديم، قصة معبرة عن معلم عظيم كان محاطاً دوماً في معتزله بالأتباع المخلصين.
وكان هؤلاء الأتباع يقضون معه ساعات طويلة في التأمل والصلاة كل يوم. ولكن كانت ثمة مشكلة وحيدة تصادفهم، فقد كان لدى ذلك المعلم قطة صغيرة مزعجة، لا تفتأ تتجول في المكان الذي يعتكفون فيه، وهي تموء مفسدة على الجميع خلواتهم النفسية وانشغالهم بالتأمل والصلاة. فأمر ذلك المعلم العظيم، مستنداً إلى حكمته العملية البالغة، أن تقيد تلك القطة الصغيرة إلى عمود في الخارج لبضع ساعات في اليوم، وذلك أثناء جلسات التأمل والصلاة فقط، كي لا تزعج أحداً من المعتكفين.
مع مضي الوقت، تحول الأمر إلى عادة، فصار كلما حان وقت جلسات التأمل والصلاة، لا بد أن يتم تقييد القطة إلى العمود في الخارج. ومع مرور السنوات، تحجرت هذه العادة، وتحولت إلى ما يشبه الطقس الديني، ولم يعد بإمكان أحد منهم أن يعتكف ليتأمل ويصلي، من دون أن يربط القطة إلى العمود أولاً.
في يوم من الأيام، ماتت القطة، فأصيب الأتباع بالذعر، وعانوا أزمة خطيرة. كيف لهم الاعتكاف الآن؟ وكيف لهم أن يمارسوا تأملهم وصلاتهم من دون قطة يربطونها إلى العمود؟ كيف سيصلون الآن؟ لقد أصبحت القطة في عقولهم هي الوسيلة التي لا يمكن الوصول من دونها، بعدما نسوا، أو تناسوا، أن معلمهم كان يربطها لمجرد التخلص من إزعاجها أثناء جلسات التأمل والصلاة، لا أكثر!
ذكرتني هذه القصة الأسطورية عميقة الدلالات، بالتجربة العلمية الشهيرة حول أولئك القرود الخمسة، والتي يظهر فيها كيف صارت هذه القرود تشارك جميعا في ضرب كل قرد جديد يقوم الباحثون بإدخاله إلى القفص، من دون أن يعرفوا لماذا يضربونه أصلاً. وكذلك ذكرتني بقصة تلك الزوجة الجديدة، التي كانت تحرص على قص ذيل السمكة قبل أن تقوم بقليها وتقديمها لزوجها، لمجرد أنها شاهدت جدتها تفعل ذلك، وحين سُئِلت الجدة عن سبب قص ذيل السمكة، جاءت الإجابة بأنها كانت تقص ذيلها لأن مقلاتها في ذلك الوقت كانت صغيرة ولا تتسع لكل السمكة!
لهذه القصص الرمزية، الكثير مما يقابلها في حياة الناس اليوم، سواء على الصعيد الديني، أو على مستوى الحياة والعمل بشكل عام. فكم من الطقوس الدينية التي يأتي بها كثير من الناس من حولنا، ويحرصون على التمسك بها وتأديتها دائما، بل يرون أن عباداتهم لا تستقيم من دونها، وهي في واقع الأمر ليست من الدين في شيء، بل حسبها أنها عادات جاء بها أحد ما في زمن من الأزمان، فسارت وترسخت بينهم جيلاً بعد جيل حتى اختلطت بالدين، وصاروا يحسبونها منه، وهو منها بريء!
وكذلك، كم من الممارسات الإدارية البيروقراطية في بيئات العمل المختلفة، والتي يدرج الموظفون على القيام بها، دون السؤال عن أصلها وهدفها، لمجرد أنهم وجدوا الجميع يمارسونها كذلك منذ لحظة توظيفهم الأولى، حتى تصبح جزءا صميما من إجراءات العمل، لا يستقيم العمل في ظنهم من دونها.
وكذلك على مستوى الإنسان شخصياً، كم من الأمور التي يعتاد المرء القيام بها، حتى تصير جزءاً متأصلا من تفاصيل حياته، دون أن يتوقف ولو للحظة واحدة ليفكر فيها، ويتفكر في فائدتها وقيمتها، ناهيك عن هل ستكون حاله أفضل لو هو تخلص منها ربما!
القطط التي يربطها الناس إلى الأعمدة في حياتهم اليوم، كثيرة.. مربوطة في كل جانب من جوانب هذه الحياة. والواقع أن أغلب الناس يمضي في معيشته دون حتى أن يكلف خاطره بالتساؤل؛ لماذا هي مربوطة يا ترى؟! يجترونها ويكررونها، بل ويدافعون عن وجودها.
فهل تراك من هؤلاء الناس؟ أم أنك من أولئك النادرين جدا، الذين تمردوا على ذلك، وصاروا يتوقفون بين فترة وأخرى في مسيرة حياتهم، باحثين عن هذه القطط المربوطة إلى الأعمدة حتى يطلقوا سراحها؟!
تروي الكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبرت، في روايتها الشهيرة “صلاة.. طعام.. حب”، وهي الرواية التي صدرت في العام 2006، ومن ثم ترجمت إلى أغلب لغات العالم، وكذلك تم تحويلها إلى فيلم هوليوودي حاز شهرة كبيرة أيضا، أن جماعة من الهنود يتداولون في موروثهم القديم، قصة معبرة عن معلم عظيم كان محاطاً دوماً في معتزله بالأتباع المخلصين.
وكان هؤلاء الأتباع يقضون معه ساعات طويلة في التأمل والصلاة كل يوم. ولكن كانت ثمة مشكلة وحيدة تصادفهم، فقد كان لدى ذلك المعلم قطة صغيرة مزعجة، لا تفتأ تتجول في المكان الذي يعتكفون فيه، وهي تموء مفسدة على الجميع خلواتهم النفسية وانشغالهم بالتأمل والصلاة. فأمر ذلك المعلم العظيم، مستنداً إلى حكمته العملية البالغة، أن تقيد تلك القطة الصغيرة إلى عمود في الخارج لبضع ساعات في اليوم، وذلك أثناء جلسات التأمل والصلاة فقط، كي لا تزعج أحداً من المعتكفين.
مع مضي الوقت، تحول الأمر إلى عادة، فصار كلما حان وقت جلسات التأمل والصلاة، لا بد أن يتم تقييد القطة إلى العمود في الخارج. ومع مرور السنوات، تحجرت هذه العادة، وتحولت إلى ما يشبه الطقس الديني، ولم يعد بإمكان أحد منهم أن يعتكف ليتأمل ويصلي، من دون أن يربط القطة إلى العمود أولاً.
في يوم من الأيام، ماتت القطة، فأصيب الأتباع بالذعر، وعانوا أزمة خطيرة. كيف لهم الاعتكاف الآن؟ وكيف لهم أن يمارسوا تأملهم وصلاتهم من دون قطة يربطونها إلى العمود؟ كيف سيصلون الآن؟ لقد أصبحت القطة في عقولهم هي الوسيلة التي لا يمكن الوصول من دونها، بعدما نسوا، أو تناسوا، أن معلمهم كان يربطها لمجرد التخلص من إزعاجها أثناء جلسات التأمل والصلاة، لا أكثر!
ذكرتني هذه القصة الأسطورية عميقة الدلالات، بالتجربة العلمية الشهيرة حول أولئك القرود الخمسة، والتي يظهر فيها كيف صارت هذه القرود تشارك جميعا في ضرب كل قرد جديد يقوم الباحثون بإدخاله إلى القفص، من دون أن يعرفوا لماذا يضربونه أصلاً. وكذلك ذكرتني بقصة تلك الزوجة الجديدة، التي كانت تحرص على قص ذيل السمكة قبل أن تقوم بقليها وتقديمها لزوجها، لمجرد أنها شاهدت جدتها تفعل ذلك، وحين سُئِلت الجدة عن سبب قص ذيل السمكة، جاءت الإجابة بأنها كانت تقص ذيلها لأن مقلاتها في ذلك الوقت كانت صغيرة ولا تتسع لكل السمكة!
لهذه القصص الرمزية، الكثير مما يقابلها في حياة الناس اليوم، سواء على الصعيد الديني، أو على مستوى الحياة والعمل بشكل عام. فكم من الطقوس الدينية التي يأتي بها كثير من الناس من حولنا، ويحرصون على التمسك بها وتأديتها دائما، بل يرون أن عباداتهم لا تستقيم من دونها، وهي في واقع الأمر ليست من الدين في شيء، بل حسبها أنها عادات جاء بها أحد ما في زمن من الأزمان، فسارت وترسخت بينهم جيلاً بعد جيل حتى اختلطت بالدين، وصاروا يحسبونها منه، وهو منها بريء!
وكذلك، كم من الممارسات الإدارية البيروقراطية في بيئات العمل المختلفة، والتي يدرج الموظفون على القيام بها، دون السؤال عن أصلها وهدفها، لمجرد أنهم وجدوا الجميع يمارسونها كذلك منذ لحظة توظيفهم الأولى، حتى تصبح جزءا صميما من إجراءات العمل، لا يستقيم العمل في ظنهم من دونها.
وكذلك على مستوى الإنسان شخصياً، كم من الأمور التي يعتاد المرء القيام بها، حتى تصير جزءاً متأصلا من تفاصيل حياته، دون أن يتوقف ولو للحظة واحدة ليفكر فيها، ويتفكر في فائدتها وقيمتها، ناهيك عن هل ستكون حاله أفضل لو هو تخلص منها ربما!
القطط التي يربطها الناس إلى الأعمدة في حياتهم اليوم، كثيرة.. مربوطة في كل جانب من جوانب هذه الحياة. والواقع أن أغلب الناس يمضي في معيشته دون حتى أن يكلف خاطره بالتساؤل؛ لماذا هي مربوطة يا ترى؟! يجترونها ويكررونها، بل ويدافعون عن وجودها.
فهل تراك من هؤلاء الناس؟ أم أنك من أولئك النادرين جدا، الذين تمردوا على ذلك، وصاروا يتوقفون بين فترة وأخرى في مسيرة حياتهم، باحثين عن هذه القطط المربوطة إلى الأعمدة حتى يطلقوا سراحها؟!
تعليق