الخطبة 39 لا دين و لا حمية :
منيت بمن لا يطيع إذا أمرت و لا يجيب إذا دعوت ، لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربّكم . أما دين يجمعكم و لا حميّة تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا و أناديكم متغوّثا فلا تسمعون لي قولا . و لا تطيعون لي أمرا . حتّى تكشّف الأمور عن عواقب المساءة فما يدرك بكم ثار و لا يبلغ بكم مرام . دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ . و تثاقلتم تثاقل النّضو الأدبر ثمّ خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون .
المعنى :
كان الصحابة من المهاجرين و الأنصار مع الإمام ( عليه السلام ) ضد معاوية و أصحاب الجمل و النهروان إلا شذاذا ، منهم النعمان بن بشير الأنصاري ، و كان انتهازيا مرتزقا ، يبيع دينه و ضميره لأي شيطان يدفع الثمن ، و كان من المقربين عند عثمان ، و لما قتل عثمان أخذ النعمان قميصه و أصابع زوجته نائلة ، و باعهما الى معاوية ، فعلّق معاوية القميص و عليه الأصابع ليستثير أهل الشام . و قد عمل النعمان أميرا على الكوفة لمعاوية ، و من بعده ليزيد . . و في ذات يوم جهزه معاوية بالسلاح و الرجال و أمره بالغارة على عين التمر في العراق ، و لما ورد الخبر بذلك الى الإمام استنهض الناس فتثاقلوا و تجاهلوا ، فقال :
( منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ، و لا يجيب اذا دعوت ) . تفيض هذه الكلمات بالأسى و الألم ، و مثلها كثير في كلام الإمام ( عليه السلام ) و ما ذاك إلا لأنه كان يهتم برعيته و بالانسان أينما كان أكثر من اهتمامه بنفسه و أهله ، و لكن ما يصنع ؟
و بأي شي ء ينفذ الحاكم سلطانه اذا كانت القوى المعدة للتنفيذ تسمع و لا تجيب ؟
و كل ما لاقاه الإمام و قاساه من جنده و أصحابه تجمعه و تحكيه كلمة واحدة ،
و هي قوله : « أريد أن أداوي بكم ، و أنتم دائي » . و لا شي ء أشد قسوة من داء دواؤه داء .
( ما تنتظرون بنصركم ربكم ) ؟ . أي بنصر دين اللّه و شريعته ، و من نكص عن نصرة الحق فقد نصر الباطل ، أراد ذلك أم لم يرد ( أما دينكم يجمعكم ،
و لا حمية تحمشكم ) . الدين و الحمية كلام فارغ في منطق الناس أو أكثرهم من يوم قابيل و هابيل ، و الجامع الأول و الأخير المصلحة و المنفعة الشخصية ، و لا يغضب للّه إلا الذين يرجونه و لا يرجون سواه . و قليل ما هم . . ( أقوم فيكم مستصرخا ، و أناديكم متغوثا ، فلا تسمعون لي قولا ، و لا تطيعون لي أمرا ) .
لأن أمرك هو أمر اللّه و الحق ، و لو كان أمر الشيطان لسمعوا و أطاعوا ، و من قبل قال تعالى لنبيه الكريم : فإنك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء اذا ولّوا مدبرين 52 الروم .
( حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة ) . لا تعرفون نصحي إلا بعد فوات الأوان ، و عندئذ تعضون يد الندامة و الكآبة على ما كان من عنادكم و تقصيركم ( فما يدرك بكم ثأر ، و لا يبلغ بكم مرام ) . لأنك يا مولاي لا تقتص و تثأر إلا من الباطل و أهله ، و لا تروم إلا الحق و إعلاء كلمته ، و لو كنت من أهل الدنيا لكانوا أطوع اليك من بنانك ( دعوتكم الى نصرة اخوانكم ) الذين غزاهم معاوية بشياطينه ( فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ ، و تثاقلتم تثاقل النضو الأدبر ) . اذا كلّ البعير و تعب ردد صوته في حنجرته ، بخاصة اذا كان هزيلا ،
و في ظهره عقر ، و من فوقه حمل ثقيل ، و كان الإمام اذا دعى أصحابه الى الجهاد شق ذلك عليهم ، و تضجروا تماما كما يفعل الجمل الهزيل الذي اعتقر ظهره و ثقل حمله .
( ثم خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون الى الموت و هم ينظرون ) . هذا كل ما ترتب على الوعظ و التحريض ، بل و الاستصراخ و الاستغاثة :
نفر قليل ضعيف مضطرب ، لا يسمن و لا يغني من جوع .
و ذكر طه حسين السبب المباشر لذلك بقوله : « كان علي لا يستكره أحدا على الحرب . . و لو شاء لجند الناس تجنيدا . . و لو شاء لاستمالهم بالمال ، و لكنه لم يفعل . . و أراد أن ينصروه عن بصيرة و إيمان » . يريد البصيرة و الإيمان بالحق
ممن لا يقاد إلا بجيبه و معدته التي لا حد لها و لا قعر . . قال فيلسوف معاصر ما معناه : للإنسان معدة ، و للقرد معدة أيضا ، و أنا لا أعرف قرودا تأكل قرودا ،
و لكني أعرف بشرا يأكلون البشر على الصعيد الفردي و الاجتماعي و الدولي . . و الفرق بين الانسان المتوحش و الانسان المتحضر أن الأول يقتل أخاه الانسان و يأكله ،
و الثاني يقتله و يكفنه و يصلي عليه و يدفنه و يؤبنه ، ثم يأكل ما كان قد أعده لقوته و حياته .
(في ظلال نهج البلاغة - محمد جواد مغنية )
منيت بمن لا يطيع إذا أمرت و لا يجيب إذا دعوت ، لا أبالكم ما تنتظرون بنصركم ربّكم . أما دين يجمعكم و لا حميّة تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا و أناديكم متغوّثا فلا تسمعون لي قولا . و لا تطيعون لي أمرا . حتّى تكشّف الأمور عن عواقب المساءة فما يدرك بكم ثار و لا يبلغ بكم مرام . دعوتكم إلى نصر إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ . و تثاقلتم تثاقل النّضو الأدبر ثمّ خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون .
المعنى :
كان الصحابة من المهاجرين و الأنصار مع الإمام ( عليه السلام ) ضد معاوية و أصحاب الجمل و النهروان إلا شذاذا ، منهم النعمان بن بشير الأنصاري ، و كان انتهازيا مرتزقا ، يبيع دينه و ضميره لأي شيطان يدفع الثمن ، و كان من المقربين عند عثمان ، و لما قتل عثمان أخذ النعمان قميصه و أصابع زوجته نائلة ، و باعهما الى معاوية ، فعلّق معاوية القميص و عليه الأصابع ليستثير أهل الشام . و قد عمل النعمان أميرا على الكوفة لمعاوية ، و من بعده ليزيد . . و في ذات يوم جهزه معاوية بالسلاح و الرجال و أمره بالغارة على عين التمر في العراق ، و لما ورد الخبر بذلك الى الإمام استنهض الناس فتثاقلوا و تجاهلوا ، فقال :
( منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ، و لا يجيب اذا دعوت ) . تفيض هذه الكلمات بالأسى و الألم ، و مثلها كثير في كلام الإمام ( عليه السلام ) و ما ذاك إلا لأنه كان يهتم برعيته و بالانسان أينما كان أكثر من اهتمامه بنفسه و أهله ، و لكن ما يصنع ؟
و بأي شي ء ينفذ الحاكم سلطانه اذا كانت القوى المعدة للتنفيذ تسمع و لا تجيب ؟
و كل ما لاقاه الإمام و قاساه من جنده و أصحابه تجمعه و تحكيه كلمة واحدة ،
و هي قوله : « أريد أن أداوي بكم ، و أنتم دائي » . و لا شي ء أشد قسوة من داء دواؤه داء .
( ما تنتظرون بنصركم ربكم ) ؟ . أي بنصر دين اللّه و شريعته ، و من نكص عن نصرة الحق فقد نصر الباطل ، أراد ذلك أم لم يرد ( أما دينكم يجمعكم ،
و لا حمية تحمشكم ) . الدين و الحمية كلام فارغ في منطق الناس أو أكثرهم من يوم قابيل و هابيل ، و الجامع الأول و الأخير المصلحة و المنفعة الشخصية ، و لا يغضب للّه إلا الذين يرجونه و لا يرجون سواه . و قليل ما هم . . ( أقوم فيكم مستصرخا ، و أناديكم متغوثا ، فلا تسمعون لي قولا ، و لا تطيعون لي أمرا ) .
لأن أمرك هو أمر اللّه و الحق ، و لو كان أمر الشيطان لسمعوا و أطاعوا ، و من قبل قال تعالى لنبيه الكريم : فإنك لا تسمع الموتى و لا تسمع الصم الدعاء اذا ولّوا مدبرين 52 الروم .
( حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة ) . لا تعرفون نصحي إلا بعد فوات الأوان ، و عندئذ تعضون يد الندامة و الكآبة على ما كان من عنادكم و تقصيركم ( فما يدرك بكم ثأر ، و لا يبلغ بكم مرام ) . لأنك يا مولاي لا تقتص و تثأر إلا من الباطل و أهله ، و لا تروم إلا الحق و إعلاء كلمته ، و لو كنت من أهل الدنيا لكانوا أطوع اليك من بنانك ( دعوتكم الى نصرة اخوانكم ) الذين غزاهم معاوية بشياطينه ( فجرجرتم جرجرة الجمل الأسرّ ، و تثاقلتم تثاقل النضو الأدبر ) . اذا كلّ البعير و تعب ردد صوته في حنجرته ، بخاصة اذا كان هزيلا ،
و في ظهره عقر ، و من فوقه حمل ثقيل ، و كان الإمام اذا دعى أصحابه الى الجهاد شق ذلك عليهم ، و تضجروا تماما كما يفعل الجمل الهزيل الذي اعتقر ظهره و ثقل حمله .
( ثم خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون الى الموت و هم ينظرون ) . هذا كل ما ترتب على الوعظ و التحريض ، بل و الاستصراخ و الاستغاثة :
نفر قليل ضعيف مضطرب ، لا يسمن و لا يغني من جوع .
و ذكر طه حسين السبب المباشر لذلك بقوله : « كان علي لا يستكره أحدا على الحرب . . و لو شاء لجند الناس تجنيدا . . و لو شاء لاستمالهم بالمال ، و لكنه لم يفعل . . و أراد أن ينصروه عن بصيرة و إيمان » . يريد البصيرة و الإيمان بالحق
ممن لا يقاد إلا بجيبه و معدته التي لا حد لها و لا قعر . . قال فيلسوف معاصر ما معناه : للإنسان معدة ، و للقرد معدة أيضا ، و أنا لا أعرف قرودا تأكل قرودا ،
و لكني أعرف بشرا يأكلون البشر على الصعيد الفردي و الاجتماعي و الدولي . . و الفرق بين الانسان المتوحش و الانسان المتحضر أن الأول يقتل أخاه الانسان و يأكله ،
و الثاني يقتله و يكفنه و يصلي عليه و يدفنه و يؤبنه ، ثم يأكل ما كان قد أعده لقوته و حياته .
(في ظلال نهج البلاغة - محمد جواد مغنية )