((قراءةٌ في تحديد مفهوم الصداقـة ))
==========================
:المواصفات والمُعطيات :
==========================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
الصداقة هي نوع من العَلاقة الاجتماعية، والتي من خلالها يرتبط الفرد بالآخرين
وتقوم هذه العلاقة أحياناً على أسس صحيحة وسليمة، فتؤدي إلى نتائج طيبة.
وتارةً تقوم على أسس غير صحيحة وسيئة، ومعلومٌ أنَّ نتائجها تكون غير محمودة.
وبالتالي يتأثر الإنسان بصديقه بكلا الطريقين الصحيح وغير الصحيح.
لذلك حثّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وعلماء الدين وعلماء الاجتماع والمُصلِحين
على ضرورة أن تكون الصداقات والعلاقات فيما بين الأفراد، صالحة وطيبة وعلى أسس متينة.
لأنها تعود بنتائجها على المجتمع وعلى الفرد نفسه، بالمصلحة والفائدة في الدنيا والآخرة.
و يقول الإمام علي: عليه السلام:
(( عليك بإخوان الصدق فأكثِر من اكتسابهم، فإنهم عدّة عند الرخاء، وجُنَّة عند البلاء)).
:ميزان الحكمة الريشهري:ج1:ص38.
والجُنّة هي الوقاية.
والعلاقات أو الصداقات السيئة وغير الصحيحة، تنقلب إلى عداوة في الدنيا والآخرة
وهذا ما ثبت بالتجربة في هذه الحياة الدنيا
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا النوع من العلاقات بقوله تعالى::
{الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُو إِلا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]
بمعنى:
إنَّ الأصدقاء الذين إجتمعوا على معاصي الله في الدنيا يتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة
لكن الذين تصادقوا على تقوى الله,
فإنَّ صداقتهم دائمة في الدنيا والآخرة.
والأخلاّء هم الأصدقاء. أي فقط صداقة المتّقين الذين يتجنبون الرذائل ويخافون الله هُم الناجون والفائزون يوم القيامة.
فالصداقة الدنيوية الزائفة هي نفسها تصير عداوة حقيقية في الآخرة، إلا الصداقة الصالحة بين المؤمنين،
وفي يوم الآخرة يتبرأ الصديق السيئ -والذي بنى علاقته وصداقته على أسس زائفة وسيئة- من صديقه.
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي} [الفرقان: 27-29].
مواصفات الصديق الصالح
1- أن يكون مؤمناً متصفاً بالأخلاق الحسنة، لا يخون ولا يكذب.
2- أن يكون عاقلاً ومثقفاً وواعياً؛ لأن الصديق الجاهل يضرك ولا ينفعك.
3- أن يكون الصديق ملتزماً بتعاليم الإسلام، أي يصلي ويصوم، ويطيع والديه، ولا يكون عاصيا لله ومرتكباً للمحرّمات.
4- أن يكون ظاهره وباطنه واحداً، وان لا تغيّره عليك ولاية أو مال.
5- أن يكون الإنسان الذي يريد أن يرتبط اجتماعيا بالآخرين، ناصحاً لهم إن كانوا سيئين، ومعيناً ونصيراً لهم إن كانوا صالحين.
6- أن يرى زَينك زينه، وشينك -أي سيئك- شينه، وأن لا يخذلك ولا يسلمك عند المصاعب والنكبات.
فعن الإمام جعفر الصادق:عليه السلام: عن أبيه :ع:
عن جده:النبي محمد: صلى الله عليه وآله وسلّم:
قال:
((يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق.
قلتُ: يا أبة مَنْ هم؟
قال:ع: إيَّاك ومصاحبة الكذّاب!
فإنَّه بمنزلة السراب، يقرّب لك البعيد ويباعد لك القريب،
وإياك ومصاحبة الفاسق!
فإنَّه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك،
وإياك ومصاحبة البخيل!
فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه،
وإياك ومصاحبة الأحمق!
فإنَّه يريد أن ينفعك فيضرك،
وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه!
فإنَّي وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع...))
:الكافي الكليني :ج2:ص376.
لماذا يجب أن نبتعد عن صديق السوء؟
إعلم إنَّ قِيم الأصدقاء ليست مرتبطة بالقلة أو الكثرة،
وإنّما هي فيما يتحلون به من صفات النُبل والإخلاص والوفاء، التي لا تجتمع إلاّ في فئة قليلة ونادرة،
وصديقٌ مخلص ووفي، خير من ألف صديق عديم الإخلاص والوفاء.
والصداقة بمثابة الريح القوية التي إذا تحركت نقلت كل شيءٍ معها
فمرةً تنقل لنا رائحةً طيبة إذا مرت على حديقة للورود،
ومرةً تنقل لنا رائحةً خبيثة إذا مرّت على مكان رمي الأوساخ
وهكذا فإنَّ الطباع تُكتسب وتؤخذ من خلال الصديق، صالحاً كان أم سيئاً،
قال:رسول الله :ص:
((المرء على دين خليلِه وقرينه))
:الكافي:الكليني:ج2:ص375.
فلينظر أحدكم من يخالِل .
أي يصادق.
وبعد أنْ أوضح القرآن وأهل بيت النبي’ فضلَ الأصدقاء الأوفياء ومواصفاتهم،
رسموا لهم سياسة وأدبا، وقرروا حقوق بعضهم على بعض
ليوثّقوا أواصر الصداقة بين المؤمنين ومن ثم لتكون باعثاً على تعاطفهم وتساندهم
ومن هذه الحقوق:
1- الحق المادي،:
فقد يقع الصديق في أزمة اقتصادية خانقة، ويعاني مرارة الفاقة والحرمان، ويغدو بأمسّ الحاجة إلى النجدة والرعاية المادية،
فمن حقه على أصدقائه النبلاء والأوفياء، أن يسرعوا لإسعافه والتخفيف من أزمته، بما تجود به أنفسهم وسخاؤهم
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].
2- حق المداراة
، فالأصدقاء مهما حسُنت أخلاقهم وقوة علائق الود بينهم، فإنهم عرضة للخطأ والتقصير؛ لعدم عصمتهم،
فإذا ما بدرت من أحدهم هفوة أو خطأ في فرح أو حزن، ونحو ذلك من صور التقصير، فعلى الصديق إذا كان واثقاً بحبهم وإخلاصهم، أن يتغاضى عن إساءتهم ويصفح عن زللهم؛ حرصاً على صداقتهم وإستبقاءً لودّهم،
إذ المبالغة في نقدهم والإلحاح في ذلك، يبعث على نفرتهم والحرمان منهم.
3- حق النصح للصديق، وستر عيوبه والدعاء له، ومشاركته في أفراحه وأحزانه.
وهنا نسأل:
هل يجوز إقامة علاقة صداقة بين الشباب والشابات، أي بين الطلاب والطالبات مثلا؟
أي كالعلاقات الحاصلة بين الشباب والشابات، بصورة سرية بطريق الهاتف النقّال؟
والجواب:
هو حرمة ذلك مهما كانت الأسباب، إلاّ في حالة موافقة أولياء أمور كلّ من الشاب والشابة، ولغرض الزواج الشرعي الشريف.
والإسلام إنّما يحرّم مثل هذه الصداقات والعلاقات المشبوهة؛
لأنه يريد الحفاظ على شرف وعفة المرأة، وبالتالي شرف الأسرة والمجتمع
لأن المرأة إذا فقدت هذه الخاصية، وهي خاصية العفة والحشمة، انهار وتدمّر المجتمع بأسره كما هو المُلاحظ في المجتمعات الغربية.
فكل عمل عندما تكون مقدماته -بداياته- محرمةً وفاسدة، فإن نتائجه حتماً ستكون فاسدة وغير مُرضية،
لذا يجب اجتناب كل ما يوقع في الحرام، ولا يرضي الله سبحانه وتعالى،
ولا أعتقد أنَّ أحداً منّا يرضى لأخته أن تصادق شاباً غريباً وأجنبياً -
أو كل من لا يحل عليها شرعاً-
فكما لا نحب ذلك لأنفسنا، كذلك يجب أن لا نحب ذلك لغيرنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي: النجف الأشرف:
تعليق