لو تعاتبتم ماتغابنتم وشيء من الفقر والثراء
الكاتب محمد جعفر الكيشوان الموسوي
جناب الأستاذ الفاضل مجاهد منعثر منشد دامت توفيقاته
السلام عليكم سلام مقصر بحقكم ورحمة الله وبركاته
أنتم نورٌ على نور كما أنكم إسمٌ على مُسمى
نحن الذين نتفاخر بوجودكم بين ظهرانينا
رغم ان كتابات العبد الفقير لا تحمل صبغة سياسية بحته بل غالبا ماتكون إجتماعية إنسانية، آمل من خلالها المشاركة بشكل بسيط ومتواضع في تأسيس مجتمع تسوده المودة والألفة والأحترام المتبادل بين مكوناته وسأستمر بعونه تعالى على ذلك. أقول رغم هذا فإن بعض المواقع لاتنشر لنا.. في كلّ مرّة أرسل مشاركتي وأنتظر الدور وأقول ربما كثرة المشاركات تحول دون ذلك، فأتصل مستفسرا ليقال لي أن المشاركة لم تصل فأعود وأرسلها من جديد وأنتظر لتنشر في آخر المطاف وأحيانا تبقى ساعات وتزاح إلى الأرشيف. كتب لي أحد السادة الباحثين: أنا خجل معكم فمقالاتك تنشر أحاينا بضعة ساعات فقط ولا ألحق أن أعلٌّق عليها فقلتُ ممازحا إياه: هذا تمرين للكتابة بأسرع من البرق، كما أنه تمرين جيدٌ للذاكرة. هكذا هو حالنا دوما وحتى مقالتنا الأخيرة بعنوان" وهوائي غالب.. إلى متى؟" لم تنشرها بعض المواقع وأنا أحترم شروطهم للنشر ولكن حبذا لو أعلمونا بأن الموضوع غير صالح للنشر لكي نعتذر لهم ونعدهم بالأفضل إن توفقنا لذلك. لم يحصل شيء من هذا القبيل وإنما (نلعب ختلان). لا أستطيع الحكم على أحد بل لا يمكنني إطلاقا سوء الظن بهم. الثابت عندي هو عدم نشرهم لي. ماهي الاسباب، "علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى". عدم نشر مشاركاتي في أيّ موقع سوف لن يذهبه بريقه ولمعانه وتألقه. هناك من الكتّاب وأكاد أقول كلّهم فيهم البركة وحتى الذين نختلف معهم وربما إنتقدناهم نقدا لاذعا نكن لهم التقدير والإحترام. لا أحب أن أخسر أحدا، يكفي أننا ننتمي لتراب هذه الكرة الأرضية. لقد خلقنا من تراب ونعود إلى التراب. ربما إختلفت في حياتي مع الكثيرين ولكني لم أتذكر أن نمت ليلتي وفي قلبي غلا لأحدهم. الإختلاف رحمة ولكن الكره والعياذ بالله ليس من ثوبنا. إليكم هذه القصة:
دعوتُ عليه ثم دعوتُ له:
كنت أوصي الاولا دعند باب كل مسجد وأقول لهم البيت الشهير:
"إحفظْ لسانكَ أيها الإنسانُ
لا يَلْدَغنَّكَ إنّهُ ثُعبانٌ"
سمعني أحد الداخلين إلى المسجد فأسمعني كلاما جاحا ومن ثم رماني بسهام كلماته الموجعة حقا.تألمتُ منه كثيرا ولكني قلتُ له إستغفر ربك يارجل فلماذا تسب والدي وأنت لم تره يوما. لم يعرنِ إهتماما فقلتُ له: لَاشكونك إلى الله الذي يحكم بين عباده بالحق وأسأله أن يريني قدرته فيك. تركته ودخلت المسجد وإستقبلتُ القبلة وكِلْتُهُ إلى الله. بعد أيام جاءني أحد الأولاد وقال لي أن فلان الذي دعوتَ عليه قد أصابه السوء. تألمتُ لذلك وكأن السوء قد أصابني، خرجتُ تحت السماء في منتصف الليل بعد ان نام العباد ودعوت له: إلهي إرضّ عنه فقد رضيتُ عنه. إلهي فرّج عنه فقد عفوتُ عنه. لم أكتفِ بذلك وبقيت حتى الفجر أنتظر طلوع الشمس لأتصل به وأسامحه شفويا ليسعد بذلك ففعلتُ وفَعَلْ.
أنا والمواقع المحترمة:
سألني أحد الأولاد هل نشرت لكم أيها السيد جميع المواقع التي أرسلتم إليها مقالتكم الأخيرة. قلت: لا لحد الآن بعضها لم ينشر لنا، ربما في الأسبوع القادم أو زد عليه كثيرا أو أنقص منه قليلا. فقال لي: لقد إعتادوا أولئك السادة بعدم النشر لك إلاّ بعد أن تبعث لهم بعدة إستفسارات عن مصير مقالتك. قلت: واللهِ لو كان ذلك يزيدهم تألقا وشموخا ورفعة ويرفع من مقامهم ومكانتهم ومنزلتهم لفعلت. أمّا إذا أرادوا بذلك إهانتي أو النيل من كرامتي فلن أفعل ذلك بعد اليوم. إن كرامة المؤمن تعدل مليون موقع محترم. نرفض الأنا ونحاربها وندعو إلى نبذها ولكن الكرامة لا نفرط بها ومن أجلها عشنا ونعيش غربة قاسية فقد تركنا الأحبة والأهل الوطن. ذلك الوطن المقدس الذي تشرف ترابه بأبي تراب. كلّ قد ضمه ويضمه التراب إلاّ مولى الموحدين علي بن أبي طالب فقد ضم هو التراب. إن كرامة المؤمن عند الله تعدل الكعبة.
يشتبه مدراء ومسؤلوا بعض المواقع المحترمة إن ظنوا أنهم سوف يهزمونا وإن هزمنا فمن المنتصر.
كيف تحسب معادلة الربح والخسارة. من نحن ومن هم. ألسنا كلّنا لآدم وآدم من تراب.
طبق الفلافل:
كنت جالسا في أحد المطاعم وطلبت طبقا من الفلافل(لحم الفقراء كما يسميه بعضهم) وقد جلس إلى جانبي رجلٌ تبدو عليه سيماء الأثرياء. نظر إليّ بإستغراب وهو يراني منسجما مع طبقي الذي أحبه كثيرا. سألني بتكبر ملحوظ: من أي البلاد أنت. أجبته: من بلاد يأكل جلّ شعبها الفلافل محشوة بالتراب لأن الرقابة الصحية عندنا تنشط فقط في مناطق الأثرياء. ماقيمة الفقراء مهما كانت علومهم فهم أغنياء بها وليس منها. أمّا الأثرياء فيجب على الرقابة الصحية أن تتفحص المواد الغذائية وغير الغذائية كيلا يمرض أحد الأثرياء لا سمح الله ومن ثم تكون الخسارة مضاعفة للأمة فمن بعده يجيد كنز الذهب الفضة. أهؤلاء الفقراء الذين ينفقونها في سبيل الله. إذا مرض أحد الأثرياء فهو جديرٌ بأن الأمة كلها تعوده لتسجل إسمها فس سجل حرمانه وذلك هو الخسران المبين. يكفي أنه ثري وإن لم يتصدق في حياته بـ (فلس أحمر) وأظن في وقتنا الآن لاتوجد تفاليس فأقل فئة هي مليون دينار مزوّر(وليس زائر). إذا مرض أحد الأثرياء فمن ياترى سينفق ماله رئاء الناس. الفقراء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ولا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى. ويبقوا مدى الحياة في أكواخهم. لم يكن شرقيا هذا الثري الذي كان طوال الوقت يصغي بشوق لما أقول، ولم يكن في ملتنا، طلبتُ أن يمهلني دقيقتين لأتناول لقمة أخرى من طبق الفلافل وطلبتُ منه أن يمعن النظر في طريقة أكلي دون رياء أو مجاملة. قلتُ له وأنا آكل: هكذا نأكل نحن الفقراء أيها السيد الثري بهذه الثلاث أصابع واشرت إلى الإبهام والوسطى والسبابة وواصلت حديثي: تماما كما يأكل جنابكم في البيت وفي الخلاء. ليست عندنا نحن الفقراء (أتكيتات) وإنما نبتدأ الأكل بإسم الله ونختمه بالحمد لله والدعاء بالمأثور أو بأيسر الدعاء: اللهم أطعمت فأشبعت أو أطعمت أشبعت أو أطعمت وأشبعت(على قراءات)، اللهم أشبع كلّ جائع وأروي كلّ ضمآن، أغني كل فقير، شافي كلّ مريض، فكَّ كلّ أسير، أرجع كلّ غريب إلى أهله ووطنه سالما غانما بحق محمد وآل محمد. كنت أحدثه بلغته التي يفهمهاز سألني حينما رآني قد فتر حماسي عن الكلام. هل حقا تحبون الفلافل مع التراب؟
هنا لا يوجد مزح. كل ماتقوله يحمل محمل الجد. لم يشتهرون هؤلاء القوم بالمزح. نحن ماشاء الله علينا لا يغلبنا غالب في المزح والقهقهة. مّن يحفظ مثلنا هذا الكم الهائل من النكات المسليّة لقلوبنا الموجعة بالنميمة والغيبة والبهتان والسب والشتم والقذف. ليسوا مثلنا هؤلاء معقدون مغلقون عمليون جديون لا يميزون بين أحد ولا يبخسون الناس أشياءهم. مساكين لا يغتب بعضهم بعضا ولا يطعن بعضهم بعضا ولا تنطفأ الكهرباء عندهم أبدا لأنهم في غنى عن تلك المهزلة التي أحببناها وتظاهرنا من أجلها فجلبتنا ولم نجلبها.
كررعليّ جليس الغني السؤال: أحقا تحبون الفلافل بشيء من التراب؟
قلت أجل أيها السيد الثري. قال هل يزعجك ثرائي؟ قلت:
هل يحرجك هنا فقري؟ قال لم تخبرني عن التراب والفلافل؟ قلت:
إسأل السيد علي وقصصت عليه هذه القصة:
السيد علي كمونة والبدو:
حدثني صديقي الأكرم السيد علي السيد جواد كمونة زاد الله في شرفه وقال:
"كان والدي مسافرا إلى كربلاء لزيارة المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وصادف في تلك الأثناء أن جاءنا بغض اصدقاء والدي من البدو المحترمين حيث كان السيد يبيع(الفرو) في سوق الكبير في النجف وكان أكثر الزبائن هم من البدو. فتحتُ الباب وأخبرت والدتي أن هؤلاء المحترمين من الزبائن الجيدين حيث يشترون كمية كبيرة من مستلزمات الصحراء كلّما جاءوا لزيارة أمير المؤمنين فقالت لي الوالدة إذن لابد من خدمتهم على أكمل وجه. أرسلتني إلى السوق في محلّة المشراق وقالت أحضر لي ماينقص المطبخ من المواد لعمل مرق (الفسنجون والسبزي والمسمى ـ أي البذنجان على لهجة أهل النجف قديما ـ) أحضرت على وجه السرعة كل طلبات الوالدة وشرعت هي بإعداد الطعام على وصفة المطبخ النجفي الشهي (آنذاك). إنتظرنا السيد الوالد لكنه تأخر فبدأنا بتناول الغداء وإذا بالضيوف الكرام يشمأزون من الأكل وقالوا لي ماهذا الطعام سيدنا، نحن كل مرّة يقدم لنا والدكم طعاما شهيا حقا. بينما نحن كذلك من النقاش وإذا بالوالد يطرق الباب. ركضت مسرعا لأستقبله وأقول: ضيوفك أيها السيد لم يعجبهم طبخ العلوية فقال لي وماذا أحضرتم لهم؟ قلت ذلك الذي قسمه الله وأخذت أعدد له أأنواع التي أعدتها والدتي فقال لي الوالد إنكم لم تحسنوا إعداد الطعام كما يحبونه هم. قلت وما العمل الآن سيدنا. قال لابأس عليك. إنزل إلى الشارع وأحضر لي بيدك(صمه) ملأ كف من الرمل وأخلطه مع الرز والمرق. فعلت الذي طلبه الوالد وأرجعت الطعام بعد إصلاحه بإضافة الرمل والتراب إليه فأخذ القوم يأكلون وصوت حبات الرمل(تجقجق) بين أسنانهم وقالوا لي: هذا الأكل الفاخر سيدنا خو موذاك اللي مانعرف أصله من فصله".
نظرت لأرى جليسي على غير عادتهم، غير مصغ لي. سألته عن السبب فأجابني: سرحتَ بعيدا عن حديثنا وسرحتُ بعيدا عن قصتك. تذكرت صديقي الثري وقص عليّ هذه القصة:
صديقي الثريي:
" كان لي صديق يسكن إلى جواري وهو من أهل الثراء فيملك تقريبا ثلاثة أضعاف ما أملك ولكنه كان بخيلا إلى درجة أنه يتناول الحبوب المنومة كلّما شعر بالجوع، ينام كي لا يأكل إلى هزل جسمه وضعف. كان غذا فشترى حذاءا جديدا فلا يلبسه إلاّ في اليابسة ويقول كثرة المشي لا تطيل عمر الحذاء وكان لا يغسل ثيابه إلاّ بعد أن تنبعث منها رائحة نتنة. تمنيتُ أن يكون معنا ويسمع حديث التراب الذي إقشعر بدني من سماعه، أجل أيها السيد فنحن سنترك كل هذه الثروة ونصير إلى التراب رغم أنفنا". ثم واصل:
ماذا تقترح أن آكل الان؟ فقلتُ له أنت رجلٌ ثري فيجب أن تأكل نصف كيلو ذهب وربع كيلو مجوهرات وتضعها بطبق مرصع بالياقوت والمرجان والزبرد وتشرب بدل الماء الجاري ماء الذهب. قاطعني وقال هذا مستحيل بل آكل كما تأكل أنت. انا وصاحبي الثري من الفقراء وأنت وأهل التراب أغنياء.
للحديث تتمة بعون الله تعالى
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"
أستغفرُ الله لي ولكم وأسأله التوبه
أقل العباد
محمد جعفر
http://kitabat.info/subject.php?id=15724
الكاتب محمد جعفر الكيشوان الموسوي
جناب الأستاذ الفاضل مجاهد منعثر منشد دامت توفيقاته
السلام عليكم سلام مقصر بحقكم ورحمة الله وبركاته
أنتم نورٌ على نور كما أنكم إسمٌ على مُسمى
نحن الذين نتفاخر بوجودكم بين ظهرانينا
رغم ان كتابات العبد الفقير لا تحمل صبغة سياسية بحته بل غالبا ماتكون إجتماعية إنسانية، آمل من خلالها المشاركة بشكل بسيط ومتواضع في تأسيس مجتمع تسوده المودة والألفة والأحترام المتبادل بين مكوناته وسأستمر بعونه تعالى على ذلك. أقول رغم هذا فإن بعض المواقع لاتنشر لنا.. في كلّ مرّة أرسل مشاركتي وأنتظر الدور وأقول ربما كثرة المشاركات تحول دون ذلك، فأتصل مستفسرا ليقال لي أن المشاركة لم تصل فأعود وأرسلها من جديد وأنتظر لتنشر في آخر المطاف وأحيانا تبقى ساعات وتزاح إلى الأرشيف. كتب لي أحد السادة الباحثين: أنا خجل معكم فمقالاتك تنشر أحاينا بضعة ساعات فقط ولا ألحق أن أعلٌّق عليها فقلتُ ممازحا إياه: هذا تمرين للكتابة بأسرع من البرق، كما أنه تمرين جيدٌ للذاكرة. هكذا هو حالنا دوما وحتى مقالتنا الأخيرة بعنوان" وهوائي غالب.. إلى متى؟" لم تنشرها بعض المواقع وأنا أحترم شروطهم للنشر ولكن حبذا لو أعلمونا بأن الموضوع غير صالح للنشر لكي نعتذر لهم ونعدهم بالأفضل إن توفقنا لذلك. لم يحصل شيء من هذا القبيل وإنما (نلعب ختلان). لا أستطيع الحكم على أحد بل لا يمكنني إطلاقا سوء الظن بهم. الثابت عندي هو عدم نشرهم لي. ماهي الاسباب، "علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى". عدم نشر مشاركاتي في أيّ موقع سوف لن يذهبه بريقه ولمعانه وتألقه. هناك من الكتّاب وأكاد أقول كلّهم فيهم البركة وحتى الذين نختلف معهم وربما إنتقدناهم نقدا لاذعا نكن لهم التقدير والإحترام. لا أحب أن أخسر أحدا، يكفي أننا ننتمي لتراب هذه الكرة الأرضية. لقد خلقنا من تراب ونعود إلى التراب. ربما إختلفت في حياتي مع الكثيرين ولكني لم أتذكر أن نمت ليلتي وفي قلبي غلا لأحدهم. الإختلاف رحمة ولكن الكره والعياذ بالله ليس من ثوبنا. إليكم هذه القصة:
دعوتُ عليه ثم دعوتُ له:
كنت أوصي الاولا دعند باب كل مسجد وأقول لهم البيت الشهير:
"إحفظْ لسانكَ أيها الإنسانُ
لا يَلْدَغنَّكَ إنّهُ ثُعبانٌ"
سمعني أحد الداخلين إلى المسجد فأسمعني كلاما جاحا ومن ثم رماني بسهام كلماته الموجعة حقا.تألمتُ منه كثيرا ولكني قلتُ له إستغفر ربك يارجل فلماذا تسب والدي وأنت لم تره يوما. لم يعرنِ إهتماما فقلتُ له: لَاشكونك إلى الله الذي يحكم بين عباده بالحق وأسأله أن يريني قدرته فيك. تركته ودخلت المسجد وإستقبلتُ القبلة وكِلْتُهُ إلى الله. بعد أيام جاءني أحد الأولاد وقال لي أن فلان الذي دعوتَ عليه قد أصابه السوء. تألمتُ لذلك وكأن السوء قد أصابني، خرجتُ تحت السماء في منتصف الليل بعد ان نام العباد ودعوت له: إلهي إرضّ عنه فقد رضيتُ عنه. إلهي فرّج عنه فقد عفوتُ عنه. لم أكتفِ بذلك وبقيت حتى الفجر أنتظر طلوع الشمس لأتصل به وأسامحه شفويا ليسعد بذلك ففعلتُ وفَعَلْ.
أنا والمواقع المحترمة:
سألني أحد الأولاد هل نشرت لكم أيها السيد جميع المواقع التي أرسلتم إليها مقالتكم الأخيرة. قلت: لا لحد الآن بعضها لم ينشر لنا، ربما في الأسبوع القادم أو زد عليه كثيرا أو أنقص منه قليلا. فقال لي: لقد إعتادوا أولئك السادة بعدم النشر لك إلاّ بعد أن تبعث لهم بعدة إستفسارات عن مصير مقالتك. قلت: واللهِ لو كان ذلك يزيدهم تألقا وشموخا ورفعة ويرفع من مقامهم ومكانتهم ومنزلتهم لفعلت. أمّا إذا أرادوا بذلك إهانتي أو النيل من كرامتي فلن أفعل ذلك بعد اليوم. إن كرامة المؤمن تعدل مليون موقع محترم. نرفض الأنا ونحاربها وندعو إلى نبذها ولكن الكرامة لا نفرط بها ومن أجلها عشنا ونعيش غربة قاسية فقد تركنا الأحبة والأهل الوطن. ذلك الوطن المقدس الذي تشرف ترابه بأبي تراب. كلّ قد ضمه ويضمه التراب إلاّ مولى الموحدين علي بن أبي طالب فقد ضم هو التراب. إن كرامة المؤمن عند الله تعدل الكعبة.
يشتبه مدراء ومسؤلوا بعض المواقع المحترمة إن ظنوا أنهم سوف يهزمونا وإن هزمنا فمن المنتصر.
كيف تحسب معادلة الربح والخسارة. من نحن ومن هم. ألسنا كلّنا لآدم وآدم من تراب.
طبق الفلافل:
كنت جالسا في أحد المطاعم وطلبت طبقا من الفلافل(لحم الفقراء كما يسميه بعضهم) وقد جلس إلى جانبي رجلٌ تبدو عليه سيماء الأثرياء. نظر إليّ بإستغراب وهو يراني منسجما مع طبقي الذي أحبه كثيرا. سألني بتكبر ملحوظ: من أي البلاد أنت. أجبته: من بلاد يأكل جلّ شعبها الفلافل محشوة بالتراب لأن الرقابة الصحية عندنا تنشط فقط في مناطق الأثرياء. ماقيمة الفقراء مهما كانت علومهم فهم أغنياء بها وليس منها. أمّا الأثرياء فيجب على الرقابة الصحية أن تتفحص المواد الغذائية وغير الغذائية كيلا يمرض أحد الأثرياء لا سمح الله ومن ثم تكون الخسارة مضاعفة للأمة فمن بعده يجيد كنز الذهب الفضة. أهؤلاء الفقراء الذين ينفقونها في سبيل الله. إذا مرض أحد الأثرياء فهو جديرٌ بأن الأمة كلها تعوده لتسجل إسمها فس سجل حرمانه وذلك هو الخسران المبين. يكفي أنه ثري وإن لم يتصدق في حياته بـ (فلس أحمر) وأظن في وقتنا الآن لاتوجد تفاليس فأقل فئة هي مليون دينار مزوّر(وليس زائر). إذا مرض أحد الأثرياء فمن ياترى سينفق ماله رئاء الناس. الفقراء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ولا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى. ويبقوا مدى الحياة في أكواخهم. لم يكن شرقيا هذا الثري الذي كان طوال الوقت يصغي بشوق لما أقول، ولم يكن في ملتنا، طلبتُ أن يمهلني دقيقتين لأتناول لقمة أخرى من طبق الفلافل وطلبتُ منه أن يمعن النظر في طريقة أكلي دون رياء أو مجاملة. قلتُ له وأنا آكل: هكذا نأكل نحن الفقراء أيها السيد الثري بهذه الثلاث أصابع واشرت إلى الإبهام والوسطى والسبابة وواصلت حديثي: تماما كما يأكل جنابكم في البيت وفي الخلاء. ليست عندنا نحن الفقراء (أتكيتات) وإنما نبتدأ الأكل بإسم الله ونختمه بالحمد لله والدعاء بالمأثور أو بأيسر الدعاء: اللهم أطعمت فأشبعت أو أطعمت أشبعت أو أطعمت وأشبعت(على قراءات)، اللهم أشبع كلّ جائع وأروي كلّ ضمآن، أغني كل فقير، شافي كلّ مريض، فكَّ كلّ أسير، أرجع كلّ غريب إلى أهله ووطنه سالما غانما بحق محمد وآل محمد. كنت أحدثه بلغته التي يفهمهاز سألني حينما رآني قد فتر حماسي عن الكلام. هل حقا تحبون الفلافل مع التراب؟
هنا لا يوجد مزح. كل ماتقوله يحمل محمل الجد. لم يشتهرون هؤلاء القوم بالمزح. نحن ماشاء الله علينا لا يغلبنا غالب في المزح والقهقهة. مّن يحفظ مثلنا هذا الكم الهائل من النكات المسليّة لقلوبنا الموجعة بالنميمة والغيبة والبهتان والسب والشتم والقذف. ليسوا مثلنا هؤلاء معقدون مغلقون عمليون جديون لا يميزون بين أحد ولا يبخسون الناس أشياءهم. مساكين لا يغتب بعضهم بعضا ولا يطعن بعضهم بعضا ولا تنطفأ الكهرباء عندهم أبدا لأنهم في غنى عن تلك المهزلة التي أحببناها وتظاهرنا من أجلها فجلبتنا ولم نجلبها.
كررعليّ جليس الغني السؤال: أحقا تحبون الفلافل بشيء من التراب؟
قلت أجل أيها السيد الثري. قال هل يزعجك ثرائي؟ قلت:
هل يحرجك هنا فقري؟ قال لم تخبرني عن التراب والفلافل؟ قلت:
إسأل السيد علي وقصصت عليه هذه القصة:
السيد علي كمونة والبدو:
حدثني صديقي الأكرم السيد علي السيد جواد كمونة زاد الله في شرفه وقال:
"كان والدي مسافرا إلى كربلاء لزيارة المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وصادف في تلك الأثناء أن جاءنا بغض اصدقاء والدي من البدو المحترمين حيث كان السيد يبيع(الفرو) في سوق الكبير في النجف وكان أكثر الزبائن هم من البدو. فتحتُ الباب وأخبرت والدتي أن هؤلاء المحترمين من الزبائن الجيدين حيث يشترون كمية كبيرة من مستلزمات الصحراء كلّما جاءوا لزيارة أمير المؤمنين فقالت لي الوالدة إذن لابد من خدمتهم على أكمل وجه. أرسلتني إلى السوق في محلّة المشراق وقالت أحضر لي ماينقص المطبخ من المواد لعمل مرق (الفسنجون والسبزي والمسمى ـ أي البذنجان على لهجة أهل النجف قديما ـ) أحضرت على وجه السرعة كل طلبات الوالدة وشرعت هي بإعداد الطعام على وصفة المطبخ النجفي الشهي (آنذاك). إنتظرنا السيد الوالد لكنه تأخر فبدأنا بتناول الغداء وإذا بالضيوف الكرام يشمأزون من الأكل وقالوا لي ماهذا الطعام سيدنا، نحن كل مرّة يقدم لنا والدكم طعاما شهيا حقا. بينما نحن كذلك من النقاش وإذا بالوالد يطرق الباب. ركضت مسرعا لأستقبله وأقول: ضيوفك أيها السيد لم يعجبهم طبخ العلوية فقال لي وماذا أحضرتم لهم؟ قلت ذلك الذي قسمه الله وأخذت أعدد له أأنواع التي أعدتها والدتي فقال لي الوالد إنكم لم تحسنوا إعداد الطعام كما يحبونه هم. قلت وما العمل الآن سيدنا. قال لابأس عليك. إنزل إلى الشارع وأحضر لي بيدك(صمه) ملأ كف من الرمل وأخلطه مع الرز والمرق. فعلت الذي طلبه الوالد وأرجعت الطعام بعد إصلاحه بإضافة الرمل والتراب إليه فأخذ القوم يأكلون وصوت حبات الرمل(تجقجق) بين أسنانهم وقالوا لي: هذا الأكل الفاخر سيدنا خو موذاك اللي مانعرف أصله من فصله".
نظرت لأرى جليسي على غير عادتهم، غير مصغ لي. سألته عن السبب فأجابني: سرحتَ بعيدا عن حديثنا وسرحتُ بعيدا عن قصتك. تذكرت صديقي الثري وقص عليّ هذه القصة:
صديقي الثريي:
" كان لي صديق يسكن إلى جواري وهو من أهل الثراء فيملك تقريبا ثلاثة أضعاف ما أملك ولكنه كان بخيلا إلى درجة أنه يتناول الحبوب المنومة كلّما شعر بالجوع، ينام كي لا يأكل إلى هزل جسمه وضعف. كان غذا فشترى حذاءا جديدا فلا يلبسه إلاّ في اليابسة ويقول كثرة المشي لا تطيل عمر الحذاء وكان لا يغسل ثيابه إلاّ بعد أن تنبعث منها رائحة نتنة. تمنيتُ أن يكون معنا ويسمع حديث التراب الذي إقشعر بدني من سماعه، أجل أيها السيد فنحن سنترك كل هذه الثروة ونصير إلى التراب رغم أنفنا". ثم واصل:
ماذا تقترح أن آكل الان؟ فقلتُ له أنت رجلٌ ثري فيجب أن تأكل نصف كيلو ذهب وربع كيلو مجوهرات وتضعها بطبق مرصع بالياقوت والمرجان والزبرد وتشرب بدل الماء الجاري ماء الذهب. قاطعني وقال هذا مستحيل بل آكل كما تأكل أنت. انا وصاحبي الثري من الفقراء وأنت وأهل التراب أغنياء.
للحديث تتمة بعون الله تعالى
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"
أستغفرُ الله لي ولكم وأسأله التوبه
أقل العباد
محمد جعفر
http://kitabat.info/subject.php?id=15724