ثورة زيد بن علي(عليهما السلام) والسبب فيها :
قال ابومخنف : واخبرني المنذر بن محمد في كتابه إلي باجازته ان ارويه عنه من حيث دخل، يعني حديث بعضهم في حديث الآخرين :
قالوا: كان أول أمر زيد بن علي - صلوات الله عليه - أن خالد بن عبدالله القسري ادعى مالا قِبَل زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي بن ابي طالب، وداود ابن علي بن عبدالله بن عباس، وسعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، وأيوب ابن سلمة بن عبدالله بن عباس بن الوليد بن المغيرة المخزومي.
وكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم عامل هشام على العراق، إلى هشام , وزيد بن علي، ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة.
وزيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله.
فلما قدمت كتب يوسف، بعث اليهم فذكر ما كتب به يوسف، فأنكروا فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم اليه يجمع بينكم وبينه.
قال له زيد: أنشدك الله والرحم أن لا تبعث بنا إلى يوسف.
قال له هشام وما الذي تخاف من يوسف ؟
قال: أخاف أن يتعدى علينا.
فدعا هشام كاتبه فكتب إلى يوسف: " اما بعد، فاذا قدم عليك زيد، وفلان، وفلان، فاجمع بينهم وبينه، فان اقروا بما ادعى عليهم فسرح بهم إلي، وإن هم أنكروا فاسأله البينة ، فان لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة، ولا له قبلهم شئ، ثم خل سبيلهم ".
فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدى كتابك ويطول علينا.
قال.كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل.
قالوا.جزاك الله عن الرحم خيرا لقد حكمت بالعدل.
فسرح بهم إلى يوسف، وهو يومئذ بالحيرة، فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخؤولته من هشام ولم يؤخذ بشئ من ذلك.
فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا فأجلس زيدا قريبا منه ولاطفه في المسألة، ثم سألهم عن المال فأنكروا، فأخرجه يوسف اليهم وقال.
هذا زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادعيت قبلهما ما ادعيت قال.
ما لي قِبَلهما قليل ولا كثير.
قال له يوسف : أفبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟!
فعذبه عذابا ظن أنه قد قتله.
ثم اخرج زيدا واصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفهم، فحلفوا فكتب يوسف إلى هشام يعلمه ذلك ، فكتب اليه هشام خل سبيلهم فخلى سبيلهم.
فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة اياما ، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل وبأشياء يبتاعها فألح عليه حتى خرج فأتى القادسية ثم إن الشيعة لقوا زيدا فقالوا له.
ابن تخرج عنا - رحمك الله - ومعك مائة الف سيف من اهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك، وليس قبلنا من اهل الشام إلا عدة يسيرة.
فأبى عليهم ، فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد ان اعطوه العهود والمواثيق . فقال له محمد بن عمر:
اذكرك الله ياابا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول احد من هؤلاء الذين يدعونك ، فانهم لا يفون لك، اليسوا اصحاب جدك الحسين بن علي؟
قال.اجل.
وابى ان يرجع واقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون اليه ويبايعون حتى احصى ديوانه خمسة عشرالف رجل من اهل الكوفة خاصة، سوى اهل المدائن، والبصرة، وواسط والموصل وخراسان، والري، وجرجان.
واقام بالكوفة بضعة عشر شهرا، وارسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعون الناس إلى بيعته، فلما دنا خروجه أمرأصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد ان يفي له يستعد، وشاع ذلك فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر وأخبره خبر زيد، فبعث يوسف فطلب زيدا ليلا فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعى اليه انه عندهما فأتى بهما يوسف فلما كلمهما استبان امر زيد واصحابه، وامر بهما يوسف فضربت اعناقهما وبلغ الخبر زيدا - صلوات الله عليه - فتخوف ان يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الاجل الذي بينه وبين اهل الامصار واستتب لزيد خروجه وكان قد وعد اصحابه ليلة الاربعاء اول ليلة من صفر سنة اثنين وعشرين ومائة فخرج قبل الاجل.
وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث الحكم بن الصلت يأمره أن يجمع اهل الكوفة في المسجد الاعظم فيحضرهم فيه فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة فأدخلوهم المسجد ثم نادى مناديه: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمة ائتوا المسجد الاعظم.
فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد.
وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الانصاري فخرج ليلا وذلك ليلة الاربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد من دارمعاوية بن إسحاق فرفعوا الهرادي فيها النيران ونادوا بشعارهم شعار رسول الله: " يامنصور أمت " فما زالوا حتى اصبحوا فلما اصبحوا بعث زيد - عليه السلام - القاسم بن عمر التبعي ورجلا آخر يناديان بشعارهما.
قال: ورفع ابوالجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديا من ميمنتهم ونادى بشعار زيد...
فلما كانوا في صحارى عبدالقيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي فشدوا عليه وعلى اصحابه فقتل الرجل الذي كان مع القاسم وارثت القاسم فأتى به الحكم بن الصلت فكلمه فلم يرد عليه فأمر به فضربت عنقه على بابا القصر وكان أول قتيل منهم رضوان الله عليه.
قال ابومخنف: وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة: من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم؟ قال عبدالله بن العباس المنتوف الهمداني : أنا آتيك بخبرهم فركب في خمسين فارسا ثم اقبل حتى اتى جبانة سالم فاستخبر، ثم رجع إلى يوسف فأخبره.
فلما اصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه قريش، وأشرف الناس وامير شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني.
قال: وبعث الريان بن سلمة البلوى في نحو من ألفي فارس وثلاثمائة من القيقانية رجالة ناشبة.
قال: واصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة مائتان وثمانية عشر من الرجالة فقال زيد بن علي - عليه السلام - سبحان الله فأين الناس؟ قيل: هم محصورون في المسجد فقال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر.
قال: واقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبدالرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن ابي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي فقال: يامنصور أمت، فلم يرد عليه عمر شيئا، فشد نصر عليه وعلى اصحابه فقتله وانهزم من كان معه.
واقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصيادين وبها خمسمائة من اهل الشام فحمل عليهم زيد في اصحابه فهزمهم ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من اهل الشام فهزمهم.
ثم شلهم حتى ظهر إلى المقبرة ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد واصحابه وهم يكرون، ولو شاء زيد ان يقتل يوسف يومئذ قتله.
ثم إن زيدأخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبدالله حتى دخل الكوفة فقال بعض اصحابه لبعض: الا ننطلق إلى جبانة كندة، فما زاد الرجل ان تكلم بهذا إذ طلع اهل الشام عليهم فلما رأوهم دخلوا زقاقا ضيقا فمضوا فيه وتخلف رجل منهم فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم خرج اليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم، ثم نادى رجل منهم فارس مقنع بالحديد: اكشفوا المغفر عن وجهه واضربوا رأسه بالعمود ففعلوا، فقتل الرجل وحمل اصحابه عليهم فكشفوهم عنه، واقتطع اهل الشام رجلا منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبدالله بن عوف ابن الاحمر فأسروه وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله.
واقبل زيد بن علي فقال: يانصر بن خزيمة اتخاف اهل الكوفة ان يكونوا فعلوها حسينية؟
قال: جعلني الله فداك اما أنا فوالله لاضربن بسيفي هذا معك حتى اموت.
ثم خرج بهم زيد يقودهم نحوالمسجد فخرج اليه عبيدالله بن العباس الكندي في اهل الشام فالتقوا على باب عمر بن سعد فانهزم عبيدالله بت العباس واصحابه حتى انتهوا إلى دار عمر بن حريث وتبعهم زيد عليه السلام حتى انتهوا إلى باب الفيل، وجعل اصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الابواب ويقولون: يااهل المسجد اخرجوا وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يااهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز وإلى الدين والدنيا.
قال: وجعل اهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها.
وقيل: في جبانة سالم.
وبعث يوسف بن عمر الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق فقاتلوا زيدا - عليه السلام - قتالا شديدا.
وخرج من اهل الشام جرحى كثيرة وشلهم اصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد الاعظم فرجع اهل الشام مساء يوم الاربعاء وهم أسوأ شئ ظنا.
فلما كان غداة يوم الخميس دعى يوسف بن عمر الريان ابن سلمة فأنف به فقال له: اف لك من صاحب خيل.
ودعا العباس بن سعد المري صاحب شرطته فبعثه إلى اهل الشام فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد في دار الرزق، وخرج اليهم زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق، فلما رآهم العباس نادى: يااهل الشام الارض.
فنزل ناس كثير.
واقتتلوا قتالا شديدا في المعركة وقد كان رجل من أهل الشام من بني عبس يقال له نائل بن فروة قال ليوسف والله لئن ملئت عيني من نصر بن خزيمة لاقتلنه او ليقتلني.
فقال له يوسف: خذ هذا السيف.
فدفع اليه سيفا لا يمر بشئ إلا قطعه.
فلما التقى اصحاب العباس بن سعد، واصحاب زيد.
أبصرنائل - لعنه الله - نصر بن خزيمة - رضوان الله عليه فضربه فقطع فخذه وضربه نصر فقتله، ومات نصر رحمه الله.
ثم إن زيدا - عليه السلام - هزمهم، وانصرفوا يومئذ بأسوء حال فلما كان العشى عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد واقبلوا حتى التقوا فحمل عليهم زيد فكشفهم ثم تبعهم حتى اخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم حتى اخرجهم من بني سليم فأخذوا على المسناة ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق وبين دواس فقاتلهم قتالا شديدا وصاحب لوائه من بني سعد بن بكر يقال له: عبدالصمد.
قال سعيد بن خيثم: وكنا مع زيد في خمسمائة واهل الشام اثنا عشر الفا - وكان بايع زيدا اكثر من اثنى عشر الفا فغدروا - إذ فصل رجل من اهل الشام من كلب على فرس رائع فلم يزل شتما لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول:
اما احد يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ أما
احد يغضب لرسول الله صلى الله عليه وآله؟ اما احد يغضب لله؟ قال: ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة.
قال: وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة.
قال سعيد: فجئت إلى مولى فأخذت منه مشملا كان معه ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربت عنقه وانا متمكن منه بالمشمل فوقع رأسه بين يدي بغلته ثم رميت جيفته عن السرج وشد أصحابه علي حتى كادوا يرهقونني، وكبر اصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني فركبت فأتيت زيدا فجعل يقبل بين عينيي ويقول: ادركت والله ثأرنا، ادركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها، إذهب بالبغلة فقد نفلتكها.
قال: وجعلت خيل اهل الشام لا تثبت لخيل زيد بن علي.
فبعث العباس ابن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله ان يبعث اليه الناشبة فبعث اليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم نجارية وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد.
وقاتل معاوية بن إسحاق الانصاري يومئذ قتالا شديدا فقتل بين يدي زيد.
وثبت زيد في اصحابه حتى اذا كان عند جنح الليل رمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ فرجع ورجع اصحابه ولا يظن اهل الشام انهم رجعوا إلا للمساء والليل.
قال ابومخنف: فحدثني سلمة بن ثابت وكان من اصحاب زيد وكان آخر من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق، قال: أقبلت انا واصحابي نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت حران بن ابي كريمة في سكة البريد في دور ارحب وشاكر فدخلت عليه فقلت له جعلني الله فداك ابا الحسين وانطلق ناس من اصحابه فجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس.
فقال له: إنك إن نزعته من رأسك مت قال: الموت ايسر علي مما انا فيه.
قال: فأخذ الكلبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات صلوات الله عليه.
قال القوم: اين ندفه؟ واين نواريه؟ فقال بعضهم نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء.
وقال بعضهم: لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى.
قال: فقال يحيى بن زيد: لا والله لا يأكل لحم ابي السباع.
وقال بعضهم نحمله إلى العباسية فندنه فيها.
فقبلوا رأيي.
قال: فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى إذا نحن مكنا له دفناه ثم اجرينا عليه الماء ومعنا عبد سندي.
قال سعيد بن خيثم في حديثه: عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي وكان معمر بن خيثم قد اخذ صفقته لزيد وقال يحيى بن صالح: هو مملوك لزيد سندي وكان حضرهم.
قال ابومخنف عن كهمس قال: كان نبطي يسقي زرعا له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه، فلما اصبح اتى الحكم بن الصلت فدلهم على موضع قبره فسرح اليه يوسف بن عمر، العباس بن سعيد المري.
قال ابومخنف: بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير.
قال هشام فحدثني نصر بن قابوس قال: فنظرت والله اليه حين اقبل به على جمل قد شد بالحبال وعليه قميص اصفر هروي فألقي من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل.
فأمر به فصلب بالكناسة، وصلب معه معاوية بن إسحاق، وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسي.
قتل زيد بن علي - عليه السلام - يوم الجمعة في صفر سنة أحدى وعشرين ومائة للهجرة .
قال ابومخنف: وحدثني عبيد بن كلثوم: انه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم فلما كان بمضيعة ابن ام الحكم ضربه الفالج، فانصرف واتته جائزته من عند هشام.
مقاتل الطالبيين - ( ص 91)
تعليق