السيد رضا الهندي.. فقيهاً وشاعراً
(1290هـ - 1362هـ)
من الواضح أنّ نظم الشعر في أيّ عظيم من العظماء هو تعريفٌ به وإحياءٌ لذكره، فإنّ آثاره قد يغفل عنها الناس مع ما لها من أهميّة كبرى.. وبما أنّ ذكرى أهل البيت(ع) قوام الدّين، وروح الإصلاح؛ طفق الأدباء يذكرون فضائلهم ومصائبهم؛ لأنّ في ذلك إحياء أمرهم، وقد تواتر الحثّ من المعصومين(ع) على نظم الشعر فيهم، مدحاً ورثاءً؛ بحيث عدّ من أفضل الطاعات..
فقد ورد عنهم(ع) أنهم قالوا: (مَن قال فينا بيتاً من الشعر بنى اللهُ له بيتاً في الجنّة)، وفي آخر: (حتَّى يؤيّد بروح القدس). وفي ثالث: (ما قال فينا مؤمنٌ شعراً يمدحنا إلاّ بنى الله له في الجنة مدينة أوسع من الدنيا سبع مرّات، يزوره فيها كُلّ ملك مقرب ونبيّ مرسل). (عيون أخبار الرضا (ع): 2، 15).
ويكفي الشاعر فخراً ما يترتّب على عمله تلك المثوبات الجزيلة، وإنّه معدود من أهل الدعوة الإلهية، المعلنين لكلمة الحقّ وتأييد الدّين.. وبما أنّ أمير المؤمنين(ع) من أُولئك الأطهار الذين بهم تمّت الدعوة الإلهية، وعلت كلمة الله، بإزهاق نفوسهم المقدّسة، مضافاً إلى ما حواه من صفات الجلال والجمال ممّا أوجب أن يغبطه الصديقون على ما منحه الباري سبحانه عوض شهادته؛ بادر مَن كهربه الولاء الخالص طلباً لذلك الأجر الجزيل بنظم مديحه ورثائه.. (ينظر: العباس(ع)، للمُقرّم: ص347).
والسيد رضا الهندي(ره) واحد من أولئك الخالدين الذين حظوا بهذا الشرف العظيم في الدنيا والسعادة في الآخرة.. وسنذكر هنا -تخليداً لذكراه العطرة- نبذة يسيرة عنه..
آل الهندي: من الأسر العربية العلوية الأصيلة.. لحق بهم هذا الاسم لهجرة أجدادهم من الهند إلى العراق. ومساكنهم النجف الأشرف ومناطق الفرات الأوسط. وهم من ذرية السيّد طاهر بن السيّد جعفر بن الإمام علي الهادي(ع).
يذكر السيد جواد شبر(ره) في كتابه (أدب الطف) -ولنعم ما ذكر- في أحوال السيد(ره)، وقد استوفى حقه حيث قال:
السيد رضا الهندي شيخ الأدب في العراق، والعالم الجليل، المؤرخ والبحاثة الشهير، وهو ابن العلامة السيّد محمد الهندي المتوفى عام 1323هـ، وهو من مراجع التقليد آنذاك، ولد(ره) سنة 1290هـ / 1874م. وهاجر إلى سامراء بهجرة أبيه سنة 1298هـ، حين اجتاح النجف وباء الطاعون.. وواصل هناك دروسه، وكان موضع عناية المجدد الشيرازي(قدس) لذكائه وسرعة البديهة وسعة الاطلاع، وبعد رجوعه للنجف واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد... (ينظر: أدب الطف: ج9، 242).
عُرف عنه عالماً فاضلاً، ورعاً زاهداً عابداً، أديباً شاعراً من الطبقة الممتازة، له ديوان شعر بحق أئمّة أهل البيت(ع)، ونظم الكثير في الإمام الحسين(ع). له عدة مؤلفات: الميزان العادل في الرد على اليهود والنصارى، الرحلة الحجازية، شرح كتاب الطهارة، وغيرها.
وله في أمير المؤمنين(ع) قصيدة من 55 بيتاً، ألقاها يوم عيد الغدير في الحفل الذي أقامه سادن الروضة العلوية حينذاك السيد جواد الرفيعي، ومطلعها:
أمُفلَّجُ ثغرِكَ أم جَـوهَـرْ ورحيقُ رُضابكَ أم سُكّرْ؟!
وهي المعروفة بـ (القصيدة الكوثرية) وهي أشهر قصيدة مدح نظمت في الإمام أمير المؤمنين(ع)، وكانت من روائعه التي اشتهرت وحفظها القاصي والداني.
أما الرائعة التي ختم بها حياته وطلب أن تكون معه في قبره فهي هذه القطعة الوعظية المشهورة وقد رثى فيها الحسين(ع)، ومطلعها:
أرى عمري مؤذناً بالذهاب * تمر لياليه مر السحاب
كانت وفاته بالمشخاب بسكتة قلبية وذلك يوم 22 جمادى الأولى سنة 1362ه/1943م، وكان يوماً مشهوداً، ودفن بمقبرة الأسرة الخاصة في الحويش، وأقام زعيم الحوزة الدينية آنذاك السيد أبو الحسن الأصفهاني(قدس) الفاتحة على روحه بعد أن صلى عليه..
منير الحزامي (الخفاجي)
كربلاء المقدسة