الرّحمةالإِلهية الخاصة والعامّة:
المشهور بين جماعة من المفسّرين أنّصفة (الرحمن) تشير إلى الرحمة الإِلهية العامة، وهي تشمل الأولياء والأعداء،والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعمّ المخلوقات، وخوان فضلهممدود أمام جميع الموجودات، وكلّ العباد يتمتعون بموهبة الحياة، وينالون حظهم منمائدة نعمه اللامتناهية. وهذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة وماتسبّح فيه من كائنات.
وصفة (الرحيم) إشارة إلى رحمته الخاصةبعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وَحَرُمَ منها المنحرفونوالمجرمون.
الأمر الذي يشير إلى هذا المعنى أنّصفة (الرحمن) ذكرت بصورة مطلقة في القرآن الكريم ممّا يدل على عموميتها، لكنّ صفة(الرحيم) ذكرت أحياناً مقيّدة، لدلالتها الخاصة، كقوله تعالى: (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنينَ رَحِيماً)(2) وأحياناًاُخرى مطلقة
1 ـ الحشر،23.
2 ـالأحزاب، 43.
[33]
كما في هذه السّورة.
وفي رواية عن الإِمام جعفر بن محمّدالصادق(عليه السلام) قَالَ: «وَالله إلهُكُلِّ شَيْء الرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنينَ خَاصَّةً»(1).
من جهة اُخرى، كلمة (الرحمن) اعتبروها صيغة مبالغة، ولذلك كانت دليلا آخر على عمومية رحمته.واعتبروا (الرحيم) صفة مشبّهة تدلّ على الدوام والثبات، وهي خاصة بالمؤمنين.
وثمّة دليل آخر، هو إنّ (الرحمن) من الأسماء الخاصة بالله، ولا تستعمل لغيره، بينما(الرحيم) صفة تنسب لله ولعباده. فالقرآن وصف بها الرّسول الكريم، حيث قال: (عَزِيزٌ عليه مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌبِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)(2).
وإلى هذا المعنى أشار الإِمام الصادق(عليه السلام)، فيما روي عنه: (اَلرَّحْمنُ إِسْمٌ خَاصٌّ بصِفَةعَامَّة، وَالرَّحيمُ عَامٌّ بِصِفَة خَاصَّة»(3).
ومع كل هذا، نجد كلمة (الرحيم) تستعمل أحياناً كوصف عام. وهذا يعني أن التمييز المذكور بينالكلمتين إنما هو في جذور كل منهما، ولا يخلو من استثناء.
في دعاء عرفة ـ المنقول عن الحسين بنعلي(عليه السلام) ـ وردت عبارة: «يَا رَحْمنَ الدُّنْيِا وَالاْخِرَةِوَرَحِيمَهُمَا».