زميلي في الدراسة (وشيء من ظلمت نفسي)
الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي
سألني أحد خدامكم مستفسرا: ما السر في ذكر أسماء الأولاد في المقالات التي تكتبها كقولك كانت رقية(عشر سنوات)، جاء محمد صادق متأخرا، سكينة كانت حاضرة معنا، فاطمة، زينب، مريم، كما أنك تقول(قالت لي زوجتي، قلت لزوجتي...)؟؟الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي
قلت: أيها الأحبة الكرام، هذه الصفحة المتواضعة هي بمثابة بيتي فمن دخل صفحتي يكون كمن دخل بيتي ومن دخل بيتي يكون قريبا من القلب فأتكلم معه إستنادا إلى ذلك القرب. هذا أولا، أمّا ثانيا فلست واعظا لغيري ألقي محاضرتي على المستمعين وأنصرف عنهم متجها إلى مجلس آخر يكون فيه مستمعون آخرون في إنتظار ماأحضرت لهم من كلمات التوبيخ: إفعلو كذا، ولاتفعلوا كذا. الأمرهنا مختلف تماما أيها الأحبة، فأنا حينما اذكر أسماء الأولاد فهذا يدل على القرب من أولئك السادة القرّاء وكأننا عائلة واحدة، بل نحن كذلك. نحن هنا نتدارس هفواتنا وزلاتنا وأمور دنيانا وأخرانا. نحن هنا من أجل التواصل مع أخوة لنا في الدين أوالخلق. نحن هنا في بيتنا نتحدث بصراحة ونتكاشف وفي ذلك رقينا.
زميلي غير الملتزم:
في فترة من فترات الدراسة سكنت مع أحد الطلاب غير الملتزمين وكانت في ذهنه بعض الأفكار السلبية وغير الصحيحة عنا نحن الذين ندعي التدين ونتجاهر به، لأن الأيمان درجة عالية لا ينالها إلا من روّض نفسه وإجتهد في محاربة هواه وأطاع خالقه ومولاه تعالى. من حيث لا أدري ولا أشعر أخذ ذلك الزميل في الدراسة يراقبني أشهرا ويدرس أقوالي وأفعالي وشربي وأكلي وكنت قد إشترطت عليه في البداية أن لا يجلب إلى البيت أي شراب محرّم. وافق ذلك الشاب وقال لي بأنه يكره ذلك كثيرا فقلت له بارك الله فيك، أمّا الشرط الثاني فكان كالآتي:" إسمع أيها المحترم أنا وأنت غرباء لا يعرف بعضنا بعضا فلم نلتقِ في مدرسة أو كلية أو ملعب أو سوق أو غير ذلك فلا أعرف طباعك ولا تعرف طباعي فأخبرني بما تحب وبما هو مفضل لديك فإن أتفق ذلك مع عقيدتي ولم يتعارض معها فإني أحاول جاهدا أن أحققه لك ونفس الشي ء عمّا تكره". لا أدري ماذا حصل لذلك الشاب الذي لم يبلغ العشرين من العمر وقتها. أدبر ولم يعقّب، مما حملني على مراجعة ماقلته له لعلي أهتدي إلى زلل في القول. لم يشترط عليّ ذلك الشاب شيئا بل أخذ يفكر عميقا وقد إقترب حاجباه من بعضهما من غير تقطيب وهو يدرس ملامح وجهي بنظراته الثابته. قابلته بنفس النظرات لعلي أتمكن من دراسة نظراته ولكني لم أفلح. فلم أهتدِ إلى تفسير مقنع لتلك النظرات. تجاهلت النظرات ونسيت الكلمات مع مرور الوقت. كان ذلك الشاب الجامعي شخصا محترما حقا فقد إشترى سماعات الأذن لسماع الأغاني التي كان يتابعها من غير أن يسبب لي ضيقا أو حرجا وكان حسن الهندام ويعتني بمظهره كثيرا. سألني يوما:" ماهو عطرك المفضل؟". قلت:"عطر الإيمان فلم أشم أزكى منه رائحة". لم يعلّق على عطري المفضل وإعاد عطره الفرنسي مكانه دون أن يضع منه شيئا. لم تزعجني نظراته الثابتة تلك بعد كل حديث يدور بيننا ولكني لم أستطع تفسيرها. نظر إليّ وكنت قد أسبغت الوضوء وقال:" ليس الوقت وقت صلاة؟".قلت:"إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين". حمل كتبه وخرج دون أن يودعني كعادته. هل أزعجتك بشيء ايها الزميل؟ لم يجبني وإكتفى بتلك النظرات الثابتة. دخلت غرفتي المتواضعة ودعوت له بأن يهديه الله سراطه المستقيم. كانت ليلة الجمعة وقد إشتقت لدعاء كميل فمنذ اسبوعين لم أقرأ هذا الدعاء العالي المضامين بسبب ضيوف ذلك الزميل وخوفا من أن أقع في الرياء. إنها فرصة عظيمة فزميلي قد خرج لتوه ويمكنني أن أقرأ الدعاء دون رياء. بدأت القراءة بعد صلاة العشاء وعشت مع خالقي أناجيه بأن ينزع من قلبي حب الدنيا ويحبب لي الإيمان وأهله وأن يعنني على أمر دنياي وآخرتي. واصلت قراءة دعاء كميل وحينما وصلت إلى عبارة(ظلمت نفسي) سمعت صوت ذلك الشاب الزميل يردد وهو ينحب بالبكاء: أنا الذي ظلمت نفسي وتجرأت بجهلي. توقفت عن القراءة وإذا بيّ أرى زميلي قد جلس بقربي ولم اشعر به. كان عائدا إلى البيت وقد قرعت مسامعه كلمات مولى الموحدين وأمير المؤمنين عليه السلام.
بقى ذلك الزميل المحترم مدة عام تقريبا يررد (ظلمت نفسي) كلمّا إستقبل القبلة وهو في أتم الخشوع والإنقطاع. قلت واحسرتي ثم واحسرتي أنا فعلا ظلمت نفسي ولم أغير حالي كهذا الشاب المحترم. مرّة واحدة من الإستماع إلى دعاء كميل قد غيّرت افكار هذا المحترم أمّا أنا فقد إعتدتُ على قول (ظلمت نفسي) ولا زلت(ظلمت نفسي).
إلهي ظلمتُ نفسي فعد بحلمك على جهلي ياأرحم الراحمين بحق محمد وآله الميامين.
نسألكم الدعاء
تعليق