بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ظلامات الشيعة.. من هنا كانت البداية !
بين الفترة والأخرى تصبّ على أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم في العراق مأساة جديدة تمضّ القلوب وتصدع النفوس، فمن قتل الأبرياء وهتك الأعراض إلى الاعتداء على حرمة المقدّسات والتجاوز على العقائد حتى صار الشيعي يقتل على الهوية والاسم.
كل ذلك يجري والعالم ينظر ويرى ولا ينبس ببنت شفة، والمؤلم حقّاً أن كثيراً من الشيعة في العالم لزموا الصمت إزاء ما يجري على إخوانهم في العراق مما يثير الدهشة والتعجّب وذلك إما جهلاً منهم أو خشية من سطوة السلطات الجائرة أو لعدم مبالاتهم بما يجري على إخوانهم الشيعة في العراق.
وحقيقة مثل هذا السكوت والوجوم عند الشيعة وعظم ما يجري عليهم من مآسٍ وويلات في مختلف أنحاء العالم وعلى مرّ العصور هو الذي دفعني إلى كتابة هذه البحوث واستعراض هذه الظلامات التي جرت على أتباع آل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم عبر التأريخ، فأقلّ شيء يمكن أن نقوم به إزاء هذه المآسي هو التظلّم والسعي لإيصال صوت مظلوميتنا إلى العالم علنا نوفق لرفع هذه الغمة عن محبّي مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مختلف أنحاء العالم.
الجدير بالذكر أنني لم أجد من تصدّى واستقصى وجمع في بحث مستقل ظلامة الشيعة، بل كل من كتب أشار إلى بعض الظلامات المتفرقة في بعض العصور وحسب، فمن كلام للعلاّمة المحقّق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (صراع الحرية في عصر المفيد) حول الظلامات التي جرت في عهد الشيخ المفيد قدّس سرّه الشريف، قال:كنا نرغب لو يفسح لنا المجال لكتابة كل ما جرى على الشيعة من مصائب وبلايا، وكوارث ورزايا، طيلة القرون التي خلت، ولكن من الواضح أن ذلك بالإضافة إلى أنه يستغرق عدّة مجلّدات، فإنه يحتاج إلى توفّر تامّ، وجهد كبير، الأمر الذي يحتّم علينا الاعتذار عن التصدّي لمثل هذا الأمر فعلا (1).
وقال المحقّق المرحوم الشيخ فارس الحسون في كتابه (المجازر والتعصّبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد): ولا يشك الناظر في التاريخ أن لشيعة أهل البيت صلوات الله عليهم اليد الطولى في ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيّضوا صفحات التاريخ ونوّروها.
ولا يشك أيضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب وقتل وحرق وإبعاد، وهذا ضريبة ولائهم لأهل بيت نبيّهم صلوات الله عليهم أجمعين.
والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل وإجحاف، فالصفحات المشرقة بدّلها بصفحات مظلمة، ونقلها إلى المجتمع مع تزوير وبهتان!
والمنصف من المؤرخين من نقل شيئاً يسيراً من الحقائق مع الغمز والتشكيك فيها.
ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتاب يجمع بين دفتيه ما جرى على الشيعة من مصائب وطرد وإباحة، من الصدر الأول إلى يومنا الحاضر، سواء في ذلك من قبل الحكام أم الناس (2).
ومن المؤسف أيضاً أنه لم يوفّق هو الآخر لكتابة هذا البحث علما أنني كنت أدعوه لتكملة بحثه حول ظلامة الشيعة في عهد الشيخ المفيد ويكتب ظلامتهم في سائر العصور، إلا أنه كان يعتذر عن ذلك بكثرة المشاغل التي منعته عن مواصلة هذا الموضوع المهم.
من هنا وجدت من الضروري والواجب عليّ أن أتصدى لكتابة هذا البحث الذي يمثل صرخة وتظلّماً لما جرى ويجري على الشيعة منذ عهد مولى الموحّدين وإمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى العصور المتأخرة، داعياً أهل الانصاف والفكر إلى التأمّل في هذه الظلامة والسعي إلى نشرها في العالم علّنا نرفع شيئاً منها ونخفّف العبء عن كاهل الشيعة المستضعفين الذين ذاقوا الويلات على مرّ العصور.
من هم الشيعة؟
قبل أن نخوض غمار البحث ونشرع ببيان الظلامات التي جرت على الشيعة ينبغي لنا أن نبيّن عدّة مطالب منها من هم الشيعة، ثم نستعرض مآسيهم، ويكفينا في ذلك أن نرجع إلى حديث سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الذي هو أوّل من سمّى الشيعة بهذا الاسم حيث ورد في تفسير السيوطي (الدر المنثور) في تفسير قوله تعالى: «أولئك هم خير البريّة» عن جابر بن عبدالله أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل عليّ صلوات الله عليه؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة» (3).
وفي اللغة: شيعة الرجل أتباعه وأنصاره (4).
وقال الأزهري: معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً ... والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وآله ويوالونهم (5).
وقال النوبختي في كتاب (الفرق والمقالات): جميع أصول الفرق أربع فرق: الشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والخوارج، فالشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمَّون بشيعة عليّ في زمان النبي صلى الله عليه وآله وما بعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، ومن وافق مودّته مودّةَ عليّ صلوات الله عليه؛ وهم أوّل من سمّي باسم التشيع من هذه الأمة، لأن اسم التشيع قديماً لشيعة إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين (6).
وقد تظافرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم؛ باسم الشيعة وكثر مدحهم لهم ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله؛ لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: ياعلي إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة الله تعالى، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدُك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يؤمر بنا (7)؟
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنا وشيعتي يوم القيامة على منابر من نور، فيمرّ علينا الملائكة ويسلّم علينا، قال: فيقولون: من هذا الرجل ومن هؤلاء؟ فيقال لهم: هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ النبي، فيقال: من هؤلاء؟ قال: فيقال لهم: هؤلاء شيعته.
قال: أين النبي العربي وابن عمه؟
فيقولون: هما عند العرش، قال: فينادي مناد من السماء عند ربّ العزّة: ياعليّ ادخل الجنة أنت وشيعتك لا حساب عليك ولا عليهم، فيدخلون الجنة ويتنعمون فيها من فواكه ويلبسون السندس والإستبرق وما لم تر عين، فيقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزَن إن ربنا لغفور شكور (8).
وقال صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين صلوات الله عليه:... وإن شيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي، أشفع ويكونون غداً في الجنة جيراني (9).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في مدح الشيعة وبيان صفاتهم ومنازلهم من أهل البيت صلوات الله عليهم.
بالطبع المراد بالشيعة في بحثنا هذا أعمّ من الشيعة الوارد في بعض الأخبار التي خصّت الشيعة بالخُلّص من صحابة أهل البيت صلوات الله عليهم أمثال سلمان المحمّدي ومقداد وعمّار، بل مرادنا منهم كل من والى أهل البيت صلوات الله عليهم.
بيان لمنهجية البحث
بما أن أصل الظلامة التي صُبّت على الشيعة يعود لولائهم لأمير المؤمنين صلوات الله عليهم ـ أوّل مظلوم في العالم ـ فإننا سنشرع ببيان الظلامة بتوضيح ظلامته واستعراض بعض ما لاقاه صلوات الله عليه من ظلامات تذيب القلوب حسرة وتحرق النفوس ألماً، ثم نسترسل ببيان سائر الظلامات التي صُبّت أولاً وبالذات على ذريّة أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذين دفعوا ضريبة انتمائهم للإمام عليّ صلوات الله عليه، ثم ننتقل إلى ظلامات الشيعة الذين لاقوا أمرّ الجور جراء ولائهم ومحبّتهم ليعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين الإمام عليّ عليه آلاف الصلوات والسلام.
دفع توهّم
ربما يعترض البعض على البحث ويقول: ما الداعي إلى تحريك الأحاسيس وزرع الضغائن وبثّ الخلافات والأحقاد جرّاء قضايا أكل الدهر عليها وشرب، فنحن أبناء اليوم، والشيعة في عصرنا الحاضر يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم كسائر أهل العقائد والملل، ولا داعي إلى مثل هذه البحوث التي تأجّج نيران الأحقاد بين المسلمين.
وفي ردّ مثل هذا التوهّم نقول:صحيح أن بعض الشيعة اليوم حالهم أفضل مما كانوا عليه في العهود السابقة، إلاّ أن شريحة كبيرة منهم مازالوا مضطهدين مشردين، ومايجري في العراق خير شاهد لذلك.
من جانب آخر عرض هكذا ظلامات إنما هو لبيان كيفية تعامل الحكّام وغيرهم مع أمة طالما مدحها رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم في أحاديثهم ونصّوا على فضائلهم ومناقبهم.
إضافة إلى ذلك نفس بيان الظلامة مطلوب في ذاته لما فيه من امتدادات تنعكس على الواقع الراهن والمستقبل وكشف الحقائق واثبات الحقّ وتقييم الآخرين وجذب أحاسيسهم، فاليهود اليوم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على مآساة مفتراة ليس لها من الواقع أية نسبة، بينما الشيعة الذين لا يسَعُ أحداً إنكار ظلامتهم لا تجد من يشير إلى ظلامتهم أصلاً.
من هنا فقد توكّلنا على الباري تعالى في بيان ظلامة الشيعة وماجرى عليهم من مآسٍ مبتدئين بحثنا ببيان أصل الظلامة وهي الظلامة التي صبّت على إمام الشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليهما، وهذا ما سنتعرّض إليه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
====
المصادر:
1) صراع الحرية في عصر المفيد ص42.
2) المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد ص21ـ22.
3) الدر المنثور ج8 ص589.
4) راجع القاموس المحيط مادة شاع ج3 ص61.
5) تهذيب اللغة مادة شيع.
6) الفرق والمقالات ص43.
7) ربيع الأبرار ج2 ص113.
8) تفسير فرات الكوفي ص349.
9) بحار الأنوار ج37 ص272.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ظلامات الشيعة.. من هنا كانت البداية !
بين الفترة والأخرى تصبّ على أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم في العراق مأساة جديدة تمضّ القلوب وتصدع النفوس، فمن قتل الأبرياء وهتك الأعراض إلى الاعتداء على حرمة المقدّسات والتجاوز على العقائد حتى صار الشيعي يقتل على الهوية والاسم.
كل ذلك يجري والعالم ينظر ويرى ولا ينبس ببنت شفة، والمؤلم حقّاً أن كثيراً من الشيعة في العالم لزموا الصمت إزاء ما يجري على إخوانهم في العراق مما يثير الدهشة والتعجّب وذلك إما جهلاً منهم أو خشية من سطوة السلطات الجائرة أو لعدم مبالاتهم بما يجري على إخوانهم الشيعة في العراق.
وحقيقة مثل هذا السكوت والوجوم عند الشيعة وعظم ما يجري عليهم من مآسٍ وويلات في مختلف أنحاء العالم وعلى مرّ العصور هو الذي دفعني إلى كتابة هذه البحوث واستعراض هذه الظلامات التي جرت على أتباع آل الرسول الأطهار صلوات الله عليهم عبر التأريخ، فأقلّ شيء يمكن أن نقوم به إزاء هذه المآسي هو التظلّم والسعي لإيصال صوت مظلوميتنا إلى العالم علنا نوفق لرفع هذه الغمة عن محبّي مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مختلف أنحاء العالم.
الجدير بالذكر أنني لم أجد من تصدّى واستقصى وجمع في بحث مستقل ظلامة الشيعة، بل كل من كتب أشار إلى بعض الظلامات المتفرقة في بعض العصور وحسب، فمن كلام للعلاّمة المحقّق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (صراع الحرية في عصر المفيد) حول الظلامات التي جرت في عهد الشيخ المفيد قدّس سرّه الشريف، قال:كنا نرغب لو يفسح لنا المجال لكتابة كل ما جرى على الشيعة من مصائب وبلايا، وكوارث ورزايا، طيلة القرون التي خلت، ولكن من الواضح أن ذلك بالإضافة إلى أنه يستغرق عدّة مجلّدات، فإنه يحتاج إلى توفّر تامّ، وجهد كبير، الأمر الذي يحتّم علينا الاعتذار عن التصدّي لمثل هذا الأمر فعلا (1).
وقال المحقّق المرحوم الشيخ فارس الحسون في كتابه (المجازر والتعصّبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد): ولا يشك الناظر في التاريخ أن لشيعة أهل البيت صلوات الله عليهم اليد الطولى في ارتقاء الدرجات العليا في أكثر المجالات، وبهذا بيّضوا صفحات التاريخ ونوّروها.
ولا يشك أيضا فيما جرى على هذه الفرقة على مرور الزمان من مصائب وقتل وحرق وإبعاد، وهذا ضريبة ولائهم لأهل بيت نبيّهم صلوات الله عليهم أجمعين.
والتاريخ قبال الشيعة وقف وقفة تخاذل وإجحاف، فالصفحات المشرقة بدّلها بصفحات مظلمة، ونقلها إلى المجتمع مع تزوير وبهتان!
والمنصف من المؤرخين من نقل شيئاً يسيراً من الحقائق مع الغمز والتشكيك فيها.
ومنذ مدة غير قريبة عزمنا على تأليف كتاب يجمع بين دفتيه ما جرى على الشيعة من مصائب وطرد وإباحة، من الصدر الأول إلى يومنا الحاضر، سواء في ذلك من قبل الحكام أم الناس (2).
ومن المؤسف أيضاً أنه لم يوفّق هو الآخر لكتابة هذا البحث علما أنني كنت أدعوه لتكملة بحثه حول ظلامة الشيعة في عهد الشيخ المفيد ويكتب ظلامتهم في سائر العصور، إلا أنه كان يعتذر عن ذلك بكثرة المشاغل التي منعته عن مواصلة هذا الموضوع المهم.
من هنا وجدت من الضروري والواجب عليّ أن أتصدى لكتابة هذا البحث الذي يمثل صرخة وتظلّماً لما جرى ويجري على الشيعة منذ عهد مولى الموحّدين وإمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى العصور المتأخرة، داعياً أهل الانصاف والفكر إلى التأمّل في هذه الظلامة والسعي إلى نشرها في العالم علّنا نرفع شيئاً منها ونخفّف العبء عن كاهل الشيعة المستضعفين الذين ذاقوا الويلات على مرّ العصور.
من هم الشيعة؟
قبل أن نخوض غمار البحث ونشرع ببيان الظلامات التي جرت على الشيعة ينبغي لنا أن نبيّن عدّة مطالب منها من هم الشيعة، ثم نستعرض مآسيهم، ويكفينا في ذلك أن نرجع إلى حديث سيد المرسلين صلى الله عليه وآله الذي هو أوّل من سمّى الشيعة بهذا الاسم حيث ورد في تفسير السيوطي (الدر المنثور) في تفسير قوله تعالى: «أولئك هم خير البريّة» عن جابر بن عبدالله أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله، فأقبل عليّ صلوات الله عليه؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: «إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريّة» (3).
وفي اللغة: شيعة الرجل أتباعه وأنصاره (4).
وقال الأزهري: معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً ... والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وآله ويوالونهم (5).
وقال النوبختي في كتاب (الفرق والمقالات): جميع أصول الفرق أربع فرق: الشيعة، والمعتزلة، والمرجئة، والخوارج، فالشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمَّون بشيعة عليّ في زمان النبي صلى الله عليه وآله وما بعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمّار بن ياسر، ومن وافق مودّته مودّةَ عليّ صلوات الله عليه؛ وهم أوّل من سمّي باسم التشيع من هذه الأمة، لأن اسم التشيع قديماً لشيعة إبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين (6).
وقد تظافرت الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم؛ باسم الشيعة وكثر مدحهم لهم ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله؛ لأمير المؤمنين صلوات الله عليه: ياعلي إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة الله تعالى، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدُك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يؤمر بنا (7)؟
وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنا وشيعتي يوم القيامة على منابر من نور، فيمرّ علينا الملائكة ويسلّم علينا، قال: فيقولون: من هذا الرجل ومن هؤلاء؟ فيقال لهم: هذا عليّ بن أبي طالب ابن عمّ النبي، فيقال: من هؤلاء؟ قال: فيقال لهم: هؤلاء شيعته.
قال: أين النبي العربي وابن عمه؟
فيقولون: هما عند العرش، قال: فينادي مناد من السماء عند ربّ العزّة: ياعليّ ادخل الجنة أنت وشيعتك لا حساب عليك ولا عليهم، فيدخلون الجنة ويتنعمون فيها من فواكه ويلبسون السندس والإستبرق وما لم تر عين، فيقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزَن إن ربنا لغفور شكور (8).
وقال صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين صلوات الله عليه:... وإن شيعتك على منابر من نور مبيضّة وجوههم حولي، أشفع ويكونون غداً في الجنة جيراني (9).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في مدح الشيعة وبيان صفاتهم ومنازلهم من أهل البيت صلوات الله عليهم.
بالطبع المراد بالشيعة في بحثنا هذا أعمّ من الشيعة الوارد في بعض الأخبار التي خصّت الشيعة بالخُلّص من صحابة أهل البيت صلوات الله عليهم أمثال سلمان المحمّدي ومقداد وعمّار، بل مرادنا منهم كل من والى أهل البيت صلوات الله عليهم.
بيان لمنهجية البحث
بما أن أصل الظلامة التي صُبّت على الشيعة يعود لولائهم لأمير المؤمنين صلوات الله عليهم ـ أوّل مظلوم في العالم ـ فإننا سنشرع ببيان الظلامة بتوضيح ظلامته واستعراض بعض ما لاقاه صلوات الله عليه من ظلامات تذيب القلوب حسرة وتحرق النفوس ألماً، ثم نسترسل ببيان سائر الظلامات التي صُبّت أولاً وبالذات على ذريّة أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذين دفعوا ضريبة انتمائهم للإمام عليّ صلوات الله عليه، ثم ننتقل إلى ظلامات الشيعة الذين لاقوا أمرّ الجور جراء ولائهم ومحبّتهم ليعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين الإمام عليّ عليه آلاف الصلوات والسلام.
دفع توهّم
ربما يعترض البعض على البحث ويقول: ما الداعي إلى تحريك الأحاسيس وزرع الضغائن وبثّ الخلافات والأحقاد جرّاء قضايا أكل الدهر عليها وشرب، فنحن أبناء اليوم، والشيعة في عصرنا الحاضر يتمتعون بحقوقهم وحرياتهم كسائر أهل العقائد والملل، ولا داعي إلى مثل هذه البحوث التي تأجّج نيران الأحقاد بين المسلمين.
وفي ردّ مثل هذا التوهّم نقول:صحيح أن بعض الشيعة اليوم حالهم أفضل مما كانوا عليه في العهود السابقة، إلاّ أن شريحة كبيرة منهم مازالوا مضطهدين مشردين، ومايجري في العراق خير شاهد لذلك.
من جانب آخر عرض هكذا ظلامات إنما هو لبيان كيفية تعامل الحكّام وغيرهم مع أمة طالما مدحها رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم في أحاديثهم ونصّوا على فضائلهم ومناقبهم.
إضافة إلى ذلك نفس بيان الظلامة مطلوب في ذاته لما فيه من امتدادات تنعكس على الواقع الراهن والمستقبل وكشف الحقائق واثبات الحقّ وتقييم الآخرين وجذب أحاسيسهم، فاليهود اليوم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على مآساة مفتراة ليس لها من الواقع أية نسبة، بينما الشيعة الذين لا يسَعُ أحداً إنكار ظلامتهم لا تجد من يشير إلى ظلامتهم أصلاً.
من هنا فقد توكّلنا على الباري تعالى في بيان ظلامة الشيعة وماجرى عليهم من مآسٍ مبتدئين بحثنا ببيان أصل الظلامة وهي الظلامة التي صبّت على إمام الشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليهما، وهذا ما سنتعرّض إليه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
====
المصادر:
1) صراع الحرية في عصر المفيد ص42.
2) المجازر والتعصبات الطائفية في عهد الشيخ المفيد ص21ـ22.
3) الدر المنثور ج8 ص589.
4) راجع القاموس المحيط مادة شاع ج3 ص61.
5) تهذيب اللغة مادة شيع.
6) الفرق والمقالات ص43.
7) ربيع الأبرار ج2 ص113.
8) تفسير فرات الكوفي ص349.
9) بحار الأنوار ج37 ص272.
ومع السلامة.
تعليق