بسم الله الرحمن الرحيم
بحار الانوار-الجزء الرابع والاربعون -كتاب تاريخ الأمام الحسين (ع)
باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته فلما هلك معاوية ، وتولى الأمر بعده يزيد لعنه الله ، بعث عامله على مدينة رسول الله (ص) وهو عمه عتبة بن أبي سفيان ، فقَدِم المدينة وعليها مروان بن الحكم - وكان عامل معاوية - فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان فلم يقدر عليه ، وبعث عتبة إلى الحسين بن علي (ع) ، فقال : إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له ، فقال الحسين (ع) : يا عتبة !.. قد علمتَ أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أودعه الله عز وجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنظقتُ بإذن الله عز وجل ، ولقد سمعتُ جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محّرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيتٍ قد قال فيهم رسول الله هذا ؟..
فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى عبدالله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان .. أما بعد ، فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافةً ولا بيعةً ، فرأيك في أمره والسلام.
فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله ، كتب الجواب إلى عتبة :
أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه ، وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي....
وبلغ عبيدالله بن زياد - لعنه الله - الخبر وأن الحسين (ع) قد نزل الرهيمة فأسرى إليه حّر بن يزيد في ألف فارس ، قال الحر : فلما خرجتُ من منزلي متوجّها نحو الحسين (ع) نُوديث ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة !.. فالتفتُ فلم أرَ أحدا ، فقلتُ : ثكلت الحَّر أمُّه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله (ص) ويُبشَّر بالجنة !.. فرهقه عند صلاة الظهر ، فأمر الحسين (ع) ابنه فأذّن وأقام ، وقام الحسين (ع) فصلى بالفريقين .
فلما سلّم وثب الحر بن يزيد ، فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال الحسين : وعليك السلام!.. من أنت يا عبدالله ؟.. فقال :
أنا الحر بن يزيد، فقال : ياحّر !.. أعلينا أم لنا ؟.. فقال الحر :
والله يا بن رسول الله !.. لقد بُعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أُحشر من قبري وناصيتي مشدودة إليّ ، ويديّ مغلولة إلى عنقي ، وأُكّب على حَرّ وجهي في النار ، يا بن رسول الله !.. أين تذهب ؟.. إرجع إلى حرم جدك فإنك مقتول .... الخبر .ص314 المصدر: أمالي الصدوق ص150 ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة فنظر إلى فسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط ؟.. فقيل : لعبدالله بن الحر الحنفي ، فأرسل إليه الحسين (ع) فقال :
أيها الرجل إنك مذنب خاطئ !.. وإن الله عز وجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه ، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى ، فقال :
يا بن رسول الله !.. والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك ، فوالله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغتهُ ، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه ، فدونك فخذه !.. فأعرض عنه الحسين (ع) بوجهه ثم قال :
لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فُرَّ فلا لنا ولا علينا ، فإنه من سمع واعيتنا - أهل البيت - ثم لم يجبْنا ، كبّه الله على وجهه في نار جهنم ....
فبلغ عبيدالله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين (ع) ويحدثه ، ويكره قتاله ، فوجّه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى عمر بن سعد: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي وخذ بكظمه ، وحُلْ بين الماء وبينه ، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار .
فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد - لعنه الله - أمر مناديه فنادى :
إنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم .. فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه ، فقام الحسين في أصحابه خطيبا .. فقال :
اللهم !.. إني لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ، ولا أصحابا هم خير من أصحابي ، وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حلٍّ من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وتفرّقوا في سواده ، فإن القوم إنما يطلبوني ، ولو ظفروا بي لذُهلوا عن طلب غيري .. فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (ع) ، فقال :
يا بن رسول الله !.. ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام وابن نبينا سيد الأنبياء ؟.. لم نضرب معه بسيف ، ولم نقاتل معه برمح .. لا والله أو نردَ موردك ، ونجعل أنفسنا دون نفسك ، ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلكَ فقد قضينا ما علينا ، وخرجنا مما لزمنا ، وقام إليه رجل يُقال له زهير بن القين البجلي ، فقال :
يا بن رسول الله !.. وددتُ أني قُتلت ثم نُشرت ، ثم قُتلت ثم نُشرت ، ثم قُتلت ثم نُشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة ، وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولأصحابه : جُزيتم خيرا .
بحار الانوار-الجزء الرابع والاربعون -كتاب تاريخ الأمام الحسين (ع)
باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد إلى شهادته فلما هلك معاوية ، وتولى الأمر بعده يزيد لعنه الله ، بعث عامله على مدينة رسول الله (ص) وهو عمه عتبة بن أبي سفيان ، فقَدِم المدينة وعليها مروان بن الحكم - وكان عامل معاوية - فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان فلم يقدر عليه ، وبعث عتبة إلى الحسين بن علي (ع) ، فقال : إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له ، فقال الحسين (ع) : يا عتبة !.. قد علمتَ أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أودعه الله عز وجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنظقتُ بإذن الله عز وجل ، ولقد سمعتُ جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محّرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيتٍ قد قال فيهم رسول الله هذا ؟..
فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى عبدالله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان .. أما بعد ، فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافةً ولا بيعةً ، فرأيك في أمره والسلام.
فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله ، كتب الجواب إلى عتبة :
أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه ، وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي....
وبلغ عبيدالله بن زياد - لعنه الله - الخبر وأن الحسين (ع) قد نزل الرهيمة فأسرى إليه حّر بن يزيد في ألف فارس ، قال الحر : فلما خرجتُ من منزلي متوجّها نحو الحسين (ع) نُوديث ثلاثا : يا حر أبشر بالجنة !.. فالتفتُ فلم أرَ أحدا ، فقلتُ : ثكلت الحَّر أمُّه ، يخرج إلى قتال ابن رسول الله (ص) ويُبشَّر بالجنة !.. فرهقه عند صلاة الظهر ، فأمر الحسين (ع) ابنه فأذّن وأقام ، وقام الحسين (ع) فصلى بالفريقين .
فلما سلّم وثب الحر بن يزيد ، فقال : السلام عليك يا بن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال الحسين : وعليك السلام!.. من أنت يا عبدالله ؟.. فقال :
أنا الحر بن يزيد، فقال : ياحّر !.. أعلينا أم لنا ؟.. فقال الحر :
والله يا بن رسول الله !.. لقد بُعثت لقتالك ، وأعوذ بالله أن أُحشر من قبري وناصيتي مشدودة إليّ ، ويديّ مغلولة إلى عنقي ، وأُكّب على حَرّ وجهي في النار ، يا بن رسول الله !.. أين تذهب ؟.. إرجع إلى حرم جدك فإنك مقتول .... الخبر .ص314 المصدر: أمالي الصدوق ص150 ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة فنظر إلى فسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط ؟.. فقيل : لعبدالله بن الحر الحنفي ، فأرسل إليه الحسين (ع) فقال :
أيها الرجل إنك مذنب خاطئ !.. وإن الله عز وجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه ، فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى ، فقال :
يا بن رسول الله !.. والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك ، فوالله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغتهُ ، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه ، فدونك فخذه !.. فأعرض عنه الحسين (ع) بوجهه ثم قال :
لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فُرَّ فلا لنا ولا علينا ، فإنه من سمع واعيتنا - أهل البيت - ثم لم يجبْنا ، كبّه الله على وجهه في نار جهنم ....
فبلغ عبيدالله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين (ع) ويحدثه ، ويكره قتاله ، فوجّه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس ، وكتب إلى عمر بن سعد: إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلنّ الحسين بن علي وخذ بكظمه ، وحُلْ بين الماء وبينه ، كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار .
فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد - لعنه الله - أمر مناديه فنادى :
إنا قد أجّلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم .. فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه ، فقام الحسين في أصحابه خطيبا .. فقال :
اللهم !.. إني لا أعرف أهل بيت أبرّ ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ، ولا أصحابا هم خير من أصحابي ، وقد نزل بي ما قد ترون ، وأنتم في حلٍّ من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وتفرّقوا في سواده ، فإن القوم إنما يطلبوني ، ولو ظفروا بي لذُهلوا عن طلب غيري .. فقام إليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (ع) ، فقال :
يا بن رسول الله !.. ما ذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام وابن نبينا سيد الأنبياء ؟.. لم نضرب معه بسيف ، ولم نقاتل معه برمح .. لا والله أو نردَ موردك ، ونجعل أنفسنا دون نفسك ، ودماءنا دون دمك ، فإذا نحن فعلنا ذلكَ فقد قضينا ما علينا ، وخرجنا مما لزمنا ، وقام إليه رجل يُقال له زهير بن القين البجلي ، فقال :
يا بن رسول الله !.. وددتُ أني قُتلت ثم نُشرت ، ثم قُتلت ثم نُشرت ، ثم قُتلت ثم نُشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة ، وأن الله دفع بي عنكم أهل البيت ، فقال له ولأصحابه : جُزيتم خيرا .
تعليق