بسم الله الرحمن الرحيم
بحار الانوار-الجزء الخامس والاربعون -كتاب تاريخ الأمام الحسين (ع(
باب الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه قال السيد رحمه الله : وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن ، قال : فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت : من أيّ الأسارى أنتنّ ؟.. فقلن : نحن أسارى آل محمد ، فنزلت من سطحها وجمعت ملاء ًو ازراً ومقانع ، فأعطتهن فتغطين .
وكان مع النساء علي بن الحسين (ع) قد نهكتْه العلة ، والحسن بن الحسن المثنى ، وكان قد واسى عمه وإمامه في الصبر على الرماح ، وإنما ارتث ( أي ضُرب في الحرب ) وقد اثخن بالجراح ، وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولدا الحسن السبط (ع).
فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسين عليهما السلام : أتنوحون وتبكون من أجلنا ؟.. فمَن قَتَلنا ؟..ص108المصدر:الملهوف قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي (ع) يومئذ ولم أر والله خَفِرةً ( أي شديدة الحياء ) قط أنطق منها ، كأنما تفرغ ( أي تسكب ) عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا !.. فارتدّت الانفاس ، وسكنت الأجراس.. ثم قالت :
الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الاخيار.. أما بعد يا أهل الكوفة !.. ياأهل الختل ( أي الخديعة ) والغدر!.. أتبكون ؟..
فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة ، إنما مثلَكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم .
ألا وهل فيكم إلا الصَّلف ( أي الادعاء فوق القدر ) والنّطَف ( أي العيب ) ، وملََق الإماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعىً على دَمِنة ، أو كفضة على ملحودة ؟!..
ألا ساء ما قدّمتْ لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون ؟..
إي والله !.. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنآنها ، ولن ترحضوها ( أي تغسلوها ) بغسلٍ بعدها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خِيَرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، ومدرة ( أي زعيم ) سنتّكم ؟..
ألا ساء ما تزرون ، وبُعدا لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضبٍ من الله ، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة .
ويلكم يا أهل الكوفة !..أي كبد لرسول الله فريتم ؟.. وأي كريمة له أبرزتم ؟.. وأي دم له سفكتم ؟.. وأي حرمة له انتهكتم ؟..
لقد جئتم بهم صلعاء ( أي الداهية القبيحة ) عنقاء سوّاء فقماء ( أي عظيمة ) - وفي بعضها خرقاء شوهاء - كطلاع الأرض ( أي ملؤها ) وملاء السماء .
أفعجبتم أن قطرت السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلايستخفنّكم المَهَل ، فإنه لا تحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثأر ، وإن ربكم لبالمرصاد.
قال : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته ، وهويقول : بأبي أنتم وأمي !.. كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزى ولا يبزى ( أي لا يُقهر ). ص110المصدر:الملهوف روى زيد بن موسى قال : حدثني أبي ، عن جدي عليهم السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردّت من كربلا ، فقالت :
الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله (ص) وأن ولده ذُبحوا بشط الفرات بغير ذحل (أي ثأر) ولا ترات ، إلى أن قالت :
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء !.. فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته في الأرض لبلاده ولعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضّلنا بنبيه محمد (ص) على كثير ممن خلق تفضيلا بينّا ، فكذبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد ترك أوكابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم ، قرّت بذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء منكم على الله ، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين .
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالتْ أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة في كتابٍ من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على مافاتكم ، ولاتفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور ، تبّاً لكم فانتظروا اللعنة والعذاب !.. وكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بماكسبتم ، ويُذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تُخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا .. ألا لعنة الله على الظالمين.
ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ؟.. وأية نفس نزعت إلى قتالنا ؟.. أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟..
قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطُبع على أفئدتكم ، وخُتم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان و أملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة ، فأنتم لاتهتدون....
فارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين !.. فقد أحرقتِ قلوبنا ، وأنضجتِ نحورنا ، وأضرمتِ أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدتها السلام.ص112المصدر:الملهوف وخطبت أم كلثوم بنت علي (ع) في ذلك اليوم من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
يا أهل الكوفة !.. سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبّاً لكم وسُحقا .. ويلكم!.. أتدرون أي دواه دهتكم ؟.. وأي وزر على ظهوركم حملتم ؟.. وأي دماء سفكتموها ؟.. وأي كريمة أصبتموها ؟.. وأي صبية سلبتموها ؟.. وأي أموال انتهبتموها ؟.. قتلتم خير رجالات بعد النبيّ ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم .. ألا إن حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون....
فضج الناس بالبكاء ، والحنين والنوح ، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن ، وخمشن وجوههن ، وضربن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال ، فلم يُر باكية وباك أكثر من ذلك اليوم .ص112المصدر:الملهوف ثم إن زين العابدين (ع) أومأ إلى الناس أن اسكتوا !.. فسكتوا ، فقام قائما فحمدالله وأثنى عليه ، وذكر النبي وصلّى عليه ، ثم قال : أيها الناس !.. من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات ، من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه ، وسلب نعيمه ، وانتهب ماله ، وسُبي عياله ، أنا ابن من قُتل صبراً ، وكفى بذلك فخرا .
أيها الناس !.. ناشدتكم بالله ، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة ، وقاتلتموه وخذلتموه ؟. فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله (ص) إذ يقول لكم : " قتلتم عترتي وانتهتكم حرمتي ، فلستم من أمتي ؟.." .
فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ؟.. فقال (ع) :
رحم الله امرأ قَبِل نصيحتي ، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته .. فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقالوا بأجمعهم :
نحن كلنا يا بن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمُرنا بأمرك يرحمك الله ، فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذنّ يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا !..
فقال (ع) : هيهات هيهات !.. أيها الغدرة المكرة !.. حِيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل ؟.. كلا ورب الراقصات !.. فإن الجرح لما يندمل .
قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم يُنسني ثكل رسول الله ، وثكل أبي وبني أبي ، ووجْدُه بين لهاتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه يجري في فراش صدري ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا.... الخبر .ص114المصدر:الملهوف عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لاصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصّص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قدارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : ما لي أرى الكوفة تضجّ ؟..
بحار الانوار-الجزء الخامس والاربعون -كتاب تاريخ الأمام الحسين (ع(
باب الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه قال السيد رحمه الله : وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه ، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن ، قال : فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت : من أيّ الأسارى أنتنّ ؟.. فقلن : نحن أسارى آل محمد ، فنزلت من سطحها وجمعت ملاء ًو ازراً ومقانع ، فأعطتهن فتغطين .
وكان مع النساء علي بن الحسين (ع) قد نهكتْه العلة ، والحسن بن الحسن المثنى ، وكان قد واسى عمه وإمامه في الصبر على الرماح ، وإنما ارتث ( أي ضُرب في الحرب ) وقد اثخن بالجراح ، وكان معهم أيضا زيد وعمرو ولدا الحسن السبط (ع).
فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال علي بن الحسين عليهما السلام : أتنوحون وتبكون من أجلنا ؟.. فمَن قَتَلنا ؟..ص108المصدر:الملهوف قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي (ع) يومئذ ولم أر والله خَفِرةً ( أي شديدة الحياء ) قط أنطق منها ، كأنما تفرغ ( أي تسكب ) عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا !.. فارتدّت الانفاس ، وسكنت الأجراس.. ثم قالت :
الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الاخيار.. أما بعد يا أهل الكوفة !.. ياأهل الختل ( أي الخديعة ) والغدر!.. أتبكون ؟..
فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة ، إنما مثلَكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم .
ألا وهل فيكم إلا الصَّلف ( أي الادعاء فوق القدر ) والنّطَف ( أي العيب ) ، وملََق الإماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعىً على دَمِنة ، أو كفضة على ملحودة ؟!..
ألا ساء ما قدّمتْ لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون ؟..
إي والله !.. فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنآنها ، ولن ترحضوها ( أي تغسلوها ) بغسلٍ بعدها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم الأنبياء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خِيَرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، ومدرة ( أي زعيم ) سنتّكم ؟..
ألا ساء ما تزرون ، وبُعدا لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضبٍ من الله ، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة .
ويلكم يا أهل الكوفة !..أي كبد لرسول الله فريتم ؟.. وأي كريمة له أبرزتم ؟.. وأي دم له سفكتم ؟.. وأي حرمة له انتهكتم ؟..
لقد جئتم بهم صلعاء ( أي الداهية القبيحة ) عنقاء سوّاء فقماء ( أي عظيمة ) - وفي بعضها خرقاء شوهاء - كطلاع الأرض ( أي ملؤها ) وملاء السماء .
أفعجبتم أن قطرت السماء دما ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلايستخفنّكم المَهَل ، فإنه لا تحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثأر ، وإن ربكم لبالمرصاد.
قال : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته ، وهويقول : بأبي أنتم وأمي !.. كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يخزى ولا يبزى ( أي لا يُقهر ). ص110المصدر:الملهوف روى زيد بن موسى قال : حدثني أبي ، عن جدي عليهم السلام قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردّت من كربلا ، فقالت :
الحمد لله عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله (ص) وأن ولده ذُبحوا بشط الفرات بغير ذحل (أي ثأر) ولا ترات ، إلى أن قالت :
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء !.. فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجته في الأرض لبلاده ولعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضّلنا بنبيه محمد (ص) على كثير ممن خلق تفضيلا بينّا ، فكذبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا ، كأنا أولاد ترك أوكابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم ، قرّت بذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراء منكم على الله ، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين .
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالتْ أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة في كتابٍ من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على مافاتكم ، ولاتفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور ، تبّاً لكم فانتظروا اللعنة والعذاب !.. وكأن قد حلّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات فيسحتكم بماكسبتم ، ويُذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تُخلّدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا .. ألا لعنة الله على الظالمين.
ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم ؟.. وأية نفس نزعت إلى قتالنا ؟.. أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟..
قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطُبع على أفئدتكم ، وخُتم على سمعكم وبصركم ، وسوّل لكم الشيطان و أملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة ، فأنتم لاتهتدون....
فارتفعت الأصوات بالبكاء ، وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين !.. فقد أحرقتِ قلوبنا ، وأنضجتِ نحورنا ، وأضرمتِ أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدتها السلام.ص112المصدر:الملهوف وخطبت أم كلثوم بنت علي (ع) في ذلك اليوم من وراء كلّتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت :
يا أهل الكوفة !.. سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ، فتبّاً لكم وسُحقا .. ويلكم!.. أتدرون أي دواه دهتكم ؟.. وأي وزر على ظهوركم حملتم ؟.. وأي دماء سفكتموها ؟.. وأي كريمة أصبتموها ؟.. وأي صبية سلبتموها ؟.. وأي أموال انتهبتموها ؟.. قتلتم خير رجالات بعد النبيّ ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم .. ألا إن حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون....
فضج الناس بالبكاء ، والحنين والنوح ، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن ، وخمشن وجوههن ، وضربن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال ، فلم يُر باكية وباك أكثر من ذلك اليوم .ص112المصدر:الملهوف ثم إن زين العابدين (ع) أومأ إلى الناس أن اسكتوا !.. فسكتوا ، فقام قائما فحمدالله وأثنى عليه ، وذكر النبي وصلّى عليه ، ثم قال : أيها الناس !.. من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم ، أنا ابن المذبوح بشط الفرات ، من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من انتهك حريمه ، وسلب نعيمه ، وانتهب ماله ، وسُبي عياله ، أنا ابن من قُتل صبراً ، وكفى بذلك فخرا .
أيها الناس !.. ناشدتكم بالله ، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة ، وقاتلتموه وخذلتموه ؟. فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم ، بأية عين تنظرون إلى رسول الله (ص) إذ يقول لكم : " قتلتم عترتي وانتهتكم حرمتي ، فلستم من أمتي ؟.." .
فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية ، ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ؟.. فقال (ع) :
رحم الله امرأ قَبِل نصيحتي ، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته .. فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة ، فقالوا بأجمعهم :
نحن كلنا يا بن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمُرنا بأمرك يرحمك الله ، فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك ، لنأخذنّ يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا !..
فقال (ع) : هيهات هيهات !.. أيها الغدرة المكرة !.. حِيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل ؟.. كلا ورب الراقصات !.. فإن الجرح لما يندمل .
قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم يُنسني ثكل رسول الله ، وثكل أبي وبني أبي ، ووجْدُه بين لهاتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه يجري في فراش صدري ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا.... الخبر .ص114المصدر:الملهوف عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لاصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصّص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قدارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : ما لي أرى الكوفة تضجّ ؟..
تعليق