حكاية المقدّس الاردبيلي (قدس سره)
يقول احد خواص تلامذة المقدس الاردبيلي (و هو بدوره من علماء زمانه البارزين وواقفا على خصوصيّات حياة استاذه): ذات ليلة كنت اتمشى في صحن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وكان الليل قد تجاوز منتصفه بعد ان أعيتني المطالعة. وفجأة وفي ذلك الفضاء النوراني، رأيت شخصا من بعيد يتقدم نحو الحرم الشريف في حين كانت أبواب الصحن والحرم مغلّقة بالاقفال!فدفعنى حبّ الاطلاع على تعقيبه، فرأيت ان هذا الشخص كلما اقترب من أحد الابواب انفتح له القفل وفتحت الباب ودخل الرجل منها، فكلما وضع يده على باب انفتحت الى ان وصل بكل وقار وسكينة الى جنب الضريح الشريف للامام (عليه السلام). وقف هناك وسلّم على امير المؤمنين (عليه السلام)، وقد سمعت جواب سلامه ومن ثمّ بدأ بالحديث مع صاحب ذلك الصوت. لم تمض برهه من كلامهما حتى خرج ذلك الرجل من الصحن الشريف متجهاً نحو مسجد الكوفة.وسرت خلفه بحيث لايراني، للوقوف على حاله. وصل الرجل الى مسجد الكوفة، وتقدم الى المحراب ورأيته يتحدث مع احد الاشخاص ولم اسمع ما كانا يقولان. وبعد ان تمّت محادثتهما رجع صاحبي الى النجف ولما اقترب من بوابتها كان الفجر قد حان لتوّه وبدأت حركة الناس في ازقة المدينة. في هذه الاثناء اعترضتني حالة عطاس لم اقدر على الحدّ منها، فسمعنى ذلك الرجل ونظر اليّ، ولمّا نظرت في وجهه فاذا هو استاذي المرحوم آية الله المقدس الاردبيلي. سلّمت عليه واديت التحيّة والاحترام وقلت له:لقد كنت طوال الليلة معك، منذ لحظة دخولك الى الحرم الشريف والى الآن، فتفضل عليّ واخبرني مع من كنت تتحدث في الحرم الشريف وفي مسجد الكوفة؟ في البدء أخذ الاستاذ مني العهد على ان لا افشي سرَّه هذا مادام حيّا، ثم قال:يا ولدي، احيانا تشكل عليّ بعض المسائل فاعجز عن حلّها، فاتشرف بزيارة حلّال المشكلات علي ابن ابي طالب (عليه السلام) وأخذ اجوبة تلك المسائل منه. وفي الليلة الماضية احالني امير المؤمنين (عليه السلام) الى ولده صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)و قال لي: (ان ولدى المهدى (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) في مسجد الكوفة الآن وهو امام زمانك، فاذهب اليه وتعلم مسائلك منه). ولذا فقد ذهبت الى مسجد الكوفة بامره (عليه السلام)، وتشرفت بخدمة مولانا المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف)و سألته مسائلي وهو الذي كان واقفا في محراب المسجد.
إشارة:
المقدس الاردبيلي عالم جليل القدر عُرِفَ بالعلم والورع والتقوى والعبادة حتى صار مضربا للمثل في التقوى والورع.توفي سنة 993 (هـ.ق).اشتهر عنه ما ورد في هذه الحكاية وانه كان يتوسل بامير المؤمنين (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) محلِّ المشكلات والمسائل، ولا غرابة في ذلك، فعليّ (عليه السلام)هو باب مدينة العلم ولن يلج احد المدينة الاّ من بابها، وكل علم لم يؤخذ من علي فهو جهل.فما احرانا ان نحاول ونحاول التقرب الى هذا المنهل الصافي العذب الفرات ونغترف من نميره المعين ولا شك ان ذلك لايحصل الاّ بالجدّ والمثابرة في الطاعات والتقوى والاجتهاد في طلب العلم والمعرفة.