بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
كيـــد ابليــــس
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.. إن آيات الشيطان في القرآن آيات مختلفة ومتنوعة، فله أعمال متعددة، منها:
أولا: التزيين.. وكما هو معلوم أن الشيطان له قدرة على التزيين، فالشيطان له عدة حيل مع بني آدم.. ومن حيله أنه يزين في الأرض، بمعنى أنه يُري الإنسان صورةَ الأشيـاء مضخمة مفخمة، ويعطيها حجماً أكبر من واقعها.. فعندما يصل إلى ذلك الشيء، يراه كسراب بقيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً.. وأفضل مثال على ذلك ما يعيشه المتزوجون.. فحالات المتزوج وتصوره للحياة الزوجية، ولما سيعيشه مثلاً بعد الزواج، عادةً أضخم بكثير مما هو في الواقع.. ولهذا يلاحظ أن في بعض الأوقات تنقلب حالات المحبة الشديدة، والعشق الشديد إلى بغض شديد.. والسبب في ذلك أن المحب كان يرى في محبوبه صفات غير موجودة، وكان يتوقع أموراً غير مدروسة.. فعندما يصل إلى الواقع، يرى أنه كان متعلقاً بالوهم، ويرى أنه قد أعطى لمحبوبه أكثر مما يستحقه، فينتقم منه لا شعورياً.. وهذا شيء معروف في عالم العشاق.
ثانيا: الوسواسة، والنفث في الصدور.. أي يلقي في روع الإنسان فكرة إجبارية.. وفي الطب النفسي هذا الأمر معروف بما يسمى بالوسواس القهري، أي فكرة قد تكون سخيفة، أو وهم قد يكون في منتهى البطلان، أوخوف لا داعي له، وقلق لا موجب له، أو همّ لا أساس له.. ولكن الإنسـان يعيش تلك الحالة من القلق.. والدليل على أن القضية وسوسة شيطانية، أن الإنسان المتعارَف والعـادي، عندما ينظر إلى ذلك الأمر يستهزئ بهذا الإنسان.. ويقول: هذه الفكرة ليست بالمستوى الذي توجب القلق.. فمن الواضح أن هناك جهة غيبية، هي التي توسوس في صدر بني آدم.
وقد شبهت بعض الروايات الشيطان، بأنه واضعٌ خرطومه على قلب بني آدم، وهذا الخرطوم لا يتراجع ولا يخنس، إلا إذا ذكر العبدُ ربَّـه، ولهذا قيل: خناس، أي كثير الذهاب والإياب.. فعندما يذكر العبدُ ربَّهُ، يتراجـع الشيطان.. وعندما ينسى ربه، فيأتي.. فإذن، هو وسواسٌ خنـاس.. ولهذا هناك عبارة جميلة لأحدهم يقول: (لولا كلمة الخنـاس، لأصابنا اليأس من الوسواس).. أي لولا أن اللهَ -عـز وجـل- قال بأنه: (وسواس خنـاس) لأصابنا الانهيار أمام وسوسته.. فكلمة (الخناس) فيها أمل لنا.. فإذن، هذه طريقة من طرق كيد الشيطان.
ولكن هذه الآية آية فريدة متفردة في بيان كيد غريب من مكائد الشيطان.. يقول: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. فالشيطان لا يأتي من الفراغ، فهو لا يزين العدم، إنما يزين الوجـود، ويزين العمـل.. فإذن، إن أصحاب العمل، وأصحاب العبادة والسعي، وأصحاب الجهد والجهاد، هؤلاء يُخافُ عليهم من الشيطان؛ لأن هناك مادة يمكن أن يستثمرها الشيطان.. والإنسان الكسول الذي لا عمل له، والذي يحتقر نفسه، قد يكون من هذه الزاوية أبعد من الشيطان؛ لأنه لا يرى لنفسه شيئاً، ويحتقر نفسه.
ولهذا يلاحظ بأن الفسقة والفجرة، عندما ينيبون إلى ربهم يبالغون في الدعاء والنحيب والبكاء؛ لما يرونه من حقارة أنفسهم.. فالشيطان يستغلٌّ العمل.. و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}.. فـ{أعمالهم} هنا يرجع لضمير المشركين، فليس لهم عمل صالح، يستحق أن يُعجَبَ به.. ولكن التعليق بالنسبة إلى المؤمنين.
ثالثا: القدرة على التجسد.. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}.. يقول المفسرون والمؤرخون: إن الشيطان تمثل على شكل رجـل، هو سراقة بن مالك، وكان له دور في تحريك الجـو ضد المسلمين.. هل معنى ذلك أن الشيطان يتمثل على شكل بشر إذا لزم الأمر؟.. يقول البعض منهم، ويرجح هذا الرأي السيد بتفسيره "الميزان"، يقول: كلمة {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} فـر، وانهزم.. وقال {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}.. أي رأى الملائكة، وطبعاً هذه الملائكة، يُخشى منها أن تنتقم من إبليس عندما يخرج من زيه، ويتشكل على شكل بشر، ليحرض وليحرك الجو ضد المسلمين.
إن هذه التعابير: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}، {َإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}، توحي بأن هناك وجودا ماديا.. وهناك شخصا قام بهذا العمل، وهرب -{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}- عندما رأى جحافل الملائكـة.. فإذن، هذه قدرة أخرى من قدرات الشيطان الغريبة، أنه إذا لزم الأمـر، يتجسد على شكل بشر.
وعليه، فإن قدرة الشيطان ليست محصورة بالوسوسة، والإلقاء في الروع، وتزيين العمل، وما شابه.. وإنما له القدرة على التجسد أيضا.. ونِعْمَ ما قاله صاحب الميزان في تفسيره أنه: ما المانع العقلي من ذلك؟.. فهذا ليس بأمر عجيب غريب.. فالشيطان وجوده كله غرابة في غرابة.. ولتكن هذه من غرابات الشيطان، فهو يتشكل بشكلٍ مادِّيٍّ يمكن أن يغوي بني آدم.. وبالتالي، فإن معنى ذلك أن الشيطان قدراته قوية وهائلة ومخيفة، وعلى الإنسان أن يكون عداؤه للشيطان بحجم قدرته، {إن الشيطانَ لكمْ عدوٌّ، فاتخذوه عدوّاً}.. فمعرفة العدو، الخطوة الأولى لمقاومته ومقارعتـه.
اللهم صل على محمد وآل محمد
كيـــد ابليــــس
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.. إن آيات الشيطان في القرآن آيات مختلفة ومتنوعة، فله أعمال متعددة، منها:
أولا: التزيين.. وكما هو معلوم أن الشيطان له قدرة على التزيين، فالشيطان له عدة حيل مع بني آدم.. ومن حيله أنه يزين في الأرض، بمعنى أنه يُري الإنسان صورةَ الأشيـاء مضخمة مفخمة، ويعطيها حجماً أكبر من واقعها.. فعندما يصل إلى ذلك الشيء، يراه كسراب بقيعةٍ، يحسبه الظمآن ماءً.. وأفضل مثال على ذلك ما يعيشه المتزوجون.. فحالات المتزوج وتصوره للحياة الزوجية، ولما سيعيشه مثلاً بعد الزواج، عادةً أضخم بكثير مما هو في الواقع.. ولهذا يلاحظ أن في بعض الأوقات تنقلب حالات المحبة الشديدة، والعشق الشديد إلى بغض شديد.. والسبب في ذلك أن المحب كان يرى في محبوبه صفات غير موجودة، وكان يتوقع أموراً غير مدروسة.. فعندما يصل إلى الواقع، يرى أنه كان متعلقاً بالوهم، ويرى أنه قد أعطى لمحبوبه أكثر مما يستحقه، فينتقم منه لا شعورياً.. وهذا شيء معروف في عالم العشاق.
ثانيا: الوسواسة، والنفث في الصدور.. أي يلقي في روع الإنسان فكرة إجبارية.. وفي الطب النفسي هذا الأمر معروف بما يسمى بالوسواس القهري، أي فكرة قد تكون سخيفة، أو وهم قد يكون في منتهى البطلان، أوخوف لا داعي له، وقلق لا موجب له، أو همّ لا أساس له.. ولكن الإنسـان يعيش تلك الحالة من القلق.. والدليل على أن القضية وسوسة شيطانية، أن الإنسان المتعارَف والعـادي، عندما ينظر إلى ذلك الأمر يستهزئ بهذا الإنسان.. ويقول: هذه الفكرة ليست بالمستوى الذي توجب القلق.. فمن الواضح أن هناك جهة غيبية، هي التي توسوس في صدر بني آدم.
وقد شبهت بعض الروايات الشيطان، بأنه واضعٌ خرطومه على قلب بني آدم، وهذا الخرطوم لا يتراجع ولا يخنس، إلا إذا ذكر العبدُ ربَّـه، ولهذا قيل: خناس، أي كثير الذهاب والإياب.. فعندما يذكر العبدُ ربَّهُ، يتراجـع الشيطان.. وعندما ينسى ربه، فيأتي.. فإذن، هو وسواسٌ خنـاس.. ولهذا هناك عبارة جميلة لأحدهم يقول: (لولا كلمة الخنـاس، لأصابنا اليأس من الوسواس).. أي لولا أن اللهَ -عـز وجـل- قال بأنه: (وسواس خنـاس) لأصابنا الانهيار أمام وسوسته.. فكلمة (الخناس) فيها أمل لنا.. فإذن، هذه طريقة من طرق كيد الشيطان.
ولكن هذه الآية آية فريدة متفردة في بيان كيد غريب من مكائد الشيطان.. يقول: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. فالشيطان لا يأتي من الفراغ، فهو لا يزين العدم، إنما يزين الوجـود، ويزين العمـل.. فإذن، إن أصحاب العمل، وأصحاب العبادة والسعي، وأصحاب الجهد والجهاد، هؤلاء يُخافُ عليهم من الشيطان؛ لأن هناك مادة يمكن أن يستثمرها الشيطان.. والإنسان الكسول الذي لا عمل له، والذي يحتقر نفسه، قد يكون من هذه الزاوية أبعد من الشيطان؛ لأنه لا يرى لنفسه شيئاً، ويحتقر نفسه.
ولهذا يلاحظ بأن الفسقة والفجرة، عندما ينيبون إلى ربهم يبالغون في الدعاء والنحيب والبكاء؛ لما يرونه من حقارة أنفسهم.. فالشيطان يستغلٌّ العمل.. و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}.. فـ{أعمالهم} هنا يرجع لضمير المشركين، فليس لهم عمل صالح، يستحق أن يُعجَبَ به.. ولكن التعليق بالنسبة إلى المؤمنين.
ثالثا: القدرة على التجسد.. {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}.. يقول المفسرون والمؤرخون: إن الشيطان تمثل على شكل رجـل، هو سراقة بن مالك، وكان له دور في تحريك الجـو ضد المسلمين.. هل معنى ذلك أن الشيطان يتمثل على شكل بشر إذا لزم الأمر؟.. يقول البعض منهم، ويرجح هذا الرأي السيد بتفسيره "الميزان"، يقول: كلمة {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} فـر، وانهزم.. وقال {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}.. أي رأى الملائكة، وطبعاً هذه الملائكة، يُخشى منها أن تنتقم من إبليس عندما يخرج من زيه، ويتشكل على شكل بشر، ليحرض وليحرك الجو ضد المسلمين.
إن هذه التعابير: {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ}، {َإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}، {لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ}، توحي بأن هناك وجودا ماديا.. وهناك شخصا قام بهذا العمل، وهرب -{نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ}- عندما رأى جحافل الملائكـة.. فإذن، هذه قدرة أخرى من قدرات الشيطان الغريبة، أنه إذا لزم الأمـر، يتجسد على شكل بشر.
وعليه، فإن قدرة الشيطان ليست محصورة بالوسوسة، والإلقاء في الروع، وتزيين العمل، وما شابه.. وإنما له القدرة على التجسد أيضا.. ونِعْمَ ما قاله صاحب الميزان في تفسيره أنه: ما المانع العقلي من ذلك؟.. فهذا ليس بأمر عجيب غريب.. فالشيطان وجوده كله غرابة في غرابة.. ولتكن هذه من غرابات الشيطان، فهو يتشكل بشكلٍ مادِّيٍّ يمكن أن يغوي بني آدم.. وبالتالي، فإن معنى ذلك أن الشيطان قدراته قوية وهائلة ومخيفة، وعلى الإنسان أن يكون عداؤه للشيطان بحجم قدرته، {إن الشيطانَ لكمْ عدوٌّ، فاتخذوه عدوّاً}.. فمعرفة العدو، الخطوة الأولى لمقاومته ومقارعتـه.