بسم الله الرحمن الرحيم
تركت ثورة الحسين ـ عليه السَّلام ـ آثاراً كبيرة في المجتمع الإسلامي نشير إلى بعض منها على سبيل المثال بالصورة التالية:
الف: فضح السلطة الحاكمة
ولأنّ السلطة الأموية تسبغ على نفسها صفة الشرعية والدينية وتحكم المجتمع الإسلامي باسم الدين وخلافة رسول اللّه، وتعمد إلى تقوية مكانتها الدينية بين الناس من خلال أساليب عديدة، كوضع الحديث، وتسخير الشعراء والمحدّثين، وتأسيس الفرق الجبرية و... لذلك أنزلت ثورة الإمام الحسين واستشهاده ضربة قاصمة على جسمها وفضحتها، لا سيما انّ جيش يزيد وجلاوزته قد قاموا بإعمال غير إنسانية تنافي المروءة، مثل قطع الماء ومنعه على الإمام وأصحابه وأهل بيته، وقتل الأطفال، وأسر النساء وأولاد بيت النبوة، وغير ذلك التي ساعدت في فضحها وفضيحتها أكثر ممّا كرّهت يزيد بشكل كبير لدى الجماهير، وخلقت منه شخصية بشعة في أعينهم حتى قال «مجاهد» و هو ممّن عاصر تلك الفترة:واللّه أخذ الناس جميعاً يلعنون يزيد ويسبّونه ويعيبون عليه ويعرضون عنه.(1)
وراح يزيد الذي كان مسروراً للغاية بانتصاره ولم تسعه الأرض فرحاً وغروراً بالنصر يتخبط مبهوتاً أمام شجب واستنكار الرأي العام، فحاول أن يلقي مسؤولية قتل الحسين على عاتق عبيد اللّه بن زياد.
وقال المؤرخون: إنّه استدعى ابن زياد وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله نديمه.(2)
وحينما بلغ استنكار الرأي العام ذروته، قام يزيد باستدارة سريعة يبّرئ نفسه من دم الإمام ويلقي اللوم على ابن زياد.
فقد كتب ابن الأثير: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّيسيراً حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين، فكان يقول: و ما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمته فيما يريد وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظاً لرسول اللّه ورعاية لحقه وقرابته، لعن اللّه ابن مرجانة، فانّه اضطره وانّه سأله أن يضع يده(3)في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفّاه اللّه، فلم يجبه إلى ذلك فقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، مالي ولابن مرجانة لعنه اللّه وغضب عليه(4)
ومع أنّ يزيد عامل النساء والأطفال من أهل البيت بقساوة غروراً وحقداً، وأمر بوضعهم في دار خربة في البداية، تراه و بعد مدة قصيرة وتحت تأثير الرأي العام وشجبه يعاملهم معاملة حسنة ويغيّر مكان إقامتهم، و يقول لهم: إن كنتم راغبين أرسلكم إلى المدينة.
كتب عماد الدين الطبري حول ذلك: أرسلت زينب شخصاً ليستأذن من يزيد لإقامة العزاء على الحسين، فإذن لهم: و قال: يجب أن يأخذوا إلى دار الحجارة كي ينحن ويبكين هناك، وجعلن يبكين سبعة أيام، فكان يجتمع عندهن كثير من الناس ممّا لا يمكن إحصاؤه وهم الناس بالهجوم على قصر يزيد و قتله، فجاء مروان (5)و قد علم بهذا الأمر إلى يزيد و قال له: ليس يصلح لسلطانك بقاء أولاد ونساء الحسين وأهل بيته هنا، فيحسن بك أن تردهم إلى المدينة، اللّه اللّه ليطيعن سلطانك، فدعا يزيد الإمام زين العابدين وأجلسه بجانبه وأكرمه وقال: لعن اللّه ابن مرجانة واللّه لو انّي صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها، ولكن اللّه قضى ما رأيت، فكاتبني من المدينة وانه إلي كل حاجة وتقدم بكسوته وكسوة أهله، ولكن قيل انّ أهل البيت لم يقبلوا ذلك(6).
هذا ولم يدم عمر يزيد أكثر من أربع سنوات بعد مأساة كربلاء، غير انّه ترك هذا العار والفضيحة إرثاً لبني أمية يلاحقهم ممّا دفع بالخلفاء الأمويين فيما بعد ممن كان له أدنى عقل ودراية أن يحترز من التورط في تكرار أعمال يزيد كما كتب اليعقوبي مؤرخ الإسلام الشهير:
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج الذي كان عامله على الحجاز: فحسبي دماء بني عبد المطلب، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا بعدها إلاّ قليلاً.(7)
1-تذكرة الخواص، سبط بن الجوزي، ص 262.
2-نفس المصدر ، ص 290.
3-ومن المؤكد انّ هذه العبارة من إضافات يزيد أو مؤرّخي البلاط، لأنّ الإمام الحسين لم يقل أبداً انّه مستعد لمبايعة يزيد ووضع يده في يده، ذلك انّ ثورة عاشوراء من بدايتها إلى نهايتها كانت رفضاً لبيعة يزيد من الأساس.
4-الكامل في التاريخ:4/87، و قد نقل ذلك الطبري في تاريخه:6/266، والسبط ابن الجوزي ص 261ـ 265 بإيجاز ، وقد كان ابن زياد أيضاً قلقاً من عواقب الجريمة التي ارتكبها، ويشهد لذلك الحوار الذي دار بينه و بين عمر بن سعد.
وقد نقله كلّ من الطبري و أبي مخنف بالصورة التالية : ثمّ إنّ ابن زياد قال لعمر بن سعد بعد عودته من قتل الحسين: يا عمر ايتني بالكتاب الذي كتبته إليك في قتل الحسين. قال عمر: مضيت لأمرك وضاع الكتاب قال ابن زياد: لتجئني به قال: ضاع قال: واللّه لتجئني به قال: ترك واللّه يقرأ على عجائز قريش بالمدينة اعتذاراً إليهن، أما واللّه لقد نصحتك نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت أدّيت حقّه، فقال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه: صدق واللّه لوددت انّه ليس من بني زياد رجل إلاّوفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وانّ الحسين لم يقتل. وقال الراوي ـوكان قد شهد الحوارـ واللّه ما أنكر ابن زياد ذلك. تاريخ الطبري:6/268.
5-كان مروان بالمدينة بعد موت معاوية إلاّإذا قلنا انّه جاء إلى الشام خلال هذه الفترة.
6-كامل بهائي، عماد الدين الطبري، 302.
7-تاريخ اليعقوبي: 3/49، ضمن أحداث عهد حكم عمر بن عبد العزيز، وقد نقلنا هذا النصّ مسبقاً في هذا الكتاب.
تركت ثورة الحسين ـ عليه السَّلام ـ آثاراً كبيرة في المجتمع الإسلامي نشير إلى بعض منها على سبيل المثال بالصورة التالية:
الف: فضح السلطة الحاكمة
ولأنّ السلطة الأموية تسبغ على نفسها صفة الشرعية والدينية وتحكم المجتمع الإسلامي باسم الدين وخلافة رسول اللّه، وتعمد إلى تقوية مكانتها الدينية بين الناس من خلال أساليب عديدة، كوضع الحديث، وتسخير الشعراء والمحدّثين، وتأسيس الفرق الجبرية و... لذلك أنزلت ثورة الإمام الحسين واستشهاده ضربة قاصمة على جسمها وفضحتها، لا سيما انّ جيش يزيد وجلاوزته قد قاموا بإعمال غير إنسانية تنافي المروءة، مثل قطع الماء ومنعه على الإمام وأصحابه وأهل بيته، وقتل الأطفال، وأسر النساء وأولاد بيت النبوة، وغير ذلك التي ساعدت في فضحها وفضيحتها أكثر ممّا كرّهت يزيد بشكل كبير لدى الجماهير، وخلقت منه شخصية بشعة في أعينهم حتى قال «مجاهد» و هو ممّن عاصر تلك الفترة:واللّه أخذ الناس جميعاً يلعنون يزيد ويسبّونه ويعيبون عليه ويعرضون عنه.(1)
وراح يزيد الذي كان مسروراً للغاية بانتصاره ولم تسعه الأرض فرحاً وغروراً بالنصر يتخبط مبهوتاً أمام شجب واستنكار الرأي العام، فحاول أن يلقي مسؤولية قتل الحسين على عاتق عبيد اللّه بن زياد.
وقال المؤرخون: إنّه استدعى ابن زياد وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة، وقرّب مجلسه، ورفع منزلته، وأدخله على نسائه، وجعله نديمه.(2)
وحينما بلغ استنكار الرأي العام ذروته، قام يزيد باستدارة سريعة يبّرئ نفسه من دم الإمام ويلقي اللوم على ابن زياد.
فقد كتب ابن الأثير: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلاّيسيراً حتى بلغه بغض الناس له ولعنهم وسبّهم، فندم على قتل الحسين، فكان يقول: و ما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري وحكمته فيما يريد وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظاً لرسول اللّه ورعاية لحقه وقرابته، لعن اللّه ابن مرجانة، فانّه اضطره وانّه سأله أن يضع يده(3)في يدي أو يلحق بثغر حتى يتوفّاه اللّه، فلم يجبه إلى ذلك فقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين، مالي ولابن مرجانة لعنه اللّه وغضب عليه(4)
ومع أنّ يزيد عامل النساء والأطفال من أهل البيت بقساوة غروراً وحقداً، وأمر بوضعهم في دار خربة في البداية، تراه و بعد مدة قصيرة وتحت تأثير الرأي العام وشجبه يعاملهم معاملة حسنة ويغيّر مكان إقامتهم، و يقول لهم: إن كنتم راغبين أرسلكم إلى المدينة.
كتب عماد الدين الطبري حول ذلك: أرسلت زينب شخصاً ليستأذن من يزيد لإقامة العزاء على الحسين، فإذن لهم: و قال: يجب أن يأخذوا إلى دار الحجارة كي ينحن ويبكين هناك، وجعلن يبكين سبعة أيام، فكان يجتمع عندهن كثير من الناس ممّا لا يمكن إحصاؤه وهم الناس بالهجوم على قصر يزيد و قتله، فجاء مروان (5)و قد علم بهذا الأمر إلى يزيد و قال له: ليس يصلح لسلطانك بقاء أولاد ونساء الحسين وأهل بيته هنا، فيحسن بك أن تردهم إلى المدينة، اللّه اللّه ليطيعن سلطانك، فدعا يزيد الإمام زين العابدين وأجلسه بجانبه وأكرمه وقال: لعن اللّه ابن مرجانة واللّه لو انّي صاحب أبيك ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها، ولكن اللّه قضى ما رأيت، فكاتبني من المدينة وانه إلي كل حاجة وتقدم بكسوته وكسوة أهله، ولكن قيل انّ أهل البيت لم يقبلوا ذلك(6).
هذا ولم يدم عمر يزيد أكثر من أربع سنوات بعد مأساة كربلاء، غير انّه ترك هذا العار والفضيحة إرثاً لبني أمية يلاحقهم ممّا دفع بالخلفاء الأمويين فيما بعد ممن كان له أدنى عقل ودراية أن يحترز من التورط في تكرار أعمال يزيد كما كتب اليعقوبي مؤرخ الإسلام الشهير:
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج الذي كان عامله على الحجاز: فحسبي دماء بني عبد المطلب، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا بعدها إلاّ قليلاً.(7)
2-نفس المصدر ، ص 290.
3-ومن المؤكد انّ هذه العبارة من إضافات يزيد أو مؤرّخي البلاط، لأنّ الإمام الحسين لم يقل أبداً انّه مستعد لمبايعة يزيد ووضع يده في يده، ذلك انّ ثورة عاشوراء من بدايتها إلى نهايتها كانت رفضاً لبيعة يزيد من الأساس.
4-الكامل في التاريخ:4/87، و قد نقل ذلك الطبري في تاريخه:6/266، والسبط ابن الجوزي ص 261ـ 265 بإيجاز ، وقد كان ابن زياد أيضاً قلقاً من عواقب الجريمة التي ارتكبها، ويشهد لذلك الحوار الذي دار بينه و بين عمر بن سعد.
وقد نقله كلّ من الطبري و أبي مخنف بالصورة التالية : ثمّ إنّ ابن زياد قال لعمر بن سعد بعد عودته من قتل الحسين: يا عمر ايتني بالكتاب الذي كتبته إليك في قتل الحسين. قال عمر: مضيت لأمرك وضاع الكتاب قال ابن زياد: لتجئني به قال: ضاع قال: واللّه لتجئني به قال: ترك واللّه يقرأ على عجائز قريش بالمدينة اعتذاراً إليهن، أما واللّه لقد نصحتك نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت أدّيت حقّه، فقال عثمان بن زياد أخو عبيد اللّه: صدق واللّه لوددت انّه ليس من بني زياد رجل إلاّوفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وانّ الحسين لم يقتل. وقال الراوي ـوكان قد شهد الحوارـ واللّه ما أنكر ابن زياد ذلك. تاريخ الطبري:6/268.
5-كان مروان بالمدينة بعد موت معاوية إلاّإذا قلنا انّه جاء إلى الشام خلال هذه الفترة.
6-كامل بهائي، عماد الدين الطبري، 302.
7-تاريخ اليعقوبي: 3/49، ضمن أحداث عهد حكم عمر بن عبد العزيز، وقد نقلنا هذا النصّ مسبقاً في هذا الكتاب.
تعليق