كثيرون هم الرجال الذين ارتقوا ذروة المجد واعتلوا سنام المعالي وكثيرة هي اسماءهم تلمع في صفحات التأريخ كما تلمع النجوم في السماء بل تتوهج تلك الاسماء لتملأ الابصار من نور اصحابها الذين ملأوا الدنيا مجداً ووقروا ظهر الزمان بفضائل افعالهم ونجائب أقوالهم وكرائم أخلاقهم بدءاً بمن وصفه الجليل سبحانه بأنه على خلق عظيم وأنتهاءاً بصحبهم المقربين وتابعيهم المخلصين والى يومنا هذا . لكن قليلة هي اسماء النساء التي حفرت لمجدها خندقاً بين خنادق الرجال فكانت بحق مصدراً للفخر ومناراً يقتدى به في كل الازمان لكلا جنسي بني الانسان ومن بين تلك النساء (أم البنين رضوان الله تعالى عليها) زوج امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام . تلك المرأة التي عاشت حياتها كشمعة تحترق لتنير لغيرها الطريق تلك المضحية العظيمة والام التي تشربت من عريق ارومتها واصيل نسبها وجليل حسبها الخلق الرضي والنفس الكبيرة والهمة العالية .
ولعل ماوصلنا من سيرة هذه المرأة العظيمة لا يساوي شيئاً في جنب شأنها ولعل من اسباب ذلك التعتيم الاعلامي الذي تميز به زمان مابعد رحيل النبي صلوات الله عليه ومحاولات كتم فضائل أهل البيت عليهم السلام والتغطية عليها ونشر فضائل ومناقب مزعومة لمبغضيهم والناصبين لهم العداء والحملة المسعورة ضد امير المؤمنين عليه السلام وصفوته من الاصحاب المكرمين المخلصين بالولاء لنبيهم ولأهل بيته عليهم السلام فضلاً عن كون ام البنين رضوان الله عليها أمرأة وزوج امير المؤمنين عليه السلام والمرأة في حال كحالها يندر أن يطلع على تفاصيل حياتها الا اهل خاصتها وبظروف كالتي مرت بها عترة النبي الكريم صلى الله عليه واله من اقصاء وتهميش للدور فمن الطبيعي ان لا يصلنا عن هذه المرأة المؤمنة المجاهدة الا ما وصلنا من امر زواجها بأمير المؤمنين عليه السلام وذكر معاملتها له ولولديه الحسن والحسين عليهما السلام وما جرى لها حين نعى الناعي بالمدينة سيد شباب اهل الجنة عليه السلام .
ومن هذا القليل الذي وصلنا عنها نعلم انها رضوان الله عليها قد تحدرت من بيت كريم موصوف بالعفة والنجابة والشجاعة والشهامة والكرم والنبل وفوق كل ذلك كان هذا البيت من بيوتات العرب يدين بالولاء المطلق لنبي الله الكريم واهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم . لذا كانت سليلة هذا البيت تتميز بما تميز به ابائها من كريم الصفات والاخلاق وقد نالت هي بنفسها فضلاً وميزة على نسبها هذا إذ تشرفت بالاقتران بسيد الموحدين وعميد البيت الهاشمي بعد رسول الله امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام .
وكان من مميزات هذه السيدة الجليلة حبها الشديد لذرية النبي صلوات الله عليه حتى انها طلبت من امير المؤمنين عليه السلام ان يبدل اسمها حتى لا يتأذى الحسنان اذا ما سمعا اسم امهما فاطمة عليها السلام , وكذلك تميزت بطاعتها وأخلاصها لزوجها وعدم غيرتها من باقي ازواجه تطبيقاً للحديث ( غيرة الرجل ايمان وغيرة المرأة كفر ) وأكثر ما تميزت به ام البنين رضوان الله عليها الوفاء للزهراء ولأولاد الزهراء عليهم السلام وقد أورثت هذا الخلق لأولادها الاربعة فكانوا يتفانون في سبيل خدمة الحسين عليه السلام وخصوصاً سيدنا ابو الفضل العباس الذي كان أمثولة في الوفاء وعلامة فارقة في سجل الدهور .
واروع ما سجله لنا التاريخ من مواقف هذه السيدة انها حين سمعت صوت الناعي بشر بن حذلم ينادي بالشعر المعروف عند ارباب المقاتل :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرارُ
الجسم منه بكربلاء مضرجٌ والرأس منه على القناة يدار ُ
فزعت من غير وعي الى مصدر الصوت لكي تستعلم الخبر فلما وصلت سأل الناعي عنها حين رأى حالها فأخبروه انها أم البنين فقال لها عظم الله لك الاجر بعبد الله وبدأ يسمي لها ابناءها واحداً واحداً حتى وصل الى ذكر سيدنا العباس عليه السلام فسقط الطفل الذي كانت تحمله وهو الفضل بن العباس عليه السلام وقالت ما سألتك عن ولدي وانما سألتك عن الحسين فأخبرها بقتل الحسين فصاحت واحسيناه واولداه ويذكر انه اغمي عليها لما سمعت ذلك .
فسلام على ام البنين يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية
تعليق