بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن يزيد الذي تربى في أحضان ابي سفيان ومعاوية وترعرع على ثقافة مثل هذه العصابة الكبيرة ليؤمن بالدين الإسلامي الذي كان يريد أن يحكم الأُمّة بسلطانه، فقد كان يزيد شاباً غير ناضج، شهوانياً أنانياً، و من أبعد الناس عن الحيطة والتروّي، وكان صغير العقل، متهوّراً، ماجناً، لا يهم بشيء إلاّركبه، وسطحي التفكير.
يزيد الذي عاش حياة التحلّل ـ قبل أن يلي الحكم ـ والانسياق مع العاطفة وتلبية كل رغباته، كلّ ذلك جعله عاجزاً عن التظاهر بالورع والتقوى والتلبّس بلباس الدين مثل أبيه بعد ان حكم المسلمين، بل راح وبسبب طبيعته النزقة وتهوّره يعالن الناس بارتكاب المحرمات، ولم يأل جهداً في استخدامه أية وسيلة لإرضاء رغباته وشهواته. كان يعالن بشرب الخمر، ويتظاهر بالفسق واقتراف المعاصي، ويشرب الخمر في لياليه الحمراء وحفلاته الارستقراطية، وينشد الأشعار تهوّراً.
معشر الندمان قوموا * واسمعوا صوت الأغاني
واشربوا كأس مدام * واتركوا ذكر المعاني
شغلتني نغمة العيداني * عن صوت الأذان
وتعوضت عن الحور * خموراً في الدنان(1)
فقد كان ينفي صراحةً الإسلام ونزول الوحي على النبي محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ويعد كلّ ذلك وهماً لا أكثر كما ضمّن ذلك أشعاره التي قالها بعد انتصاره الظاهري على الحسين بن علي عليهما السَّلام .
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحـي نزل
ثمّ طفحت أحقاده الدفينة على قادة الإسلام الذين قتلوا قومه في معركة بدر تحت راية الإسلام وتذكّر ذلك، وراح يجعل قتل الإمام الحسين ـ عليه السَّلام ـ انتقاماً لأُولئك وقال:
ليـت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّـوا و استهلـّـوا فرحــاً * ثـمّ قالـوا يا يزيد لا تشل(2)
وفي أحد الأعوام أرسل معاوية يزيد بجيش لمحاربة الروم (وكأنّه أراد أن يتظاهر بأنّ يزيد ليس رجل المواقف اللهوية فقط بل رجل المواقف الحربية أيضاً!) وأرسل معه سفيان بن عوف الغامدي، ورافق يزيد في رحلته هذه عشيقته أُمّ كلثوم .
وصل سفيان بالجيش إلى أرض الروم قبله وأُصيب جيش المسلمين لسوء المناخ والأحوال الجوية بمرض الجدري والحمى بمكان يسمى الغَذْقَذونة.(3)
وقال يزيد عندما أُخبر الخبر وهو نازل في دير اسمه دير «مُرّان»(4)ومعه أُمّ كلثوم للاستجمام واللهو والمجون منشداً: ما إن ابالي بما لاقت جموعهم * بالغذ قذونة من حمى و من موم
إذا اتّكأت على الانماط في غرف * بدير مُرّان عندي أُمّ كلثوم(5)
فمن كان يتمتع بهذا المستوى من التعاطف والإشفاق على جيشه وشباب العالم الإسلامي، فإنّه سيتضح جيداً كيف يكون حال الأُمّة الإسلامية عندما يستولي على مقاليد الحكم ومقدرات الأُمّة.
تحوّل بلاط يزيد إلى مركز يشكل أنواع الفساد وارتكاب المحرمات، وقد اتسعت رقعة انحراف وفساد بلاطه في المجتمع مع قصر مدّة حكومته إلى الحدّ الذي تلوّثت فيه مدن مقدّسة من قبيل مكة والمدينة(6)
وقد لقى يزيد حتفه جراء الجري وراء إشباع ميوله الجامحة والإفراط في معاقرة الخمرة حيث مات مسموماً بها(7)
قال المسعودي أحد المؤرّخين المشهورين: سار يزيد في الناس بسيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه.(8)
إنّ الأدلّة والوثائق الدالّة على انحراف وفساد يزيد وحياته الشائنة وسلطته الوضيعة بدرجة من الوفرة والكثرة بحيث يتعذّر علينا تناولها في بحثنا المضغوط هذا، ونعتقد انّ ما قدمناه يكفي للتعريف بشخصيته المنحطة.
1-تذكرة الخواص : 291.
2-تتمة المنتهى في وقائع أيام الخلفاء، الشيخ عباس القمي، ص 44.
3-الغذقذونة منطقة تفصل بين الشام والروم ويقع ضمنها طرطوس والمصيصة.
4-دير« مرّان» مكان على مقربة من دمشق، قال ياقوت الحموي: مران بضم الحرف الأوّل تثنية مرّ معجم البلدان. مادة ـ دير ـ كانت الأديرة المسيحية في العالم الإسلامي مراكز لأفظع ألوان الفسق والفجور واللعب، وكان يؤمها جميع الماجنين والمتحلّلين من الأُمويّين والعباسيين للاستمتاع فيها، وهي محال للعبادة، ولذلك نجد يزيد قد قصد دير« مرّان» وهي تقع في منطقة خصبة ذات خضار وأشجار وطبيعة خلاّبة تصلح لقضاء النزوات.
5-تاريخ اليعقوبي:2/160; أنساب الأشراف:4/3; معجم البلدان،ص 534 مع اختلاف بسيط في الألفاظ.
6-مروج الذهب:3/67.
7-مقتل الحسين ، أخطب خوارزم:2/183.
8-مروج الذهب:3/68.
لم يكن يزيد الذي تربى في أحضان ابي سفيان ومعاوية وترعرع على ثقافة مثل هذه العصابة الكبيرة ليؤمن بالدين الإسلامي الذي كان يريد أن يحكم الأُمّة بسلطانه، فقد كان يزيد شاباً غير ناضج، شهوانياً أنانياً، و من أبعد الناس عن الحيطة والتروّي، وكان صغير العقل، متهوّراً، ماجناً، لا يهم بشيء إلاّركبه، وسطحي التفكير.
يزيد الذي عاش حياة التحلّل ـ قبل أن يلي الحكم ـ والانسياق مع العاطفة وتلبية كل رغباته، كلّ ذلك جعله عاجزاً عن التظاهر بالورع والتقوى والتلبّس بلباس الدين مثل أبيه بعد ان حكم المسلمين، بل راح وبسبب طبيعته النزقة وتهوّره يعالن الناس بارتكاب المحرمات، ولم يأل جهداً في استخدامه أية وسيلة لإرضاء رغباته وشهواته. كان يعالن بشرب الخمر، ويتظاهر بالفسق واقتراف المعاصي، ويشرب الخمر في لياليه الحمراء وحفلاته الارستقراطية، وينشد الأشعار تهوّراً.
معشر الندمان قوموا * واسمعوا صوت الأغاني
واشربوا كأس مدام * واتركوا ذكر المعاني
شغلتني نغمة العيداني * عن صوت الأذان
وتعوضت عن الحور * خموراً في الدنان(1)
فقد كان ينفي صراحةً الإسلام ونزول الوحي على النبي محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ويعد كلّ ذلك وهماً لا أكثر كما ضمّن ذلك أشعاره التي قالها بعد انتصاره الظاهري على الحسين بن علي عليهما السَّلام .
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحـي نزل
ثمّ طفحت أحقاده الدفينة على قادة الإسلام الذين قتلوا قومه في معركة بدر تحت راية الإسلام وتذكّر ذلك، وراح يجعل قتل الإمام الحسين ـ عليه السَّلام ـ انتقاماً لأُولئك وقال:
ليـت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّـوا و استهلـّـوا فرحــاً * ثـمّ قالـوا يا يزيد لا تشل(2)
وفي أحد الأعوام أرسل معاوية يزيد بجيش لمحاربة الروم (وكأنّه أراد أن يتظاهر بأنّ يزيد ليس رجل المواقف اللهوية فقط بل رجل المواقف الحربية أيضاً!) وأرسل معه سفيان بن عوف الغامدي، ورافق يزيد في رحلته هذه عشيقته أُمّ كلثوم .
وصل سفيان بالجيش إلى أرض الروم قبله وأُصيب جيش المسلمين لسوء المناخ والأحوال الجوية بمرض الجدري والحمى بمكان يسمى الغَذْقَذونة.(3)
وقال يزيد عندما أُخبر الخبر وهو نازل في دير اسمه دير «مُرّان»(4)ومعه أُمّ كلثوم للاستجمام واللهو والمجون منشداً: ما إن ابالي بما لاقت جموعهم * بالغذ قذونة من حمى و من موم
إذا اتّكأت على الانماط في غرف * بدير مُرّان عندي أُمّ كلثوم(5)
فمن كان يتمتع بهذا المستوى من التعاطف والإشفاق على جيشه وشباب العالم الإسلامي، فإنّه سيتضح جيداً كيف يكون حال الأُمّة الإسلامية عندما يستولي على مقاليد الحكم ومقدرات الأُمّة.
تحوّل بلاط يزيد إلى مركز يشكل أنواع الفساد وارتكاب المحرمات، وقد اتسعت رقعة انحراف وفساد بلاطه في المجتمع مع قصر مدّة حكومته إلى الحدّ الذي تلوّثت فيه مدن مقدّسة من قبيل مكة والمدينة(6)
وقد لقى يزيد حتفه جراء الجري وراء إشباع ميوله الجامحة والإفراط في معاقرة الخمرة حيث مات مسموماً بها(7)
قال المسعودي أحد المؤرّخين المشهورين: سار يزيد في الناس بسيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه.(8)
إنّ الأدلّة والوثائق الدالّة على انحراف وفساد يزيد وحياته الشائنة وسلطته الوضيعة بدرجة من الوفرة والكثرة بحيث يتعذّر علينا تناولها في بحثنا المضغوط هذا، ونعتقد انّ ما قدمناه يكفي للتعريف بشخصيته المنحطة.
1-تذكرة الخواص : 291.
2-تتمة المنتهى في وقائع أيام الخلفاء، الشيخ عباس القمي، ص 44.
3-الغذقذونة منطقة تفصل بين الشام والروم ويقع ضمنها طرطوس والمصيصة.
4-دير« مرّان» مكان على مقربة من دمشق، قال ياقوت الحموي: مران بضم الحرف الأوّل تثنية مرّ معجم البلدان. مادة ـ دير ـ كانت الأديرة المسيحية في العالم الإسلامي مراكز لأفظع ألوان الفسق والفجور واللعب، وكان يؤمها جميع الماجنين والمتحلّلين من الأُمويّين والعباسيين للاستمتاع فيها، وهي محال للعبادة، ولذلك نجد يزيد قد قصد دير« مرّان» وهي تقع في منطقة خصبة ذات خضار وأشجار وطبيعة خلاّبة تصلح لقضاء النزوات.
5-تاريخ اليعقوبي:2/160; أنساب الأشراف:4/3; معجم البلدان،ص 534 مع اختلاف بسيط في الألفاظ.
6-مروج الذهب:3/67.
7-مقتل الحسين ، أخطب خوارزم:2/183.
8-مروج الذهب:3/68.
تعليق