قبل الحديث عن الثقافة والمثقفين، ينبغي تحديد هويتهم أولاً، وسماتهم العامة ثانياً، ومن ثم تحديد هل يجب أن يضطلعوا بدور معين في رصد الإنحرافات المجتمعية ومحاربتها، أم أنهم مثقفون فقط ولاشيء آخر..!
فبالنسبة لجانب تحديد الهوية الثقافية، تجمع الآراء على أن المثقف هو الذي يسعى لمعرفة كلّ شيء(قضايا سياسية، اجتماعية، علمية، أدبية...)، أي أنه كثير الإطلاع على كل مايدور حوله من قضايا، فالمثقف لايخدم أجندات بعينها، بمعنى أنه لايتقوقع في زاوية ضيقة بحيث تكون بعض العلوم مباحة له، وبعضها محرمة عليه؛ باعتبارها لا تخدم توجهات تياره وانتمائه..!
المثقف هو المتسلح بشتى المعارف من باب الإحاطة التشخيصية؛ كي يكون على علم واطلاع بما يدور حوله، بما أوتي من إدراك ونضج وبصيرة تمكنه من تحديد التيارات المحيطة بمجتمعه، أو تلك التي تنذر بزوال هويته، وإقصائه من حسابات الصراع والمواجهة..
ومن خلال دراسة سمات المثقف العامة -باعتبارها تحدد الصبغة العامة التي يصطبغ بها المثقف على طول الخط- يمكننا تحديد الهوية الثقافية.. ومن ثم ننطلق نحو سبل تفعيل دوره في المجتمع... فالمسألة قد تكون توافقية بالمعنى الأدق، أي هناك عملية امتلاء المثقف بالتحصيل المعرفي، وتغذيته بالطاقة المحفزة: وهي القراءة والإطلاع على ثقافات متعددة، وعلى علوم شتى في مختلف ميادين المعرفة.. وفي نفس الوقت هناك عملية صهر تلك الثقافات والمعلومات في بودقة الفكر الإنساني الخلّاق؛ لتحويلها إلى أفكار جديدة، وتجسيدها عملياً في المجتمعات؛ لتتم عملية النهوض بخطوات مدروسة وصحيحة.
فبعد سعة الإطلاع التي تسلح بها المثقف، ستنتج لنا الساحة الثقافية تنوعاً في تلك الإطلاعات، وهذا ما سيخلق لنا سلَّماً تصاعدياً يعتمد على محصلة المثقف المعرفية، والتي تأخذ بالإزدياد كلما ترسخت لديه الكثير من المفاهيم، خاصة تلك التي ارتبطت بالمنطق السليم، بعيداً عن المهاترات، وفتح باب التأويلات السقيمة...
فرسم خارطة الطريق في تحديد الهوية الثقافية، يعتمد على الإجابة عن التساؤل المطروح في الساحة الثقافية: وهو أن الدور الذي يلعبه المثقف في المجتمع، هل يعتمد على إعطائه ذلك الدور في صياغة التغيير المجتمعي بقرار أو نصّ دستوري، أم أن تلك المساحة هي أصلاً في تفكيره، وجزء لاينفصل من المنظومة العامة لثقافة البلد بشكل عام؟
ومن خلال هذا المعيار يمكن الحكم على صبغة الأمم والمجتمعات، بعد معرفة أيهما يعلو على الآخر: هل صوت المثقف الواعي المدرك لتطلعات مجتمعه أم بقية الأصوات السياسية كأن تكون، أو غيرها..؟