أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الاَْصْلاَبِ الشَّامِخَةِ، وَالاَْرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَم ْتُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّات ِثِيَابِهَا.
فيه إشارة إلى مقام نورانيّته الذي يجب على كلّ مؤمن الإقرار به كما قال مولاناعليّ(عليه السلام): (يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يعرفني بالنورانيّة،فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه، ومَن قصّر عن ذلك فهو شاكٌّ مرتاب،يا سلمان ويا جندب: أنّ معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهوالدِّين الخالص) إلى أن قال: (كنتُ ومحمّد نوراً نسبّح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله ذلك النور نصفين:نبيٌّ مصطفى، وعليٌ مرتضى، فقال الله لذلك النصف: كُن محمّداً، وللآخر كُن عليّاً،ولذلك قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله):أنا من عليّ وعليّ منّي)(1).
ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نورالله كما قال: (وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار)(2).
والأخبار الواردة في ذلك(3) فوق حدّ الإحصاء وبكونها متواترة صرّح بعض الأذكياء وفي بعضها: (يا محمّد أنّي خلقتك وخلقتُ عليّاً(عليه السلام)وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري، وفرضتُ* ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين،ومَن جحدها كان عندي من الكافرين)(4).
وفي بعضها فقال ـ يعني آدم ـ (ياربّ ما هذه الأنوار؟ فقال: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك)(5).
وفي بعضها: (أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله والكلّ منّي)(6).
وفي بعضها: (كنتُ وعليّاً نوراً بين يدي الرحمة** قبل أنْ يخلق عرشه)(7).
وفي بعضها (أنّ الله خلقني وعليّاً(عليه السلام) نوراً واحداً قبل خلق آدم، ثمّ خلق الأشياء من نوري، ونور عليّ(عليه السلام))(8).
وفي بعضها: «يا عليّ إنّ الله كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله،ونقدّسه، ونحمده، ونهلّله، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينةعليّين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار»(9).
وفي بعضها عن الباقر(عليه السلام) قال: (ياجابر كان الله ولا شيء غيره، ولا معلوم ولامجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمّداً(صلّى الله عليه وآله) وخلقنا معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس)(10).
وفي الزيارة الجامعة: (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين)(11).
والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره،وحقيقة نورانيّتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال: (يا عليّ ما عرفني إلاّ الله وأنت،وما عرفك إلاّ الله وأنا)(12)، فلا ندرك من مقامهم هذا سوى الإجمال كما لا ندرك في مقام الحقّ سوى ذلك، وبيانه أنّ العالي محيط بالسافل دون العكس.
قوله: في الأصلاب، أي مودعاً مستقرّاً في أصلاب الآباء الموحِّدين، الشرفاء،النُجباء، وأرحام الاُمّهات الموحّدات المطهّرات عن الخنا والسفاح، العفيفات عن الزنا والفساد، والشامخةالعالية، يُقال: شمخ بأنفه إذا ارتفع وتكبّر، وفي الفقرة إشارة إلى ما بُرهن عليه في محلّه من أنّ الأئمّة(عليهم السلام) لا يكون آباؤهم وأُمّهاتهم مشركين من آدم(عليه السلام)ولا يُخالط نسبهم فساد وعهرٌ وذمّ، كيف وهم ذرّية النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وعترته ولا شكّ في طهارة عنصره وطيب مولده من لدن آدم إلى أبيه.
قال الصادق(عليه السلام): انتخب لهم أحبّ أنبيائه إليه محمّد بن عبدالله(صلّى الله عليه وآله) في حومة العزّ مولده، وفي دومةالكرم محتده إلى أن قال: تبشّر به كلّ أُمّة من بعدها، ويدفعه كلّ أب إلى أب من ظهر إلى ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح ولاينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلى أبيه عبدالله(عليه السلام) في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل، وأودع حجراصطفاه الله وارتضاه، واجتباه)(13).
وفي بعض كتب العامّة: روى أنّه لمّا أهبطه الله إلى ظهر آدم أهبطه إلى أرضه المكينة،وحمله مع نوح في السفينة وقذف به نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة الفاخرة إلى الأرحام الزكية الطاهرة حتّى أخرجه من بين أبويه للهدى والإصلاح لم يلتقيا قطّ على سفاح.
وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل مَن عبدالله، وأوّل مَن أنكر أن يكون له ولد أوشريك، ثمّ نحن بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فمازال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب إلى صلب، ولا استقرّ في صلب إلاّتبيّن عن الذين انتقل منه شرف الذي استقرّفيه حتى صار في عبد المطّلب فوقع بأمِّ عبدالله فافترق النور جزئين: جزء في عبدالله، وجزء في أبي طالب، وذلك قولهوَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(14) يعني في أصلاب النبيّين(عليهم السلام)وأرحام نسائهم(15).
وفي بعضها عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)قال: (خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثمّ نقلنا إلى صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات)(16).
وقوله: «لم تُنجسك» صفة ثانية لـ (نوراً)أو حال منه لمكان التخصيص، وأُقيم الحاضرمقام الغائب العائد إلى الموصوف، أو ذي الحال فيكون من قبيل قوله: (أنا الذي سمّتني)(17).
والجاهلية على ما في المجمع: الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله، وشرائع الدِّين والمفاخرة بالآباء، والأنساب، والكبرة، والتجبر وغير ذلك، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصى، وقولهم: كان ذلك في الجاهلية الجهلاء، وهو توكيد للأوّل يشتقّ له من اسمه ما يؤكّده به(18). وأنجاس الجاهلية عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانيّة.
والأنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر(19).
والمراد أنّه لم تتلوّث أذيال عصمته بأرجاس الكفر وأنجاس المعاصي،المدلهمّات: المظلمات. يُقال: ادلهمَّ الليل كاقشعر: أظلم، وليلة مدلهمة أي مظلمة، و(مِن) تبعيضيّة، والجار والمجرورفي محلّ النصب، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك، من ألبستُ زيداً جبّةً، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة فهي في مقابلة لباس التقوى المشار إليه بقوله تعالىوَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)(20)ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحيّة(21)،والمراد أنّ الله ألبسه حُلل العلم والمعرفة والسخاوة، والعلم
وسائر الأخلاق الحميدة، والصفات الربّانية، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة، فإنّ الجهالات،والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض، وهو(عليه السلام) نورٌ على نور، ونورٌ فوق كلّ نور،وهو نور الأنوار، والهادي للأخيار، وحجّةالجبّار، وكهف الأبرار.
قال الرضا(عليه السلام): (الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأُفق بحيث لاتناله الأيدي والأبصار، الإمام البدرالمنير والسراج الظاهر(22)، والنور الساطع،والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبلد(23)القفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الضماء، والدالّ على الهدى، والمُنجي من الردى.. إلى أن قال: الإمام المطهّر من الذنوب، المبرء من العيوب، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم)(24).
وعن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قال: أناوعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون(25).
1ـ هذا مقطع من خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) المعروفة بالنورانية .
2ـ ظاهراً هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة المرويّة عن إمامنا الهادي(عليه السلام) ، وهذا هو نصّ الزيارة.. وأنتم نور الأخيار وهُداة الأبرار...).
3ـ مَن أراد الوقوف على الروايات التيتتكلّم عن نورانيّة الأئمّة(عليهم السلام)فليراجع الجزء الأوّل من حلية الابرارللسيّد هاشم البحراني ص7 في الباب الأوّل.
4ـ بحار الأنوار، ج27، ص199.
5ـ تقدّم نقل هذه الرواية تفصيلاً، وراجع تأويل الآيات ص51، والبحار ج26، ص327، ح10، باب توسّل الأنبياء بهم.
6ـ مشارق أنوار اليقين ص60 فصل (26) طبع قم الشريف الرضي.
7ـ الخصال للصدوق ج2، ص640، ح16، إرشاد القلوب للديلمي ج2، ص210، ومشارق الأنوار ص60فصل (26).
8ـ بحار الأنوار ج25 ص24.
9ـ بحار الأنوار، ج25، ص3.
10ـ البحار ج15، ص23، ح41.
11ـ راجع شرح هذا المقطع من الزيارةالشريفة: الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر (قدس سره).
12ـ مشارق أنوار اليقين ص201، ط الشريف الرضي، تأويل الآيات ص92، ط قم.
13ـ الكافي ج1 ص444; والبحار ج16 ص369.
14ـ الشعراء: 219.
15ـ بحار الأنوار، ج25، ص20.
16ـ بحار الأنوار، ج36، ص301.
17ـ تذكرة الخواص ص15، ط الشريف الرضي قم.
18ـ مجمع البحرين ج5 ص346.
19ـ المصباح المنير للفيومي ص594.
20ـ الأعراف: 26.
21ـ الاستعارة تنقسم إلى عدّة أقسام منها: الاستعارة المكنية: وهي ما حُذِفَ فيهاالمشبَّه به ورُمِزَ له بشيء من لوازمه مثل قوله تعالى: (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) شبّه الرأس بالوقود ثمّ حذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو(اشتعل).
والاستعارة الترشيحيّة: وهي ما ذُكِرمعها ملائم المشبَّه به.
وللوقوف تفصيلاً على الاستعارة وأقسامها، والتشبيه وأنواعه راجع كتب البلاغة مثل جواهر البلاغة، البلاغةالواضحة، دروس في البلاغة وغيرها.
22ـ في المصدر (الزاهر) بدل (الظاهر).
23ـ في المصدر (والبيد) بدل (البلد).
24ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ج1، ص195 في وصف الإمامة والإمام(عليه السلام) وهي رواية طويلة ونحن نذكر بعضاً منها: قال (...والإمام يحلُّ حلال الله، ويحرّم حرام الله، ويُقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالأفق بحيث لاتنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدرالمنير والسراج الزاهر، والنور الساطع،والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيدالقفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الضماء، والدالّ على الهدى والنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع ـ يعني ماارتفع من الأرض ـ الحار لمن اصطلى به،والدليل في المهالك مَن فارقه فهالك،الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل،والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق، والوالد الرقيق، والأخ الشفيق،ومفزع العباد في الداهية، الإمام أمين الله في أرضه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام الدِّين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين،وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لايدانيه أحدٌ ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب،بل اختصاص من المفضل الوهّاب، فمَن ذاالذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟هيهات هيهات! ضلّت العقول، وتاهت الحلوم،وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء،وكلّت الشعراء، وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يُوصف له أو يُنعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد مَن يُقام مقامه ويُغني غناه، لا كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيارمن هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثلهذا؟ أضنوا أن يوجد ذلك في غير آل محمّدالرسول(صلّى الله عليه وآله(.
فمن أراد المزيد فليراجع المصدر.
25ـ عيون أخبار الرضا ج1 ص65، ح30، ط: قمالشريف الرضي.
فيه إشارة إلى مقام نورانيّته الذي يجب على كلّ مؤمن الإقرار به كما قال مولاناعليّ(عليه السلام): (يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يعرفني بالنورانيّة،فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفاً بدينه، ومَن قصّر عن ذلك فهو شاكٌّ مرتاب،يا سلمان ويا جندب: أنّ معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهوالدِّين الخالص) إلى أن قال: (كنتُ ومحمّد نوراً نسبّح قبل المسبّحات ونشرق قبل المخلوقات فقسّم الله ذلك النور نصفين:نبيٌّ مصطفى، وعليٌ مرتضى، فقال الله لذلك النصف: كُن محمّداً، وللآخر كُن عليّاً،ولذلك قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله):أنا من عليّ وعليّ منّي)(1).
ولا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نورالله كما قال: (وأنتم نور الأنوار وهداة الأخيار)(2).
والأخبار الواردة في ذلك(3) فوق حدّ الإحصاء وبكونها متواترة صرّح بعض الأذكياء وفي بعضها: (يا محمّد أنّي خلقتك وخلقتُ عليّاً(عليه السلام)وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري، وفرضتُ* ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمَن قبلها كان عندي من المؤمنين،ومَن جحدها كان عندي من الكافرين)(4).
وفي بعضها فقال ـ يعني آدم ـ (ياربّ ما هذه الأنوار؟ فقال: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك)(5).
وفي بعضها: (أوّل ما خلق الله نوري أنا من الله والكلّ منّي)(6).
وفي بعضها: (كنتُ وعليّاً نوراً بين يدي الرحمة** قبل أنْ يخلق عرشه)(7).
وفي بعضها (أنّ الله خلقني وعليّاً(عليه السلام) نوراً واحداً قبل خلق آدم، ثمّ خلق الأشياء من نوري، ونور عليّ(عليه السلام))(8).
وفي بعضها: «يا عليّ إنّ الله كان ولا شيء معه فخلقني وخلقك روحين من نور جلاله فكنّا أمام عرش ربّ العالمين نسبّح الله،ونقدّسه، ونحمده، ونهلّله، وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض، فلمّا أراد أن يخلق آدم خلقني وإيّاك من طينة واحدة من طينةعليّين وعجنا بذلك النور وغمسنا في الأنوار»(9).
وفي بعضها عن الباقر(عليه السلام) قال: (ياجابر كان الله ولا شيء غيره، ولا معلوم ولامجهول، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمّداً(صلّى الله عليه وآله) وخلقنا معه من نور عظمته، فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس)(10).
وفي الزيارة الجامعة: (خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين)(11).
والنور هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره،وحقيقة نورانيّتهم غير معلومة لنا لكونها فوق إدراكات من دونهم فلا يعرفهم غيرهم كما قال: (يا عليّ ما عرفني إلاّ الله وأنت،وما عرفك إلاّ الله وأنا)(12)، فلا ندرك من مقامهم هذا سوى الإجمال كما لا ندرك في مقام الحقّ سوى ذلك، وبيانه أنّ العالي محيط بالسافل دون العكس.
قوله: في الأصلاب، أي مودعاً مستقرّاً في أصلاب الآباء الموحِّدين، الشرفاء،النُجباء، وأرحام الاُمّهات الموحّدات المطهّرات عن الخنا والسفاح، العفيفات عن الزنا والفساد، والشامخةالعالية، يُقال: شمخ بأنفه إذا ارتفع وتكبّر، وفي الفقرة إشارة إلى ما بُرهن عليه في محلّه من أنّ الأئمّة(عليهم السلام) لا يكون آباؤهم وأُمّهاتهم مشركين من آدم(عليه السلام)ولا يُخالط نسبهم فساد وعهرٌ وذمّ، كيف وهم ذرّية النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وعترته ولا شكّ في طهارة عنصره وطيب مولده من لدن آدم إلى أبيه.
قال الصادق(عليه السلام): انتخب لهم أحبّ أنبيائه إليه محمّد بن عبدالله(صلّى الله عليه وآله) في حومة العزّ مولده، وفي دومةالكرم محتده إلى أن قال: تبشّر به كلّ أُمّة من بعدها، ويدفعه كلّ أب إلى أب من ظهر إلى ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح ولاينجسه في ولادته نكاح من لدن آدم إلى أبيه عبدالله(عليه السلام) في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلأ حمل، وأودع حجراصطفاه الله وارتضاه، واجتباه)(13).
وفي بعض كتب العامّة: روى أنّه لمّا أهبطه الله إلى ظهر آدم أهبطه إلى أرضه المكينة،وحمله مع نوح في السفينة وقذف به نار نمرود في صلب خليله المعروف بالكرم والجود ولم يزل ينقله في الأصلاب الكريمة الفاخرة إلى الأرحام الزكية الطاهرة حتّى أخرجه من بين أبويه للهدى والإصلاح لم يلتقيا قطّ على سفاح.
وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل مَن عبدالله، وأوّل مَن أنكر أن يكون له ولد أوشريك، ثمّ نحن بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فمازال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب إلى صلب، ولا استقرّ في صلب إلاّتبيّن عن الذين انتقل منه شرف الذي استقرّفيه حتى صار في عبد المطّلب فوقع بأمِّ عبدالله فافترق النور جزئين: جزء في عبدالله، وجزء في أبي طالب، وذلك قولهوَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(14) يعني في أصلاب النبيّين(عليهم السلام)وأرحام نسائهم(15).
وفي بعضها عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)قال: (خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثمّ نقلنا إلى صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات)(16).
وقوله: «لم تُنجسك» صفة ثانية لـ (نوراً)أو حال منه لمكان التخصيص، وأُقيم الحاضرمقام الغائب العائد إلى الموصوف، أو ذي الحال فيكون من قبيل قوله: (أنا الذي سمّتني)(17).
والجاهلية على ما في المجمع: الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله، وشرائع الدِّين والمفاخرة بالآباء، والأنساب، والكبرة، والتجبر وغير ذلك، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصى، وقولهم: كان ذلك في الجاهلية الجهلاء، وهو توكيد للأوّل يشتقّ له من اسمه ما يؤكّده به(18). وأنجاس الجاهلية عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانيّة.
والأنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر(19).
والمراد أنّه لم تتلوّث أذيال عصمته بأرجاس الكفر وأنجاس المعاصي،المدلهمّات: المظلمات. يُقال: ادلهمَّ الليل كاقشعر: أظلم، وليلة مدلهمة أي مظلمة، و(مِن) تبعيضيّة، والجار والمجرورفي محلّ النصب، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك، من ألبستُ زيداً جبّةً، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة فهي في مقابلة لباس التقوى المشار إليه بقوله تعالىوَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)(20)ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحيّة(21)،والمراد أنّ الله ألبسه حُلل العلم والمعرفة والسخاوة، والعلم
وسائر الأخلاق الحميدة، والصفات الربّانية، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة، فإنّ الجهالات،والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض، وهو(عليه السلام) نورٌ على نور، ونورٌ فوق كلّ نور،وهو نور الأنوار، والهادي للأخيار، وحجّةالجبّار، وكهف الأبرار.
قال الرضا(عليه السلام): (الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأُفق بحيث لاتناله الأيدي والأبصار، الإمام البدرالمنير والسراج الظاهر(22)، والنور الساطع،والنجم الهادي في غياهب الدجى، والبلد(23)القفار، ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الضماء، والدالّ على الهدى، والمُنجي من الردى.. إلى أن قال: الإمام المطهّر من الذنوب، المبرء من العيوب، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم)(24).
وعن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قال: أناوعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون(25).
2ـ ظاهراً هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة المرويّة عن إمامنا الهادي(عليه السلام) ، وهذا هو نصّ الزيارة.. وأنتم نور الأخيار وهُداة الأبرار...).
3ـ مَن أراد الوقوف على الروايات التيتتكلّم عن نورانيّة الأئمّة(عليهم السلام)فليراجع الجزء الأوّل من حلية الابرارللسيّد هاشم البحراني ص7 في الباب الأوّل.
4ـ بحار الأنوار، ج27، ص199.
5ـ تقدّم نقل هذه الرواية تفصيلاً، وراجع تأويل الآيات ص51، والبحار ج26، ص327، ح10، باب توسّل الأنبياء بهم.
6ـ مشارق أنوار اليقين ص60 فصل (26) طبع قم الشريف الرضي.
7ـ الخصال للصدوق ج2، ص640، ح16، إرشاد القلوب للديلمي ج2، ص210، ومشارق الأنوار ص60فصل (26).
8ـ بحار الأنوار ج25 ص24.
9ـ بحار الأنوار، ج25، ص3.
10ـ البحار ج15، ص23، ح41.
11ـ راجع شرح هذا المقطع من الزيارةالشريفة: الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر (قدس سره).
12ـ مشارق أنوار اليقين ص201، ط الشريف الرضي، تأويل الآيات ص92، ط قم.
13ـ الكافي ج1 ص444; والبحار ج16 ص369.
14ـ الشعراء: 219.
15ـ بحار الأنوار، ج25، ص20.
16ـ بحار الأنوار، ج36، ص301.
17ـ تذكرة الخواص ص15، ط الشريف الرضي قم.
18ـ مجمع البحرين ج5 ص346.
19ـ المصباح المنير للفيومي ص594.
20ـ الأعراف: 26.
21ـ الاستعارة تنقسم إلى عدّة أقسام منها: الاستعارة المكنية: وهي ما حُذِفَ فيهاالمشبَّه به ورُمِزَ له بشيء من لوازمه مثل قوله تعالى: (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) شبّه الرأس بالوقود ثمّ حذف المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو(اشتعل).
والاستعارة الترشيحيّة: وهي ما ذُكِرمعها ملائم المشبَّه به.
وللوقوف تفصيلاً على الاستعارة وأقسامها، والتشبيه وأنواعه راجع كتب البلاغة مثل جواهر البلاغة، البلاغةالواضحة، دروس في البلاغة وغيرها.
22ـ في المصدر (الزاهر) بدل (الظاهر).
23ـ في المصدر (والبيد) بدل (البلد).
24ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا(عليه السلام) ج1، ص195 في وصف الإمامة والإمام(عليه السلام) وهي رواية طويلة ونحن نذكر بعضاً منها: قال (...والإمام يحلُّ حلال الله، ويحرّم حرام الله، ويُقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بالأفق بحيث لاتنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدرالمنير والسراج الزاهر، والنور الساطع،والنجم الهادي في غياهب الدجى والبيدالقفار ولجج البحار، الإمام الماء العذب على الضماء، والدالّ على الهدى والنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع ـ يعني ماارتفع من الأرض ـ الحار لمن اصطلى به،والدليل في المهالك مَن فارقه فهالك،الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل،والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق، والوالد الرقيق، والأخ الشفيق،ومفزع العباد في الداهية، الإمام أمين الله في أرضه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده، الداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم، نظام الدِّين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين،وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره، لايدانيه أحدٌ ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب،بل اختصاص من المفضل الوهّاب، فمَن ذاالذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟هيهات هيهات! ضلّت العقول، وتاهت الحلوم،وحارت الألباب، وحسرت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء،وكلّت الشعراء، وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يُوصف له أو يُنعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد مَن يُقام مقامه ويُغني غناه، لا كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيارمن هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثلهذا؟ أضنوا أن يوجد ذلك في غير آل محمّدالرسول(صلّى الله عليه وآله(.
فمن أراد المزيد فليراجع المصدر.
25ـ عيون أخبار الرضا ج1 ص65، ح30، ط: قمالشريف الرضي.
تعليق