ان السائر في مسالك التأريخ يرى في طريقه العديد من التعرجات والانعطافات ، وهي تختلف في شدتها وأهميتها بحسب السبب الذي أدى الى هذا التعرج ، أو الى هذه الانعطافة ، ففي بعضها يلاحظ فيها الانتكاسة والتدني والهبوط ، كما في تولي المجرمين والسفاحين والطغاة كأمثال النمرود وفرعون والحجاج أحكام البلاد ورقاب العباد .
وفي أخرى يلاحظ فيها الرقي والشموخ والرفعة ، كما هو عند بعث الانبياء والمرسلين وتولي الصلحين والأولياء الحكم في الرعية ، أو كما عند ولادة بعض الصالحين كأمثال أبراهيم وموسى ويحيى وعيسى (على نبينا وآله وعليهم آلاف التحية والسلام) وكذلك نينا محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ومنهم الصديقة الطاهرة (عليها السلام) ، حيث من حين ولادتها بل وقبل ذلك احاطتها العناية الالهية ، ومن حين بزوغ شسمها (عليها السلام) في سماء الاسلام ، اسبشر بها النبي (صلى الله عليه وآله ) وانبسطت أساريره .
فكيف لا يبتهج بها النبي (صلى الله عليه وآله) وهي بضعته ، و( أمه ـ فاطمة أم أبيها ـ ، وروحه التي بين جنبيه ، وهي سند النبوة ووعاء الامامة !!..
عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قلت له (عليه السلام) : كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام ) ؟
قال (عليه السلام) :
" إن خديجة لما تزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرها نسوة قريش ، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ، ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمها حذرا عليه . فلما حملت بفاطمة [عليها السلام] كانت فاطمة تحدثها من بطنها ، وتصبرها ، وكانت تكتم ذلك من رسول الله [صلى الله عليه وآله] ، فدخل [صلى الله عليه وآله] عليهايوماً ، فسمع خديجة تحدث فاطمة(عليهما السلام) .
فقال [صلى الله عليه وآله] لها :
"يا خديجة من تحدثين ؟ "
قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني . قال [صلى الله عليه وآله] :
" يا خديجة هذا جبرئيل يبشرني بأنها انثى ، وأنها النسل الطاهرة الميمونة وأن الله سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة ، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه "
فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش : أن تعالين لتلين ما تلي النساء من النساء . فأرسلن إليها : عصيتينا ، ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمداً ، يتيم أبي طالب ، فقيرا لامال له ، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً . فاغتمت خديجة لذلك .
فبينا هي كذلك إذا دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ، ففزعت منهن لما رأتهن ، فقالت إحداهن : لاتحزني يا خديجة ، فانا رسل ربك إليك ونحن أخواتك : أنا سارة ، وهذه آسية بنت مزاحم - وهي رفيقتك في الجنة - وهذه مريم بنت عمران ، ( وهذه كلثم بنت عمران ، أخت موسى بن عمران (1) ، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء ، فجلست واحدة عن يمينها ، والاخرى عن يسارها [شمالها] ، والثالثة بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت فاطمة[عليها السلام] طاهرة مطهرة . فلما سقطت إلى الارض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الارض ، ولاغربها موضع إلا أشرق من ذلك النور ، ودخل عشر من الحور العين بيد كل واحدة طشت من الجنة ، وإبريق من الجنة ، وفي الابريق ماء من الكوثر ، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها ، فغسلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن ، وأطيب ريحا من المسك والعنبر ، فلفتها بواحدة وقنعتها بالثانية ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين ، فقالت[عليها السلام] :
أشهد أن لاإله إلاالله ، وأن أبي محمد رسول الله ، سيد الانبياء ، وأن بعلي علي سيد الاوصياء ، وولدي سادة الاسباط ، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها ، وأقبلن يضحكن إليها ، وتباشرت الحور العين ، وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة [عليها السلام] وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك . وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة مباركة ، زكية ميمونة ، بورك فيها وفي نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة ..." (2)
(1) وفي رواية أم البشر أمنا حواء
(2) الخرائج والجرائح للقطب الراوندي (ره) - (ج 2 /ص 39) - بحار الأنوار - للعلامة المجلسي (ره) - (ج 43 /ص 3)
تعليق