الدين سند السعادة
يشعر الكائن الحي بالسعادة والاستقرار عندما تكون حياته ووجوده متناغماً وموافقاً للبيئة التي يعيش فيها، أي عندما تكون الظروف المحيطة به تتفق وحياته الخاصة، وحياته متناغمة أو منسجمة مع ظروف المحيط؛ فمن البديهي إذا حصل خلل في ذلك التوافق فإن هذا الكائن الحي سيكون عرضة للاضمحلال والفناء لأنه جزء والجزء يتبع الكل وأن المحاط تابع للمحيط. وإذن فإن الكائن الحي محكوم بالفناء شاء أم أبى؛ فالشرط الأول للبقاء والسعادة هو تناغم حياة الكائن الحي مع المحيط والبيئة.
الإنسان بدوه كائن حي وهو محكوم بالقوانين التي تشمل جميع الكائنات الحية وهو خاضع لتلك القوانين شاء أم أبى، وإذن شرط بقاء الإنسان وسعادته في الحياة أن تكون حياته متوافقة ومتناغمة مع الظروف المحيطة به من ماء وهواء وضوء وتراب؛ وإضافة إلى هذه البيئة فهناك بيئة أخرى وهي الجو الاجتماعي الذي يتنفس ويحيى فيه.
فالكائنات التي لا تحيى حياة مدنية واجتماعية لا تعرف معنى الجو الاجتماعي، غير أن الإنسان يعيش حياة اجتماعية.
صحيح أن بعض الكائنات الأخرى لديها حياة اجتماعية كالنحل أو النمل أو بعض الحيوانات الأخرى ولكن حياتها هذه محكومة بالغريزة، لا إرادة لها في ذلك، وحياتها الاجتماعية هذه شبيهة بالمحيط الطبيعي، على عكس الإنسان الذي يعيش جوه الاجتماعي عن إرادة واختيار، حيث تتجلى صعوبات الحياة البشرية، إذ إننا نعيش في وسط اجتماعي له عاداته وآدابه وتقاليده ومقنناته، وكل هذه عوامل اجتماعية تحيط بنا، ولذا ينبغي أن يكون ذلك متناغماً مع حياتنا الشخصية، أو تكون حياتنا الشخصية متوافقة مع المحيط الذي نعيش فيه.
غير أن هذا التناغم في حياة الفرد يجب أن يتحقق من خلال مصالح المجتمع العامة، أي أن الهدف الأصلي للحياة الاجتماعية لا يمكن أن يكون مجرد مصالح شخصية، يجب أن تكون هناك مصالح عامة تضمن السعادة والبقاء للجميع؛ ومن البديهي أن المصلحة العامة تتحقق من خلال مصلحة الأكثرية، ولهذا نرى جميع القوانين في العالم تسن من خلال المصلحة الاجتماعية العامة.
أما التناغم المطلوب في حياة الفرد تجاه المجتمع فهو حالة التسليم والرضا والقناعة بمصالح المجتمع العامة وغض النظر عن بعض المصالح والمنافع الشخصية عندما تصطدم بمصالح المجتمع العليا، وأن يفعل الفرد دونما إحساس بالزجر أو شعور بالغضب.
فإذا كان المجتمع يدور في فلك العدالة، والقوانين الحاكمة مبنية على أساس عادل، أي أن تكون الطبيعة الاجتماعية متناغمة مع الأكثرية من جهة، وكان الفرد متفهما ومدركاً عند تصادم منفعته الشخصية مع المصالح العليا للمجتمع ثم أبدى حالة من الرضا بذلك، كان الأمل بالسعادة الحقيقية كبيراً.
وهنا تتجلى أهمية وضرورة الدين الذي ينهض على أساس التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد؛ فالدين ضروري في إيجاد التناغم في المعادلتين؛ فهو من جهة يحاول أن يصنع محيطاً اجتماعياً متناسباً مع الحياة الفردية وذلك من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية وجعلها مصلحة عامة، كما يسعى من جهة أخرى إلى إحداث تناغم في حياة الفرد مع المصلحة العليا للمجتمع.
فالتناغم المطلوب في حياة الفرد تجاه المصلحة الاجتماعية يتحقق من خلال غض النظر بل وحتى الإيثار والإحسان.
فهل يوجد شيء غير الدين قادر على إقناع الإنسان كفرد على الرضا والتسليم للمصلحة الاجتماعية العليا؟
إن التاريخ البشري ليزخر بمواقف البطولة والفداء والتضحية والإحسان وخدمة الشعوب ومواقف الشجاعة والشهامة أمام الظلم والاستبداد، وهي إنما تنطلق من الدين والإيمان بالله السميع البصير العليم الحكيم.
فهل هناك قوة قادرة أخرى يمكنها أن تنافس الدين في هذا المضمار أو تدعي قيامها بمهمات الدين حتى ولو بنسبة واحد بالمئة.
نسأله تعالى أن يوفقنا إلى العلم بأحكام الدين كما أنزله الله على رسوله محمد (ص)، وأن نكون سعداء بذلك..