اللهم صل على محمد وآل محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على شيعه علي ع ورحمه الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرج قائمهم عج
الحمدلله تعالى رب العالمين ان جعلنا من شيعه علي ع
اولاد يعقوب عليهم السلام
قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ}(1).
إنّ في القصص القرآنية دروساً عظيمة، وعميقة لو تدبّرناها واستفدنا منها، لقضينا على كثير من مشاكلنا الدينية والدنيوية.
فالقرآن الكريم هنا ـ وبشكل قصة بسيطة يفهمها العامة والخاصة ـ يعالج أخطر مشكلة واجهتها الأمة الإسلامية، بل أخطر مشكلة واجهتها البشرية، وهي مشكلة النزاعات والصراعات التي تضرب الأمم من الداخل، فها هو يذكر لنا قصة يوسف (عليه السلام) وإخوته، ويشرح لنا أحداثها ونتائجها، ويذكر مشاكلها، ثم يكشف أسرار تلك المشاكل، ويبين عللها.
ومن المعلوم أن أولاد يعقوب (عليه السلام) لم يكن لديهم صراع ديني، أي لم تكن بينهم مشاكل عقائدية، ولا اختلافات مذهبية، ولا شيء من هذا القبيل.
فلماذا تنازعوا؟! وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم نجده يجيب على سؤالنا، ويكشف لنا سرّ وسبب ذلك النزاع، قال تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(1).
هاتان الآيتان الكريمتان تكشف لنا سرّ النزاع الذي دار بين أولاد يعقوب (عليه السلام)، فقد أرشد يعقوب (عليه السلام) ولده العزيز يوسف (عليه السلام) أن لا يقصص رؤياه على إخوته، لأنّهم سوف يكيدون له كيداً شديداً، كما كاد الشيطان لآدم (عليه السلام).
ولكن لماذا يكيدون له ذلك الكيد المذكور في الآية الأولى؟!
تجيب الآية التالية بعدها، وتذكر سبب ذلك الكيد، وهو المقام الإلهي الذي سوف يُعطى ليوسف من قبل الله عزّ وجلّ، فإنّ الله سبحانه سيجتبيه ويعلّمه من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليه، كما أتمّها على أبويه من قبل إبراهيم وإسحاق، وهذا مقام عظيم يُظلم أولياء الله من أجله دائماً!
أتمنى لو يقرأ كلّ مسلم القرآن الكريم من جديد، ويدقّق ويبحث عن سرّ النزاعات التي دارت بين أولياء الله، وأعدائهم، سيجد أنها
تبدأ أوّلاً من ذلك المبدأ الذي بدأت منه بين آدم (عليه السلام) وإبليس، وهو مبدأ { أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ}، ومبدأ {نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ} ومبدأ {أبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} ومبدأ { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ الله} ومبدأ { لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ومبدأ (إن النبوة والإمامة لا تجتمع في بيت واحد) وكلّها أقاويل اختلفت في اللفظ وتوحّدت في المعنى.
لذلك تجد القرآن الكريم ركّز على مسألة الاصطفاء والاختيار، فإنك تجد آيات كثيرة جداً كلّها تركّز على هذه المسألة، وتدعو الناس للتسليم والخضوع، ولو أردنا ذكر هذه الآيات، لطال بنا المقام، ولكن سنذكر آيات قليلة فيما يلي من البحوث ـ إن شاء الله تعالى ـ.
إنّ في قصة يوسف وإخوته لآيات للسائلين الذين يسألون عن الحق، ويطلبونه، فمن يقرأ قصة يوسف يندهش كثيراً حينما يرى أنّ أبناء نبي الله يعقوب (عليه السلام) وهم الذين تربوا في بيت الوحي، كيف يتصرفون ذلك التصرف الذي لا يليق لبشر يحمل روحاً إنسانية، فضلاً عن روح دينية وإيمانية؟. نعم، إنها مشكلة قد توجب الحيرة، ولكن لاغرو، فقد سبقهم إلى ذلك إبليس الذي كان في مقام عظيم، لأن الحسد والتكبر، وعدم الخضوع للمختار من قبل الله عزّ وجلّ يهوي بصاحبه إلى مكان سحيق، فإخوة يوسف هم أولاد يعقوب بن إسحاق
بن إبراهيم (عليهم السلام)، إبراهيم الذي قال له المولى عزّ وجلّ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فلم يتأنَّ (عليه السلام) حتى يشكر الله عزّ وجلّ على ذلك المقام الكبير الذي لم يصل إليه إلاّ بعد أن ابتلاه الله عزّ وجلّ بكلمات فأتمّهن، ولكنه (عليه السلام) بادر قبل شكر النعمة إلى طلب ذلك المقام لذريته؛ حيث حكى عنه المولى (عليه السلام) فقال سبحانه: { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }.
نعم، إن أولاد يعقوب يعلمون جيداً أن ذلك المقام انتقل من أبيهم إبراهيم (عليه السلام) إلى إسماعيل، ثم إلى إسحاق ثم إلى يعقوب، وبقي الأمر في أولاد يعقوب فمن منهم سيكون هو المرشح لذلك المقام الإلهي العظيم، ولذا أشار يعقوب إلى ولده العزيز يوسف على أنه هو المرشّح لذلك المقام، كما حكى القرآن الكريم ذلك عنه، حيث قال:
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(1).
ومن يراجع الروايات التاريخية، يرى كيف كانت القصة مؤلمة، وكيف كان يوسف (عليه السلام) يستغيث بهم واحداً واحداً، فلا يجيبه أحد،
فما هو السر الذي جعلهم بهذه الحال من القسوة والغلظة؟
جواب هذا نَجده في قوله تعالى: { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً }(1).
فهذه الآيات الكريمة شبهت المعاندين تشبيهاً فاضحاً، وذلك لأنّ الحمر المستنفرة تتحرك بدون شعور حركات عجيبة وغريبة، وأما إذا كانت نافرة من أسد، فإنك ترى منها العجب كلّ العجب؛ لأنها تهرب هروباً غير طبيعي، بحيث أنه لو كان أمامها جهنم لاقتحمتها، وهكذا الكثير من الناس! فبمجرد أن يختار الله عزّ وجلّ أحدهم، تقوم قيامتهم، ويتمنون لو وقعت السماء على الأرض، ولا يكون ذلك، ويضحّون بكل شيء، ويفترون على الله ورسوله الكذب، ويقتلون أولياء الله، ويكونون جنداً للشيطان.
كل ذلك احتجاجاً واعتراضاً على الله عزّ وجلّ، لأنّه اختص برحمته من يشاء، وهذا الاحتجاج والاعتراض ليس قولياً ولكنّه عملي، وإنّ هذا لهو الظلم العظيم؛ ذلك لأنّ كلّ إنسان لا يرضى أن يجبره أحد على ما لا يريد، ويعتبر ذلك الإجبار ظلماً عظيماً، فكيف يسعى البعض بعمله معارضاً ما يريده الله عزّ وجلّ، وهو العبد الحقير أليس ذلك هو الظلم العظيم؟
م\ن
نســــألكم الدعاء
تعليق