ألمرأة الصالحة في القران
"وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين"1
امرأة صالحة
يوم الزينة... إنه اليوم الذي حدده فرعون لموسى عليه السلام، يوما للتحدي في دعواه انه رسول من رب العالمين، وجمع فرعون السحرة، وواعدهم ومنّاهم بالقرب والنعم، ولكن الغلبة حتمية للمعجزة الإلهية معجزة العصا التي استطاعت أن تلحق الهزيمة بفرعون، وكان أول المؤمنين أولئك السحرة، انقلاب هز الناس. كما اهتز البيت الفرعوني لهول صدمة أخرى إنها زوجة فرعون، وأقرب الناس إليه تكفر به، وتؤمن برب موسى وبنبوة موسى، إيمانا لا يزعزعه شك إنها آسيا بنت مزاحم، وهي امرأة صالحة، رسخ الإيمان في قلبها فكفرت بالجبت والطاغوت وآمنت بالواحد الأحد.
وثبتت وصبرت رغم كل العذاب الذي حلّ بها، وقد ورد في الرواية عن أبان الأحمر قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: "وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ"2، لأي شيء سمي ذا الأوتاد؟ قال: "لأنه كان إذا عذب رجلاً بسطه على الأرض على وجهه ومد يديه ورجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض"3، وبهذه الكيفية عذب آسية بنت مزاحم زوجته، وذلك أن آسية لما عاينت المعجزة والعصا من موسى وغلبته على السحرة أسلمت فلما بان لفرعون نهاها فأبت فأوتد فرعون يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ثم أمر أن تلقى عليها صخرة من جبل عظيمة فلما قرب أجلها قالت: رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فارتفع لها الحجب فنظرت إلى منزلها في الجنة فسرت وضحكت فرفعها الله تعالى إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.
الدروس المستفادة من هذه القصة
إيمان راسخ وعزم لا يلين
هل يمكن للإنسان أن يصل بإيمانه إلى أن يبذل روحه دون أن يتنازل مقدار أنملة عن هذا الإيمان؟ تحكي قصة آسيا بنت مزاحم قصة امرأة دخل الإيمان قلبها وأصبح راسخا لا يزول فتحملت في سبيل الإيمان أشد أنواع العذاب. وهي لا ترجو في عذابها إلا أن تكون عند الله عز وجل في الجنة.
انه الحب لله، وهو حقيقة الإيمان، أما أن يعتقد الشخص بالشيء أو يقتنع به دون أن يدخل إلى قلبه، ويؤثر في روحه فإنه لن يبذل في سبيله الكثير.
وهذا الإيمان الراسخ ينعكس فعلاً في حياة الإنسان، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله، ويبغض أقرب الخلق منه في الله"4.
:وهذا الإيمان الراسخ هو الذي يجعل الإنسان يختار ما فيه المشقة والعذاب في سبيل إيمانه على ما فيه الدعة والراحة، وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة، والفقر أحب إليه من الغنى، والمرض أحب إليه من الصحة. قلنا: ومن يكون كذلك؟ ! قال: كلكم. ثم قال: أيما أحب إلى أحدكم يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا؟ فقلت: نموت والله في حبكم... قال: وكذلك الفقر"5.
إن هذا الإنسان الذي يصل إلى مرتبة الإيمان سوف يوفقه الله عز وجل لأن يصل إلى درجة أرقى هي الطمأنينة، والطمأنينة هي التي تجعل من هذا المؤمن راسخ الإيمان، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً"6
شجرة طيبة في بيئة فاسدة
هل يمكن للإنسان أن يبرر كونه على الكفر والضلال بأنه قد عاش في بيئة غير مؤمنة، أو أن يبرر عدم التزامه بأحكام الله عز وجل بأنه عاش في بيئة لا تلتزم بأحكام الله عز وجل؟ إن الجواب الصحيح هو بالنفي، إذ أسهل ما يكون على هذا الإنسان أن يخرج من هذه البيئة الفاسدة إذا سمع نداء الحق ودعوة الدين، فهذه امرأة ضعيفة كانت زوجة لفرعون ملك مصر وكانت محاطة بكل نِعم هذه الدنيا وبكل ما تحلم به امرأة في عصرها وزمانها، فأي بيئة فاسدة أشد من بيت فرعون، ولكنها لما رأت الحق بأم عينها خرجت من تلك البيئة الفاسدة وآمنت بالحق مزلزلة كيان تلك البيئة الفاسدة. ولم تبرر لنفسها أنها لن تتمكن من أن تخرج من فرعون أو تعصي فرعون.
وهكذا المؤمن الذي ذاق حلاوة الإيمان لن يجد لنفسه مبرراً لترك إيمانه والتزامه بأحكام الشرع بمجرد أنه يعيش في بيئة فاسدة.
ويحكي لنا القرآن الكريم قصة الاختيار هذه بين الحفاظ على الإيمان وبين البيئة الفاسدة، حيث يقول: "قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"7.
تضع هذه الآية الإنسان أمام خيارين، ولا تجد له أي مبرر إلا اختياره بنفسه لأحد الأمرين:
أ ـ الآباء، الأبناء، الأزواج، الأخوان والعشيرة، وهي النوع الأول من البيئة التي تؤثر على حياة هذا الإنسان، ثم الأموال والتجارة والمساكن وهي النوع الثاني من البيئة التي تؤثر على حياة الإنسان.
ب ـ الله، رسول الله، الجهاد في سبيل الله
وأول الخيارين هو عبارة عن البيئة التي يعيش فيها الإنسان والتي قد تخالف الخيار الآخر في كثير من الأحيان وتأخذ منه كل كيانه، وأما ثاني الخيارين فهو عبارة عن الإيمان، والذي عبرت عنه الآية الكريمة بالحب، لأنه وكما تقدم فإن حقيقة الإيمان هي الحب القلبي.كما يعبر القرآن عن هذه القدرة لأن يخرج المؤمن من بيئة كافرة بقوله: "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَي"، وقد ورد في الرواية المفسّرة لهذه الآية عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "الحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر، والميت الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن، فالحي المؤمن والميت الكافر، وذلك قول الله عز وجل: ?أوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأحْيَيْنَاه? فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر، وكان حياته حين فرق الله عز وجل بينهما بكلمته، كذلك يخرج الله عز وجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور"8.المرأة على دين زوجها
ورد النهي في الروايات عن تزويج أصحاب الشكوك والانحراف ففي رواية عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم لأن المرأة تأخذ من دين زوجها ويقهرها على دينه"9.
وهذا من الأمور التي نهى عنها الشارع لأجل وقاية المرأة من الضلال والانحراف، ولكن ذلك لا يكون حجّة لها لتبرر انحرافها أو ضلالها، فهذه قصة امرأة فرعون تشكل نموذجا واضحا على أن المرأة المؤمنة تخرج عن طاعة زوجها حيث يكون في ذلك معصية الله عز وجل، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولذا أفتى الفقهاء بأنه ليس على المرأة طاعة زوجها إذا منعها من فعل ما يكون واجباً عليها كالحج، بل لو أطاعته وعصت الله عز وجل فإنها سوف تحاسب على ذلك.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- التحريم:11.
2-ص: 12.
3-الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص70.
4-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 252.
5-العلامة المجلسي بحار الأنوار، ج69، ص 40.
6-الفتح:4.
7-التوبة:24
8-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج64، ص88.
9-الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص 348.
تعليق