الحوراء زينب عليها السلام.. توأم الصبر والوقار
التسمية
تحدثت ذات مرة عن التسمية والمسميات والظروف التي تطلق بها الأسماء على المسميات. وكيف يمكن للإسم أن يعكس أثرا إيجابيا أو سلبيا على شخصية الفرد أو أن يتحكم بها وبالتصرفات التي تصدر من الشخص المسمى.
لذا لعله لم تكن مصادفة أن يسمي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الحوراء زينب عليها السلام بهذا الإسم. بعد أن سمى أمها وأخويها عليهم السلام
وقد جاء في لسان العرب أن الزينب : شجر حسن المنظر طيب الرائحة.
ويعرف عن هذا الشجر أنه ينبت في الأرض القاحلة والتي لا يصلها الماء ويقاوم الحرارة والظمأ وكل الظروف الجوية القاهرة.
لعل أن التوسع أحيانا في بعض التفاصيل بالحديث عن شخصية معينة يمثل رتوشا يحق للكاتب تجاهلها إنما البعض يفضل العكس ويود الإطلاع على بعض الجزئيات وهي على سبيل المثال هيئة أو هيكل أو هندام الشخصية. وما يتضمن الوصف الخارجي للشخصية وحين يطلب منا ذلك نقول :
يصف بعض المؤرخين السدة زينب عليها السلام بأنها مع علو مكانها وسمو منزلتها وهيبتها ووقارها ذلك الوقار والهيبة المتكسبان من أمها سيدة النساء فاطمة عليها السلام وجدتها السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها فهي امرأة طويلة القامة حسنة الهيئة ولم تماثلها امرأة في العفة الحياء وفي البلاغة والفصاحة كانت تشير بدقة إلى اكتسابها ذلك من أبيها أمير المؤمنين علي عليه السلام ولم يمنعها ذلك في أن تتحلى بصبر يربط شبهه البعض بصبر أخيها الحسن عليه السلام وبشجاعة ورباطة جأش تماثل فيها أخيها الحسين عليه السلام. إذن وقار وهيبة وحياء وعفة وفصاحة وبلاغة وصبر ورباط جأش واضف ما استطعت فإنك لا تبلغ المنتهى.
إن الصورة المأساوية تلتصق بحتمية تامة بحقيقة ذكر السيدة زينب عليها السلام أو لعلها معلما من معالم شخصيتها الفذة ولم يكن يضير تلك الشخصية تسمية أم المصائب بل لعل ذلك عنصر من عناصر إضفاء الهيبة والوقار لها.
فهي قد واكبت أفجع الأحداث وشاهدت أبشع الجرائم من تلك التي ارتكبها بنو أمية ورأت ما رأت من نوازل تلك الأحداث المريعة. وبما أن الحديث عن تلك الأحداث سيأخذ مني وقتا طويلا فسوف أتجنب الخوض فيها وأبتعد بعض الشيء عن الصورة المأساوية التي رسمها الواقع لهذه الصديقة الصغرى عليها السلام. إن حصر السجايا والخصال والملكات التي تتصف بها السيدة زينب عليها السلام والسمو الذي تمتعت به لم تكن عملية سهلة المنال ولا يمكن تحديدها بالحصر في حديث قصير وهذا ما يحتم عليَّ أن أتفادى الوقوع في مأزق التعثر ولكي أنقذ نفسي من ذاك فأتوقف عند وصف زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام حين يخاطبها قائلا : عمّة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفاهمة غير مفهمة.
حقا هي عالمة غير معلمة وإن وسعة علمها وإدراكها واطلاعها ومعرفتها للحقائق الشرعية، واقتباسها من الأسرار المحمدية وعظم شخصيتها كل ذلك جعلها مصدرا من مصادر الفتيا تفيض على الناس مما اختزنت من علوم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكانت بذلك تؤدي زكاة العلم والذي هو التعلم.. وحين تكون قد تغذت ونهلت من فيض نبع أبيها أمير المؤمنين عليه السلام واقتبست من إشعاع أنوار الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام والتي هي عيبة علم الله جل جلاله فلم يكن ذلك غريبا. فضلا عن مصاحبتها لسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام اللذين زقوا العلم زقا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فإن وصف الإمام زين العابدين عليه السلام لها مطابق تماما لشخصيتها لذا فإنها كانت عليها السلام تروي عن أمها وأبيها عليهما السلام وحتى أخويها الحسن والحسين عليهما السلام وروي أن الناس كانوا يرجعون لها في معرفة الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية بعد مقتل سيد الشهداء عليه السلام حتى برئ الإمام زين العابدين عليه السلام وكان ابن عباس المعروف بحبر الأمة يروي عنها ولحاظ ذلك في قوله عندما يروي خطبة الزهراء عليها السلام يقول : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي عليه السلام.
وقد ورد عن الشيخ الصدوق: أنّ زينب عليها السلام كانت لها نيابة خاصة عن الإمام الحسين عليه السلام وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين من مرضه.
ويرد في الكثيرة من المصادر التاريخية والموثوقة منها أن السيدة زينب عليها السلام كان لها مجلس في بيتها منذ أيام خلافة أبيها أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو مصدر من مصادر تعليمها وتفقهها وكانت تفسر القرآن للنساء لذا يروى أن أباها دخل عليها يوما وهي تفسر آية ( كهيعص ) فقال لها يا نور عيني : سمعتك تفسرين هذه الآية فإن هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم شرح لها .
ولم يكن خروجها عليها السلام مع أخيها عليه السلام إلا انتقالة من محطة إلى أخرى من محطات جهادها ولكي تواصل الشوط العقائدي لإحياء دين الله الذي أنقذه سيد الشهداء عليه السلام من أن ينهار صرحه العظيم. خرجت لتواجه المحن والبلايا واي محن وأية بلايا ينهار لها أعظم الرجال بل لعلها تهز الجبال.
لكل الرسل والأنبياء والأولياء والعظماء وصايا وأوصياء وللحسين عليه السلام كانت وصية أودع بوصيته إلى وصيته الحوراء زينب عليها السلام. وكانت نعم الوصية ونعم الموصاة ونعم المنفذ
تتعطر بعض النساء بالطيب وتجد وتجتهد من أجل أن تقتني أفضل أنواع الطيب والعطر. وهذا ما يعطر ويطيب المظهر الخارجي والذي سرعان ما يذهب مع هبوب الريح. إنما يلزم على كل إمرأة تمتلك أذنا واعية أن تستمع بإحساسها وبتوجساتها لصوت العقيلة زينب عليها السلام وتتعطر بذكراها وتتطيب باقتفاء اثرها بما يحصنها من أن تنزلق إلى مزالق التردي فتكون تمشي على الأرض لكنها بالحقيقة ما هي إلا موؤدة.
ولو لم تعقل المرأة ذلك أو لاطاقة لها على اقتفاء الأثر فينبغي أن لا تحشر نفسها في سجل النساء الملتزمات ولا تطالب بحصانة تصونها من التردي .
وإما إذا كانت المرأة تزعم أنها مقتفية لأثر تلك الحوراء العظيمة عليها السلام فسوف يطالبها التأريخ ببرهان تعصم نفسها به عن الكذب ولتقف قليلا لتتساءل :
أية آمرأة تلك المجاهدة التي علمت الصبر والجلد والعقيدة دروسا قبل أن تعلمها للمرأة التي تمتلك أذنا واعية ؟
أية آمرأة تلك التي تخرج فيعلم بخروجها أعتى عتات العصر ومرتكب أبشع جريمة فيأمر الجيش لأن ينفرج لها سماطين ؟
أية آمرة تلك التي تفقد آخر كوكب زاهر من كواكب أهل الكساء فتحمل جسده الشريفة وتومئ إلى السماء لتقول : اللهم تقبل هذا القربان ؟
ولتقف المرأة الزاعمة أنها مقتدية بنهج أم المصائب وتتمرى بمرآة الضمير وتستعيد في مخيلتها صور الوفاء والتضحية والصبر والجلد وقوة الإيمان مع الحفاظ على الستر والحجاب والهيبة والوقار ؟ لترى ما تعكس لها هذه الصور ؟ وتنغمس في الذكرى لتتوجس هل غرست تلك الذكرى في نفسها غرسا وإن كان ذلك فما هو الحصاد ؟