سابع الائمة الامام موسى الكاظم بن جعفر (ع)..
بقلم|مجاهد منعثر منشد
السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليكَ يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا لله في شأنه، أتيتك عارفاً
بحقك معادياً لأعدائك فاشفع لي عند ربّك
اشهر القاب الامام موسى بن جعفر هو الامام الكاظم1 (ع) ومن القابه الاخرى باب الحوائج ... الصابر ... العالم ... الزاهر ... العبد، الصالح، . والنّفس الزكيّة وزين المجتهدين ... والوفيّ ... والأمين .والسيد لانه من سادات المسلمين ، وإمام من أئمتهم، وقد مدحه بهذا اللقب الشاعر الشهير أبو الفتح بقوله:
وإذا كنت للشريف غلاما***فأنا الحر والزمان غلامي 2.
ويكنى : ابوالحسن و ابو ابراهيم وهو أبو الحسن الأول، وأبو إبراهيم، وأبو علي . وسمّي عليه السلام بالكاظم لما كظمه من الغيظ، وتصبّره على ما فعله الظالمون به، حتّى مضى قتيلاً في حبسهم 3.
وابيه سادس الائمة الامام جعفر الصادق (ع) وأمه السيدة حميدة المصفاة يقال لها: حميدة المغربيّة، وقيل: نباته4 . ويقال لها: حميدة المصفّاة 5.
لقد كانت اُم الإمام من النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصها الله تعالى فتزوجت الامام الصادق (ع) لتنجب أمامنا الكاظم (ع) فكانت من أعزّ نسائه واحبّهن إليه، وآثرهن عنده.
وقد غذّاها الإمام الصادق بعلومه حتى أصبحت في طليعة نساء عصرها علماً وورعاً وايماناً، وعهد إليها بتفقيه النساء المسلمات وتعليمهن الأحكام الشرعية 6.
كما انّ الإمام الصادق كان يغدق عليها بمعروفه، وقد رأى فيها وفور العقل والكمال، وحسن الايمان وأثنى عليها ثناءاً عاطراً، فقال فيها: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتى اديت إليّ كرامة من الله وللحجة من بعدي 7.
وقداختلف المؤرخون في نسبها فقيل انّها اندلسية، وتكنّى لؤلؤة 8 ... وقيل إنّها رومية 9 ... وقيل انّها من أجلّ بيوت الأعاجم 10.
مولده الشريف (ع) :ـ
وُلِدَ الامام موسى بن جعفر (ع) في أواخر الحكم الاموي .
ولد بين مكة و المدينة فى منطقة تسمى الابواء11 عام 128 هـ ايام عبدالملك بن مروان فى السابع عشر من صفر11. يوم الأحد ويقال: الثلاثاء 12.
قال المنهال القصّاب: (خرجت من مكّة أريد المدينة فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله موسى ، فسبقته إلى المدينة ودخل بعدي بيوم فأطعم النّاس ثلاثاً فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئاً إلى الغد حتّى أعود فآكل، فمكثت بذلك ثلاثاً أطعم حتى ارتفق ثمّ لا أطعم شيئاً إلى الغد 13.
مدة امامته: خمسة و ثلاثين عاماً، استلم مهام الامامة و له من العمر عشرين سنة عام 148 هـ .
من زوجاته: اشهر هن السيدة الجليلة «تكتم» ام الامام الرضــا (ع).
اوصافه: كان اسمراً، شديد السمرة14 ... ، معتدل القامة، كث اللحية15 ... حسن الوجه، نحيف الجسم، له هيبة و جلال. ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه ، شديد السمرة، نحيف الجسم.
شهادته : كان استشهاده (ع) فى سجن السندى بن شاهك ببغداد المصادف 25 رجب عام 183 هـ متأثراً بسم دسه اليه هارون الرشيد و كان عمره خمسة و خمسون عاماً.
والامام الكاظم (ع) معروف عند أهل العراق ومشهور بالكرامات واطلق لقب من عامة الناس عليه ابو طلبه وباب الحوائج فقد اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب أو حزين إلا فرّج الله آلامه وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا قضيت حوائجه، ورجع الى أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألم به من طوارق الزمن وفجائع الايام، وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول:
ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر الاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب 16.
وقال الشافعى: «قبر موسى الكاظم الترياق المجرَّب 17.
زوجة الامام الكاظم (ع) :ـ
قال الشاعر
ألا أن خيـــر النســـاء نفساً ووالداً
ورهطــــاً وأجداداً علـــي المـــعظم
أتـــتنا بـــه للعلـــم والحــلــم ثامناً
إمــــاماً يــــؤدي حـــجــــة الله تكتم
وهي تكتم الطاهرة ـ (أم البنين) أم الإمام الرضا .
وجاء في كتاب تراجم الشيعة :ـ (تكتم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح التاء الفوقانية قبل الميم18.
وقال الشيخ الصدوق (قدس سره ) :ـ
هكذا تسمى باسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليهم السلام وهي أم ولده الإمام الرضا عليه السلام، كانت من أشراف العجم جارية مولدة وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها مذ ملكتها إجلالاً لها.
فقالت لابنها موسى عليه السلام: يا بني، إن تكتم أفضل مني، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك، فاستوص خيراً بها19.
وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه (الأنوار البهية) أن أم الإمام الثامن الضامن المأمول المرتجى مولانا أبو الحسن علي بن موسى الرضا هي أم ولد يقال لها أم البنين، واسمها نجمة ويقال لها تكتم أيضاً، اشترتها حميدة المصفاة أم موسى وكانت أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها .
روي أن السيدة حميدة رأت في المنام رسول الله يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض، فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة.
اولاده
اختلف المؤرخون في عدد أولاد الإمام موسى الكاظم (ع)و منهم من قال: انهم ثلاثة وثلاثون، الذكور منهم 16 والإناث 17.
ومنهم من قال: سبعة وثلاثون، الذكور 18 والإناث 19.
ومنهم من قال: ثمانية وثلاثون، الذكور 20 والإناث 18..|20.
وقال الطبرسي وهو الاشهر والاقوى: كان له سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى. علي بن موسى الرضا ، وإبراهيم والعباس والقاسم من أمهات متعددة.
وأحمد، ومحمد، وحمزة من أم واحدة.
وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسن من أم واحدة.
وعبد الله، وإسحاق، وعبيد الله، وزيد، والحسن، والفضل، وسليمان من أمهات متعددة.
وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، ومكية، وأم أبيها، ورقية الصغرى وكلثم، وأم جعفر، ولبانة، وزينب، وخديجة وعلية، وآمنة، وحسنة، وبريهة، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم من أمهات متعددة.
إن لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى فضلاً مشهوداً21.
ولكل واحد من أبناء أبي الحسن موسى فضل ومنقبة وكان الرضا مشهوراً بالتقدم ونباهة القدر، وعظم الشأن، وجلالة المقام بين الخاص والعام 22.
فكانوا من خيرة أبناء المسلمين في عصره يتصفون بالتقوى والورع والخير والصلاح والابتعاد عن مآثم الحياة وأباطيلها.
أخوان الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام )
إسماعيل وهو الولد الاكبر للامام جعفر الصادق (ع) ؛ روي أن أبا عبد الله حزن عليه حزناً شديداً، وأمر بوضع سريره على الأرض عدة مرات قبل دفنه، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، ويريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده، وإزالة الشبهة عنهم في حياته 23.
قال الشيخ المفيد: إنه مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع .
ويأتي بعد اسماعيل من أخوت الامام الكاظم (ع) :ـ
1. عبد الله .
2.علي .. قال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه: علي بن جعفر أخو موسى بن جعفر بن محمد ، جليل القدر، ثقة، له كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر سأله عنها24. وعاش دهراً طويلاً حتى أدرك الإمام الجواد .
4.إسحاق قال الشيخ المفيد: كان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد، قد روى عنه الناس الحديث والآثار وكان ابن كاسب يقول إذا حدث عنه: حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر 25. ويلقب المؤتمن زوج السيّدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبط صاحبة الروضة المشهورة بالقاهرة المعروفة بالست نفيسة؛ سافر مع زوجته إلى مصر وأقام بالفسطاط .
5 عباس قال الشيخ المفيد: كان العباس بن جعفر رحمه الله فاضلاً نبيلاً 26.
6 محمد بن جعفر : من الزهّاد والعبّاد، كان يسكن مكة ويروي بها الأحاديث، وفي أيام ظهور الفتنة بين الأمين والمأمون خرج في مكة وادعى الخلافة، أرسل إليه المأمون جيشاً بإمارة الجلودي، فلما وصل جيش المأمون مكة خلع نفسه وبايع المأمون. ثم سافر إلى خراسان وأقام بمرو، ولما وصل المأمون جرجان قتله بالسم وكان قبره معروفاً بجرجان في القرن الرابع الهجري. 27.
سخاء الامام (ع)
اتفق المؤرخون أنه كان أندى الناس كفّاً، يشعر مع المحتاجين، ويعطي المعوزين، ويصل المحرومين في غلس الليل البهيم، حتى لا يعرفه أحد، ويكون عطاؤه في سبيل الله، وكانت تضرب بصرره المثل.
فكان الناس يقولون: (عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي الفقر) أنفق جميع ما يملكه على الضعفاء والمنكوبين، وأنقذ الكثيرين منهم من مرارة الفقر والحرمان.
أجمع المؤرخون أنه كان يقابل الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، شأنه شأن جدّه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وقد قابل جميع ما لاقاه من أذى وظلم من الحاقدين عليه بالصبر والصفح الجميل.
معاصرية
من بنى العباس: عاصر بقية ملك المنصور و ملك المهدى لمدة 10 سنوات و الهادى لمدة سنة واحدة و هارون الرشيد لمدة 15 سنة.
محل دفنه: مدينة الكاظمية فى العراق.
• شاعره: السيد الحميري.
• بوابه: محمد بن الفضل.
• ملوك عصره: المنصور، محمد المهدي، موسى الهادي، هارون الرشيد
• حياته: عاش فترة من عمره في ظلمات السجون، فقد سجنه المهدي العباسي ثم أطلقه وسجنه هارون الرشيد في البصرة عند عيسى بن جعفر، ثم نقله إلى بغداد عند الفضل بن الربيع، ثم عند الفضل بن يحيى، ثم عند السندي بن شاهك.
• قبره: دفن في جانب الكرخ، في مقابر قريش، وقبره اليوم ينافس السماء علواً وازدهاراً، على أعتابه يتكدس الذهب، ويزدحم عنده الألوف من المسلمين من شرق الأرض وغربها لزيارته، والتطواف حول ضريحه الأقدس.
من اصحابه (ع) :ـ
عليّ بن يقطين وقد ضمن له الامام الكاظم (ع) الجنة 28 ...
قال عبد الله بن يحيى الكاهلي: (كنت عند أبي إبراهيم إذ اقبل عليّ بن يقطين فالتفت أبو الحسن إلى أصحابه، فقال: من سرّه أن يرى رجلاً من أصحاب رسول الله فلينظر إلى هذا المقبل، فقال له رجل من القوم: هو إذن من أهل الجنّة؟ فقال أبو الحسن : أمّا أنا فأشهد أنّه من أهل الجنة 29.
وقال لعلي بن يقطين : «كفّارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان».
امامته 30 :ـ
لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها الإمام موسى الكاظم وعاصرها مع أبيه ـ منذ ولادته سنة (128 هـ ) حتى وفاة أبيه سنة (148 هـ ) بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق حيث استطاع بقدراته الإلهيّة وحنكته الربانيّة أن يتجاوز تلك التحدّيات ، ويرسم الخط الإلهي الأصيل ويُنجز مهامّ الإمامة ويهيئ لولده الإمام الكاظم الطريق لكي يمارس دوره المستقبلي .
الإمامة منصب ربّاني يتقوّم بجدارة الإنسان المرشّح للإمامة وقابليته لتحمّل أعباء هذه المسؤولية الكبرى، ولهذا يعتبر فيها الاجتباء الربّاني والاصطفاء الإلهي، ومن هنا كان النصّ على كل واحد من الأئمة ضرورة لابدّ منها.
والنصوص العامّة والخاصّة قد بلّغها الرسول الى صحابته وأهل بيته وتناقلتها كتب الحديث والأخبار. ولكن النصوص المباشرة من كل امام على الذي يليه من أبنائه لها ظروفها الخاصّة التي تكتنفها فتؤثر في كيفية التنصيص وأساليب التعبير ودلالاتها التي تتراوح بين الإشارة تارة والتصريح تارة اُخرى.
أجمعت الروايات بالنص عليه بالإمامة من الله تعالى، كخبر اللوح، وأن الإمام لا يكون إلا الأفضل في العلم والزهد والعمل، وأنه معصوم كعصمة الأنبياء .
والنصوص المروية على إمامته عن أبيه أبي عبد الله الصادق قد رواها شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته، وثقاته الفقهاء الصالحون رضوان الله عليهم.
ونرى هارون الرشيد(لعنه الله ) يعترف بإمامة الامام الكاظم
قال المأمون: كنت أجرأ ولد أبي عليه، وكان المأمون متعجباً من إكبار أبيه لموسى بن جعفر وتقديره له. قال: قلت: لأبي: يا أمير المؤمنين، من هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟
فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعاً، والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم31.
قال ابن .الصباغ : روى عبد الأعلى عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد الله جعفر الصادق ( عليه السلام ) : خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟ فدخل موسى الكاظم وهو يومئذ غلام ، فقال ( أي الصادق) ( عليه السلام ) ) : هذا صاحبكم فتمسك به 32.
قال الشيخ المفيد : هو الإمام بعد أبيه ، والمقدم على جميع بنيه ، لاجتماع خصال الفضل فيه ، وورود صحيح النصوص وجلي الأقوال عليه من أبيه بأنه ولي عهده والإمام القائم من بعده 33.
وقد تولى منصب الإمامة بعد أبيه الصادق ( عليه السلام ) في وقت شهدت فيه الدولة العباسية استقرار أركانها وثبات بنيانها ، فتنكرت للشعار الذي كانت تنادي به من الدعوة لآل محمد - عليه وعليهم السلام - فالتفتت إلى الوارث الشرعي لشجرة النبوة مشهرة سيف العداء له ولشيعته تلافيا من تعاظم نفوذه أن يؤتي على أركان دولتهم وينقضها ، فشهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) طيلة سني حياته صنوف التضييق والمزاحمة ، إلا أن ذلك لم يمنعه ( عليه السلام ) من أن يؤدي رسالته في حماية الدين وقيادة الأمة ، فعرفه المسلمون آية من آيات العلم والشجاعة ، ومعينا لا ينضب من الحلم والكرم والسخاء ، ونموذجا عظيما لا يدانى في التعبد والزهد والخوف من الله تعالى .
بعض النصوص اللفظيه من ابيه الامام الصادق (ع) :ـ
ما رواه محمد بن يعقوب الكليني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: أسأل الله الذى رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها.
فقال: قد فعل الله ذلك.
قلت: من هو جعلت فداك؟
فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال: « هذا الراقد » وهو يومئذ غلام .34.
وبهذا الإسناد، عن المفضّل بن عمر قال: كنّا عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل أبو إبراهيم ـ وهو غلام ـ فقال:استوص به، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك 35.
وبهذا الإسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأمّي، إنّ الأنفس يغدى عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن؟ قال أبو عبدالله عليه السلام: «إذا كان ذلك فهو صاحبكم» وضرب على منكب أبي الحسن الأيمن، وكان يومئذ خماسيّاً، وعبدالله بن جعفر جالسٌ معنا 36.
وبهذا الإسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: إن كان كونٌ ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمّ؟
قال : فأومأ إلى ابنه موسى.
قلت : فإن حدث بموسى حديثٌ فبمن أئتمّ؟
قال : بولده.
قلت : فإن حدث بولده وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً؟
قال : « بولده ، ثمّ هكذا أبداً .
قلت : فإن لم أعرفه ولم أعرف موضعه؟
قال : تقول: اللهم أنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فإنّ ذلك يجزئك إن شاء الله37.
وبهذا الإسناد، في حديث طويل في أمر أبي الحسن عليه السلام حتّى قال له أبو عبدالله عليه السلام: «هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم إليه فأقرّ له بحقّه.
فقمت حتّى قبّلت رأسه ويده، ودعوت الله له.
قال أبو عبدالله عليه السلام: أما إنه لم يؤذن لنا في أول ذلك.
فقلت : جعلت فداك، فأخبر به أحداً؟
قال : نعم ، أهلك وولدك ورفقاءك.
وكان معي أهلي وولدي، وكان معي من رفقائي يونس بن ظبيان، فلمّا أخبرته حمد الله تعالى وقال: لا والله حتّى أسمع ذلك منه، وكانت به عجلة، فخرج فأتبعته، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول له ـ وكان سبقني إليه ـ: يا يونس، الأمر كما قال لك فيض.
فقال : سمعت وأطعت.
فقال لي أبو عبدالله عليه السلام: خذه إليك يا فيض 38.
وبهذا الإسناد، عن سليمان بن خالد قال: دعا أبو عبدالله أبا الحسن موسى عليهما السلام ونحن عنده فقال لنا: «عليكم بهذا بعدي، فهو والله صاحبكم بعدي39.
وبهذا الإسناد، عن علي بن الحسن عن صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبدالله عن صاحب هذا الأمر، فقال: إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب.
فأقبل أبو الحسن موسى ـ وهو صغير ـ ومع عناق 40 مكّية وهو يقول لها: اسجدي لربّك فأخذه أبو عبدالله فضمّه إليه وقال: بأبي وأمّي من لا يلهو ولا يلعب.41.
وروى محمد بن سنان، عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبدالله وهو واقف على رأس أبي الحسن وهو في المهد، فجعل يسارّه طويلاً، فجلست حتّى فرغ فقمت إليه فقال لي: ادن إلى مولاك فسلّم عليه.
فدنوت فسلّمت عليه، فردّ عليّ بلسان فصيح، ثمّ قال لي: إذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه الله عزّ وجلّ.
وكانت ولدت لي ابنة فسمّيتها بالحميراء، فقال أبو عبدالله عليه السلام:«انته إلى أمره ترشد» فغيّرت اسمها 42.
وروى يعقوب بن جعفر الجعفريّ قال: حدّثني إسحاق بن جعفر الصادق عليه السلام قال: كنت عند أبي يوماً فسأله عليّ بن عمر بن عليّ فقال: جعلت فداك، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟
قال : إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين ـ يعني الذؤابتين ـ وهو الطالع عليك من الباب.
فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا، ودخل علينا أبو إبراهيم عليه السلام وهو صبيّ وعليه ثوبان أصفران 43.
وروى محمد بن الوليد قال: سمعت عليّ بن جعفر يقول: سمعت أبي ـ جعفر بن محمد عليهم السلام ـ يقول لجماعة من خاصّته وأصحابه: استوصوا بابني خيراً، فإنّه خيراً، فإنّه أفضل ولدي، ومن أخلّف من بعدي، وهو القائم مقامي، والحجّة لله تعالى على كافّة خلقه من بعدي44.
من معجزاته (ع):ـ
روى عبدالله بن إدريس، عن ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها، وكان في جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، وتقّدم عليّ بن يقطين بحمل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام، وأضاف إليها مالاً كان أعدّه على رسم له في ما يحمله إليه من خمس ماله، فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قبل المال والثياب وردّ الدرّاعة على يد غير الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه: «احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه» فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ولم يدر ما سبب ذلك، فاحتفظ بالدرّاعة. فلمّا كان بعد أيّام تغّير ابن يقطين على غلام له كان يختصّ به فصرفه عن خدمته، فسعى به إلى الرشيد وقال: إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة، وقد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد غضباً وقال: لأكشفنّ عن هذه الحال، وأمر بإحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه قال: ما فعلت بتلك الدّراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب، وقد احتفظت بها، وكلّما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها وأقبّلها وأردّها إلى موضعها، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك، فقال: ائت بها الساعة، قال: نعم. وأنفذ بعض خدمه فقال: امض إلى البيت الفلاني وافتح الصندوق الفلاني وجئني بالسفط الذي فيه بختمه، فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوماً ووضع بين يدي الرشيد، ففكّ ختمه ونظر إلى الدرّاعة مطويّة مدفونة بالطيب، فسكن غضب الرشيد وقال: أرددها إلى مكانها وانصرف راشداً، فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً، وأمر له بجائزة سنيّة، وأمر بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك45.
وروى محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الراية بين أصحابنا في مسح الوضوء، أهو من الأصابع إلى الكعبين؟ أم من الكعبين إلى الاَصابع؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب بخطّك إلي ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله.
فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام: «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به ذلك أن تتمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلّل لحيتك وتغسل يدك من أصابعك إلى المرفقين، وتمسح رأسك كلّه، وتسمح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً، ولا تخالف ذلك إلى غيره». فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة على خلافه، ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذه. قال: وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له: إنّه رافضي مخالفٌ لك، فقال الرشيد لبعض خاصّته: قد كثر القول عندي في علي بن يقطين وميله إلى الرفض، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما يقرف(46) به، فقيل له: إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه، ولا تغسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه. فتركه مدّة وناطه بشيء من شغله في الدار حتّى دخل وقت الصلاة، وكان عليّ يخلو في حجرة من الدار لوضوئه وصلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء فتوضّأ على ما أمره الإمام، فلم يملك الرشيد نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرّافضة. وصلحت حاله عنده. وورد كتاب أبي الحسن عليه السلام: ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين توضّأ كما أمرك الله: اغسل وجهك مرّة فريضة وأُخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنت أخافه عليك، والسلام47.
وروى أحمد بن مهران، عن محمد بن عليّ، عن أبي بصير قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ قال: «بخصال: أمّا أولاهنّ: فإنّه بشيء قد تقدّم فيه من أبيه وإشارته إليه لتكن حجّة، ويسأل فيجيب، وإذا سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلّم الناس بكلّ لسان» ثمّ قال: «يا أبا محمد، أعطيك علامة قبل أن تقوم» فلم ألبث أن دخل عليه رجلٌ من أهل خراسان، فكلّمه الخراساني بالعربيّة فأجابه أبو الحسن بالفارسيّة، فقال له الخراساني: والله ما منعني أن أكلمك بالفارسيّة إلاّ أنّني ظننت أنّك لا تحسنها. فقال: «سبحان الله، إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحقّ [به] الإمامة». ثمّ قال: يا أبا محمد، إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا منطق الطير، ولا كلام شيء فيه روح 48.
عن إسحاق بن عمّار قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام ودخل عليه رجلٌ فقال له أبو الحسن: «يا فلان أنت تموت إلى شهر». قال: فأضمرت في نفسي كأنّه يعلم آجال الشيعة، قال: فقال لي: «يا إسحاق، ما تنكرون من ذلك، قد كان رشيد الهجري مستضعفاً وكان يعلم علم المنايا والإمام أولى بذلك منه». ثمّ قال: «يا إسحاق، تموت إلى سنتين ويشتّت مالك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون إفلاساً شديداً». قال: فكان كما قال49.
بقلم|مجاهد منعثر منشد
السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليكَ يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا لله في شأنه، أتيتك عارفاً
بحقك معادياً لأعدائك فاشفع لي عند ربّك
اشهر القاب الامام موسى بن جعفر هو الامام الكاظم1 (ع) ومن القابه الاخرى باب الحوائج ... الصابر ... العالم ... الزاهر ... العبد، الصالح، . والنّفس الزكيّة وزين المجتهدين ... والوفيّ ... والأمين .والسيد لانه من سادات المسلمين ، وإمام من أئمتهم، وقد مدحه بهذا اللقب الشاعر الشهير أبو الفتح بقوله:
وإذا كنت للشريف غلاما***فأنا الحر والزمان غلامي 2.
ويكنى : ابوالحسن و ابو ابراهيم وهو أبو الحسن الأول، وأبو إبراهيم، وأبو علي . وسمّي عليه السلام بالكاظم لما كظمه من الغيظ، وتصبّره على ما فعله الظالمون به، حتّى مضى قتيلاً في حبسهم 3.
وابيه سادس الائمة الامام جعفر الصادق (ع) وأمه السيدة حميدة المصفاة يقال لها: حميدة المغربيّة، وقيل: نباته4 . ويقال لها: حميدة المصفّاة 5.
لقد كانت اُم الإمام من النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصها الله تعالى فتزوجت الامام الصادق (ع) لتنجب أمامنا الكاظم (ع) فكانت من أعزّ نسائه واحبّهن إليه، وآثرهن عنده.
وقد غذّاها الإمام الصادق بعلومه حتى أصبحت في طليعة نساء عصرها علماً وورعاً وايماناً، وعهد إليها بتفقيه النساء المسلمات وتعليمهن الأحكام الشرعية 6.
كما انّ الإمام الصادق كان يغدق عليها بمعروفه، وقد رأى فيها وفور العقل والكمال، وحسن الايمان وأثنى عليها ثناءاً عاطراً، فقال فيها: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتى اديت إليّ كرامة من الله وللحجة من بعدي 7.
وقداختلف المؤرخون في نسبها فقيل انّها اندلسية، وتكنّى لؤلؤة 8 ... وقيل إنّها رومية 9 ... وقيل انّها من أجلّ بيوت الأعاجم 10.
مولده الشريف (ع) :ـ
وُلِدَ الامام موسى بن جعفر (ع) في أواخر الحكم الاموي .
ولد بين مكة و المدينة فى منطقة تسمى الابواء11 عام 128 هـ ايام عبدالملك بن مروان فى السابع عشر من صفر11. يوم الأحد ويقال: الثلاثاء 12.
قال المنهال القصّاب: (خرجت من مكّة أريد المدينة فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله موسى ، فسبقته إلى المدينة ودخل بعدي بيوم فأطعم النّاس ثلاثاً فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئاً إلى الغد حتّى أعود فآكل، فمكثت بذلك ثلاثاً أطعم حتى ارتفق ثمّ لا أطعم شيئاً إلى الغد 13.
مدة امامته: خمسة و ثلاثين عاماً، استلم مهام الامامة و له من العمر عشرين سنة عام 148 هـ .
من زوجاته: اشهر هن السيدة الجليلة «تكتم» ام الامام الرضــا (ع).
اوصافه: كان اسمراً، شديد السمرة14 ... ، معتدل القامة، كث اللحية15 ... حسن الوجه، نحيف الجسم، له هيبة و جلال. ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه ، شديد السمرة، نحيف الجسم.
شهادته : كان استشهاده (ع) فى سجن السندى بن شاهك ببغداد المصادف 25 رجب عام 183 هـ متأثراً بسم دسه اليه هارون الرشيد و كان عمره خمسة و خمسون عاماً.
والامام الكاظم (ع) معروف عند أهل العراق ومشهور بالكرامات واطلق لقب من عامة الناس عليه ابو طلبه وباب الحوائج فقد اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب أو حزين إلا فرّج الله آلامه وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا قضيت حوائجه، ورجع الى أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألم به من طوارق الزمن وفجائع الايام، وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول:
ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر الاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب 16.
وقال الشافعى: «قبر موسى الكاظم الترياق المجرَّب 17.
زوجة الامام الكاظم (ع) :ـ
قال الشاعر
ألا أن خيـــر النســـاء نفساً ووالداً
ورهطــــاً وأجداداً علـــي المـــعظم
أتـــتنا بـــه للعلـــم والحــلــم ثامناً
إمــــاماً يــــؤدي حـــجــــة الله تكتم
وهي تكتم الطاهرة ـ (أم البنين) أم الإمام الرضا .
وجاء في كتاب تراجم الشيعة :ـ (تكتم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح التاء الفوقانية قبل الميم18.
وقال الشيخ الصدوق (قدس سره ) :ـ
هكذا تسمى باسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليهم السلام وهي أم ولده الإمام الرضا عليه السلام، كانت من أشراف العجم جارية مولدة وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها مذ ملكتها إجلالاً لها.
فقالت لابنها موسى عليه السلام: يا بني، إن تكتم أفضل مني، ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك، فاستوص خيراً بها19.
وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه (الأنوار البهية) أن أم الإمام الثامن الضامن المأمول المرتجى مولانا أبو الحسن علي بن موسى الرضا هي أم ولد يقال لها أم البنين، واسمها نجمة ويقال لها تكتم أيضاً، اشترتها حميدة المصفاة أم موسى وكانت أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها .
روي أن السيدة حميدة رأت في المنام رسول الله يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض، فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة.
اولاده
اختلف المؤرخون في عدد أولاد الإمام موسى الكاظم (ع)و منهم من قال: انهم ثلاثة وثلاثون، الذكور منهم 16 والإناث 17.
ومنهم من قال: سبعة وثلاثون، الذكور 18 والإناث 19.
ومنهم من قال: ثمانية وثلاثون، الذكور 20 والإناث 18..|20.
وقال الطبرسي وهو الاشهر والاقوى: كان له سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى. علي بن موسى الرضا ، وإبراهيم والعباس والقاسم من أمهات متعددة.
وأحمد، ومحمد، وحمزة من أم واحدة.
وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسن من أم واحدة.
وعبد الله، وإسحاق، وعبيد الله، وزيد، والحسن، والفضل، وسليمان من أمهات متعددة.
وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، ومكية، وأم أبيها، ورقية الصغرى وكلثم، وأم جعفر، ولبانة، وزينب، وخديجة وعلية، وآمنة، وحسنة، وبريهة، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم من أمهات متعددة.
إن لكل واحد من أولاد أبي الحسن موسى فضلاً مشهوداً21.
ولكل واحد من أبناء أبي الحسن موسى فضل ومنقبة وكان الرضا مشهوراً بالتقدم ونباهة القدر، وعظم الشأن، وجلالة المقام بين الخاص والعام 22.
فكانوا من خيرة أبناء المسلمين في عصره يتصفون بالتقوى والورع والخير والصلاح والابتعاد عن مآثم الحياة وأباطيلها.
أخوان الامام موسى بن جعفر (عليهما السلام )
إسماعيل وهو الولد الاكبر للامام جعفر الصادق (ع) ؛ روي أن أبا عبد الله حزن عليه حزناً شديداً، وأمر بوضع سريره على الأرض عدة مرات قبل دفنه، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، ويريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته له من بعده، وإزالة الشبهة عنهم في حياته 23.
قال الشيخ المفيد: إنه مات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع .
ويأتي بعد اسماعيل من أخوت الامام الكاظم (ع) :ـ
1. عبد الله .
2.علي .. قال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه: علي بن جعفر أخو موسى بن جعفر بن محمد ، جليل القدر، ثقة، له كتاب المناسك ومسائل لأخيه موسى الكاظم بن جعفر سأله عنها24. وعاش دهراً طويلاً حتى أدرك الإمام الجواد .
4.إسحاق قال الشيخ المفيد: كان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد، قد روى عنه الناس الحديث والآثار وكان ابن كاسب يقول إذا حدث عنه: حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر 25. ويلقب المؤتمن زوج السيّدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبط صاحبة الروضة المشهورة بالقاهرة المعروفة بالست نفيسة؛ سافر مع زوجته إلى مصر وأقام بالفسطاط .
5 عباس قال الشيخ المفيد: كان العباس بن جعفر رحمه الله فاضلاً نبيلاً 26.
6 محمد بن جعفر : من الزهّاد والعبّاد، كان يسكن مكة ويروي بها الأحاديث، وفي أيام ظهور الفتنة بين الأمين والمأمون خرج في مكة وادعى الخلافة، أرسل إليه المأمون جيشاً بإمارة الجلودي، فلما وصل جيش المأمون مكة خلع نفسه وبايع المأمون. ثم سافر إلى خراسان وأقام بمرو، ولما وصل المأمون جرجان قتله بالسم وكان قبره معروفاً بجرجان في القرن الرابع الهجري. 27.
سخاء الامام (ع)
اتفق المؤرخون أنه كان أندى الناس كفّاً، يشعر مع المحتاجين، ويعطي المعوزين، ويصل المحرومين في غلس الليل البهيم، حتى لا يعرفه أحد، ويكون عطاؤه في سبيل الله، وكانت تضرب بصرره المثل.
فكان الناس يقولون: (عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي الفقر) أنفق جميع ما يملكه على الضعفاء والمنكوبين، وأنقذ الكثيرين منهم من مرارة الفقر والحرمان.
أجمع المؤرخون أنه كان يقابل الإساءة بالإحسان، والذنب بالعفو، شأنه شأن جدّه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وقد قابل جميع ما لاقاه من أذى وظلم من الحاقدين عليه بالصبر والصفح الجميل.
معاصرية
من بنى العباس: عاصر بقية ملك المنصور و ملك المهدى لمدة 10 سنوات و الهادى لمدة سنة واحدة و هارون الرشيد لمدة 15 سنة.
محل دفنه: مدينة الكاظمية فى العراق.
• شاعره: السيد الحميري.
• بوابه: محمد بن الفضل.
• ملوك عصره: المنصور، محمد المهدي، موسى الهادي، هارون الرشيد
• حياته: عاش فترة من عمره في ظلمات السجون، فقد سجنه المهدي العباسي ثم أطلقه وسجنه هارون الرشيد في البصرة عند عيسى بن جعفر، ثم نقله إلى بغداد عند الفضل بن الربيع، ثم عند الفضل بن يحيى، ثم عند السندي بن شاهك.
• قبره: دفن في جانب الكرخ، في مقابر قريش، وقبره اليوم ينافس السماء علواً وازدهاراً، على أعتابه يتكدس الذهب، ويزدحم عنده الألوف من المسلمين من شرق الأرض وغربها لزيارته، والتطواف حول ضريحه الأقدس.
من اصحابه (ع) :ـ
عليّ بن يقطين وقد ضمن له الامام الكاظم (ع) الجنة 28 ...
قال عبد الله بن يحيى الكاهلي: (كنت عند أبي إبراهيم إذ اقبل عليّ بن يقطين فالتفت أبو الحسن إلى أصحابه، فقال: من سرّه أن يرى رجلاً من أصحاب رسول الله فلينظر إلى هذا المقبل، فقال له رجل من القوم: هو إذن من أهل الجنّة؟ فقال أبو الحسن : أمّا أنا فأشهد أنّه من أهل الجنة 29.
وقال لعلي بن يقطين : «كفّارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان».
امامته 30 :ـ
لقد تميّزت المرحلة التي نشأ فيها الإمام موسى الكاظم وعاصرها مع أبيه ـ منذ ولادته سنة (128 هـ ) حتى وفاة أبيه سنة (148 هـ ) بعدّة منعطفات تاريخيّة ونشاطات نوعية من قبل الإمام الصادق حيث استطاع بقدراته الإلهيّة وحنكته الربانيّة أن يتجاوز تلك التحدّيات ، ويرسم الخط الإلهي الأصيل ويُنجز مهامّ الإمامة ويهيئ لولده الإمام الكاظم الطريق لكي يمارس دوره المستقبلي .
الإمامة منصب ربّاني يتقوّم بجدارة الإنسان المرشّح للإمامة وقابليته لتحمّل أعباء هذه المسؤولية الكبرى، ولهذا يعتبر فيها الاجتباء الربّاني والاصطفاء الإلهي، ومن هنا كان النصّ على كل واحد من الأئمة ضرورة لابدّ منها.
والنصوص العامّة والخاصّة قد بلّغها الرسول الى صحابته وأهل بيته وتناقلتها كتب الحديث والأخبار. ولكن النصوص المباشرة من كل امام على الذي يليه من أبنائه لها ظروفها الخاصّة التي تكتنفها فتؤثر في كيفية التنصيص وأساليب التعبير ودلالاتها التي تتراوح بين الإشارة تارة والتصريح تارة اُخرى.
أجمعت الروايات بالنص عليه بالإمامة من الله تعالى، كخبر اللوح، وأن الإمام لا يكون إلا الأفضل في العلم والزهد والعمل، وأنه معصوم كعصمة الأنبياء .
والنصوص المروية على إمامته عن أبيه أبي عبد الله الصادق قد رواها شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته، وثقاته الفقهاء الصالحون رضوان الله عليهم.
ونرى هارون الرشيد(لعنه الله ) يعترف بإمامة الامام الكاظم
قال المأمون: كنت أجرأ ولد أبي عليه، وكان المأمون متعجباً من إكبار أبيه لموسى بن جعفر وتقديره له. قال: قلت: لأبي: يا أمير المؤمنين، من هذا الرجل الذي أعظمته وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟
فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعاً، والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم31.
قال ابن .الصباغ : روى عبد الأعلى عن الفيض بن المختار قال : قلت لأبي عبد الله جعفر الصادق ( عليه السلام ) : خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟ فدخل موسى الكاظم وهو يومئذ غلام ، فقال ( أي الصادق) ( عليه السلام ) ) : هذا صاحبكم فتمسك به 32.
قال الشيخ المفيد : هو الإمام بعد أبيه ، والمقدم على جميع بنيه ، لاجتماع خصال الفضل فيه ، وورود صحيح النصوص وجلي الأقوال عليه من أبيه بأنه ولي عهده والإمام القائم من بعده 33.
وقد تولى منصب الإمامة بعد أبيه الصادق ( عليه السلام ) في وقت شهدت فيه الدولة العباسية استقرار أركانها وثبات بنيانها ، فتنكرت للشعار الذي كانت تنادي به من الدعوة لآل محمد - عليه وعليهم السلام - فالتفتت إلى الوارث الشرعي لشجرة النبوة مشهرة سيف العداء له ولشيعته تلافيا من تعاظم نفوذه أن يؤتي على أركان دولتهم وينقضها ، فشهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) طيلة سني حياته صنوف التضييق والمزاحمة ، إلا أن ذلك لم يمنعه ( عليه السلام ) من أن يؤدي رسالته في حماية الدين وقيادة الأمة ، فعرفه المسلمون آية من آيات العلم والشجاعة ، ومعينا لا ينضب من الحلم والكرم والسخاء ، ونموذجا عظيما لا يدانى في التعبد والزهد والخوف من الله تعالى .
بعض النصوص اللفظيه من ابيه الامام الصادق (ع) :ـ
ما رواه محمد بن يعقوب الكليني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: أسأل الله الذى رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها.
فقال: قد فعل الله ذلك.
قلت: من هو جعلت فداك؟
فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال: « هذا الراقد » وهو يومئذ غلام .34.
وبهذا الإسناد، عن المفضّل بن عمر قال: كنّا عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل أبو إبراهيم ـ وهو غلام ـ فقال:استوص به، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك 35.
وبهذا الإسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأمّي، إنّ الأنفس يغدى عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن؟ قال أبو عبدالله عليه السلام: «إذا كان ذلك فهو صاحبكم» وضرب على منكب أبي الحسن الأيمن، وكان يومئذ خماسيّاً، وعبدالله بن جعفر جالسٌ معنا 36.
وبهذا الإسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: إن كان كونٌ ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمّ؟
قال : فأومأ إلى ابنه موسى.
قلت : فإن حدث بموسى حديثٌ فبمن أئتمّ؟
قال : بولده.
قلت : فإن حدث بولده وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً؟
قال : « بولده ، ثمّ هكذا أبداً .
قلت : فإن لم أعرفه ولم أعرف موضعه؟
قال : تقول: اللهم أنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فإنّ ذلك يجزئك إن شاء الله37.
وبهذا الإسناد، في حديث طويل في أمر أبي الحسن عليه السلام حتّى قال له أبو عبدالله عليه السلام: «هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم إليه فأقرّ له بحقّه.
فقمت حتّى قبّلت رأسه ويده، ودعوت الله له.
قال أبو عبدالله عليه السلام: أما إنه لم يؤذن لنا في أول ذلك.
فقلت : جعلت فداك، فأخبر به أحداً؟
قال : نعم ، أهلك وولدك ورفقاءك.
وكان معي أهلي وولدي، وكان معي من رفقائي يونس بن ظبيان، فلمّا أخبرته حمد الله تعالى وقال: لا والله حتّى أسمع ذلك منه، وكانت به عجلة، فخرج فأتبعته، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول له ـ وكان سبقني إليه ـ: يا يونس، الأمر كما قال لك فيض.
فقال : سمعت وأطعت.
فقال لي أبو عبدالله عليه السلام: خذه إليك يا فيض 38.
وبهذا الإسناد، عن سليمان بن خالد قال: دعا أبو عبدالله أبا الحسن موسى عليهما السلام ونحن عنده فقال لنا: «عليكم بهذا بعدي، فهو والله صاحبكم بعدي39.
وبهذا الإسناد، عن علي بن الحسن عن صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبدالله عن صاحب هذا الأمر، فقال: إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب.
فأقبل أبو الحسن موسى ـ وهو صغير ـ ومع عناق 40 مكّية وهو يقول لها: اسجدي لربّك فأخذه أبو عبدالله فضمّه إليه وقال: بأبي وأمّي من لا يلهو ولا يلعب.41.
وروى محمد بن سنان، عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبدالله وهو واقف على رأس أبي الحسن وهو في المهد، فجعل يسارّه طويلاً، فجلست حتّى فرغ فقمت إليه فقال لي: ادن إلى مولاك فسلّم عليه.
فدنوت فسلّمت عليه، فردّ عليّ بلسان فصيح، ثمّ قال لي: إذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس، فإنّه اسم يبغضه الله عزّ وجلّ.
وكانت ولدت لي ابنة فسمّيتها بالحميراء، فقال أبو عبدالله عليه السلام:«انته إلى أمره ترشد» فغيّرت اسمها 42.
وروى يعقوب بن جعفر الجعفريّ قال: حدّثني إسحاق بن جعفر الصادق عليه السلام قال: كنت عند أبي يوماً فسأله عليّ بن عمر بن عليّ فقال: جعلت فداك، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟
قال : إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والغديرتين ـ يعني الذؤابتين ـ وهو الطالع عليك من الباب.
فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا، ودخل علينا أبو إبراهيم عليه السلام وهو صبيّ وعليه ثوبان أصفران 43.
وروى محمد بن الوليد قال: سمعت عليّ بن جعفر يقول: سمعت أبي ـ جعفر بن محمد عليهم السلام ـ يقول لجماعة من خاصّته وأصحابه: استوصوا بابني خيراً، فإنّه خيراً، فإنّه أفضل ولدي، ومن أخلّف من بعدي، وهو القائم مقامي، والحجّة لله تعالى على كافّة خلقه من بعدي44.
من معجزاته (ع):ـ
روى عبدالله بن إدريس، عن ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها، وكان في جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب، وتقّدم عليّ بن يقطين بحمل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى عليه السلام، وأضاف إليها مالاً كان أعدّه على رسم له في ما يحمله إليه من خمس ماله، فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام قبل المال والثياب وردّ الدرّاعة على يد غير الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه: «احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه» فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ولم يدر ما سبب ذلك، فاحتفظ بالدرّاعة. فلمّا كان بعد أيّام تغّير ابن يقطين على غلام له كان يختصّ به فصرفه عن خدمته، فسعى به إلى الرشيد وقال: إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة، وقد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا. فاستشاط الرشيد غضباً وقال: لأكشفنّ عن هذه الحال، وأمر بإحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه قال: ما فعلت بتلك الدّراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب، وقد احتفظت بها، وكلّما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها وأقبّلها وأردّها إلى موضعها، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك، فقال: ائت بها الساعة، قال: نعم. وأنفذ بعض خدمه فقال: امض إلى البيت الفلاني وافتح الصندوق الفلاني وجئني بالسفط الذي فيه بختمه، فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوماً ووضع بين يدي الرشيد، ففكّ ختمه ونظر إلى الدرّاعة مطويّة مدفونة بالطيب، فسكن غضب الرشيد وقال: أرددها إلى مكانها وانصرف راشداً، فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً، وأمر له بجائزة سنيّة، وأمر بضرب الساعي ألف سوط، فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك45.
وروى محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الراية بين أصحابنا في مسح الوضوء، أهو من الأصابع إلى الكعبين؟ أم من الكعبين إلى الاَصابع؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين، فإن رأيت أن تكتب بخطّك إلي ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله.
فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام: «فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به ذلك أن تتمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلّل لحيتك وتغسل يدك من أصابعك إلى المرفقين، وتمسح رأسك كلّه، وتسمح ظاهر أذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً، ولا تخالف ذلك إلى غيره». فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة على خلافه، ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذه. قال: وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له: إنّه رافضي مخالفٌ لك، فقال الرشيد لبعض خاصّته: قد كثر القول عندي في علي بن يقطين وميله إلى الرفض، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما يقرف(46) به، فقيل له: إنّ الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه، ولا تغسل الرجلين، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه. فتركه مدّة وناطه بشيء من شغله في الدار حتّى دخل وقت الصلاة، وكان عليّ يخلو في حجرة من الدار لوضوئه وصلاته، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، فدعا بالماء فتوضّأ على ما أمره الإمام، فلم يملك الرشيد نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرّافضة. وصلحت حاله عنده. وورد كتاب أبي الحسن عليه السلام: ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين توضّأ كما أمرك الله: اغسل وجهك مرّة فريضة وأُخرى إسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنت أخافه عليك، والسلام47.
وروى أحمد بن مهران، عن محمد بن عليّ، عن أبي بصير قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ قال: «بخصال: أمّا أولاهنّ: فإنّه بشيء قد تقدّم فيه من أبيه وإشارته إليه لتكن حجّة، ويسأل فيجيب، وإذا سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلّم الناس بكلّ لسان» ثمّ قال: «يا أبا محمد، أعطيك علامة قبل أن تقوم» فلم ألبث أن دخل عليه رجلٌ من أهل خراسان، فكلّمه الخراساني بالعربيّة فأجابه أبو الحسن بالفارسيّة، فقال له الخراساني: والله ما منعني أن أكلمك بالفارسيّة إلاّ أنّني ظننت أنّك لا تحسنها. فقال: «سبحان الله، إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحقّ [به] الإمامة». ثمّ قال: يا أبا محمد، إنّ الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس، ولا منطق الطير، ولا كلام شيء فيه روح 48.
عن إسحاق بن عمّار قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام ودخل عليه رجلٌ فقال له أبو الحسن: «يا فلان أنت تموت إلى شهر». قال: فأضمرت في نفسي كأنّه يعلم آجال الشيعة، قال: فقال لي: «يا إسحاق، ما تنكرون من ذلك، قد كان رشيد الهجري مستضعفاً وكان يعلم علم المنايا والإمام أولى بذلك منه». ثمّ قال: «يا إسحاق، تموت إلى سنتين ويشتّت مالك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون إفلاساً شديداً». قال: فكان كما قال49.
تعليق