بسم الله الرحمن الرحيم
الناس جميعاً يبحثون عن السعادة ويجدون في طلبها ويكدحون في تحصيلها , ولكن ليس كل من يطلب السعادة يجدها ؛ لأن فهم كل واحد منهم لها يختلف , ومشاربهم في سبل تحصيلها تتباين , فالبعض يظن أن السعادة في كثرة المال , فيسعي إلى تحصيله بكل السبل وشتى الوسائل والطرق , ولا يدري أن هذه السعادة وهمية غير حقيقية، وأن هناك يوماً سيأتيه ويصرخ فيه قائلاً : \" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ \". سورة الحاقة: 28-29.
بل قد يكون المال سبباً لشقاوته وعذابه , كما قال تعالى: \" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ\". سورة التوبة: 34-35.
وقد أشار القرآن الكريم إلى شقاء أصحاب الأموال الذين لا يتقون الله تعالى في جمعها وإنفاقها، ومعرفة حق الله عز وجل فيها، فقال تعالى: \" فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ\" . سورة التوبة: 55 .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ:سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا الْمَالُ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيان : قَالَ لِي : يَا حَكِيم ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى
ويا حريصاً على الأموالِ تجمعُها * * * أُنْسيتَ أنَّ سرورَ المالِ أحزانُ ؟
زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها * * * فَصَفْوُها كدرٌ والوصلُ هِجْـرانُ
وقال آخر :
ولست أرى السعادة جمع مال ٍ * * * ولكن التقي هو السعيد ُ
وتقوى الله خير الزاد ذخراً * * * وعند الله للأتقى مزيدُ
يذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب: لأشقينَّك . فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة : لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني.فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !فقال الزوج في دهشة: وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي .
ويحكى أن أحد الأثرياء كان لديه خادم يحرس القصر الذي يسكن فيه ذلك الثري ,فكان هذا الثري في قصره الكبير لا يحس بطعم الراحة فهو مريض نفسيآ ويتخيل انه شي كبير في هذه الدنيا الفانيه يتناول الأدوية قبل الأكل وفي وسطه وفي آخره , بل يظل طوال الليل يتقلب من الألم ولا يستطيع النوم , وذاك الخادم الفقير يسكن بجوار باب القصر في غرفة صغيرة هوواهله , فيظلون إلى منتصف الليل يضحكون ويصفقون ويغنون , فقال الثري في نفسه هؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم ويعيشون في هذه السعادة فما بالهم لو كان معهم بعض المال , فذهب إليهم ذات يوم وقال لهذا الحارس سأعطيك كل يوم خمسون جنيهاً تشترى بها بيضاً وتجلس تبيعه أمام القصر ونتقاسم المكسب , وفي الليلة الأولى سمعهم يضحون ويغنون ولكن إلى ما بعد العشاء بساعة وليس إلى منتصف الليل , وفي الليلة الثانية سكتت أصواتهم بعد العشاء مباشرة , وفي الليلة الثالثة سمع أصوات الشجار والصراخ , ثم دخل عليه ذلك الحارس المسكين ومعه ما تبقى من البيض وما كسب من مال , وقال له يا سيدي هذا بيضك ومالك, ودعنا نعود إلى حالنا السابق من الضحك والغناء , فلقد أفسد علينا المال سعادتنا .
وكانت هناك امرأة تدعى \"كريستينا أوناسيس\": وهي ابنة المليونير اليوناني الشهير \"أوناسيس\"، مات أبوها وترك لها خمسة آلاف مليون ريال، وأسطولاً بحرياً ضخماً، وهي تملك جزراً كاملة، وتملك شركات طيران، تزوجت مرة وثانية وثالثة ورابعة، وفي كل مرة تبحث عن السعادة ولا تجدها.بل وسألها الصحفيون: هل أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم. أنا أغنى امرأة، ولكني أشقى امرأة. ثم عاشت بقية حياتها في تعاسة وهمّ، وبعد ذلك وجدوها ميتة في شاليه في الأرجنتين وحيدة شريدة.
وقد يظن البعض أن السعادة في الجاه والسلطان والمناصب والولايات : وهذا فهمٌ وظن خاطئ أيضاً، فأهل الجاه والسلطان والمناصب البعيدين عن الله، هم في شقاء وتعاسة وهمٍّ ونكد
فكم من منصب قتل صاحبه , وكم من إمارة كانت وبالاً ونكالاً على طالبها , قال الشاعر :
وأعز ما يبقى ودادٌ دائمٌ * * * إن المناصبَ لا تدوم طويلا ً
والبعض كذلك يظن أن السعادة في الشهرة: وهذا ظن خاطئ، إذ أن الشهرة تكون في غالب الأحيان سبب الشقاء والتعاسة ,تقول إحدى الممثلات الشهيرات قبل وفاتها أو انتحارها وهي تنصح المرأة: احذري المجد، واحذري كل من يخدعك بالأضواء، إنني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أمّاً، إنني امرأة أُفضِّل البيت والحياة العائلية على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، لقد ظلمني كل الناس، إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة.
أوقد يظن أن السعادة في نيل الشهادات العالية: وليس ذلك شرطاً لبلوغ السعادة , تقول إحدى الطبيبات والتي لم تذق طعم السعادة: \"السابعة من صباح كل يوم يستفزني، يستمطر أدمعي... لماذا؟ اركب خلف السـائق متوجهة إلى عيادتي – بل مدفني، بل زنزانتي- وعندما أصل إلى مكتبي – بل إلى مثواي- أجد النساء بأطفالهم ينتظرنني، وينظرن إلى معطفي الأبيض وكأنه بردة حريرية فارسية، هذا في نظر الناس وهو في نظري لباس حداد لي. ثم تواصل قولها: أدخل عيادتي أتقلد سماعتي، وكأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، والعقد الثالث يستعد الآن لإكمال التفافهُ حول عنقي- أي بلغت الثلاثين- والتشاؤم ينتابني على المستقبل.
وأخيراً تصرخ وتقول: خذوا شهادتي، ومعاطفي، وكل مراجِعي، وجالب السعادة الزائفة – المال والمركز- وأَسْمِعُوني كلمة \"ماما\"، ثم قالت هذه الأبيات:
لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة * * * فقد قيـل فما نالني من مقـالها
فقل للتي كانت ترى فيَّ قدوةً * * * هي اليوم بين الناس يُرثَى لحالها
وكل مُناها بعضَ طفلٍ تضمّهُ * * * فهل ممكن أن تشتريـه بمـالها
فالسعادة فد لا تكون في جمع الأموال واكتناز الكنوز , فكم من أغنياء هم أشقى الناس وكم من فقراء هم أسعد الخلق حالاً ومآلاً , وقد لا تكون السعادة في المناصب والوجاهات , فكم من صاحب منصب جر عليه منصبه أذيال الخيبة والتعاسة , وفقير معدم يعيش في رضا وسعادة , وقد لا تكون السعادة في الصحة فكم من صحيح معافى لا يحس بتلك النعمة وكم من مريض مبتلى راض عن ربه وربه راض عنه . كثرة الذكر والدعاء لله تعالى :
ترك ذكر الله تعالى يصيب القلب بالقسوة والجفاء ، وقاسي القلب مستحق لوعيد الله تعالى، قال سبحانه : \" وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ\" . سورة الزخرف:36. وإذا اطمئن القلب انشرح الصدر، وارتاح البال وأنس بالله، وسعد في الدنيا والآخرة، وهذا هو عين الفلاح، الذي أرشدنا تعالى إلى تحصيله؛ وذلك بكثرة ذكره، فقال تعالى: \" َاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ\" . سورة الأنفال: 45.
أكثر من مائة فائدة لذكر الله منها: أن الذِّكْر يرضي الله عزوجل . أن الذِّكْر يطرد الشيطان. أنه يزيل الهم والغم عن القلب. أنه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والسعادة. أنه يقوي القلب، والبدن. أنه ينوِّر الوجه والقلب. أنه يجلب الرزق. أنه يكسو الذاكر المهابة والنضرة. أنه يورث المحبة. أنه يورث المراقبة، والإنابة، والقرب إلى الله . أنه يورث الهيبة لربه عز وجل. أنه يورث حياة القلب. أنه قوت القلوب والروح. أنه يحط عنه الخطايا ويذهبها. أنه يزيل الوحشة بينه وبين ربه. أن العبد إذا ذكر ربه في الرخاء عرفه الله تعالى في الشدة. أنه منجاة من العذاب. أنه سبب لنزول السكينة. أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش. أن الذاكر تجالسه الملائكة في المجلس الذي يذكر فيه ربه. الذِّكْر يسعد الذاكر، ويسعد به جليسه. أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة. أن الذِّكْر مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى للعبد يوم القيامة في ظل العرش. أن الذِّكْر سبب لإعطاء الذاكر أفضل ما يعطي السائلين. أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها. أن الذِّكْر غراس الجنة. أن الذِّكْر ينبه القلب من نومه ويوقظه. أن الذِّكْر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمَّرَ إليها السالكون. أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعيِّة تثمر القرب والولاية، والمحبة، والنصرة، والتوفيق. أن الذِّكْر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل. أن الذِّكْر رأس الشكر. أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين مَن لا يزال لسانه رطباً بذكره. أن الذِّكْر يذيب قسوة القلب. أن الذِّكْر شفاء القلب ودواؤه. الذِّكْر يجلب النعم، ويدفع النقم. الذِّكْر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر. أن مَن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذِّكْر، فإنها رياض الجنة. أن الله عز وجل يباهي بالذاكر ملائكته. ذكر الله عز وجل يُسهِّل الصعب، وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق. ذكر الله عز وجل يذهب مخاوف القلب. أن الملائكة تستغفر للذاكر. كثرة الذِّكْر أمان من النفاق. الذِّكْر حرز للذاكر من الشيطان.
كما أن صدق اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء سبب للسعادة وانشراح الصدر , قال سبحانه : \" رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي\". سورة طه: 25-26.
قال الشاعر :
إني أويت لكل مأوى في الحياة * * * فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة * * * فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً * * * فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا * * * أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي * * * وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي * * * ما خاب يوماً من دعا ورجاك
3ـ الرضا بالقضاء والقدر:
الساخط على ما قدَّر الله غير راضٍ بما قسمه الله له أو لغيره، لا تطمئن نفسه ولا يهدأ باله، متوتر دائماً، لا يحس بالراحة والسعادة؛ لأنه لم يشرب قلبه الرضا بقضاء الله، وعلى النقيض تجد المؤمن سعيداً؛ لرضاه بقضاء الله وقدره، الذي يغرز السعادة والراحة، وهدوء البال، وإن كان رزقه كفافاً.
وقد أوجب الله تعالى على عباده الرضا بقضائه سبحانه في السراء والضراء، بل وجعله ركناً من أركان الإيمان، فمتى رضي العبد بقضاء الله تعالى، خالط الإيمان بشاشة القلب، وأصبحت النفس مطمئنة راضية وتحققت له السعادة.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ..
فالسعيد هو من يرضى بقضاء الله تعالى في السراء والضراء: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
الناس جميعاً يبحثون عن السعادة ويجدون في طلبها ويكدحون في تحصيلها , ولكن ليس كل من يطلب السعادة يجدها ؛ لأن فهم كل واحد منهم لها يختلف , ومشاربهم في سبل تحصيلها تتباين , فالبعض يظن أن السعادة في كثرة المال , فيسعي إلى تحصيله بكل السبل وشتى الوسائل والطرق , ولا يدري أن هذه السعادة وهمية غير حقيقية، وأن هناك يوماً سيأتيه ويصرخ فيه قائلاً : \" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ \". سورة الحاقة: 28-29.
بل قد يكون المال سبباً لشقاوته وعذابه , كما قال تعالى: \" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ\". سورة التوبة: 34-35.
وقد أشار القرآن الكريم إلى شقاء أصحاب الأموال الذين لا يتقون الله تعالى في جمعها وإنفاقها، ومعرفة حق الله عز وجل فيها، فقال تعالى: \" فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ\" . سورة التوبة: 55 .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ:سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا الْمَالُ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيان : قَالَ لِي : يَا حَكِيم ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى
ويا حريصاً على الأموالِ تجمعُها * * * أُنْسيتَ أنَّ سرورَ المالِ أحزانُ ؟
زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها * * * فَصَفْوُها كدرٌ والوصلُ هِجْـرانُ
وقال آخر :
ولست أرى السعادة جمع مال ٍ * * * ولكن التقي هو السعيد ُ
وتقوى الله خير الزاد ذخراً * * * وعند الله للأتقى مزيدُ
يذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب: لأشقينَّك . فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة : لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني.فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !فقال الزوج في دهشة: وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي .
ويحكى أن أحد الأثرياء كان لديه خادم يحرس القصر الذي يسكن فيه ذلك الثري ,فكان هذا الثري في قصره الكبير لا يحس بطعم الراحة فهو مريض نفسيآ ويتخيل انه شي كبير في هذه الدنيا الفانيه يتناول الأدوية قبل الأكل وفي وسطه وفي آخره , بل يظل طوال الليل يتقلب من الألم ولا يستطيع النوم , وذاك الخادم الفقير يسكن بجوار باب القصر في غرفة صغيرة هوواهله , فيظلون إلى منتصف الليل يضحكون ويصفقون ويغنون , فقال الثري في نفسه هؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم ويعيشون في هذه السعادة فما بالهم لو كان معهم بعض المال , فذهب إليهم ذات يوم وقال لهذا الحارس سأعطيك كل يوم خمسون جنيهاً تشترى بها بيضاً وتجلس تبيعه أمام القصر ونتقاسم المكسب , وفي الليلة الأولى سمعهم يضحون ويغنون ولكن إلى ما بعد العشاء بساعة وليس إلى منتصف الليل , وفي الليلة الثانية سكتت أصواتهم بعد العشاء مباشرة , وفي الليلة الثالثة سمع أصوات الشجار والصراخ , ثم دخل عليه ذلك الحارس المسكين ومعه ما تبقى من البيض وما كسب من مال , وقال له يا سيدي هذا بيضك ومالك, ودعنا نعود إلى حالنا السابق من الضحك والغناء , فلقد أفسد علينا المال سعادتنا .
وكانت هناك امرأة تدعى \"كريستينا أوناسيس\": وهي ابنة المليونير اليوناني الشهير \"أوناسيس\"، مات أبوها وترك لها خمسة آلاف مليون ريال، وأسطولاً بحرياً ضخماً، وهي تملك جزراً كاملة، وتملك شركات طيران، تزوجت مرة وثانية وثالثة ورابعة، وفي كل مرة تبحث عن السعادة ولا تجدها.بل وسألها الصحفيون: هل أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم. أنا أغنى امرأة، ولكني أشقى امرأة. ثم عاشت بقية حياتها في تعاسة وهمّ، وبعد ذلك وجدوها ميتة في شاليه في الأرجنتين وحيدة شريدة.
وقد يظن البعض أن السعادة في الجاه والسلطان والمناصب والولايات : وهذا فهمٌ وظن خاطئ أيضاً، فأهل الجاه والسلطان والمناصب البعيدين عن الله، هم في شقاء وتعاسة وهمٍّ ونكد
فكم من منصب قتل صاحبه , وكم من إمارة كانت وبالاً ونكالاً على طالبها , قال الشاعر :
وأعز ما يبقى ودادٌ دائمٌ * * * إن المناصبَ لا تدوم طويلا ً
والبعض كذلك يظن أن السعادة في الشهرة: وهذا ظن خاطئ، إذ أن الشهرة تكون في غالب الأحيان سبب الشقاء والتعاسة ,تقول إحدى الممثلات الشهيرات قبل وفاتها أو انتحارها وهي تنصح المرأة: احذري المجد، واحذري كل من يخدعك بالأضواء، إنني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أمّاً، إنني امرأة أُفضِّل البيت والحياة العائلية على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، لقد ظلمني كل الناس، إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة.
أوقد يظن أن السعادة في نيل الشهادات العالية: وليس ذلك شرطاً لبلوغ السعادة , تقول إحدى الطبيبات والتي لم تذق طعم السعادة: \"السابعة من صباح كل يوم يستفزني، يستمطر أدمعي... لماذا؟ اركب خلف السـائق متوجهة إلى عيادتي – بل مدفني، بل زنزانتي- وعندما أصل إلى مكتبي – بل إلى مثواي- أجد النساء بأطفالهم ينتظرنني، وينظرن إلى معطفي الأبيض وكأنه بردة حريرية فارسية، هذا في نظر الناس وهو في نظري لباس حداد لي. ثم تواصل قولها: أدخل عيادتي أتقلد سماعتي، وكأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، والعقد الثالث يستعد الآن لإكمال التفافهُ حول عنقي- أي بلغت الثلاثين- والتشاؤم ينتابني على المستقبل.
وأخيراً تصرخ وتقول: خذوا شهادتي، ومعاطفي، وكل مراجِعي، وجالب السعادة الزائفة – المال والمركز- وأَسْمِعُوني كلمة \"ماما\"، ثم قالت هذه الأبيات:
لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة * * * فقد قيـل فما نالني من مقـالها
فقل للتي كانت ترى فيَّ قدوةً * * * هي اليوم بين الناس يُرثَى لحالها
وكل مُناها بعضَ طفلٍ تضمّهُ * * * فهل ممكن أن تشتريـه بمـالها
فالسعادة فد لا تكون في جمع الأموال واكتناز الكنوز , فكم من أغنياء هم أشقى الناس وكم من فقراء هم أسعد الخلق حالاً ومآلاً , وقد لا تكون السعادة في المناصب والوجاهات , فكم من صاحب منصب جر عليه منصبه أذيال الخيبة والتعاسة , وفقير معدم يعيش في رضا وسعادة , وقد لا تكون السعادة في الصحة فكم من صحيح معافى لا يحس بتلك النعمة وكم من مريض مبتلى راض عن ربه وربه راض عنه . كثرة الذكر والدعاء لله تعالى :
ترك ذكر الله تعالى يصيب القلب بالقسوة والجفاء ، وقاسي القلب مستحق لوعيد الله تعالى، قال سبحانه : \" وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ\" . سورة الزخرف:36. وإذا اطمئن القلب انشرح الصدر، وارتاح البال وأنس بالله، وسعد في الدنيا والآخرة، وهذا هو عين الفلاح، الذي أرشدنا تعالى إلى تحصيله؛ وذلك بكثرة ذكره، فقال تعالى: \" َاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ\" . سورة الأنفال: 45.
أكثر من مائة فائدة لذكر الله منها: أن الذِّكْر يرضي الله عزوجل . أن الذِّكْر يطرد الشيطان. أنه يزيل الهم والغم عن القلب. أنه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والسعادة. أنه يقوي القلب، والبدن. أنه ينوِّر الوجه والقلب. أنه يجلب الرزق. أنه يكسو الذاكر المهابة والنضرة. أنه يورث المحبة. أنه يورث المراقبة، والإنابة، والقرب إلى الله . أنه يورث الهيبة لربه عز وجل. أنه يورث حياة القلب. أنه قوت القلوب والروح. أنه يحط عنه الخطايا ويذهبها. أنه يزيل الوحشة بينه وبين ربه. أن العبد إذا ذكر ربه في الرخاء عرفه الله تعالى في الشدة. أنه منجاة من العذاب. أنه سبب لنزول السكينة. أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش. أن الذاكر تجالسه الملائكة في المجلس الذي يذكر فيه ربه. الذِّكْر يسعد الذاكر، ويسعد به جليسه. أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة. أن الذِّكْر مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى للعبد يوم القيامة في ظل العرش. أن الذِّكْر سبب لإعطاء الذاكر أفضل ما يعطي السائلين. أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها. أن الذِّكْر غراس الجنة. أن الذِّكْر ينبه القلب من نومه ويوقظه. أن الذِّكْر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمَّرَ إليها السالكون. أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعيِّة تثمر القرب والولاية، والمحبة، والنصرة، والتوفيق. أن الذِّكْر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل. أن الذِّكْر رأس الشكر. أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين مَن لا يزال لسانه رطباً بذكره. أن الذِّكْر يذيب قسوة القلب. أن الذِّكْر شفاء القلب ودواؤه. الذِّكْر يجلب النعم، ويدفع النقم. الذِّكْر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر. أن مَن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذِّكْر، فإنها رياض الجنة. أن الله عز وجل يباهي بالذاكر ملائكته. ذكر الله عز وجل يُسهِّل الصعب، وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق. ذكر الله عز وجل يذهب مخاوف القلب. أن الملائكة تستغفر للذاكر. كثرة الذِّكْر أمان من النفاق. الذِّكْر حرز للذاكر من الشيطان.
كما أن صدق اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء سبب للسعادة وانشراح الصدر , قال سبحانه : \" رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي\". سورة طه: 25-26.
قال الشاعر :
إني أويت لكل مأوى في الحياة * * * فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة * * * فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً * * * فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا * * * أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي * * * وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي * * * ما خاب يوماً من دعا ورجاك
3ـ الرضا بالقضاء والقدر:
الساخط على ما قدَّر الله غير راضٍ بما قسمه الله له أو لغيره، لا تطمئن نفسه ولا يهدأ باله، متوتر دائماً، لا يحس بالراحة والسعادة؛ لأنه لم يشرب قلبه الرضا بقضاء الله، وعلى النقيض تجد المؤمن سعيداً؛ لرضاه بقضاء الله وقدره، الذي يغرز السعادة والراحة، وهدوء البال، وإن كان رزقه كفافاً.
وقد أوجب الله تعالى على عباده الرضا بقضائه سبحانه في السراء والضراء، بل وجعله ركناً من أركان الإيمان، فمتى رضي العبد بقضاء الله تعالى، خالط الإيمان بشاشة القلب، وأصبحت النفس مطمئنة راضية وتحققت له السعادة.
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ..
فالسعيد هو من يرضى بقضاء الله تعالى في السراء والضراء: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
تعليق