: القضيَّةُ المَهدويِّة بين الوجوب بالغير والإمكان والإمتناع :
==================================
:في وقفةٌ معرفيَّة عقلانيَّة :
============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين
:توطئةٌ البحث:
=========
بدايةً لابد من توضيح المصطلحات الفلسفية في فن المعرفة البشرية .
:الوجوب بالغير : الإمكان : الإمتناع :
:1:
:الوجوب بالغير:
وهو أي مفهوم لا يقتضي في ماهيته الوجود لذاته
وإنّما يستفيد الوجود من غيره حال فرض وجود السبب
كالممكنات عندما تنوجد عللها وأسبابها .
ومثاله :الإنسان واجب الوجود بالغير.
بمعنى: أنَّ من منحه الوجود بالأصالة هو الله تعالى وهو غير الإنسان.
:2:
: الإمكان:
ومعناه أنه لا يجب ثبوت المحمول: المفهوم: لذات الموضوع
ولا يمتنع سلبه:نفيه : عن ذات الموضوع أيضا
أي : تستوي فيه الحالتنان الثبوت و السلب معاً على حد سواء
كوجود الإنسان فهو ممكن في ذاته أيضاً
بمعنى أنَّ الإنسان ممكن أن يثبت له الوجود
وممكن أن لا يثبت له الوجود
:3:
:الإمتناع :
ومعناه إستحالة ثبوت المحمول: المفهوم: لذات الموضوع إستحالةً عقليةً
فيجب سلب المفهوم أو المحمول عن ذات الموضوع في الحكم والقضية
كما تقول:مثلا:
:شريك الباري ممتنع الوجود:
وبعد الذي تقدّمَ أعلاه نقول إنَّ كل مفهوم
أو محمول إذا فرضناه ثم نسبنا إليه الوجود
فإما أن يكون الوجود ضروري الثبوت له بفعل الغير :أي الله تعالى:
و هذا هو معنى الوجوب بالغير فلسفيا وعقلانيا
أو لا يكون مفهوم الوجود ضروريا لذات الموضوع
ولا يكون العدم ضروريا له أيضاً
وهذا هو معنى الإمكان
أو يكون مفهوم الوجود ضروري الإنتفاء والسلب عن ذات الموضوع
ذلك كون العدم ضروريا له
وهذا
هو الإمتناع
وإذا تبيَّن هذا معرفيا وعقلانيا يكون
من الضرورة في التنظير المنطقي و العقلاني السديد
فيما يخص قضية و وجود الإمام المهدي :عليه السلام:
وجوداً فعلياً مفروغ من وقوعه في وقتنا هذا
الوقوف المعرفي والعلمي على المرتكزات الذهنية الفلسفية والعقلانية في التفكير البشري
ذلك كون الإيمان بقضيَّة و وجود الإمام المهدي :ع:
يُشكِّل بذاته أعقد قضية تواجهها منظومة العقلانية المعاصرة ذات المنهج العلمي الصرف
والذي لايعتمد في إيمانه وتبنيه وقرائته للقضايا الحساسة على التفسير الديني الصرف
لكن حتى على فرض عدم إعتداد المنهج العقلاني المعاصر في قراءة القضايا الدينية على الدين نفسه
فيمكن لنا أن نُحاججه ونُثبِت له قضية
ووجود الإمام المهدي :ع:
بقراءة عقلانية فلسفية صرفة
وللإختصار نقول إنَّ
واقع : قضية ووجود الإمام المهدي:ع:
لاتخلو من أحد امور:
إما هي مُمتنعة في نفسها عقلاً
أو واجبة بغيرها عقلا
أو هي مُمكنة في حد ذاتها
فأمّا الأمر الأول وهو:
كون قضيَّة ووجود الإمام المهدي:ع:
مُمتنعةً أو مُستحيلة عقلاً
فهذا ما لاسبيل إلى إثباته
ذلك لعدم وجود ما يمنع من تحققها خارجا على مستوى التأريخ البشري أو التحليل الذهني الصرف
وقد علّمنا الله تعالى في كتابه العزيز :القرآن الكريم:
إنّ ما نسمعه مما لا دليل عليه
لا حاجة إلى المبادرة إلى إنكاره رأساً
بل الواجب أن نوكل علمه إلى الله تعالى وإلى الراسخين في العلم
إذ لعلَّنا إذا أنكرناه واعتقدنا ببطلانه
فقد نكون قد إعتقدنا ببطلان ما هو حق في الواقع
و الرفض أو النفي أو الإستبعاد لا يصلح برهاناً على نفي شيءٍ لا نعتقده
قال تعالى:
(( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )) الشورى10
والمعنى:
وما اختلفتم فيه- أيها الناس- من شيء من أمور دينكم
فالحكمُ فيه مَردُّه إلى الله
وسنَّة رسوله محمد: صلى الله عليه وآله وسلَّم.
ذلكم الله ربي وربكم، عليه وحده توكلتُ في أموري، وإليه أرجع في جميع شؤوني.
والعلم الحديث أيضاً:
ينصُ على عدم رفض أي فكرة تطرأ على الذهن البشري إلاّ بدليل
كما هو حال فلسفتنا العقلانية الإسلامية
وخاصة
ما قاله ابن سينا في قولته المشهورة
: ما قرع سمعك فذره في ساحة الإمكان حتى يذودك عنه ساطع البرهان:
أي:أنَّ الأصل العقلاني الأول هو عدم الرفض إلاّ بالدليل
وإلى ألآن لايوجد مانع عقلي
من وجود الإمام المهدي:عليه السلام:
كشخص معصوم يحمل فكر إصلاحي إلهي وإنساني تطلبه البشرية في حركتها التكاملية وجوديا في الحياة الدنيا.
وإذا تيقنا وتعقلنا عدم وجود ما يمنع من وجود شخص الإمام المهدي:عليه السلام:
فيبقى الأمر العقلاني ومحتملاته مُنحصراً
بين وجوب وجود الإمام المهدي:ع:بغيره
:أي بالنصب الإلهِّي :
وإمكان ذلك
ومن هنا نحن لانشك عقلا بوجوب وجود الإمام المهدي:ع: على الله تعالى .
وذلك بفعل القاعدة العقلانية الصرفة وهي:
: وجوب اللطف على ألله تعالى بعباده وجوبا عقلانيا :
والتي أسس لها القرآن الكريم نصيّا
فقال:
(( اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ )) الشورى19
فالعقل القويم ينصُ على ضرورة ووجوب وجود إمام بنصب من الله تعالى
ذلك لتقريب الناس من الصلاح وإبعادهم عن الفساد
أو لأجل حفظ نظام الوجود البشري
وهذا التفسير بوجوب وجود الإمام المهدي :ع: على الله تعالى وجوبا عقلانيا .
هو تفسيرنا نحن المسلمين تفسيراً عقلانيا صرفا
وهذا أيضاً:
هو معنى كون القضية المهدوية واجبة وجوبا عقليَّا بغيرها
:أي بالنصب الإلهِّي للإمام المعصوم:ع:
لكن لأتباع المنهج العقلاني
من غير المسلمين بل حتى من المسلمين أحياناً
أن يرفضوه بحكم طبيعة تفكيرهم الخاص بهم
والذي يعتمد غالباً على القناعات العلمية والعقلانية
أو على الملموسات الحسية والتجريبية
أكثر منه على النزعة العقلانية التجريدية
التي نعتمدها نحن المسلمين أحياناً
ومن هنا يحصل الإفتراق بيننا وبينهم في مناهجنا التفكيرية العقلانية والمعرفيَّة
إذ نحن أحيانا نكون تجريديين بعقلانيتنا التي نتعاطى بها مع قضية وجود الإمام المهدي:ع:
وهم غالباً يكونون وجوديين:
: أي يؤمنون بالواقع الموضوعي للقضية حال تحققها في الخارج :
فمع تعذر إثباتهم للمانع العقلاني من وجود الإمام المهدي:ع:
يبقى عليهم أن يتعاطوا مع وجوده الشريف
:عجَّلَ اللهُ تعالى فرجه الشريف:
تعاطيا إمكانيا بحسب مُحتملات العقل البشري
ذلك كون إمكان وجوده :عليه السلام:
قائماً عقلانيا ولا موجب لنكرانه منهجيا وإستدلاليا
لطالما الوقوع هو أدلُُّ دليلاً على الإمكان العقلاني
وبعبارة بسيطة أنَّ وجود الإمام المهدي :عليه السلام:
هو ممكن عقلا وقد وقع في مدة سابقة على وقتنا
بحسب إخبار التأريخ الصحيح وهو ما نُسَميه
:بتحقق الولادة وغيبته الصغرى وحتى الكبرى:
فإحتمال بقائه ووجوده يبقى أمراً ممكنا
حتى عند العقلانيين غير المتدينين .
وهنا نحن نملك على الأقل تنزلاً
تجاههم دليل الإمكان العقلي
الذي يجعل القضايا في حيز الإمكان مادام يُذاد عنها بالبرهان
.
فضلا عن دليل الوجوب العقلي أيضا
إن رفضوه منهجيا
يبقى لنا ولهم مُشترك عقلاني تفكيري ومنهجي
وهو إمكان القضية المهدوية عقلا
وهذا الجامع المنهجي تفكيرا وعقلنةً يُحفز في عقيدتنا الحقة بوجود الإمام المهدي:عليه السلام:
ولزوم التعاطي معها وجداناً وعقلانيا
والعمل على تنضيج فكرالأخرين في ضرورة قبولهم للقضية المهدوية
قبولا وجوبيا بعد إمكان التسليم بإمكانها عقلا
وعدم وجود ما يمنع منها في التحقق الحياتي بشرياً
من باب إعتماد المنهج العقلي المنطقي في محاورة
و مخاطبة الآخرين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :