اللهمَّ أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم وافتح علينا أبواب رحمتك وأنزل علينا خزائن علومك.
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(1).
لكي يتضح مفاد الآية المباركة نقف أولاً على أربع مفردات منها:
الأولى: السؤال.
الثانية: الأجر.
الثالثة: المودة.
الرابعة: القربى.
أما ما هو المراد من السؤال في الآية المباركة فهو الطلب، والمراد من الأجر هو الجزاء والعوض، فالنبي الكريم (ص) في هذه الآية ينفي أنْ يكون طالبًا للعوض والجزاء مقابل ما بذله من جهد في سبيل هداية هذه الأمة ثم يستدرك على هذا النفي فيقول: ﴿إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. ومعنى ذلك أنه يسألهم المودة في القربى لأن الاستثناء بعد النفي يقتضي الإثبات.
فلما كان السؤال بمعنى الطلب كان معنى هذه الفقرة من الآية المباركة هو أن النبي (ص) يطلب أجرًا عوض هدايته لهم، هذا الأجر هو المودة في القربى.
وحيث أن الأجرة والعوض المستحقَين لا يصح التفريط في أدائهما والوفاء بهما إلا أن تكون رخصة من ذي الحق لذلك كان الوفاء بالعوض لازمًا على هذه الأمة نظرًا لعدم ترخيص الرسول (ص) في إغفاله والتفريط فيه.
إذن فطلب الأجر والعوض وهو المودة في القربى أمر لازم في عهدة هذه الأمة.
وأما المراد من المودة فهو المرتبة الشديدة من الحب، فالحب له مراتب تشتدِّ وتضعف، والمطلوب ليس هو الحب ولو كان في أضعف مراتبه وإنما هو البالغ من الوثاقة والاشتداد حدَّ المودة المقتضية للانجذاب القلبي نحو المحبوب والمقتضية أيضًا للحرص على الإرضاء والتودُّد في مقام العمل والسلوك.
معنى القربى في الآية
وأما ما هو المراد من القربى فهو يحتمل معنيين:
الاحتمال الأول: هو أن يكون المراد من القربى هم كلّ قرابة الرسول (ص) ومن يتصل بهم نسبًا من جهة الأب والأم بل ومن يتصل بهم من جهة المصاهرة أيضًا.
وهذا احتمال ساقط قطعًا، فثمة أقرباء للرسول (ص) كانوا من أشدِّ الناس كفرًا كأبي لهب الذي كان من أقرب النَّاس نسبًا للرسول (ص) أيصحُّ أن نتعقل اعتبار مودته أجرًا للرسالة؟! وقد قال الله تعالى: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...﴾(2).
وفي أقرباء الرسول (ص) المتخاذل الذي لم يكن قد هاجر مع رسول الله (ص) أو انتصر له، وفيهم الفاسق والمنافق، وفيهم من لا تميّز له عن سائر الناس في دينه وجهاده وهديه وخلقه.
وحينئذٍ كيف يصح القبول بفرض مودة مثل هؤلاء لمجرَّد انتسابهم للرسول (ص) وكيف يصح أن نقبل على رسول الله (ص) أن يفرض بأمر الله تعالى مودة أحد محاباةً ولمجرد القرابة النسبية، إن الإسلام ورسول الإسلام أعلى شأناً من أن يفرض على الأمة أمرًا منشأه المحاباة والنزعة النسبية.
الاحتمال الثاني: هو أن يكون المراد من القربى أفرادًا مخصوصين من قرابة الرسول الله (ص) وهذا الاحتمال هو المتعين، إذ أنه بعد القطع بعدم نشؤ فرض المودة من المحاباة والنزعة النسبية يتعين أن يكون لهؤلاء الأفراد تميّز على سائر المسلمين في وعيهم لمعارف الدين والتزامهم به. فذلك هو ما نشأ عنه فرض مودتهم ليكونوا بذلك امتدادًا لخط الرسالة التي صدع بها الرسول الكريم (ص).
فليس وراء هذه الفريضة هو البحث عن الجاه والحياطة للعائلة كما هو شأن الملوك والأمراء وإنما هو الحياطة لخط الرسالة.
هذا وقد نصت الروايات المتواترة الواردة عن الرسول (ص) من طرقنا وطرق العامة على أن المراد من القربى في الآية المباركة هم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وأكدت الروايات الواردة من طرقنا أن الأئمة المعصومين من ذرية الحسين (ع) مشمولون لآية المودة.
فمِمَّا ورد من طرق العامة ما رواه في ذخائر العقبى عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(3) قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذي وجبت علينا مودتهم قال (ص): "علي وفاطمة وابناهما". قال: أخرجه أحمد في المناقب. ورواه كذلك الهيثمي في مجمع الزوائد وابن حجر في الصواعق وقال: أخرجه أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس.
وذكر السيوطي في الدر المنثور قال: أخرج ابن المنذر وابن حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال (ص): "علي وفاطمة وولداهما".
آية المودَّة ومرجعيَّة أهل البيت (ع)
هذا أولاً وثانياً:
إنَّ المُلفت للنظر والذي يدعو للوقوف والتأمّل هو أن القرآن الكريم حكى عن الكثير من الأنبياء أنهم كانوا يؤكدون لأقوامهم أنهم لا يبتغون من تبليغهم ودعوتهم للدين والتوحيد أجراً وجزاءً وأنهم يبتغون الأجر والثواب من الله تعالى وحده.
قال تعالى على لسان نوح (ع): ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ﴾(4).
وقال تعالى على لسان هود (ع): ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(5).
وقال تعالى على لسان شعيب (ع): ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(6).
هذه الآيات وغيرها تحكي عن الأنبياء أنهم كانوا يؤكدون لأقوامهم أنهم لا يبتغون أجراً مقابل ما يبذلونه من جهد في سبيل هدايتهم وأنهم يحتسبون عناءهم عند الله تعالى وأن عملهم متحمض وخالص لله تعالى وحده فهم لا يرجون من أقوامهم مالاً ولا جاهاً ولا محاباة لهم ولعوائلهم وأقربائهم فكيف كان ذلك مِن نبينا الكريم (ص) وهو أفضلهم على الإطلاق ألا يدعو ذلك للتأمل ثمّ ألا ينتهي التأمل إلى الإذعان بأن فرض مودة القربى لم يكن إلا لوقوعه في سياق خط الرسالة التي أراد لها الله تعالى الخلود نظراً لكونها الرسالة الخاتمة.
ومن هنا نفهم معنى قوله تعالى على لسان الرسول (ص) في آية أخرى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾(7).
فالنفع المنتظَر من مودة القربى إنما يعود للأمة كما هو مفاد هذه الآية المباركة، وحينئذٍ نقول كيف يمكن تصوُّر عود النفع للأمة من مودة القربى لو لا أن مودتهم تعني الارتباط بهم والأخذ عنهم والرجوع إليهم المقتضي كلُّ ذلك لضمان استقامتهم على خط الرسالة.
وبذلك يتضح أن مساق آية المودة هو مساق حديث الثقلين والذي ورد فيه: "إني مخلِّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"(8).
وهي كذلك تساوق معنى حديث السفينة حيث قال الرسول (ص): "أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلَّف عنها هوى وغرق"(9).
فهذا هو معنى عود النفع للأمة من مودة أهل البيت (ع).
ويمكن تأكيد ذلك من آية أخرى وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾(10). فحينما نجمع بين هذه الآية المباركة والآية السابقة وآية المودة يتبين أن الآيات الثلاث تعطي معنى واحداً هو أن مودة القربى وسبيل الله تعالى الذي من أراد الهداية والاستقامة سلكه هما شيء واحد وأن سلوكه يعود بالنفع للأمة وليس للرسول (ص) ولا لقرابته.
وقبل أن نختم الحديث نرى من المناسب أنْ نتيمَّن بنقل روايَتَين عن الرَّسول (ص) وردت من طرق العامَّة:
1- الحسكاني عن أبي أمامة الباهلي أنَّ رسول الله (ص) قال: "إنَّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتَّى وأنا وعليّ من شجرة واحدة فأنا أصلها وعليٌّ فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها حتَّى قال: لو أنَّ عبدًا عبد الله بين الصّفا والمروة ألف عام ثُمّ ألف عامٍ حتّى يصير كالشنّ البالي ثمّ لم يُدرك محبّتنا كبّه الله على منخريه في النّار ثُمّ تلا: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾"(11)(12).
2- الزّمخشري في الكشّاف والفخر الرّازي والقرطبي قال قال رسول الله (ص) من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدًا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورًا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبًا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنًا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثُمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرّحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة والجماعة، ألا ومن مات على بُغضِ آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة(13).
الهوامش :
1- الشورى/23 .
2- المجادلة/22 .
3- الشورى/23 .
4- هود/29 .
5- هود/51 .
6- الشعراء/109 .
7- سبأ/47 .
8- مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 3 ص 14، سنن الدارمي - عبد الله بن بهرام الدارمي - ج 2 ص 432، فضائل الصحابة - النسائي - ص 15، المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 3 ص 109، مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 9 ص 163، المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي - ج 7 ص 176، كتاب السنة - عمرو بن أبي عاصم - ص 630، السنن الكبرى - النسائي - ج 5 ص 46، خصائص أمير المؤمنين (ع) - النسائي - ص 93 .
9- المعجم الأوسط - الطبراني - ج 5 ص 306، شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 1 ص 218، درر السمط في خبر السبط - ابن الأبار - ص 116، ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي - ج 2 ص 81، تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 25 ص 32 .
10- الفرقان/57 .
11- الشورى/23 .
12- شواهد التنزيل - الحاكم الحسكاني - ج 2 ص 204، تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 42 ص 66 .
13- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل -الزمخشري- ج 3 ص 471، تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 8 ص 314.
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(1).
لكي يتضح مفاد الآية المباركة نقف أولاً على أربع مفردات منها:
الأولى: السؤال.
الثانية: الأجر.
الثالثة: المودة.
الرابعة: القربى.
أما ما هو المراد من السؤال في الآية المباركة فهو الطلب، والمراد من الأجر هو الجزاء والعوض، فالنبي الكريم (ص) في هذه الآية ينفي أنْ يكون طالبًا للعوض والجزاء مقابل ما بذله من جهد في سبيل هداية هذه الأمة ثم يستدرك على هذا النفي فيقول: ﴿إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. ومعنى ذلك أنه يسألهم المودة في القربى لأن الاستثناء بعد النفي يقتضي الإثبات.
فلما كان السؤال بمعنى الطلب كان معنى هذه الفقرة من الآية المباركة هو أن النبي (ص) يطلب أجرًا عوض هدايته لهم، هذا الأجر هو المودة في القربى.
وحيث أن الأجرة والعوض المستحقَين لا يصح التفريط في أدائهما والوفاء بهما إلا أن تكون رخصة من ذي الحق لذلك كان الوفاء بالعوض لازمًا على هذه الأمة نظرًا لعدم ترخيص الرسول (ص) في إغفاله والتفريط فيه.
إذن فطلب الأجر والعوض وهو المودة في القربى أمر لازم في عهدة هذه الأمة.
وأما المراد من المودة فهو المرتبة الشديدة من الحب، فالحب له مراتب تشتدِّ وتضعف، والمطلوب ليس هو الحب ولو كان في أضعف مراتبه وإنما هو البالغ من الوثاقة والاشتداد حدَّ المودة المقتضية للانجذاب القلبي نحو المحبوب والمقتضية أيضًا للحرص على الإرضاء والتودُّد في مقام العمل والسلوك.
معنى القربى في الآية
وأما ما هو المراد من القربى فهو يحتمل معنيين:
الاحتمال الأول: هو أن يكون المراد من القربى هم كلّ قرابة الرسول (ص) ومن يتصل بهم نسبًا من جهة الأب والأم بل ومن يتصل بهم من جهة المصاهرة أيضًا.
وهذا احتمال ساقط قطعًا، فثمة أقرباء للرسول (ص) كانوا من أشدِّ الناس كفرًا كأبي لهب الذي كان من أقرب النَّاس نسبًا للرسول (ص) أيصحُّ أن نتعقل اعتبار مودته أجرًا للرسالة؟! وقد قال الله تعالى: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...﴾(2).
وفي أقرباء الرسول (ص) المتخاذل الذي لم يكن قد هاجر مع رسول الله (ص) أو انتصر له، وفيهم الفاسق والمنافق، وفيهم من لا تميّز له عن سائر الناس في دينه وجهاده وهديه وخلقه.
وحينئذٍ كيف يصح القبول بفرض مودة مثل هؤلاء لمجرَّد انتسابهم للرسول (ص) وكيف يصح أن نقبل على رسول الله (ص) أن يفرض بأمر الله تعالى مودة أحد محاباةً ولمجرد القرابة النسبية، إن الإسلام ورسول الإسلام أعلى شأناً من أن يفرض على الأمة أمرًا منشأه المحاباة والنزعة النسبية.
الاحتمال الثاني: هو أن يكون المراد من القربى أفرادًا مخصوصين من قرابة الرسول الله (ص) وهذا الاحتمال هو المتعين، إذ أنه بعد القطع بعدم نشؤ فرض المودة من المحاباة والنزعة النسبية يتعين أن يكون لهؤلاء الأفراد تميّز على سائر المسلمين في وعيهم لمعارف الدين والتزامهم به. فذلك هو ما نشأ عنه فرض مودتهم ليكونوا بذلك امتدادًا لخط الرسالة التي صدع بها الرسول الكريم (ص).
فليس وراء هذه الفريضة هو البحث عن الجاه والحياطة للعائلة كما هو شأن الملوك والأمراء وإنما هو الحياطة لخط الرسالة.
هذا وقد نصت الروايات المتواترة الواردة عن الرسول (ص) من طرقنا وطرق العامة على أن المراد من القربى في الآية المباركة هم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وأكدت الروايات الواردة من طرقنا أن الأئمة المعصومين من ذرية الحسين (ع) مشمولون لآية المودة.
فمِمَّا ورد من طرق العامة ما رواه في ذخائر العقبى عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(3) قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذي وجبت علينا مودتهم قال (ص): "علي وفاطمة وابناهما". قال: أخرجه أحمد في المناقب. ورواه كذلك الهيثمي في مجمع الزوائد وابن حجر في الصواعق وقال: أخرجه أحمد والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس.
وذكر السيوطي في الدر المنثور قال: أخرج ابن المنذر وابن حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم، قال (ص): "علي وفاطمة وولداهما".
آية المودَّة ومرجعيَّة أهل البيت (ع)
هذا أولاً وثانياً:
إنَّ المُلفت للنظر والذي يدعو للوقوف والتأمّل هو أن القرآن الكريم حكى عن الكثير من الأنبياء أنهم كانوا يؤكدون لأقوامهم أنهم لا يبتغون من تبليغهم ودعوتهم للدين والتوحيد أجراً وجزاءً وأنهم يبتغون الأجر والثواب من الله تعالى وحده.
قال تعالى على لسان نوح (ع): ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ﴾(4).
وقال تعالى على لسان هود (ع): ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(5).
وقال تعالى على لسان شعيب (ع): ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(6).
هذه الآيات وغيرها تحكي عن الأنبياء أنهم كانوا يؤكدون لأقوامهم أنهم لا يبتغون أجراً مقابل ما يبذلونه من جهد في سبيل هدايتهم وأنهم يحتسبون عناءهم عند الله تعالى وأن عملهم متحمض وخالص لله تعالى وحده فهم لا يرجون من أقوامهم مالاً ولا جاهاً ولا محاباة لهم ولعوائلهم وأقربائهم فكيف كان ذلك مِن نبينا الكريم (ص) وهو أفضلهم على الإطلاق ألا يدعو ذلك للتأمل ثمّ ألا ينتهي التأمل إلى الإذعان بأن فرض مودة القربى لم يكن إلا لوقوعه في سياق خط الرسالة التي أراد لها الله تعالى الخلود نظراً لكونها الرسالة الخاتمة.
ومن هنا نفهم معنى قوله تعالى على لسان الرسول (ص) في آية أخرى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾(7).
فالنفع المنتظَر من مودة القربى إنما يعود للأمة كما هو مفاد هذه الآية المباركة، وحينئذٍ نقول كيف يمكن تصوُّر عود النفع للأمة من مودة القربى لو لا أن مودتهم تعني الارتباط بهم والأخذ عنهم والرجوع إليهم المقتضي كلُّ ذلك لضمان استقامتهم على خط الرسالة.
وبذلك يتضح أن مساق آية المودة هو مساق حديث الثقلين والذي ورد فيه: "إني مخلِّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي.. ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً"(8).
وهي كذلك تساوق معنى حديث السفينة حيث قال الرسول (ص): "أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلَّف عنها هوى وغرق"(9).
فهذا هو معنى عود النفع للأمة من مودة أهل البيت (ع).
ويمكن تأكيد ذلك من آية أخرى وهي قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾(10). فحينما نجمع بين هذه الآية المباركة والآية السابقة وآية المودة يتبين أن الآيات الثلاث تعطي معنى واحداً هو أن مودة القربى وسبيل الله تعالى الذي من أراد الهداية والاستقامة سلكه هما شيء واحد وأن سلوكه يعود بالنفع للأمة وليس للرسول (ص) ولا لقرابته.
وقبل أن نختم الحديث نرى من المناسب أنْ نتيمَّن بنقل روايَتَين عن الرَّسول (ص) وردت من طرق العامَّة:
1- الحسكاني عن أبي أمامة الباهلي أنَّ رسول الله (ص) قال: "إنَّ الله خلق الأنبياء من أشجار شتَّى وأنا وعليّ من شجرة واحدة فأنا أصلها وعليٌّ فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها حتَّى قال: لو أنَّ عبدًا عبد الله بين الصّفا والمروة ألف عام ثُمّ ألف عامٍ حتّى يصير كالشنّ البالي ثمّ لم يُدرك محبّتنا كبّه الله على منخريه في النّار ثُمّ تلا: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾"(11)(12).
2- الزّمخشري في الكشّاف والفخر الرّازي والقرطبي قال قال رسول الله (ص) من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدًا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورًا له، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبًا، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنًا مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثُمّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرّحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السّنّة والجماعة، ألا ومن مات على بُغضِ آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة(13).
الهوامش :
1- الشورى/23 .
2- المجادلة/22 .
3- الشورى/23 .
4- هود/29 .
5- هود/51 .
6- الشعراء/109 .
7- سبأ/47 .
8- مسند احمد - الإمام احمد بن حنبل - ج 3 ص 14، سنن الدارمي - عبد الله بن بهرام الدارمي - ج 2 ص 432، فضائل الصحابة - النسائي - ص 15، المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 3 ص 109، مجمع الزوائد - الهيثمي - ج 9 ص 163، المصنف - ابن أبي شيبة الكوفي - ج 7 ص 176، كتاب السنة - عمرو بن أبي عاصم - ص 630، السنن الكبرى - النسائي - ج 5 ص 46، خصائص أمير المؤمنين (ع) - النسائي - ص 93 .
9- المعجم الأوسط - الطبراني - ج 5 ص 306، شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج 1 ص 218، درر السمط في خبر السبط - ابن الأبار - ص 116، ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي - ج 2 ص 81، تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج 25 ص 32 .
10- الفرقان/57 .
11- الشورى/23 .
12- شواهد التنزيل - الحاكم الحسكاني - ج 2 ص 204، تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج 42 ص 66 .
13- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل -الزمخشري- ج 3 ص 471، تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج 8 ص 314.
تعليق