قصة دارمية الحجونية
مع معاوية سهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قال: حج معاوية، فسأل عن امرأة من بني كناية كانت تنزل بالحجون، يقال لها دارمية الحجونية، وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها فجيء بها، فقال: ما حالك يا بنة حام؟ فقالت: لست لحام إن عبتني، أنا امرأة من بني كنانة؛ قال: صدقت، أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب إلا الله؛ قال: بعثت إليك لأسألك علام أحببت علياً وأبعضتني، وواليته وعاديتني؟ قالت: أوتعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك؛ قالت: أما إذ أبيت، فأني أحببت علياً على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بحق؛ وواليت علياً على ما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاء، وحبه المساكين، وإعظامه لأهل الدين؛ وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى؛ قال: فلذلك انتفخ بطنك، وعظم ثدياك، وربت عجيزتك؛ قالت: يا هذا، بهند والله كان يضرب المثل في ذلك لا بي، قال معاوية: يا هذه اربعي، فإنا لم نقل إلا خيراً، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها، وإذا عظم ثدياها تروى رضيعها، وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها؛ فرجعت وسكنت. قال لها: يا هذه هل رأيت علياً؟ قالت: إي والله؛ قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك، ولم تشغله النعمة التي شغلتك؛ قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله، فكان يجلو القلب من العمى، كما يجلو الزيت صدأ الطست؛ قال: صدقت، فهل لك من حاجة؟ قالت: أو تفعل إذا سألتك؟ قال: نعم، قالت: تعطيني مائة ناقة حمراء فحلها وراعيها؛ قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: أغذوا بألبانها الصغر، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر؛ قال: فإن أعطيتك ذلك، فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟ قالت: ماء ولا كصداء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك، يا: سبحان الله، أو دونه؟. فأنشأ معاوية يقول:
إذ لم أعد بالحلم مني عليكم ... فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم
خذيها هنيئاً واذكري فعل ماجد ... جزاك على حرب العداوة بالسلم
ثم قال: أما والله لو كان علي حياً ما أعطاك منها شيئاً؛ قالت: لا والله، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
العقد الفريد ج 1ص 299
تعليق