إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صوم رمضان زادٌ في تقوى الرحمن

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صوم رمضان زادٌ في تقوى الرحمن

    صوم رمضان زادٌ في تقوى الرحمن

    قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، صدق الله العلي العظيم.

    الحِكَم والمصالح من العبادات.
    إنّ العبادات التي افترضها الله تعالى أشارت بعض آي القرآن الكريم وكذلك الروايات إلى الحِكَم والمصالح المترتبة عليها، بل،إنّ هناك بعض العلماء من يجعل كلّ العبادات لها حكمة واحدة ومصلحة واحدة، هي رفع مستوى الإنسان من حضيض عالم المادة إلي أوج عالم المعنى، ولكن الذي يظهر من الروايات وآي القرآن الكريم أنّ الحكم والمصالح المترتبة على العبادات تختلف، فالصلاة مثلاً يقول الله تعالى عنها :{إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}(العنكبوت45)، أي، إنّ الصلاة تترتب عليها ثمرة، وهي الانضباط القانوني بتعبيرنا الحديث, أي عدم التعدي والتجاوز لحدود الله تعالى، وعدم الوقوع في الظلم للنفس أو للغير {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}(الطلاق1).

    ارتباط التقوى بالولاية لله .
    وعندما نأتي إلى الصوم نُلاحظ أنّ القرآن الكريم يؤكد على أنّ أثره يختلف عن الأثر الذي ذكرناه للصلاة، فأثر الصوم هو التقوى,{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى تختلف عن الوقوع في المعصية, وتختلف عن الظلم للنفس أو للغير، وإذا أردنا أن نعطي تعريفاً للتقوى من خلال اللوازم والآثار المترتبة عليها، نجد أنّها تعني الوصول إلى مقام الولاية لله تعالى، فالمتقي يصبح من أولياء الله. والولي في اللغة هو الذي لايكون بينه وبين من يواليه واسطة, ويسعى الولي إلى نصرة وليه, ومساعدته، والأخذ بيده لما فيه الخير والصلاح، فتترتب محبة بين الولي والمولى، تؤدي إلى قُرب المولى من الولي وتأهله للوصول إلى مقام الولاية لله. ولذلك نجد تعبيراً جميلاً في القرآن الكريم عن التقوى، بأنها الزاد، الذي يُعبر عما يستفيد منه الإنسان للوصول إلى الهدف. فالإنسان إذا أراد أن يسافر لابد أن يتزود للسفر بكل ما يحتاجه، كي يصل إلى مقصده، وكذلك هناك هدف للإنسان في عالم المعنى، وهو القرب من الله تعالى، وكل الأعمال التي يأتي بها الإنسان تُسهم بنحوٍ ما في إيصال الإنسان إلى الله، ولكن بعض الأعمال تُمهد وتُوطد لبعضها الآخر، ولكن أعظم الأعمال التي تُوصل الإنسان إلى مقام التقوى, كما يظهر من القرآن الكريم والروايات الواردة عن أهل البيت عليه السلام هو الصوم،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

    الآثار المترتبة على التقوى.
    التقوى لها آثار متعددة ولسنا بصدد بيان جميعها ، وإنما نريد أن نؤكد على إنّ التقوى توصل الإنسان إلى مقام الولاية لله تعالى, بحيث لا يكون بينه وبين الله حجاب، ويصبح مولى لله تعالى, والله وليه، والقرآن الكريم أبان الآثار المترتبة على التقوى نذكر أهمها :
    الأول : أنّ الإنسان يصل إلى جنات النعيم في عالم الآخرة, وكذلك تزول عنه آثار الآثام والذنوب, التي اقترفها في الحياة الدنيا، قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(المائدة65).
    الثاني : التقوى غاية للعبادة، وهذا يعني أنّ نهاية ما يصل به الإنسان في عباداته هو القرب من الله تعالى، والآية التي استهللنا بها الحديث وكذلك الروايات فيها تأكيد على أنّ الصوم هو العبادة التي يترتب عليها هذه المرتبة من تقوى الله, أي الوصول إلى مقام الولاية في أعلى مراتبها، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة24)، فالغاية من العبادات هي وصول الإنسان إلى مقام التقوى، وهذا يعني أنه اجتاز العقبات وبالتالي وصل إلى مقام الولاية.
    الثالث : زوال الحزن والألم والخوف من نفسه, فيصبح مع الله تعالى ظاهراً وباطناً، قال تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(يونس62)، ومن هم أولياء الله؟{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(يونس64،63)، إذاً الذي يتحقق من تقوى الله هو أن يصل الإنسان إلى مقام الولاية لله.
    الرابع : أنّ وصول الإنسان إلى مقام الولاية يعني زوال الحجب بينه وبين الله تعالى، فأصبح الله ولياً له، قال تعالى :{ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}(البقرة257)، فالله يتولى إخراج المؤمن الذي أصبح ولياً لله من كل ظلمة, بعكس من لايصل إلى هذا المقام وكان من أولياء الشيطان، { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }(البقرة257).
    الخامس : هنالك أثر هام يرتبط بهذه الرتبة المعنوية، التي تتحوّل فيها الأعمال الصغيرة إلى كبيرة وعظيمة عند الله تعالى، فالإنسان الذي يقوم بين يدي الله ويصلي ركعتين في جوف الليل تصبح هاتان الركعتان ركعات لا حدّ لها ولا حصر نتيجة لوجود التقوى، ولذلك ورد عن الصائمين ((ونومهم فيه عبادة))، والقرآن أشار إلى هذا المعنى في قوله تعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(المائدة27).
    السادس : أهم الآثار التي ذكرها القرآن: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(الطلاق2،3). وهنا لا يريد من الرزق فقط المادي، بل، يعم الرزق المعنوي أيضاً .

    آثار التقوى في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
    وعندما نرجع إلى ما ورد عن أئمتنا عليهم السلام في التقوى نجد أنّ هناك تركيزاً من لدُن إمامنا علي عليه السلام في أكثر خطبه وكلماته القصار(الحِكَم) على هذا المبدأ، أكد فيه على الآثار المترتبة على تقوى الله، كي يأخذ بأيدي الناس إلى مقام الولاية, الذي هو أعظم فائدة وغنيمة وكنزاً يحصل عليه الإنسان، { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالآنسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ }(الذاريات56)، فالغاية من العبادة هي الوصول إلى المعرفة المترتبة عليها، ولذا، يقول الإمام علي عليه السلام وهو يحض الناس للوصول إلى هذا المقام: ((أُوصيكم بتقوى الله - التي هي الزاد - وتزودوا فإنّ خير الزاد التقوى وبها المعاد، زاد مُبْلِغ, ومعاد منجح ))، فالإنسان إذا تزود بهذا الزاد بلغ إلى الهدف, ووصل إلى الغاية، ((ومعاد منجح))، فالإنسان إذا اتخذ معاداً لعصمته بالتقوى فقد أصبح قادراً على الوصول إلى النجاح والفوز والظفر، ثم يقول عليه السلام ((دعا إليها أسمع داع))، أي،الرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، فهؤلاء الذين سمعوا داعي التقوى، والله أيضاً دعا إليها، ولكن أسمع داع من بلّغ عن الله تعالى فسمعه، ((دعا إليها أسمع داع, ووعاها خير واع))، والنبي صلى الله عليه وآله وعى معنى التقوى بحقانيتها، ولذا يشير إلى صدره المبارك ويقول: ((التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا)), الذي وصل إلى ذلك المقام فهو خير واع وعى حقانية التقوى، ((فأسمع واعيها وفاز داعيها))، ويقول عليه السلام: ((عباد الله إن تقوى الله حمت أولياءه محارمه ))، أي، لا يقترف مَحْرَماً من المحارم مادامت التقوى عنده، وهي البرهان الذي يشير إليه القرآن الكريم في قضية يوسف عليه السلام وفي غيره من الأنبياء، ((وألزمت قلوبهم مخافته))، {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}(الإنسان10)، ((حتى أسهرت لياليهم وأظمأت هواجرهم ))، أي، اتخذوا ورداً من الليالي يقومون فيه بين يدي الله بالعبادة، ((وأظمأت هواجرهم))،أي اتخذوا بعض الأيام من السنة يصومون فيها لله صيفاً وشتاءً، خريفاً وربيعاً, فهم يظمأون ويجوعون لله، ((فأخذوا الراحة بالنصب))، فهو يستطيع أن يستلذ بالأطعمة والأشربة، ولكن أبدل تلك اللذة بلذة أخرى، هي نصب في الظاهر ولكن حلاوة من العسل المصفى، والشهد الرائع لأولياء الله، ((وكذّبوا الأمل))، هناك آمال لها بريق للإنسان تدعوه لاتخاذ عكس هذا الاتجاه، والارتباط الوثيق بالدنيا والزخرف الكاذب، والمتقي هو الذي يُكّذب تلك الآمال وينظر إلى جهة أخرى، قال عنها الإمام, ((وجعل ينظر إلى الأجل))، إلى المعاد وإلى عالم الآخرة, لأنه هو الهدف والغاية، هكذا يتكلم علي عليه السلام.

    آثار التقوى في خطبة النبي صلى الله عليه وآله
    النبي صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر شعبان تحدث فيها عن بعض الآثار التي يحصل عليها الصائمون، فقال : ((أنفاسهم فيه تسبيح، ونومهم فيه عبادة))، فهذا الشهيق والزفير يكون ثوابه نفس ثواب تسبيح الإنسان لله، وكذلك النوم يصبح عبادة لله، فكأنك تدعو الله وتناجيه مع أنك نائم. وبعد أن انتهى النبي صلى الله عليه وآله من خطبته حثّ الناس على الوصول إلى الكرم من خلال البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله وإطعام الطعام، وعند ذلك قام له بعض الناس يقولون: "يا رسول الله ليس كلنا له القدرة على ذلك" فيلتفت النبي صلى الله عليه وآله إليهم ويقول: ((اتقوا الله ولو بشق تمرة))، فلابد أن تُعوّد على العطاء ولو بجزء من التمرة، لأنّ فيه سر من أسرار الله يوصل الإنسان إلى مقام حميد. وبعد ذلك قام إمامنا أمير المؤمنين وسأل النبي صلى الله عليه وآله سؤالاً دقيقاً وفي غاية الأهمية، فقال: ((وما هي أفضل الأعمال يا رسول الله؟ ))، فقال صلى الله عليه وآله : ((الورع عن محارم الله ))، أي، أن الإنسان لا يكتفي بالوصول إلى مقام التقوى، بل، يسعى أن يكون ورعاً, فيبتعد عن كل ما فيه شُبهة،كما ورد في الحديث ((حلال بين وحرام بين وشبهات))، فالإنسان المتقي يكون من الورعين الذين لايحومون حول الحمى كما يعبر صلى الله عليه وآله، لئلا يوشك أن يقعوا في الحرام، ولذا الإمام هو الذي يفقه كلمات النبي صلى الله عليه وآله، فهو يُعبر عن هذه الرتبة بأن التُقَى رئيس الأخلاق، فالإنسان المتقي كأنه أخذ بكل المعاني فأصبح لديه القيادة في السيطرة والأخذ بزمام الأمور.




المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X