المعروف ان النبي ابراهيم (ع) هو من كسر الأصنام إلا انه حين سُئل عن ذلك أجاب قائلاً: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ فهل كذب ابراهيم "ع" لينجو من الهلاك؟وهل يخاف الأنبياء في الله لومة لائم؟
ليس في جواب إبراهيم (ع) لقومه كذب, لأنه علَّق الإخبار عن نسبة تكسير الاصنام إلى كبيرهم على نطقهم, وهذا معناه انَّه إذا لم ينطقوا فهو لايدعي انَّ كبيرهم قام بتحطيمهم.
فمساق جواب إبراهيم (ع) هو مساق إخبارنا عن التارك للصلاة "إنَّ زيداً هذا يُصلِّي لو كان إبليسُ يصلِّي, فلأن المخَاطب يعلم انَّ إبليس يستحيل في حقه أنْ يُصلِّى لذلك لايكون إخبارنا بأن زيداً يُصلي كذباً, رغم انَّه لايصلِّي واقعاً، ومنشأ عدم صحة وصف هذ الخبر بالكذب هو انَّه عُلّق على أمرٍ معلوم الانتفاء.
وكذلك لو قال البريىء المتهم بالقتل: انَّه قتل زيداً لو كان الذئب أكل يوسف, فإن إخباره عن وقوع القتل منه لا يُعدُّ كذباً ولا إقراراً بالقتل لانه علَّق إخباره بإرتكاب القتل على أمرٍ معلوم الانتفاء وعدم الوقوع.
وكذلك لو قال نبيٌ من الأنبياء: إنه كافر بالله تعالى لوكان لله تعالى ولد, فإن إخباره بأنه كافر لايكون كذباً لانَّه عُلِّق على أمرٍ مستحيل التحقُّق.
والمتحصَّل: إنَّ قول إبراهيم (ع): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ (1) صيغ على نهج القضية الشرطية, ومن الواضح انَّ القضايا الشرطية يكون فيها الجزاء معلَّقاً وموقوفاً على تحقُّق الشرط, ومعنى ذلك انَّه متى ما كان الشرط منتفياً فإنَّ الجزاء يكون مثله منتفياً.
والشرط في الآية المباركة هو نطق الأصنام, والجزاءُ هو الإخبار عن كبيرهم انه مَن قام بتحطيمهم, وحيث انَّ الشرط وهو نطق الاصنام منتفٍ ومستحيل التحقق لذلك فإبراهيم لايدعي انَّ كبير الاصنام هو مَن حطَّمهم.
وبتعبير آخر: إن إخبار إبراهيم عن تكسير كبير الاصنام للاصنام لم يكن إخباراً فعلياً وإنما كان إخباراً معلَّقاً, وهذا يقتضي انَّه لا يدعي تحقُّق مضمون خبره إذا لم يكن المُعلَّق عليه متحققاً, وحيث انّ المعلَّق عليه وهو امكانية نطق الاصنام مستحيل التحقق لذلك فهو لا يَّدعي وقوع مضمون خبره حتى يكون خبره كاذباً.
وهذا الذي ذكرناه هو معنى ما رُوي عن الامام الصادق (ع) حين سُئل عن قول الله عزَّوجلَّ في قضية إبراهيم (ع): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ قال: ما فعله كبيرهم، وما كذب إبراهيم (ع), قيل وكيف ذاك؟ فقال: إنما قال إبراهيم (ع) ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ فإنْ نطقوا فكبيرهم فعل, وإن لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئاً، فما نطقوا و ما كذب إبراهيم (ع)" (2).
ففي الآية تقديم تأخير ومؤداها هو فاسئلوهم إنْ كانو ينطقون فقد فعله كبيرهم.
وأما لماذا خاطب إبراهيم قومه بهذه الكيفية ولم يعترف لهم بأنه مَن كسَّر الاصنام ابتداءً فذلك لغرض تحفيز عقولهم على التنبُّه إلى أنهَّم يعبدون مالا ينطق وهو ما يُنافي التعقل, ولذلك حينما خاطبهم بهذا الخطاب فهموا غرضه ومايرمي إليه ولم يفهموا من كلامه الإنكار قال تعالى: ﴿فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ / ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ﴾(3).
فهو إذن لم يكن بجوابه الذي ردَّ به عليهم خائفاً من الإقرار بتكسير الاصنام, لانهم كانوا يعلمون بأنه مَن كسَّر الأصنام وكان قد هدَّدهم صريحاً بأنه سوف يُحطم أصنامهم كما قال الله تعالى مخبراً عنه ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾(4).
والحمدالله رب العالمين
1- سورة الأنبياء آية رقم 63.
2- الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 ص 104.
3- سورة الأنبياء آية رقم 64/65.
4- سورة الأنبياء آية رقم 57.
ليس في جواب إبراهيم (ع) لقومه كذب, لأنه علَّق الإخبار عن نسبة تكسير الاصنام إلى كبيرهم على نطقهم, وهذا معناه انَّه إذا لم ينطقوا فهو لايدعي انَّ كبيرهم قام بتحطيمهم.
فمساق جواب إبراهيم (ع) هو مساق إخبارنا عن التارك للصلاة "إنَّ زيداً هذا يُصلِّي لو كان إبليسُ يصلِّي, فلأن المخَاطب يعلم انَّ إبليس يستحيل في حقه أنْ يُصلِّى لذلك لايكون إخبارنا بأن زيداً يُصلي كذباً, رغم انَّه لايصلِّي واقعاً، ومنشأ عدم صحة وصف هذ الخبر بالكذب هو انَّه عُلّق على أمرٍ معلوم الانتفاء.
وكذلك لو قال البريىء المتهم بالقتل: انَّه قتل زيداً لو كان الذئب أكل يوسف, فإن إخباره عن وقوع القتل منه لا يُعدُّ كذباً ولا إقراراً بالقتل لانه علَّق إخباره بإرتكاب القتل على أمرٍ معلوم الانتفاء وعدم الوقوع.
وكذلك لو قال نبيٌ من الأنبياء: إنه كافر بالله تعالى لوكان لله تعالى ولد, فإن إخباره بأنه كافر لايكون كذباً لانَّه عُلِّق على أمرٍ مستحيل التحقُّق.
والمتحصَّل: إنَّ قول إبراهيم (ع): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ (1) صيغ على نهج القضية الشرطية, ومن الواضح انَّ القضايا الشرطية يكون فيها الجزاء معلَّقاً وموقوفاً على تحقُّق الشرط, ومعنى ذلك انَّه متى ما كان الشرط منتفياً فإنَّ الجزاء يكون مثله منتفياً.
والشرط في الآية المباركة هو نطق الأصنام, والجزاءُ هو الإخبار عن كبيرهم انه مَن قام بتحطيمهم, وحيث انَّ الشرط وهو نطق الاصنام منتفٍ ومستحيل التحقق لذلك فإبراهيم لايدعي انَّ كبير الاصنام هو مَن حطَّمهم.
وبتعبير آخر: إن إخبار إبراهيم عن تكسير كبير الاصنام للاصنام لم يكن إخباراً فعلياً وإنما كان إخباراً معلَّقاً, وهذا يقتضي انَّه لا يدعي تحقُّق مضمون خبره إذا لم يكن المُعلَّق عليه متحققاً, وحيث انّ المعلَّق عليه وهو امكانية نطق الاصنام مستحيل التحقق لذلك فهو لا يَّدعي وقوع مضمون خبره حتى يكون خبره كاذباً.
وهذا الذي ذكرناه هو معنى ما رُوي عن الامام الصادق (ع) حين سُئل عن قول الله عزَّوجلَّ في قضية إبراهيم (ع): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ قال: ما فعله كبيرهم، وما كذب إبراهيم (ع), قيل وكيف ذاك؟ فقال: إنما قال إبراهيم (ع) ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ فإنْ نطقوا فكبيرهم فعل, وإن لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئاً، فما نطقوا و ما كذب إبراهيم (ع)" (2).
ففي الآية تقديم تأخير ومؤداها هو فاسئلوهم إنْ كانو ينطقون فقد فعله كبيرهم.
وأما لماذا خاطب إبراهيم قومه بهذه الكيفية ولم يعترف لهم بأنه مَن كسَّر الاصنام ابتداءً فذلك لغرض تحفيز عقولهم على التنبُّه إلى أنهَّم يعبدون مالا ينطق وهو ما يُنافي التعقل, ولذلك حينما خاطبهم بهذا الخطاب فهموا غرضه ومايرمي إليه ولم يفهموا من كلامه الإنكار قال تعالى: ﴿فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ / ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ﴾(3).
فهو إذن لم يكن بجوابه الذي ردَّ به عليهم خائفاً من الإقرار بتكسير الاصنام, لانهم كانوا يعلمون بأنه مَن كسَّر الأصنام وكان قد هدَّدهم صريحاً بأنه سوف يُحطم أصنامهم كما قال الله تعالى مخبراً عنه ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾(4).
والحمدالله رب العالمين
1- سورة الأنبياء آية رقم 63.
2- الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 ص 104.
3- سورة الأنبياء آية رقم 64/65.
4- سورة الأنبياء آية رقم 57.
تعليق