بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183. ان من افضل الوسائل لتهذيب النفس والتي اعتمدها وشرعها الاسلام هي وسيلة الصيام ففي الاثر عن الفضل بن شاذان عن الامام علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: إنما أمروا بالصوم لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعطاً لهم في العاجل، ورايضاً لهم على اداء ما كلفهم، ودليلاً لهم في الآجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على اهل الفقر والمسكنة في الدينا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم الوسائل ج10 الباب 1 باب وجوب الصوم وثبوت الكفر والارتداد باستحلال تركه ص9. استفادة: وبنص الحديث المتقدم نعلم جازمين ان من فلسفة وجوب الصيام كونه واعظاً و رائضاً وفي الحديث: «إعدى اعدائك، نفسك التي بين جنبيك»؟ قال: الصيام مروض لذلك العدو المبالغ في عداوته، وإذا كانت النفس، مصدر الويلات والنكبات، التي تنغص حياة الناس، فما اجدر الانسان بان يروض نفسه ـ قبل ان يدخل في الحياة المشتركة ـ حتى يتسريح من غائلة هذا العدو الداخلي، ويتفرع لمكافحة اعدائه الخارجّيين في جبهة واحدة. اذا راضت النفس: والنفس، كالارض ـ اوليست من الأرض؟ ـ ان اهملت تنبت الحشائش والاشواك، وان روعيت، تنبت كلما حلى وطاب. «والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً..». فاذا تركت النفس، تعبر عن طاقاتها في الشهوات، وان روضت تعبر عن طاقاتها في الملكات. واذا راضت النفس، يصح الجسم، ويستريح الجسد، او ليس المجرمون اكثر الناس شقاءاً ورهقاً؟ اوليس الصالحون، اقل الناس شقاءاً ورهقا؟ فالمجرم ـ وان قلت مصائبه ـ يعيش في قلق وارتباك، يحسب كل صيحة عليه، ويحسب كل شربة خسارة، بينما الانسان الصالح ـ وان كثرت مصائبه ـ يعيش في ثقة واطمئنان، يعلم: انه لا يصيبه الا ما كتب الله له، ويعلم: انه لا يصيبه مكروه إلا كتب له به عمل صالح. ثمرة: واذا طمئنت النفس وهدئت، واطمئنت الاعصاب وهدئت، فاستطاعت الاجهزة العاملة في داخل الانسان، ان تؤدي واجباتها الرتيبة، بتوفر واطراد، فتحصنت من الامراض الكثيرة، الناجمة عن اضطراب عمل الاجهزة الداخلية في الانسان، واذا قلقت النفس، وارتبكت الاعصاب، اضطربت الاجهزة الداخلية، فلم تطق اداء واجباتها الرتيبة بانتظام، وفسد الجسم كله. لقد قال افلاطون: «ان اكبر اخطاء الاطباء؛ انهم يحاولون علاج الجسد، دون العقل، في حين ان العقل والجسد، وجهان لشيء واحد، فلا ينبغي ان يعالج احد الوجهين على حدة».
تعليق