إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صفات و أعمال الذين في قلوبهم مرض

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفات و أعمال الذين في قلوبهم مرض

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    لعلّ أهمّ ما يلفت انتباه المتمعّن في آيات الذكر الحكيم حين الحديث عن الذين في قلوبهم مرض، هو الحسم في أمرهم واليأس من استقامتهم، فلم يترك المولى سبحانه وتعالى للباحث في أمرهم ذرّة من الشّكّ والتردّد، مع أنّه ترك بصيصاً للمنافقين في قوله تعالى ﴿ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم﴾(1) . مثل هذا البصيص من الأمل يفهم منه أنّ من المنافقين والمنافقات من يوفّق إلى التّوبة إذا صحّ عزمه وصدقت نيّته، وهذا لا يوجد عند الحديث عن ﴿الذين في قلوبهم مرض﴾، فإنّ القرآن الكريم حسم أمرهم بألفاظ صريحة، معانيها مقصودة واضحة لا يشكّ فيها أولو الألباب. ويكفي أنّه يقول عنهم إنّهم أهل رجس وازدادوا رجسا إلى رجسهم وماتوا على الكفر. ﴿وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون﴾. هذا تصريح من القرآن الكريم أنّهم ماتوا على الكُفْر(2)، وسورة التّوبة آخر ما نزل. فكيف يقول عاقل بعد ذلك إنّ الصّحابة كلّهم عدول؟ أليس في ذلك تكذيب للقرآن الكريم؟
    يقول القرآن الكريم عن الذين في قلوبهم مرض:
    ومن النّاس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين: فينفي عنهم الإيمان، وهذا يناسب قوله ﴿ماتوا وهم كافرون﴾ ويغني اللّبيب عن الإطالة في التّفحّص.
    ويقول عنهم: يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون: وقد تبيّنت مهارتهم في المخادعة والمراوغة من خلال مناوراتهم، فإنّهم بدأوا أوّلا بالطّعن في إمارة أسامة للجيش، فلمّا فنّد النّبيّ صلى الله عليه وآله زعمهم انتقلوا إلى المرحلة الثّانية من المناورة، حيث عسكروا خارج المدينة ورفضوا أن يتقدّموا، وتعلّلوا بأمور لا وزْن لها قبال أوامر النبيّ صلّى الله عليه وآله عند من يحترم أوامر النبيّ(ص) .
    ويقول عنهم سبحانه وتعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون. فأثبت لهم الكذب وأنّهم استحقّوا زيادة المرض إلى مرضهم سواء كانت الجملة ـ فزادهم الله مرضا ـ دعاء أم غيره.
    وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنّما نحن مصلحون:
    وهنا يدّعي الذين في قلوبهم مرض أنّهم مصلحون لا غير، مع أنّهم يدعون إلى ترك الإفساد في الأرض، والمفسدون في الأرض ملعونون في سورة محمّد كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد قصد بهم في سورة محمّد الذين في قلوبهم مرض أيضا. وهذا ممّا يثبّت أفئدة المهتدين ويذر المرتابين في ريبهم يتردّدون.
    ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون: وهذا تفنيد آخر لزعْمهم الفاسد، وتأكيد لنسبة الفساد إليهم وأنّهم أهله.
    وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن النّاس قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء ألا إنّهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون.
    يحكمون على المؤمنين بالسّفه وهم أهلُ السّفه بشهادة الحقّ عليهم. وإذا كان السّفيه لايستحقّ أن يستقلّ بالمال، فكيف يصحّ أن يستقلّ بالأمور المهمّة في الإسلام كالقضاء ، ونقل العلم، والخلافة التي هي عهد الله سبحانه و تعالى؟!
    وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنّما نحن مستهزئون:
    هؤلاء كان لهم شياطين يتعاملون معهم ويتظاهرون بالصّلاح بين المؤمنين، وسواء كان شياطينهم من الجنّ أو الإنس فإنّ ذلك لا يغيّر شيئا، لأنّ القرآن الكريم يقول : ﴿شياطين الجنّ والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا﴾. ويقول ﴿ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا﴾.
    الله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون: يمدّهم في طغيانهم ويذرهم وما اختاروه من العتوّ حتّى لا يكون لهم حجّة يوم القيامة ولا يؤذن لهم فيعتذرون.
    ﴿أولئك الذين اشتروا الضّلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين﴾ [البقرة 16].
    ومن صفاتهم:
    ﴿فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين﴾ [المائدة 52] .
    وهذه المسارعة إلى الدّفاع عن أعداء الله كاشفة عن انتفاء الولاية الإلهية عندهم، لأنّه لا يمكن الجمع بين ولاية أولياء الله تعالى وولاية أعدائه. والقرآن الكريم صريح في الدّعوة إلى البراءة من أعداء الدّين حتى يؤمنوا. فما داموا على كفرهم لايحقّ لمؤمن أن يتّخذهم أولياء. وما تعلّل به الذين في قلوبهم مرض يؤكد أنّ الإيمان لم يلامس قلوبهم، لأنّهم يخشون الدّوائر، وكأنّ هذه الدّوائر تجازوت سلطان الله تعالى وقدرته. والذي يخاف الدوائر إنما أُتي من خلوّ قلبه من التّقوى وإلاّ فإنّ الله تعالى بيده ملكوت كل شيء، ولابدّ من الابتلاء ليحصل التّمحيص وتمييز الصّادق من الكاذب. وقد أخبر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أنّه مبتليهم﴿ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات﴾ فلا مفرّ من البلاء. والبلاء هو الذي يزيد المؤمن إيمانا وتمسّكا بدينه وتعلّقا بمولاه سبحانه وتعالى. أمّا الذي يحرص على الرّخاء ويريد اجتناب البلاء على طول خطّ السّير فإنّما هو من الذين رضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها، يبحث عن راحة نفسه لا عن مجاهدتها. وقد بشّر الله تعالى الصّابرين في مواطن عديدة من القرآن الكريم، وإنّما يكون الصّبر مع البلاء. وفي السّيرة النّبويّة صور واضحة عن أولئك الذين كانوا يبحثون عن راحة أنفسهم حتى بلغ بهم الأمر أن يفرّوا من المعارك ويتركوا النبيّ(ص) بين الأعداء، فرارا من القتل في سبيل الله، بعد أن سمعوا قول الله تعالى ﴿ولتجدنّهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا﴾، فلو كانوا صادقين في طلب الشّهادة لما فرّوا منها حينما تيسّرت، ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم.
    وقد كانت المسارعة في الدّفاع عن أعداء الله في زمان النّبيّ(ص) ، وبقيت بعده، ومورست بأشكال لا يشكّ فيها منصف. فهذا عثمان يشفع في أعداء الله تعالى من أمثال عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي ارتدّ والتحق بالمشركين، ووشى ببعض الصّحابة فنالهم من الأذى ما نالهم، وأهدر النّبيّ(ص) دمه يوم فتح مكّة حتّى لو وُجد متعلّقا بأستار الكعبة. لكنّ عثمان غيّبه عن جيش المسلمين بعد أن علم حرص النّبيّ(ص) على قتله، ثمّ جاء به بعد استتباب الأمر، وشفع فيه بكلّ وقاحة عند من أهدر دمه!. وقد حاول نفس الأمر أيضا بخصوص الحكم بن أبي العاص الأمويّ الذي نفاه النّبيّ(ص) ، فحيل بينه وبين ما يشتهي؛ فلمّا آل أمر الخلافة إليه كان من أوّل ما فعل أنّه أعاد الطّريد الملعون (3) إلى المدينة وأغدق عليه الأموال.
    ومن صفات الذين في قلوبهم مرض أنّهم لا يتورّعون عن ممارسة الإحباط وتثبيط العزائم:
    ﴿إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإنّ الله عزيز حكيم﴾ [الأنفال 49]. وهذا القول منهم مناف للتّوكل كما تدلّ عليه تتمّة الآية. ولو كانوا صادقين لقالوا مثل ما قال الذين يظنون أنّهم مُلاقو الله " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ".فالذي قاله الذين في قلوبهم مرض لا يكون ناشئا عن جهل، لأن المقام لا يحتمل ذلك، والإنسان في حالة الحرب يحتاج إلى تشجيع وتأييد ومساندة، والكلمة سلاح في الميدان، لذلك كان الأبطال يرتجزون في المعارك، وكان الخطباء يشدّون همم المقاتلين بالخطب الحماسيّة التي تلهب الوجدان وتحرّك في الإنسان الإحساس بالعزّة والكرامة. وسياسةُ الدعايات والأراجيف في الحرب أمر معلوم، فكم جيش هدّت أركانه وفتّت في أعضاد أفراده فانهزموا في الوجدان قبل أن ينهزموا في الميدان، ولذلك كان موقف القرآن الكريم من ظاهرة الإرجاف حاسما حازما "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ".
    ومن صفاتهم وعلاماتهم أنّهم أصحاب رجس وأنّهم أصحاب سوء خاتمة يموتون على الكفر:
    ﴿وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجْساً إلى رجْسهم وماتوا وهم كافرون﴾ [التوبة 125] .
    ومن صفاتهم وعلاماتهم أنّهم لا يتوبون ولا تنفع معهم الموعظة: ﴿أو لا يرون أنهم يفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكّرون﴾.
    [التوبة 126] .
    ومن صفاتهم وعلاماتهم أنّهم يتعجّبون إذا نزل قرآن يتحدّث عن تفاصيل دقيقة لم يحضرها غيرُهم، وينظر بعضهم إلى بعض يتساءلون كأنّما لا ارتباط للنّبيّ(ص) بالغيب، ﴿وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثمّ انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنّهم قوم لا يفقهون﴾ .
    ومن صفاتهم وعلاماتهم أنّ قلوبهم محلّ تلقّ لما يلقي الشّيطان:
    ﴿ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإنّ الظّالمين لفي شقاق بعيد﴾ [الحج 53].
    ومن صفاتهم وعلاماتهم أنّهم يقبلون الحقّ إذا كان في صالحهم ويرفضونه إذا كان عليهم لا لهم، وإن كانت الشّروط واحدة، علماً أنّ حكم الأمثال في ما يجوز وما لايجوز واحد ﴿ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثمّ يتولىّ فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين. وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون﴾(4). ومن أعجب ما تتجلّى فيه هذه المسألة قضيّة الكتاب الذي أراد النّبيّ(ص) كتابته للأمّة، فإنّه عليه وآله الصلاة والسّلام كان على فراش الموت، وكان يسأل عن جيش أسامة المرّة بعد المرّة، وأمر أن يؤتى له بكتف ودواة ليكتب للأمّة كتاباً يعصمها من الضّلال، فزعموا أنّه يهجر. لكن حينما كان أبو بكر على فراش الموت وأمر أن يؤتى له كي يكتب حصل الانصياع التّامّ ولم يعترض أحد. بل إنّ الشخص الذي زعم أنّ النّبيّ(ص) يهجر هو نفسه طلب من النّاس الإنصات لقراءة الكتاب لأنّه كتاب من طرف خليفة رسول الله(ص) ، ولأنّ الخليفة أخبر أنّه لايألوهم نصحا.هذه المرّة لم يقولوا حسبنا كتاب الله ، مع أنّ الظّروف واحدة، بل صار كتاب أبي بكر ضروريّا إلى جنب كتاب الله تعالى. لقد حيّرت هذه الواقعة كثيراً من المسلمين، وتمحّل لها الكلاميّون والمفسّرون وجوها من القول لا تستحقّ الذّكر، وانتصروا للباطل فتابعوا مرضى القلوب، واقتدوا بهم فكانوا هم أيضا من الذين إن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين. والعجب كلّ العجب من الذين يذكرون ما حدث ولا يعلّقون عليه بكلمة واحدة؛ وهذه أمثلة لذلك:
    روى البخاري في صحيحه ما يلي: " عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لمّا اشتدّ بالنّبيّ(ص) وجعه قال ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده. قال عمر إنّ النبيّ(ص) غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللّغط قال قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التّنازع. فخرج ابن عبّاس يقول إنّ الرّزيئة كلّ الرّزيئة ما حال بين رسول الله(ص) وبين كتابة الكتاب"(5).
    و في رواية: "بكى ابن عبّاس حتّى خضب دمعه الحصباء فقال: اشتدّ برسول الله (ص) وجعه فقال:آتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ التّنازع فقالوا هجر رسول الله(ص) "(6).
    ولا يخفى على المتأمّل تلاعب البخاريّ بالعبارات محافظة منه على وجاهة الخليفة ومنزلته، فإنّه في كلا الحديثين تجنّب أن يصرّح بقول عمر على الوجه الذي ينبغي، ويقول في الحديث الأوّل قال عمر إنّ النّبيّ(ص) غلب عليه الوجع وعندنا كتاب الله، ثمّ يتبعه بقوله فاختلفوا وكثر اللّغط.. وهذه مساهمة واضحة من البخاريّ في التّحريف والتّزييف وإخفاء الحقائق وكتمانها؛ وإلاّ فإنّ من دواعي الأمانة العلميّة أن يذكر البخاريّ سبب الاختلاف ونتيجة الاختلاف وموقف الشّرع من القولة التي قالها عمر. ولكنّ البخاريّ يعلم أنّ السّكوت أفضل وأسلم، وإلا تعرّض لما تعرّض له الحاكم والنّسائيّ والحسكانيّ وغيرهم. والبخاريّ يعلم أنّ مروان بن الحكم ملعون على لسان رسول الله(ص) ،ولكنّه لا يرى بأسا في الرواية عنه(7).
    وفي تاريخ الطبريّ: "….ابن يحيى عن عثمان القرقسانيّ قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس قال رأيت عمر بن الخطّاب وهو يجلس والنّاس معه وبيده جريدة وهو يقول أيّها النّاس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله(ص) إنّه يقول إنّي لم آلكم نصحا. قال ومعه مولى لأبي بكر يقال له شديد معه الصحيفة التي فيها استخلاف عمر "(8).
    فهل كان رسول الله يألو الأمّة نصحاً؟!
    لماذا لم يقل عمر بن الخطّاب" إنّ أبابكر غلب عليه الوجع وعندنا كتاب الله. حسبنا كتاب الله ".؟!
    وقال ابن قتيبة : "[..] قال: فخرجوا من عنده، ثمّ أرسل إلى عمر فقال: يا عمر ، أحبّك محبّ ، وأبغضك مبغض ، وقديما يحبّ الشرّ ، ويبغض الخير . فقال عمر: لا حاجة لي بها!! ، فقال أبو بكر : لكن بها إليك حاجة ، والله ما حبوتك بها ، ولكن حبوتك بك . ثمّ قال : خذ هذا الكتاب واخرج به إلى النّاس[!!]، واخبرهم أنّه عهدي ، وسلهم عن سمعهم وطاعتهم . فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم ، فقالوا : سمعا وطاعة ، فقال له رجل: ما في الكتاب يا أبا حفص؟ قال: لا أدري ، ولكنّي أوّل من سمع وأطاع . قال : لكنّي والله أدري ما فيه : أَمَّرْتَهُ عام أوّل ، وأمّرك العام "(9)!
    يقول عمر "لا أدري ما في الكتاب" فهل هذا صحيح ؟!
    أوّل من أطاع أبا بكر هو أوّل من عصى رسول الله(ص)، مع أنّ ظروف كتابة الكتاب واحدة، والنبيّ(ص) يوحى إليه وأبو بكر لا يوحى إليه، والنّبيّ(ص) لم يسجد لصنم قطّ وأبو بكر عبَد الصّنم أربعين سنة! لكن عمر متيقّن من مضمون كتاب أبي بكر، وغيره أيضا يعرف مضمونه كما يشير إليه كلام الرّجل الذي قال له " أمّرته عام أوّل وأمّرك العام" . وكتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله ليس فيه تأمير لعمر ولا لأبي بكر، وكيف يتصوّر عاقل ذلك والنّبيّ صلّى الله عليه وآله قد عيّنهما جنديّين بسيطين في جيش على رأسه أسامة؟ لو كان رسول الله(ص) يؤهّل أحدهما للخلافة لما أمّر عليهما جميعا أسامة بن زيد. فعمر يذعن ويسمع ويطيع للكتاب الذي فيه تأميرُه على المسلمين، وأمّا الكتاب الذي ليس فيه تأميره فصاحبُه يهجُر حتّى لو كان رسول الله(ص) الذي ما ينطق عن الهوى. .
    ومن صفات الذين في قلوبهم مرض وعلاماتهم
    1- التكذيب بوعد الله ورسوله: ﴿يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غرورا﴾.[الأحزاب 12]
    2- الكذب لتبرير الفرار من الجهاد : ﴿وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبّيّ يقولون إنّ بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلاّ فرارا﴾.[الأحزاب 13].
    3- طلب الفتنة : ﴿ولو دخلت عليهم من أقطارها ثمّ سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبّثوا بها إلاّ يسيرا﴾. [الأحزاب 14].
    4- عدم الوفاء بالعهد: ﴿ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار وكان عهد الله مسئولا﴾. [الأحزاب 15].
    5- التّعويق والجبن في مواطن البأس: ﴿قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلا﴾ [الأحزاب 18]
    6- غيبة المؤمنين بألسنة حداد: ﴿أشحّة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحّة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا﴾ [الأحزاب 19].
    7- تجنّب القتال : ﴿وإن يأت الأحزاب يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاّ قليلا﴾ [أحزاب 20]. .
    8- الجبن والخَور: ﴿فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت فأولى لهم﴾.
    9- الإفساد في الأرض وقطيعة الرّحم: ﴿فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم﴾.
    10- عدم تدبّر القرآن: ﴿أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾.
    11- التّواطؤ والتآمر على المؤمنين مع الذين كرهوا ما أنزل الله: ﴿ذلك بأنّهم قالوا للّذين كرهوا ما نزّل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم﴾.
    12- اتّباع ما يسخط الله تعالى: ﴿ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم﴾.
    13- في صدورهم أضغان على المؤمنين: ﴿أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم﴾.
    14- يتكلّمون بملحون القول : ﴿ولتعرفنّهم في لحن القول﴾.
    ومن صفاتهم وعلاماتهم أنّهم :
    15- يرتابون ويدومون على ارتيابهم، حتّى في ما يتيقّنه أهل الكتاب. ومع أنّ القرآن الكريم نبّه إلى ضلال أهل الكتاب وبُعدهم عن الحقّ وممارستهم لفنون التّضليل، إلاّ أنّه في الآية من سورة المدّثّر جعل الهدف من المثل المضروب بخصوص خزنة النّار من الملائكة أن لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون، هذا وقد زعم بعض المفسّرين أنّهم المؤمنون منهم الذين أسلموا وهو كما ترى ينمّ عن جهل أو تجاهل، وليس ذلك منه إلاّ فرارا من الحقّ ومحاولة يائسة للمحافظة على عدالة جميع الصّحابة المستلزمة لتكذيب القرآن الكريم الشّاهد على عدد كبير منهم أنّهم " ماتوا وهم كافرون".
    ﴿وما جعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكة وما جعلنا عدّتهم إلاّ فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضلّ الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربّك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر﴾[المدّثّر31].
    ــــــــــــ
    1 ـ الأحزاب:24 .
    2 - قال الفخر الرّازيّ بخصوص الآية: اعلم أنّ الله تعالى لما بيّن أنّ الذين في قلوبهم مرض يموتون وهم كافرون، وذلك يدلّ على عذاب الآخرة، بيّن أنّهم لا يتخلّصون في كلّ عام مرّة أو مرّتين عن عذاب الدنيا.( تفسير الرّازيّ ج16 ص176).
    3 ـ حديث لعن الحكم بن أبي العاص أشهر من نار على علم،وقال ابن حجر الهيتميّ في الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة( ج2/ص527) : ومن أشدّ النّاس بغضاً لأهل البيت مروان بن الحكم وكأنّ هذا هو سرّ الحديث الذي صحّحه الحاكم أنّ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون .وروى بعده بيسير عن محمد بن زيد قال لما بايع معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد قال مروان سنة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال عبد الرحمن بن أبي بكر بل سنّة هرقل وقيصر فقال له مروان أنت الذي أنزل الله فيك والذي قال لوالديه أفّ لكما(الأحقاف 17)فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت كذب والله ما هو به ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه .ثم روى عن عمرو بن مرة الجهنيّ وكانت له صحبة رضي الله تعالى عنه أنّ الحكم بن أبي العاص استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف صوته فقال " ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا ويصغرون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق". وعلّق ابن حجر على ذلك بكلام يدافع فيه عن الحكم كما تقتضيه عدالة جميع الصحابة .
    وقال زيني دحلان في السيرة الحلبية ( ج1/ص509)نقلاً عن ابن عبد البر :
    " ومن استهزاء الحكم بن العاص أنّه كان صلّى الله عليه وسلّم يمشى ذات يوم وهو خلفه يخلج بفمه وأنفه يسخر بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلم فالتفت إليه النبي صلّى الله عليه وسلم فقال له كن كذلك فكان كذلك أي كما تقدّم نظير ذلك لأبي جهل. واستمرّ الحكم بن العاص يخلج بأنفه وفمه بعد أن مكث شهرا مغشيا عليه حتى مات. أسلم يوم فتح مكة وكان في إسلامه شيء. اطّلع على رسول الله صلى الله عليه وسلّم من باب بيته وهو عند بعض نسائه بالمدينة [!]فخرج إليه صلّى الله عليه وسلّم بالعنزة أي وقيل بمدرى في يده والمدرى كالمسلّة يفرق به شعر الرأس وقال من عذيرى من هذه الوزغة لو أدركته لفقأت عينه ولعنه وما ولد وغرّبه عن المدينة إلى الطّائف فلم يزل حتى ولي ابن أخيه عثمان رضي الله تعالى عنه الخلافة فدخل المدينة بعد أن سأل عثمان أبا بكر في ذلك فقال لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثمّ سأل عمر لما ولي الخلافة فقال له مثل ذلك ولمّا أدخله عثمان نقم عليه الصّحابة بسبب ذلك فقال أنا كنت شفعت فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعدني بردّه أي أني أردّه ولا ينافي ذلك سؤال عثمان لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم في ذلك كما لا يخفى لأنه يحتمل أن يردّه عثمان إمّا بنفسه أو بسؤاله وسيأتي ذلك في جملة أمور نقمها عليه الصّحابة .وعن هند بن خديجة أمّ المؤمنين رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مرّ بالحكم فجعل يغمز بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلم فرآه فقال اللهمّ اجعل به وزغا فرجف وأرتعش مكانه والوزغ الارتعاش وفي رواية فما قام حتى ارتعش وعن الواقديّ استأذن الحكم بن العاص على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرف صوته فقال ائذنوا له لعنه الله ومن يخرج من صلبه إلاّ المؤمنين منهم وقليل ما هم، ذو مكر وخديعة، يعطون الدّنيا وما لهم في الآخرة من خلاق. وكان لا يولد لأحد ولد بالمدينة إلاّ أتى به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأتي إليه بمروان لما ولد فقال هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون وعلى هذا فهو صحابيّ إن ثبت أنّ النبّيّ صلّى الله عليه وسلم رآه لأنّه يحتمل أنّه أتى به إليه صلّى الله عليه وسلم فلم يأذن بإدخاله عليه وربّما يدلّ ذلك قوله هو الوزغ إلى آخره ".
    4 ـ النور : 47- 50 .
    5 ـ صحيح البخاري ج 1 ص 36-37 : (كتاب العلم – باب كتابة العلم ) .
    6 ـ صحيح البخاري ج5 ص137 .ورواه مسلم أيضا في كتاب الوصيّة- باب ترك الوصيّة.
    7 ـ حديث لعن مروان ذكره الحاكم في المُستَدرك (مستدرك الحاكم ج4 ص479 ) وابن حجر الهيتمي (في الصواعق المحرقة ص 108 )وغيرهما، وإنّما تركه الشّيخان البخاريّ ومسلم كما تركا كثيرا مما يقدح في الحاكمين من بني أميّة وبني العبّاس.
    8 ـ تاريخ الطبري ج 2 ص 618 .
    9 ـ الإمامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ج 1 ص 25 . وهذا ينسجم تماما مع قول الإمام علي عليه السلام لعمر يوم السقيفة " احلب حلبا يا عمر لك شطره اشدد له اليوم أمره ليرد إليك غدا" كما في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ـ تحقيق الشيري ـ (ج 1 ص 29 )،و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(ج 2 ص 5 )والسقيفة وفدك للجوهري (ص62) .


  • #2
    الله اجعلنا من المتقين لك الخاشعين يارب بحق محمد واله

    موفقين ان شاء الله

    تعليق


    • #3
      الاخت عطر الولاية المحترمة سلام الله عليك وعلى كل صوت نسوي مبدع ، ارى من الاهمية ان تلج المرأة عوالم الراي والتفسير والتركيز على بعض النوادر القرآنية وشد الانتباه الى بعض جماليات النص القرآني ،وحتى الانتقاء الاقتباسي ينمي قابلية القراءة عند المرأة المثقفة الكاتبة ويكون لها رأي ودراية واطلاع لتأخذ دورها الحقيقي ، اعتقد ان ضعف الصوت النسوي العام اتى بسبب انشغال المرأة بالاعتراضات والاحتجاجات والتشدق بتقليدات الغرب وبشعاراته البراقة وحان للمرأة ان تتخذ من هولاء النسوة نسوة الكفيل ونسوة رياض الزهراء ونسوة العاملات في الشأن الديني والانساني والعاملات في القرآن قدوة للوصول الى ارقى انواع التواصل الانساني وتحقيق كيان نسوي يعمر امتداده بالصوت الزينبي المبارك ، سلام الله عليك سيدتي ولك المودة والدعاء

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم
        اللهم صلى على محمد وال محمد وعجل فرجهم يا كريم
        حياكم الله تعالي وفقكم الله لكل خير بجوده وسدد خطاكم بنوره وقضى حوائجكم بمنه وكرمه بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X