قال الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في الأمالي حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ( رحمه الله ) قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى البصري قال : حدثنا محمد الجوهري ، عن جعفر بن محمد بن عمارة ، عن أبيه
عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن آبائه الصادقين ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : إن الله تبارك و تعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب فضائل لا يحصي عددها غيره ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ، و لا وافى القيامة بذنوب الثقلين ، و من كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الذنوب التي اكتسبها بالاستماع أو من نظر إلى كتابة فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : النظر إلى علي بن أبي طالب عبادة ، و ذكره عبارة ، و لا يقبل إيمان عبد إلا بولايته و البراءة من أعدائه (1)
▪ ما معنى الفضائل ؟
الفضائل جمع فضيلة ، و الفضيلة هي كل أمر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين و الخلق ، و فضيلة الشيء : مزيته أو وظيفته التي فــُـقدت منه (2) . فالفضائل إذن هي كل درجة أو مقام في الدين أو الخلق أو السلوك العلمي أو العملي اتصف به صاحبها .
▪ فضائل أهل البيت عليهم السلام :
إنه مما لا شك فيه عند العامة و الخاصة من المسلمين و غيرهم في أن فضائل أهل بيت محمد عليهم السلام لا يختلف فيها اثنان حيث رويت فضائل في القرآن كما رويت من السنة النبوية ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من آية التطهير ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ) ، و المباهلة ( فقل تعالوا ندعوا أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) ، و المودة ( قل ما أسألكم عليه أجراً إلا لمودة في القربى ) ، و الولاية ( إنما وليكم الله و رسوله الذين آمنوا و الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ) جمع المفسرون قاطبة أن هذه الآيات نزلت في حق أهل البيت عليهم السلام و لم يدخل فيهم أحد من المسلمين . و أما أقوال الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فحدّث و لا حرج من آلاف الأحاديث و الروايات في حق أهل البيت و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة ( عليهم السلام ) منها حديث الغدير قوله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال ِ من ولاه و عاد ِ من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و ادر الحق معه حيثما دار ) ، و حديث المنزلة ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) ، و حديث الطائر لما نزل جبرائيل بالطائر من الجنة أنه قال له تعالى لا يأكل إلا أنت و من أحببت ، و حديث ( علي مع الحق و الحق مع علي ) أو ( علي مع القرآن و القرآن مع علي ) و ( علي أعلمكم ) و ( علي أقضاكم ) إلخ .
أضف إلى سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) العلمية و العملية بأنهم أعلم الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و التاريخ يشهر أنهم لم يأتوا إلى أحد من الخلق و الخلق يأتي إليهم كما سُـئـِل الخليل بن أحمد عن إمامه علي أمير المؤمنين (عليه السلام ) عن طريق العقل ، قال : ( احتياج الكل إليه و استغناؤه عن الكل دليل أنه إمام الكل )
▪ فضائل التكوين و التشريع :
أنه بعدما ثبت فضائل أهل البيت ( عليهم السلام ) في العلم و الحلم و الحسب و النسب و الكمال بما تعني كلمة الكمال ، حيث أن الحق تبارك و تعالى تولى تطهيرهم من كل رجس و نجس و خبث من جميع الرذائل ، الإمكانية مما يعلم و مما لا يعلم بنص آية التطهير .
▪ ولاية التشريع :
الله تبارك و تعالى أيضاً فضلهم و علاهم بأن جعل لهم ولاية في التشريع في الحلال و الحرام كما سن ذلك الرسول صلى الله عليه و آله بقوله تعالى ( ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم و ما نهاكم عنه فانتهوه ) . جعل هذه الولاية لهم عليهم السلام لأنهم الامتداد الطبيعي و الطبعي للنبي صلى الله عليه و آله و الخلفاء الحق من بعده . كما قال تعالى ( و أطيعوا الله و الرسول و أولي الأمر منكم ) فهم ولاة الأمر من بعد النبي صلى الله عليه و آله لإنهم مع الحق و الحق معهم في حديث النبي صلى الله عليه و آله ( علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه حيثما دار ) و قال تعالى ( أمّن يهدي للحق أحق أن يتبع أمّن لا يدري إلا أن يهدي فما لكم كيف يحكمون ) فأقوالهم و أفعالهم و تقريراتهم عن الله تبارك و تعالى .
▪ ولاية التكوين :
أنه كما جعل سبحانه و تعالى ولاية في التكوين للأنبياء و الأوصياء السابقين الذين هم أقل فضلاً من رسول الله صلى الله عليه و آله . جعل لأهل البيت عليهم السلام لأنهم أوصياء أفضل الأنبياء و المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم .
قال وصي سليمان بن داوود لسليمان صلى الله على نبينا و آله و عليهم السلام لما قال سليمان " من يأتني بعرشها قبل أن تأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " .
فالذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا وصي سليمان قد أتى بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في أقل من لمح البصر . فقوله تعالى عن وصي سليمان آصف ( و قال الذي عنده علم من الكتاب ) و لم يقل تعالى ( الذي عنده علم الكتاب ) بل قال علم من الكتاب و من تفيد التبعيض لا الكل . و ما وصي رسول الله صلى الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام قال عنه تعالى ( قل كفى بالله شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب ) . فالذي عنده علم الكتاب كله هو أمير المؤمنين عليه السلام فمن عنده علم الكتاب و هو القرآن أعظم قدراً و مقاماً و ولاية من الذي عنده علم من بعض الكتاب عقلاً . فكما عند أهل البيت عليهم السلام الولاية التشريعية ينطقون بالحلال و الحرام و الأحكام الشرعية عن رسول الله صلى الله عليه و آله عند الله تعالى ، كذلك عندهم الولاية التكوينية كما عند أوصياء الأنبياء عليهم السلام .
▪ وقفة عند الولاية التكوينية :
قد البعض يستعظم الولاية التكوينية عند المعصومين الأربعة عشر محمد و آل محمد عليهم السلام و يقول هذا كفر و تفويض لكن لما يراجع الطبيعة و ما حوله يجد هذا الأمر عند من هو أقل شأناً من أهل البيت عليهم السلام . فالشمس عندها ولاية تكوينية في تربية الحيوانات و النبات فلولا الشمس لماتت الحياة ، و كذلك القمر عنده ولاية تكوينية و الهواء و النجوم كلها تربّي ما تحت فلك القمر . و أيضاً رحم الأم عنده ولاية تكوينية في تخلق الجنين و الأرض كذلك عندها ولاية تكوينية في تخلق النبات فلولا الأرض لما نبتت الأشجار و الأزهار و النبات مطلقاً . فقد البعض يقول إنما ذلك بإذن الله تعالى و أمره ، نقول الكلام نفس الكلام أيضاً أهل البيت عليهم السلام عندهم ولاية تكوينية بأمر الله و إذنه تعالى .
كما قال سبحانه متحدثاً عن نبي الله عيسى بن مريم صلى الله على نبينا و آله و عليه السلام ( و إذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيكون طيراً بإذني و إذ تبرأ الأكمه و الأبرص و إذ تحيي الموتى بإذني ) .
فكل شيء ما سوى الحق تعالى بإذنه و أمره تعالى فلا أحد يقول أن عيسى عليه السلام إنما خلق الخفاش بدون أمر الله تعالى و إذنه ، بل بأمره و أذنه سبحانه و كذلك ما فعل آصف وصي سليمان صلى الله على نبينا و آله و عليه السلام بإذنه تعالى و أمره . فالكلام نفس الكلام فيما يصدر من أهل البيت من خوارق العادات من الفضائل و المعجزات بأمر الله تعالى و إذنه لأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و آله .
▪ ماذا تعني فضائل أهل البيت عليهم السلام :
تعني الفضائل لأهل البيت عليهم السلام من خوارق العادات إظهار قدرة الله تعالى و توحيده بحيث إذا تجلت تلك الولاية عند أهل البيت عليهم السلام يعرف الله سبحانه بالقدرة و العلم و الحكمة و السمع و البصر ... إلخ . فهم المعرّفون عن الله في صفاته الكمالية لإنه سبحانه لا يدرك و لا يحاط إلا عن طريق خلقه و هم خلقه بل هم عليهم السلام أفضل خلقه و أعلاهم و أقربهم إليه سبحانه . فالفضائل التي تصدر عنهم فهي أولأً و بالذات تصف قدرة الله و علمه و حكمه و سمعه و بصره و سلطانه و أمره و حقه ... إلخ . و ثانياً تصف مقامهم عند الله و قدرتهم الذي أعطاهم إياه خالقهم و هو الله سبحانه و تعالى .
فالمؤمن العادي إذا اتقى الله تعالى يفعل فعله كما في الحديث القدسي المشهور ( عبدي أطعني أجعلك مثلي أنا أقول للشيء كن فيكون أجعلك تقول للشيء كن فيكون ) . فكيف بسادات الزمان و أقطاب الأكوان محمد و آله الطيبين الطاهرين عليهم السلام . لذا قال أمير المؤمنين عليه السلام ( يا سلمان نزلونا عن الربوبية و ادفعوا عنا حظوظ البشرية فإنا عنها مبعدون و عما يجوز عليكم منزهون ثم قولوا فينا ما شأتم ، فإن البحر لا ينزف ، و سر الغيب لا يعرف ، و كلمة الله لا توصف ) (3)
و روي عن كامل التمار قال : ( كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ذات يوم فقال لي : يا كامل اجعلوا لنا رباً نؤوب إليه و قولوا فينا ما شئتم . قال : فقلت : نجعل لكم رباً تؤوبون إليه و نقول فيكم ما شئنا قال : فاستوى جالساً فقال : ما عسى أن تقولوا و الله ما خرج إليكم من علمنا إلا ألف غير معطوفة ) (4)
فلا يمكن أحد أن يصف فضائل أهل البيت عليهم السلام لأنهم المعرفون لله تعالى في الآفاق و الأنفس فمن عرفهم فقد عرف الله تعالى و من جهلهم فقد جهل الله . فهم الأعراف و السبل إلى معرفة الله سبحانه و تعالى ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( نحن الأعراف الذي لا يعرف الله إلا سبيل معرفتنا ) و قال الإمام علي بن محمد الهادي عليهما السلام في الزيارة الجامعة : ( من أراد الله بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم ) إلى آخره من الزيارات و الروايات التي تثبت مقامهم و ولايتهم عليهم السلام في الآفاق و الأنفس .
تعليق