غزوة بدر الكبرى 2هـ 17 رمضان
قوله : " وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة هي شجاعة القلب فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير " .
قوله : " وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة هي شجاعة القلب فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير " . نقول : لقد أسهب في نقل كلام ابن تيمية في معنى الشجاعة وتحديدها وتفصيلها بشكل يمكن أن ينطبق على الخليفتين وإن لم يذكر لهما التاريخ مشاركة أو مبارزة في قتال ، ونسي أننا نتحدث عن معنى عرفي ، فنقول : أن هذا الإنسان شجاع أي يقبل على المواقف الصعبة غير هياب للموت ولا للضر ، وهذا تارة يعرف من خلال تصريح الوحي كما هو الحال بالنسبة لرسول الله (ص) بالإضافة إلى المواقف التي أبرزت شجاعته وخاصة في معركة حنين ، وتارة من خلال مواقف الشخص وصولاته في الحروب . والشجاعة بهذا المعنى تظهر واضحة في المعارك وعند القتال ، أما القول بأن شجاعة أبي بكر وعمر لم تكن كشجاعة علي (ع) فالأولى قلبية والثانية بدنية ، والتشبث بكل قشة لإثبات الشجاعة القلبية والتي لم نجد لها آثارا ومظاهر في تاريخ معارك وغزوات النبي (ص) فلا تجدي شيئا . ولنراجع معا غزوات النبي (ص) ونستعرض مواقف علي (ع) ومواقف غيره فيها لنعرف الأشجع من أصحاب النبي (ص) بل نعرف عدم إمكان المقايسة إلا في مخيلة متحجري العقل والقلب .
وقد نقل البخاري في كتاب الجهاد باب قول الله تعالى ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (14) عن أنس (رض) قال : " غاب عمي انس بن النضر عن قتال بدر فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما اصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين …" (15). ويعرض ابن كثير في تاريخه أسماء بعض أولئك الذين اعتذر أنس بن النضر إلى الله تعالى من صنيعهم : "… قال ابن إسحاق وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال : انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال : فما يجلسكم قالوا : قتل رسول الله (ص) قال : فما تصنعون بالحياة بعده ، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (ص) ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل " (16) وذكر الخبر ابن هشام في ( السيرة النبوية ) (17) ، وابن حبان (18) ، والطبري (19) . وروى ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : " قال ابن هشام وكان ضرار بن الخطاب لحق عمر بن الخطاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول : انج يا ابن الخطاب لا أقتلك ، فكان عمر يعرفها له بعد الاسلام ( رض ) " (20) . وقد أقر بذلك عمر كما نقل عنه ابن حجر في ( الإصابة ) عند ترجمة أنس بن النضر عن ابن أبي شيبة : "… فذكر قصة فيها أن عمر دون الديوان وفرض للمسلمين وفضل المهاجرين السابقين قال : فمر به النضر بن أنس بن النضر ، فقال : افرضوا له في ألفين ، فقال له طلحة : جئتك بمثله ففرضت له ثمانمائة - يعني ولده عثمان - وفرضت له ألفين ، قال : إن أبا هذا الفتى لقيني يوم أحد ، فقال : ما فعل رسول الله (ص) ، فقلت : ما أراه إلا قد قتل ، قال : فسل سيفه وكسر غمده ، وقال : إن كان رسول الله (ص) قد قتل فإن الله حي لا يموت ، فقاتل حتى قتل " (21) . بل ينقل لنا التاريخ أن هؤلاء المتراجعين تكلموا بأكثر من جملة " إن رسول الله قد قتل " ، فينقل ابن سيد الناس في ( عيون الأثر ) عن موسى بن عقبة الذي وصف الذهبي مغازيه بأنها أصح المغازي قال موسى بن عقبة : " ولما فقد رسول الله (ص) قال رجل منهم : إن رسول الله (ص) قد قتل فارجعوا إلى قومكم - أي إلى المشركين - فيؤمنوكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم فإنهم داخلو البيوت ، وقال رجال منهم : لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا هاهنا ، وقال آخرون : إن كان رسول الله قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله عز وجل شهداء ؟ منهم أنس بن النضر شهد له بها سعد بن معاذ عند رسول الله (ص) " (22) . وأما موقف عثمان يوم أحد فقد نقل البخاري عن رجل سأل ابن عمر : " أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال : نعم … فأما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه … " (23) . ونقل النسائي في ( السنن الكبرى ) عن العلاء قال : " سأل رجل ابن عمر عن عثمان قال : كان من الذين تولوا يوم التقى الجمعان فتاب الله عليه … " (24) . نعم ، لقد فر كثير من المسلمين يوم أحد ، ولكن عثمان امتاز عنهم بميزة ذكرها ابن كثير في ( البداية والنهاية ) وهي أنه غاب عن المدينة ثلاثة أيام ، بينما رجع أكثر الفارين بمجرد ابتعاد فلول المشركين ، قال ابن كثير : " وقال الأموي في مغازيه عن ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عن جده سمعت رسول الله (ص) يقول وقد كان الناس انهزموا عنه حتى بلغ بعضهم إلى المبقى دون الأعوص ، وفر عثمان بن عفان وسعد بن عثمان رجل من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص فأقاموا ثلاثا ثم رجعوا فزعموا أن رسول الله (ص) قال لهم : " لقد ذهبتم بها عريضة " (25) . وقد نقل ذلك الطبري في تاريخه (26) وابن الأثير في ( الكامل ) (27) والسيوطي في ( الدر المنثور ) (28) . وأما شجاعة علي (ع) يوم أحد تجدها فيما نقله ابن هشام (29) قال : وكان يقال لسيف رسول الله (ص) ذو الفقار ، وحدثني بعض أهل العلم أن ابن نجيح ، قال : نادى مناد يوم أحد : " لاسيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي " . وروى الحاكم في ( مستدرك الصحيحين ) عن ابن عباس (رض) قال : جاء علي (رض) بسيفه يوم احد وقد انحنى ، فقال لفاطمة (رض) : هاكي السيف حميدا فإنها قد شفتني ، فقال رسول الله (ص) : " لئن كنت أجدت الضرب بسيفك لقد أجاده سهل بن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأفلح والحارث بن الضمة " ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه (30) وأقره على ذلك الذهبي . وروى ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) لما كان يوم أحد نظر النبي (ص) إلى نفر من قريش فقال لعلي : " احمل عليهم " ، فحمل عليهم فقتل هاشم بن أمية المخزومي ، وفرق جماعتهم ثم نظر النبي (ص) إلى جماعة من قريش فقال لعلي : " احمل عليهم " ، فحمل عليهم ففرق جماعتهم ، فقتل فلانا الجمحي ، ثم نظر إلى نفر من قريش فقال لعلي : " احمل عليهم " فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي فقال له جبريل (ع) : إن هذه المواساة ، فقال (ص) : " إنه مني وأنا منه " ، فقال جبريل : " وأنا منكم يا رسول الله " ، بعد هذا يقال إنهم أشجع من علي (ع) (31) .
الأولى عن مسلمة بن الأكوع (رض) قال : " بعث رسول الله (ص) أبا بكر (رض) إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد ولم يكن فتح " ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح (37) . والثانية عن أبي ليلى عن علي أنه قال : يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر قال : بلى والله كنت معكم قال : فإن رسول الله (ص) بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتى رجع ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال في التلخيص : صحيح (38) . ويروي الحاكم أيضا روايتين عن دور عمر يوم خيبر :
الأولى عن علي (ع) قال : " سار النبي (ص) إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر (رض) وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي (ص) ، الحديث ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال في التلخيص : صحيح (39) . والرواية الأخرى عن جابر (رض) أن النبي (ص) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر (رض) فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (40) . والذي يدل على أن عمر جبن لا أنه اتهم بذلك ما رواه الحاكم في مستدركه عن جابر (رض) أنه قال : لما كان يوم خيبر بعث رسول الله (ص) رجلا فجبن (41) .
إلى أن قال رسول الله (ص) في الحديث المتفق عليه عند أصحاب الحديث : " لأبعثن غدا رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" ، وفي رواية " لا يولي الدبر يفتح الله على يديه " . وروى الحاكم عن ابن عباس : فاستشرف لها مستشرف فقال (ص) : أين علي ؟ قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، قال الذهبي في التلخيص : صحيح (42) ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحهما بلفظ آخر (43) ، ونقل مسلم تفاصيل الفتح الذي كان على يديه بمبارزة علي (ع) لمرحب (44) .
======================
(1) البداية والنهاية - ج7 ص25
(2) تاريخ الطبري - ج2 ص138
(3) صحيح البخاري - ج5 ص95
(4) صحيح البخاري - ج5 ص96
(5) سيرة ابن هشام - ج2 ص(347 - 354)
(6) صحيح البخاري - ج6 ص179
(7) صحيح مسلم - ج3 ص1403
(8) البداية والنهاية -ج3 ص220
(9) صحيح البخاري - ج5 ص93
(10) مسند أحمد بن حنبل - ج21 ص180
(11) تاريخ الإسلام - المجلد الخاص بالسيرة النبوية - ص106
(12) آل عمران : 173
(13) آل عمران : 155
(14) الأحزاب : 23
(15) صحيح البخاري - ج4 ص23
(16) البداية والنهاية - ج3 ص68
(17) سيرة ابن هشام - ج3 ص46
(18) صحيح ابن حبان - ج5 ص97
(19) تاريخ الطبري - ج2 ص199
(20) البداية والنهاية - ج3 ص116
(21) الإصابة - ج3 ص261
(22) عيون الأثر - ج2 ص20
(23) صحيح البخاري - ج5 ص(125 - 126)
(24) السنن الكبرى للنسائي - ج5 ص137
(25) البداية والنهاية - ج4 ص32
(26) تاريخ الطبري - ج2 ص203
(27) الكامل في التاريخ - ج2 ص47
(28) الدر المنثور - ج2 ص356
(29) سيرة ابن هشام - ج3 ص64
(30) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص26
(31) تاريخ دمشق - ج42 ص76
(32) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص34
(33) البداية والنهاية - ج4 ص121
(34) البداية والنهاية - ج4 ص141
(35) صحيح ابن حبان - ج6 ص304
(36) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص35
(37) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص39
(38) المصدر السابق
(39) نفس المصدر السابق - ج3 ص40
(40) المصدر السابق
(41) المصدر السابق
(42) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص143
(43) صحيح البخاري - ج5 ص171 ، صحيح مسلم - ج3 ص1872
(44) صحيح مسلم - ج3 ص1441
(45) صحيح البخاري - ج5 ص197
(46) البداية والنهاية - ج4 ص373
قوله : " وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة هي شجاعة القلب فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير " .
قوله : " وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة هي شجاعة القلب فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير " . نقول : لقد أسهب في نقل كلام ابن تيمية في معنى الشجاعة وتحديدها وتفصيلها بشكل يمكن أن ينطبق على الخليفتين وإن لم يذكر لهما التاريخ مشاركة أو مبارزة في قتال ، ونسي أننا نتحدث عن معنى عرفي ، فنقول : أن هذا الإنسان شجاع أي يقبل على المواقف الصعبة غير هياب للموت ولا للضر ، وهذا تارة يعرف من خلال تصريح الوحي كما هو الحال بالنسبة لرسول الله (ص) بالإضافة إلى المواقف التي أبرزت شجاعته وخاصة في معركة حنين ، وتارة من خلال مواقف الشخص وصولاته في الحروب . والشجاعة بهذا المعنى تظهر واضحة في المعارك وعند القتال ، أما القول بأن شجاعة أبي بكر وعمر لم تكن كشجاعة علي (ع) فالأولى قلبية والثانية بدنية ، والتشبث بكل قشة لإثبات الشجاعة القلبية والتي لم نجد لها آثارا ومظاهر في تاريخ معارك وغزوات النبي (ص) فلا تجدي شيئا . ولنراجع معا غزوات النبي (ص) ونستعرض مواقف علي (ع) ومواقف غيره فيها لنعرف الأشجع من أصحاب النبي (ص) بل نعرف عدم إمكان المقايسة إلا في مخيلة متحجري العقل والقلب .
أولا : معركة بدر الكبرى
روى ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : " وقد شهد علي بدرا وكانت له اليد البيضاء فيها بارز يومئذ فغلب وظهر وفيه وفي عمه حمزة وابن عمه عبيدة ابن الحارث وخصومهم الثلاثة عتبة وشيبة والوليد بن عتبة نزل قوله تعالى ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) الآية " (1) . وروى الطبري في تاريخه عن ابن عباس قال : " كان المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا وكان صاحب راية رسول الله (ص) علي بن أبي طالب وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة " (2) . ونقل البخاري في صحيحه عن قيس بن عباد عن علي بن أبي طالب (رض) أنه قال : " أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة قال قيس بن عباد : وفيهم أنزلت ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) ، قال : هم الذين تباروا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة أو أبو عبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعتبة والوليد بن عتبة ، ونقل أيضا عن قيس قال : سمعت أبا ذر يقسم لنزلت هؤلاء الآيات في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه " (3) . ويشيد البراء بدور علي آنئذ كما ينقل البخاري : عن أبي إسحاق قال : " سأل رجل البراء وأنا أسمع قال : أشهد علي بدرا ؟ قال : بارز وظاهر " (4) . وهذا الحديث يدعو إلى العجب فهناك من يسأل عن أصل مشاركة الإمام علي (ع) في بدر ما يوضح لنا حجم الهالة والضجة الإعلامية التي كان يقوم بها الجهاز الأموي لصورة الإمام (ع) عند الناس وبشكل خاص عند أهل الشام والتي تجلت بسنة سب الإمام (ع) على المنابر سبعين عاما ، ولم يكن ابن تيمية إلا وليد هذا الجو وتلك التربية . ويكفي أن تقرأ ما ذكره ابن هشام في سيرته عند ذكر القتلى من المشركين ، " فكثيرا ما يتكرر اسم علي (ع) فأغلب القتلى من المشركين بين من قتله علي (ع) أو شارك في قتله " (5) . أما بالنسبة إلى موقف أبي بكر وعمر فلا نجد لهم ذكر إلا وجود أبي بكر مع رسول الله (ص) في العريش يطلب منه تخفيف الدعاء عن المشركين كما نقل البخاري عن ابن عباس أن النبي (ص) قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا ، فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو يثب في الدرع ، فخرج وهو يقول ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) " (6) . وإليك موقف كل من أبي بكر وعمر حينما استشار رسول الله (ص) المسلمين قبيل معركة بدر ، فقد نقل مسلم عن أنس أن رسول الله (ص) شاور أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان قال : " فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة فقال : إيانا تريد يا رسول الله ؟ والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها " (7) . ولقد نقل ابن كثير في ( البداية والنهاية ) الرواية بصورة أتم فقال : " وأتاه الخبر عن قريش ومسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قام عمر فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معك مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله (ص) خيرا ودعا له ، ثم قال رسول الله (ص) : أشيروا علي وإنما يريد الأنصار … " (8) . ولنا تعليق هنا أن سياق مسلم يريد أن يعطي إعراض رسول الله (ص) عن أبي بكر وعمر بعدا معينا ، وهو إنما أراد (ص) أن يسمع الأنصار دون المهاجرين ، والسؤال الواضح هو لماذا لم يحفظ التاريخ نص كلام كل من أبي بكر وعمر إن كان حسنا بالفعل ؟! ولماذا لم ينقل التاريخ أن رسول الله (ص) أعرض عن المقداد كما أعرض عنهما مادام يريد سماع رأي الأنصار ؟! بل لماذا لم يقل لهم (ص) خيرا ويدعو لهم كما فعل مع المقداد ؟ وقد علق ابن كثير على الرواية بقوله : " هكذا رواه ابن إسحاق رحمه الله وله شواهد من وجوه كثيرة " . ولقد روى البخاري في صحيحه عن طارق بن شهاب قال : سمعت ابن مسعود يقول : " شهدت المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به ، أتى النبي (ص) وهو يدعو على المشركين فقال : لا نقول كما قال قوم موسى لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك ، فرأيت النبي (ص) أشرق وجهه وسره " (9) . والواضح إن إعراض رسول الله (ص) عن كلام أبي بكر وعمر يوم بدر يدل على عدم ارتضائه لرأيهما ، كما أعرض عن رأي عمر حينما استشار (ص) المسلمين عن الأسرى يوم بدر كما نقله أحمد بن حنبل في المسند : " … استشار رسول الله (ص) الناس في الأسارى يوم بدر فقال : إن الله عز وجل قد أمكنكم منهم قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم قال : فأعرض عنه النبي (ص) قال : ثم عاد رسول الله (ص) فقال : يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس قال : فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه النبي (ص) قال : ثم عاد النبي (ص) فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر فقال : يا رسول الله أن ترى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء ، قال : فذهب عن وجه رسول الله (ص) ما كان فيه من الغم … " ، قال محقق الطبعة : حسن لغيره (10) . والمقصود بيان إن الإعراض كان يعبر عن عدم ارتياحه (ص) للرأي ولذلك كان التعبير " فذهب عن وجه رسول الله (ص) ما كان فيه من الغم " حينما سمع العكس . وقد نقل لنا التاريخ قول عمر الذي أشار به على النبي (ص) فأعرض عنه على ما نقله الذهبي في ( تاريخ الإسلام ) قسم السيرة النبوية تحت عنوان " ذكر غزوة بدر من مغازي موسى بن عقبة ، فإنها من أصح المغازي " : أخبرنا عدي بن أبي الزغباء : أن العير كانت بوادي كذا ، وقال عمر : " يارسول الله ، إنها قريش وعزها ، والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت ، والله لتقاتلنك فتأهب لذلك " (11) . فرأي عمر لا يخلو من تخويف للمسلمين في تلك المرحلة الحاسمة وكأنه يشبه من قال فيهم الله تعالى ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (12) . ثم يأتي رأي المقداد ليثبت الثقة في نفوسهم ويشحذ عزم جموع المسلمين في ذلك الوقت ، ولذا أشرق وجه رسول الله لكلامه وأعرض عن الأول . ثانيا : معركة أحد :
من المسلمات التاريخية أن جموع المسلمين فروا يوم أحد بعدما سمعوا أن رسول الله (ص) قد قتل ، ولم يبق مع رسول الله (ص) إلا القليل ، وفيهم نزلت الآية الكريمة ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (13) . وقد نقل البخاري في كتاب الجهاد باب قول الله تعالى ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (14) عن أنس (رض) قال : " غاب عمي انس بن النضر عن قتال بدر فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما اصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين …" (15). ويعرض ابن كثير في تاريخه أسماء بعض أولئك الذين اعتذر أنس بن النضر إلى الله تعالى من صنيعهم : "… قال ابن إسحاق وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال : انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال : فما يجلسكم قالوا : قتل رسول الله (ص) قال : فما تصنعون بالحياة بعده ، قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله (ص) ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل " (16) وذكر الخبر ابن هشام في ( السيرة النبوية ) (17) ، وابن حبان (18) ، والطبري (19) . وروى ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : " قال ابن هشام وكان ضرار بن الخطاب لحق عمر بن الخطاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول : انج يا ابن الخطاب لا أقتلك ، فكان عمر يعرفها له بعد الاسلام ( رض ) " (20) . وقد أقر بذلك عمر كما نقل عنه ابن حجر في ( الإصابة ) عند ترجمة أنس بن النضر عن ابن أبي شيبة : "… فذكر قصة فيها أن عمر دون الديوان وفرض للمسلمين وفضل المهاجرين السابقين قال : فمر به النضر بن أنس بن النضر ، فقال : افرضوا له في ألفين ، فقال له طلحة : جئتك بمثله ففرضت له ثمانمائة - يعني ولده عثمان - وفرضت له ألفين ، قال : إن أبا هذا الفتى لقيني يوم أحد ، فقال : ما فعل رسول الله (ص) ، فقلت : ما أراه إلا قد قتل ، قال : فسل سيفه وكسر غمده ، وقال : إن كان رسول الله (ص) قد قتل فإن الله حي لا يموت ، فقاتل حتى قتل " (21) . بل ينقل لنا التاريخ أن هؤلاء المتراجعين تكلموا بأكثر من جملة " إن رسول الله قد قتل " ، فينقل ابن سيد الناس في ( عيون الأثر ) عن موسى بن عقبة الذي وصف الذهبي مغازيه بأنها أصح المغازي قال موسى بن عقبة : " ولما فقد رسول الله (ص) قال رجل منهم : إن رسول الله (ص) قد قتل فارجعوا إلى قومكم - أي إلى المشركين - فيؤمنوكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم فإنهم داخلو البيوت ، وقال رجال منهم : لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا هاهنا ، وقال آخرون : إن كان رسول الله قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله عز وجل شهداء ؟ منهم أنس بن النضر شهد له بها سعد بن معاذ عند رسول الله (ص) " (22) . وأما موقف عثمان يوم أحد فقد نقل البخاري عن رجل سأل ابن عمر : " أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال : نعم … فأما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه … " (23) . ونقل النسائي في ( السنن الكبرى ) عن العلاء قال : " سأل رجل ابن عمر عن عثمان قال : كان من الذين تولوا يوم التقى الجمعان فتاب الله عليه … " (24) . نعم ، لقد فر كثير من المسلمين يوم أحد ، ولكن عثمان امتاز عنهم بميزة ذكرها ابن كثير في ( البداية والنهاية ) وهي أنه غاب عن المدينة ثلاثة أيام ، بينما رجع أكثر الفارين بمجرد ابتعاد فلول المشركين ، قال ابن كثير : " وقال الأموي في مغازيه عن ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عن جده سمعت رسول الله (ص) يقول وقد كان الناس انهزموا عنه حتى بلغ بعضهم إلى المبقى دون الأعوص ، وفر عثمان بن عفان وسعد بن عثمان رجل من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص فأقاموا ثلاثا ثم رجعوا فزعموا أن رسول الله (ص) قال لهم : " لقد ذهبتم بها عريضة " (25) . وقد نقل ذلك الطبري في تاريخه (26) وابن الأثير في ( الكامل ) (27) والسيوطي في ( الدر المنثور ) (28) . وأما شجاعة علي (ع) يوم أحد تجدها فيما نقله ابن هشام (29) قال : وكان يقال لسيف رسول الله (ص) ذو الفقار ، وحدثني بعض أهل العلم أن ابن نجيح ، قال : نادى مناد يوم أحد : " لاسيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي " . وروى الحاكم في ( مستدرك الصحيحين ) عن ابن عباس (رض) قال : جاء علي (رض) بسيفه يوم احد وقد انحنى ، فقال لفاطمة (رض) : هاكي السيف حميدا فإنها قد شفتني ، فقال رسول الله (ص) : " لئن كنت أجدت الضرب بسيفك لقد أجاده سهل بن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأفلح والحارث بن الضمة " ، ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه (30) وأقره على ذلك الذهبي . وروى ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) لما كان يوم أحد نظر النبي (ص) إلى نفر من قريش فقال لعلي : " احمل عليهم " ، فحمل عليهم فقتل هاشم بن أمية المخزومي ، وفرق جماعتهم ثم نظر النبي (ص) إلى جماعة من قريش فقال لعلي : " احمل عليهم " ، فحمل عليهم ففرق جماعتهم ، فقتل فلانا الجمحي ، ثم نظر إلى نفر من قريش فقال لعلي : " احمل عليهم " فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي فقال له جبريل (ع) : إن هذه المواساة ، فقال (ص) : " إنه مني وأنا منه " ، فقال جبريل : " وأنا منكم يا رسول الله " ، بعد هذا يقال إنهم أشجع من علي (ع) (31) .
ثالثا : غزوة الخندق :
روى الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) : عن ابن إسحاق قال : كان عمرو بن ود ثالث قريش ، وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ولم يشهد أحدا ، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مشهده فلما وقف هو وخيله ، قال له علي : يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعو رجل إلى خلتين إلا قبلت منه أحدهما ، فقال عمرو : أجل فقال له علي (رض) فإني أدعوك إلى الله عز وجل ورسوله (ص) والإسلام ، فقال : لا حاجة لي في ذلك ، قال : فإني أدعوك إلى البراز ، قال : يا ابن أخي لم ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك ، فقال علي : لكني أحب أن أقتلك ، فحمي عمرو فاقتحم عن فرسه فعقره ثم أقبل فجاء إلى علي وقال : من يبارز ، فقام علي وهو مقنع في الحديد ، فقال : أنا له يا نبي الله فقال : إنه عمرو بن ود اجلس فنادى عمرو ألا رجل فأذن له رسول الله (ص) ، فمشي إليه علي (رض) … وضربه علي على حبل العاتق فسقط وثار العجاج فسمع رسول الله (ص) التكبير فعرف أن عليا قتله … " (32) . وفي رواية ابن كثير في تاريخه قال : وذكر الحافظ البيهقي في ( دلائل النبوة ) عن ابن إسحاق : " … أن عمرو بن ود نادى في المسلمين ثلاثا ألا رجل يبرز ؟ فيقول علي (ع) أنا لها يا نبي الله فيقول له : إنه عمرو اجلس حتى قال عمرو في الثالثة : أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها ؟ أفلا تبرزون إليَّ رجلا ! فقام علي فقال : أنا يا رسول الله ؟ فقال : إنه عمرو فقال : وإن كان عمرا فأذن له رسول الله … " (33) . وعن موقف عمر بن الخطاب يوم الخندق روي ابن كثير في تاريخه حديثا قال : رواه الإمام أحمد عن عائشة مطولا جدا وفيه فوائد قالت : خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي يعني حس الأرض ، قالت : فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه بن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة قالت : فجلست إلى الأرض فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، قالت : وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم ، قالت : فمر وهو يرتجز ويقول : ليت قليـلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت : فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين ، وإذا فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة له يعنى مغفرا ، فقال : عمر ما جاء بك لعمري والله إنك لجريئة ، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز ، قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها ، قالت : فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : يا عمر ويحك انك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل … " (34) ، وذكره ابن حبان في صحيحه (35) . ألا يدل تأنيب طلحة " أين التحوز أو الفرار " إن عمر كان يفكر بالفرار ؟ ونترك للقارئ إدراك الفرق في المواقف من تلك النصوص ، ومن الأشجع ؟ كما أن حديث ( المستدرك ) السابق يذكر عمر بن الخطاب حينما رجع علي (ع) من قتل عمرو بن ود : " … ثم أقبل علي (رض) نحو رسول الله (ص) ووجهه يتهلل ، فقال عمر بن الخطاب (رض) : هلا سلبته درعه فليس للعرب درعا خيرا منها فقال : ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي أن استلبه وخرجت خيله منهزمة حتى أقحمت من الخندق " (36) . فعمر كان ممن سمع نداء عمرو بن ود للمبارزة ، ولكنه لم يحرك ساكنا ، فمن الأشجع ؟ أم إنه منطق ( ديك ولو باضت ) ! وأما أبو بكر فلم تذكره الروايات في الخندق بقليل ولا كثير . رابعا : غزوة خيبر :
فما روي عن أبي بكر وهزيمته وعمر وتجبين أصحابه له عند بعثهم لفتح خيبر صححه كل من الحاكم والذهبي فقد نقل الحاكم روايتين حول أبي بكر .الأولى عن مسلمة بن الأكوع (رض) قال : " بعث رسول الله (ص) أبا بكر (رض) إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد ولم يكن فتح " ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح (37) . والثانية عن أبي ليلى عن علي أنه قال : يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر قال : بلى والله كنت معكم قال : فإن رسول الله (ص) بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتى رجع ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال في التلخيص : صحيح (38) . ويروي الحاكم أيضا روايتين عن دور عمر يوم خيبر :
الأولى عن علي (ع) قال : " سار النبي (ص) إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر (رض) وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي (ص) ، الحديث ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال في التلخيص : صحيح (39) . والرواية الأخرى عن جابر (رض) أن النبي (ص) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر (رض) فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (40) . والذي يدل على أن عمر جبن لا أنه اتهم بذلك ما رواه الحاكم في مستدركه عن جابر (رض) أنه قال : لما كان يوم خيبر بعث رسول الله (ص) رجلا فجبن (41) .
إلى أن قال رسول الله (ص) في الحديث المتفق عليه عند أصحاب الحديث : " لأبعثن غدا رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" ، وفي رواية " لا يولي الدبر يفتح الله على يديه " . وروى الحاكم عن ابن عباس : فاستشرف لها مستشرف فقال (ص) : أين علي ؟ قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة ، قال الذهبي في التلخيص : صحيح (42) ، ورواه البخاري ومسلم في صحيحهما بلفظ آخر (43) ، ونقل مسلم تفاصيل الفتح الذي كان على يديه بمبارزة علي (ع) لمرحب (44) .
خامسا : يوم حنين :
صرح البخاري أن عمر بن الخطاب كان من الهاربين المنهزمين عن رسول الله (ص) حينما كانت الجولة الأولى للمشركين فروى البخاري في صحيحه : عن أبي قتادة (رض) قال : " لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله ، فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني واضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته ، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم ، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس ، فقلت له : ما شأن الناس ؟ قال : أمر الله ، ثم تراجع الناس إلى رسول الله (ص) " (45) . وأما من ثبت مع رسول الله (ص) فقد عددهم ابن كثير في تاريخه ( البداية والنهاية ) فيما روى عن جابر بن عبد الله (رض) قال : "… وأقبل رسول الله وأصحابه حتى انحط بهم الوادي ، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم ، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد ، وانحاز رسول الله (ص) ذات اليمين يقول : أين أيها الناس ؟! هلموا إلي أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ، قال : فلا شيء ، وركبت الإبل بعضها بعضا ، فلما رأى رسول الله (ص) أمر الناس ومعه رهط من أهل بيته : علي بن أبي طالب وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وأخوه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس " (46) . فبعد هذا كله هل يعد رأي ابن تيمية الذي نقل من العلم أم من الجهالات التي تفوح منها رائحة العصبية العمياء لأبي بكر وعمر حينما يقول : " وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمة هي شجاعة القلب ، فلا ريب أن أبا بكر كان أشجع من عمر وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير وهذا يعرفه من يعرف سيرهم وأخبارهم " يقصد السير والأخبار المنسوجة في مخيلته ، وإلا فقد نقلنا ما في كتب السير والأخبار ؟!!======================
(1) البداية والنهاية - ج7 ص25
(2) تاريخ الطبري - ج2 ص138
(3) صحيح البخاري - ج5 ص95
(4) صحيح البخاري - ج5 ص96
(5) سيرة ابن هشام - ج2 ص(347 - 354)
(6) صحيح البخاري - ج6 ص179
(7) صحيح مسلم - ج3 ص1403
(8) البداية والنهاية -ج3 ص220
(9) صحيح البخاري - ج5 ص93
(10) مسند أحمد بن حنبل - ج21 ص180
(11) تاريخ الإسلام - المجلد الخاص بالسيرة النبوية - ص106
(12) آل عمران : 173
(13) آل عمران : 155
(14) الأحزاب : 23
(15) صحيح البخاري - ج4 ص23
(16) البداية والنهاية - ج3 ص68
(17) سيرة ابن هشام - ج3 ص46
(18) صحيح ابن حبان - ج5 ص97
(19) تاريخ الطبري - ج2 ص199
(20) البداية والنهاية - ج3 ص116
(21) الإصابة - ج3 ص261
(22) عيون الأثر - ج2 ص20
(23) صحيح البخاري - ج5 ص(125 - 126)
(24) السنن الكبرى للنسائي - ج5 ص137
(25) البداية والنهاية - ج4 ص32
(26) تاريخ الطبري - ج2 ص203
(27) الكامل في التاريخ - ج2 ص47
(28) الدر المنثور - ج2 ص356
(29) سيرة ابن هشام - ج3 ص64
(30) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص26
(31) تاريخ دمشق - ج42 ص76
(32) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص34
(33) البداية والنهاية - ج4 ص121
(34) البداية والنهاية - ج4 ص141
(35) صحيح ابن حبان - ج6 ص304
(36) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص35
(37) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص39
(38) المصدر السابق
(39) نفس المصدر السابق - ج3 ص40
(40) المصدر السابق
(41) المصدر السابق
(42) المستدرك على الصحيحين - ج3 ص143
(43) صحيح البخاري - ج5 ص171 ، صحيح مسلم - ج3 ص1872
(44) صحيح مسلم - ج3 ص1441
(45) صحيح البخاري - ج5 ص197
(46) البداية والنهاية - ج4 ص373