وُلِد في داخل الكعبة مجدٌ قتلوه في مسجد الكوفة
حيدر محمد الوائلي
لحاجة في نفسه قضاها...
في نفسٍ ألهمها الله فجورها وتقواها...
تمسك بفجورها وترك تقواها بكل سهولة...
اهٍ من نفسٍ ما أوقحها...
فصار من دنيا الفاجرين أشقاها...
وفي التاسع عشر من رمضان فعلها، فما راعها ولا وعاها...
كانت ضربة من الخلف على رأس مجدٍ شرّف التاريخ والحضارة...
فما كان لمجرمٍ شرف النظر لنور وجه علي...
في التاسع عشر من رمضان ضربك الشقي من الخلف على رأسك، فشق المجرم رأساً لم تسجد لصنمٍ قط، قد كرّم الله وجهه...
ومن الخلف أتت ضربة لتنهي حياة مجدٍ شرف التاريخ والحضارة وتعلن ولادته من جديد أن أكتب يا تاريخ ويا ضمير الإنسان ويا ذكرى الزمان وأحكي وأروي حكايات وروايات وقصص رجلٍ تشرف به التاريخ والضمير الإنساني وذكرى الزمان...
من الخلف أتت طعنة على رأس عليٍ بعدما فر من وجهه فحول الرجال وأسود القتال وأبطال الحروب فصيّر الفحول أمامه جثث هامدة، والأسود قططاً هاربة والأبطال ظهوراً للفرار مهرولة...
ومنهم من قاد جيشاً فبرز له علي فهرب، فيبدي عورته وسط حشود الجيش لأنه لم يستطع الهروب حتى، لعلمه أن علي مؤمن عزيز نفسٍ لا ينظر لعورة أحد...
لم تستطع تلك الوجوه لنور وجه علي حجاب، ولبطش سيفه درع، فكانت ضربة واحدة في يوم الخندق يوم بلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا ويصفهم الله بسورة الأحزاب وصفاً دقيقاً مهماً فيومها كان الامتحان وفيه يكرم المرء أو يُهان...!!
فكان علي لها شاهراً سيفه ضارباً إبن ودٍ ضربة وصفها الرسول محمد (ص) أنها تعدل عبادة الثقلين (الأنس والجن)...!!
ولك أن تحسب ببقية مئات الضربات عبادة أجيال وأجيال كان علي فيها حامل لواها وليث حماها وفارس وغاها، حتى بُني للأسلام أساسه وعلا...
قتلك أشقى الناس في شهر الصيام يا أمير المؤمنين علي، فراح خير الأنام بسيف أرذلهم، في شهر الصيام...
وأنا أحبك في الله يا علي، فحبك إيمانٌ وبغضك نفاق، وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار...
أحببت فيه حبه للإنسان، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحب الفقراء ويحبونه، ويتصرف كأبسط الناس وهو في أعلى هرم السلطة، لأن السلطة عنده وظيفة وتكليف ينزهها الشخص ويعظمّها فليست السلطة من جعلته عظيماً.
قيل أن علياً مرّ في أحد الأيام كما هي عادته في تفقد أمور الرعية بنفسه (لا سكرتيره ولا موظف صغير يفعل ما يحلو له بمزاجه)، فصادف أن مر قرب بيت فيه أطفال يبكون ويصرخون، فطرق الباب، فإذا بها امرأة وحولها أطفالها يبكون...!!
قال لها: مم بكاء الأطفال...؟!
ردت: قُتل أبوهم في أحد حروب الإسلام مع علي، وهؤلاء أيتامه يبكون من الجوع...!!
فثار أمير المؤمنين علي وأنتفض راكضاً كما كان يركض شاهراً سيفه بالحق لجلب الطعام وتحضيره للطبخ إليهم، كيف هناك أيتام جائعين وأرملة حزينة في دولة الأمام علي...؟!
ولمّا أكمل إحضار المواد اللازمة للطعام قال لها: أتطبخين وأنا أسلي الأطفال، أم أنا أطبخ وأنت تسليهم...؟!
فتحرجت المرأة من الطلبين فرفضتهما...!! ولكن الأمام عليّ أصر...!!
فقالت له: أنت تسلي الأطفال بينما أنا أعد الطعام...
تصورت المسكينة أن في ذلك حطاً من مقام علي وتنزيلاً من شأنه وهو أمير المؤمنين أن يطبخ...!!
ولم تعرف أن الأمام علي لا يكترث لتلك البهارج بتاتاً...!! (ليس كمثل الكثير من قيادات اليوم وسياسييهم وقادة المجتمع ورجال دين ممن يستنكفون من كل شيء، حتى من تنفيذ واجباتهم الوظيفية التي يتقاضون عليها رواتب تترواح بين الكبيرة والخيالية)
فبينما هي تعد الطعام فأرادت أن تعرف سر سكوت الأطفال وهدوئهم قرب الأمام علي...؟!
وصُعِقت حين رأت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يمشي على يديه ورجليه كمشية الخروف ليضحك الأطفال ويسليهم...!!
أحببت في عليٍ حرصه على الناس عموماً، جميعاً (لا تفريقاً ولا تمييزاً) ففي أحد المرات وجد عليٌ شحاذاً فأمتعض وغضب لرؤيته وثار قائلاً (ما هذا)...؟!
وأخذه وصرف له استحقاقه من بيت مال المسلمين...!!
والمُلاحَظ أن علياً لم يقل (من هذا)...!!
فهو لم يقبل وجود شحاذاً وهو حاكم، وقيل أن هذا الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً أو يهودياً)...!!
أراك في يوم من أيام الكوفة تتفقد الرعية كعادتك، فتراه شحاذاً يشحذ فترتعد فرائصك وتهتز، وأنت الذي لم تهتز عند مواجهة أبطال العرب وأرديتهم صرعى أمامك...
أراك تهتز يا علي لأنك رأيت شحاذاً يشحذ وعلي حاكم...!!
تأمر له بالعطاء الفوري ولم تسأل من هو، لتعلم لاحقاً أن الشحاذ كان على غير دين الإسلام (مسيحياً ربما أو يهودياً) سكن بـ(سلام تام) بجوار مسلمي الكوفة فلم يغير ذلك بالأمر شيئاً ولم يعر له علياً أدنى اهتمام، فعلي يعامل الإنسان على أنه إنسان كرمه الله أولاً وأخيراً، وهو القائل (ع): (الناس صنفان: أما أخ في الدين أو نظير في الخلق)...
مر شيخ كبير مكفوف (أعمى) يسأل طالباً, فقال أمير المؤمنين: ما هذا...؟!
(لا حظوا مرة ثانية قال: ما هذا...!!)
قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني...!!
فقال أمير المؤمنين: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه...!! أنفقوا عليه من بيت المال.
هذا هو نظام التقاعد الذي يعمل به العالم الحديث في القرن العشرين، قد سبقهم علي إليه قبل مئات السنين...!!
تعال ها هنا في يومنا يا علي لترى الجوع والفقر والتمييز بالعطاء والمناصب، وعائلات وأحزاب تحكم وتبطش وتظلم وتسرق بالناس على قفا من يشيل...!!
تعال لترى البعض يحقد ويصيبه شيء في قلبه لدى معرفته أن فلاناً من طائفة ليس كطائفته في الدين الواحد، فأصبح الدين مدعاة للكراهية والأهانة أكثر من الحب والأحترام...
دين طائفة اليوم لا دين الله، ويعبدون الطائفة لا يعبدون الله...
ولك أن تقيس ببقية الأديان...
سُئل أمير المؤمنين: يا علي هل استشرت أباك عندما آمنت بمحمد...؟!
أجاب: وهل استشار الله أبي حينما خلقني...؟!
كان هذا جواب علي وهو صبي صغير...!!
هذا دين الفكر والتفكر وليس كمثل دين اليوم الذي يورّث وراثة عن الآباء والأجداد كما يورّث الشكل والدار والعقار...
دخل عقيل بن أبي طالب على أخيه علي (ع) يوم كان الخليفة الرابع، وكان عقيل أعمى ويطمع بزيادة في راتبه ومستحقاته من بيت مال المسلمين والذي هو اليوم في أرقى الأنظمة يُسمى (الضمان الاجتماعي) فكان في دولة علي هذا الضمان قبل ألف وأربعمائة سنة من الزمان...!!
فقال الأمام علي لأخيه عقيل: لو كنت تحتاج لِلباس فسأعطيك من استحقاقي الخاص ولا أزيدك فلساً ليس بحق لك.
فقال عقيل لأخيه أمير المؤمنين علي: يا علي إني بحاجة...!!
فقال له الأمام علي مؤدباً: خذ بيدي وأذهب بي إلى سوق الصرافين لأسرق لك...!!
فقال له عقيل: لم أقل لك ذلك...!!
فقال له علي: وما فرق أن أسرق من بيت المال (الميزانية، عوائد النفط، مميزات حكومية لموظفين كبار على حساب بقية الموظفين، مخصصات كبيرة لمسؤولين وسياسيين على حساب بقية الشعب، مميزات لأحزاب سياسية على حساب الميزانية، نفقات لسفرات وولائم المسؤولين الكرماء جداً ليس بأموالهم الخاصة بل بأموال الشعب، موظف يتقاضى راتباً ولا يؤدي وظيفته بالشكل الصحيح) أو أسرق من سوق الصرافين...؟!
لم يقتنع عقيل وألح على الأمام علي (ع)، فأراد الأمام علي أن يهذبه بأكثر مما تهذب العامة من الناس، فأحمى حديدة وطلب من عقيل الأعمى أن يمد يده، فمدها، فوضع الأمام علي الحديدة الحامية بيده فأن لها عقيل وصرخ متألماً، فقال له الأمام علي:
(يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من أذى ولا أئن من لظى)...!!
هذا هو الأمام علي من ألهم كاتب مسيحي معاصر هو (جورج جرداق) أن يكتب فيه سِفراً رائعاً بكتاب طبعوه بمجلد كبير ومن ثم بخمسة أجزاء عنوانه (الأمام علي صوت العدالة الإنسانية) يقع جميع أجزاءه الخمسة في (1379) صفحة في طبعته الأولى كأجزاء لسنة 2003...!!
وكتب فيه مسيحي معاصر آخر هو (راجي أنور هيفا) كتاباً عنوانه (الأمام علي في الفكر المسيحي المعاصر) يقع في (750) صفحة في طبعته الأولى لسنة 2007...!!
وغيرهم كثير من مسلمين وغير مسلمين، متدينين وعلمانيين، عرب وأجانب ممن تأثروا بفكر الأمام علي وشخصيته وسيرته المعطاء والتي لو غطت (فكره، قضاؤه، دولته، سياسته، تعامله مع الناس، حربه، سلمه، سيرته، حكمته، أقواله، خطبه، عبادته، زهده، عدله، إنصافه، و...الخ) لاحتاجت لتغطيتها مكتبات من المؤلفات...!!
الأمام علي (ع) في أيام حكومته كان يراقب مسؤوليه على المدن ويبعث لهم بالنصائح والتوجيهات، وهذا ليس بمعجزة ولا مستحيل لكي يتذرع ويحتج من رفع إسم علي بكلامه وإدعى حبه والاقتداء به وفور تسنم مسؤولية أو إدارة تراه يلقي تلك الحكم والمواعظ في الدرج قرب مبالغ الرشوة وملفات المحاصصة والمحسوبية والفساد والتقاعس والأهمال واللامسؤولية في الحكم...!!
يقول الأمام علي (ع) في إحدى رسالاته لأبن حنيف وهو عامله على البصرة حيث تمت دعوته من قبل أغنياء من البصرة مجاملة له، فلما وصل خبر تلك الدعوة لم يقبلها الأمام علي حيث فهم منها دعوة تزلف وقربى، فلماذا يدعى الحاكم دون بقية الناس، ولو لم يكن حاكماً هل تتم دعوته...؟!
فهذه مقتطفات من تلك الرسالة الخالدة الواردة في (شرح نهج البلاغة للشيخ الأمام محمد عبده خطبة رقم "283"):
"أما بعد يبن حنيف... فقد بَلَغَني (تصوروا أن الأمام من كثرة سؤاله ومراقبته يقول بَلَغَني) أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها، تستطاب لك الألوان وتُنقَل إليك الجفان وما ظننت أنك تُجيب إلى طعام قومٍ عائلهم(أي فقيرهم) مَجفوّ(أي مطرود) وغَنيهم مَدعوِّ، فأنظر الى ما تقضمه من هذا المَقظم(أي الفكين) فما إشتبه عليك عِلمه فإلفظه(أي إتركه) وما أيقنت منه فنل منه...
أأقنع من نفسي أن يُقال: "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة(أي خشونة) العيش، فما خُلِقتُ ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها عَلَفها، أو المُرسلة(أي الغير مربوطة) شُغلُها تقممها(أي أكلها للقمامة) تكترش(أي تملأ كرشها) من أعلافها وتلهو عمَّا يُراد بها..."
الملاحظ أن الأمام علي (ع) يقول: (أأقنع من نفسي أن يُقال "هذا أمير المؤمنين" ولا أشاركهم في مكارة الدهر أو أكون أُسوة لهم في جُشوبة (أي خشونة) العيش...الخ )...
فهو يقول أنه لا يقنع بأن يقال له أمير المؤمنين (رئيس، رئيس وزارء، وزير، محافظ، مدير عام، مدير دائرة، مدير فرع، موظف مسؤول) بوجود أناس جياع أو يعيشون حياة صعبة وقاسية ولا يساعدهم عليها، أو مواطنين يعانون من المراجعات في دوائر الدولة أو عدم قضاء حقوق الشعب وتوفير الخدمات له أو التمييز بالمعاملة بين المراجعين في دوائر الدولة أو تصرف بعض الموظفين المهين للمراجعين في مؤسسات الدولة...
فالأمام علي يقول على الأقل أنه يشاركهم بمكاره العيش وصعوبته فيصبرون لدى رؤيتهم إياه يفعل ذلك...
لم يذكر الأمام أأقنع أن يقال "هذا أمير المؤمنين" بوجود مفاسد أخلاقية مثلاً، لأن الأمام علي (ع) يعتقد بأن مداراة الناس، وقضاء حوائجهم، ومتابعة أحوالهم هي الغاية الكبرى للحاكم العادل وللمسؤولين العادلين جميعاً...
لم يقل الأمام علي (ع): (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين"...الخ) رغم حروبه الثلاث التي خاضها ضد عشرات الآلاف فسح حروبه التي خاضها أيام حكومته...
حرب الناكثين (في الجمل) الذي نكثوا البيعة وخرجوا عليه، أو في حربه القاسطين (في صفين) الذي ظلموا الناس وسرقوا حقوقهم، أو في حربه المارقين (في النهروان) وهم المنافقين الذين يمرقون من الدين كمرق السهم...
وهؤلاء جميعاً خرجوا ضد حكومة الأمام علي (ع) فهو أمير المؤمنين رغم كثرة الأعداء...
لم يقل الأمام علي (ع): (أأقنع أن من نفسي أن يقال "هذا أمير المؤمنين"...الخ) رغم وجود مفاسد أخلاقية كشرب الخمر أو الزنا أو السرقة...الخ، فهو أمير المؤمنين ولو أرتكب بعض الناس هذه المفاسد...
ولكنه لا يقبل أن يقال له أمير المؤمنين ولعل في –وعلى نص قوله– (بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص (أي لصعوبة حصوله على قرص الخبز فأنه لا يطمع بأكثر منه) ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً (أي شبعاناً) وحولي بطونٌ غرى (أي جائعة) وأكباد حرّى (أي عطشانة)...!!
قال ذاك وكان عاصمة حكمه (ع) مدينة الكوفة وسط العراق...!!
أحببت فيه حبه للعمل والمثابرة وعدم الاتكال على الآخرين ويأكل خبزه من عرق جبينه فالعمل عبادة وكانت أحب الأعمال لعليٍ الزراعةوغرس الأشجار وإحياء الأراضي البور وإحداث القنوات...
يزرع ليحصد، وهو الذي ملأ التاريخ زرعاً لم ينقطع ثماره لا في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل فثمار علي وحكمته وسيرته لا يذبل ثمارها ولا يفسد بل يبقى طرياَ نَظِراً رغم تقادم السنوات ما دامت القلوب التي تحويها بيضاء طاهرة لا سوداء عفنة، فالقلوب أوعية، ولينظر كل وعاء بما فيه وما يحويه ومن يمليه وأي وعاء هو بالأصل وكيف صار...!!
يا علي مالي أراك وحيداً صابراً (وصبرك يلهمنا الصبر) لم يترك لك الحق لا صاحباً ولا صديق، وتمشي بطريق الحق وحيداً حتى إستوحشته لقلة سالكيه...
أراك يحاربك الأصحاب ويشنوا عليك الهجوم فلم تتردد في محاربتهم رغم حزنك على حالهم والى ما صاروا إليه...
هم مع الحق مادام الحق يدر عليه ربحاً وشهوة ومناصب، ولما طردهم ذات الحق من مناصبهم وحرمهم من شهواتهم أصبح الحق باطلاً، والمعروف منكراً...
وكم من أمثالهم ها هنا اليوم يحكمون ويديرون مؤسسات الدولة، ومعهم سياسيون ورجال دين وجموع غفيرة من الناس مغفلين وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق...
أحببت في الأمام علي عدم رضاه بمنصبه وقناعته فيه إلا أن يحقق للناس عدل ورفاهية وعيش كريم، فقيل أنه دخل عليه ابن عباس في ذي قار جنوب العراق لدى توجهه لصد الخارجين عليه من الحجاز الى العراق حيث حين حاربوه لعدالته، وكان علياً يخصف بنعل له بالية...!!
فقال الأمام علي لصاحبه ابن عباس: (ما قيمة هذا النعل)...؟!
فرد ابن عباس: (انه نعل بالية –لا تساوي شيئاً-)...!!
فرد عليه الأمام علي: (هي –النعل- خيرٌ لي مما يحاربونني عليه –السلطة- إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً)...!!
في الأمام علي صفات كثيرة جداً، ألفوا فيها المؤلفات وكتبوا فيها الكتابات وكان كثيراً منها صفات بشرية أخلاقية وليست إعجازية ويمكننا الاقتداء بها نحن معاشر من نقول إننا نحبه...!!
فليس من المستحيل أن نبقى على الحق وأن نكون صادقين، فعلي كان صادقاً ويمكننا أن نبقى على الصدق إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
وليس من المستحيل أن نكون أوفياء، فعلي كان وفياً ويمكننا أن نبقى على الوفاء إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
وليس من المستحيل أن نكون مدافعين عن حقوق الناس والمظلومين ونحقق مطالبهم المشروعة ويكون همنا قضاء حوائج الناس، فعلي كان مدافعاً عنهم ويمكننا أن نبقى على الدفاع عن المظلومين وأن نحق الحقوق إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
وليس من المستحيل أن نكون متسامحين وكاتمي الغيظ وأن نكون محبوبين وصابرين، فعلي كان متسامحاً، حليماً، محبوباً، وصابراً...
وليس من المستحيل أن نكون ثائرين ضد الظالمين، فعلي كان ثائراً ضد الظلم، إن أردنا وناضلنا وأصررنا...
نقتدي برسول الله وأهل بيته الكرام وأصحابه المنتجبين فهم قدوة للعالم أجمع، والقدوة إنما صارت قدوة فلكي يتبعها الناس ويقتدون بها، لا أن يقولوا من نحن لنكون مثلهم...!!
فهم ليسوا مثلنا في النبوة والإمامة والصحبة والمقام والكرامة وغيرها من المقامات ولكن هنالك أخلاقيات تمسكوا بها من الممكن التمسك بها أيضاً مع فارق المستوى بيننا وبينهم...
يقول الله مخاطباً الناس من على لسان الرسول: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صلحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (آية 110/سورة الكهف)...
ولقد تعجب بعض الجهلة ممن يريد نبياً خارقاً لا نبياً كالناس ومن الناس وللناس، حيث يصف تعجبهم وجهلهم الله بكتابه العزيزوقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (آية 7-9/سورة الفرقان)...
لا ينطق النبي عن الهوى، وحتى في صفاته الإنسانية وتصرفاته، فكلها وحي يوحى إليه (ص)، ولذلك هو أسوة حسنة للناس أجمعين...
السلام عليك يا علي يوم وُلدت في بطن الكعبة ولم يكن قبلك وليداً فيها...!!
والسلام عليك يوم عشت في كنف ورعاية رسول الله ولم يكن أحداً قبلك عنده في مقامك هذا...!!
والسلام عليك يوم استشهدت في خير شهور الله (شهر رمضان)، بخير الأماكن عند الله في المسجد (مسجد الكوفة) بخير بقعة في المسجد (محراب صلاة) بخير الأوقات عند الله (وقت صلاة الفجر) حيث جعله الله على المؤمنين كتاباً مشهودا...
ولم يكن قبلك من أحدٍ جمع ظروف الزمان والمكان والحال تلك لينال الشهادة...!!
ما عساي أن أختم فيك يا علي مقالي سوى السماح والعذر والاعتذار، فمثلك لا يكتب فيه ولا يؤبنه ويصفه مثلي...
وما عساي إلا أن أختم متواضعاً مضطرباً بأبياتٍ هي الأخرى متواضعة قالها الشاعر (عبد الرحمن صالح العشماوي الغامدي) نُشِرت في موقع جريدة الجزيرة السعودية وهي من روائع الشعر المعاصر الذي قيل في أمير المؤمنين علي (ع) وهي قصيدة طويلة بعنوان (رسالة: إلى علي بن أبي طالب سلام الله عليه)، وفيما يلي ستة أبياتٍ منتقاة منها:
هذي خيولُكَ ما يزالُ أَصيلُها ... يُحيي المشاعرَ رَكْضُها وصهيلُها
تمشي على قدمَيْكَ مِشْيَة فارسٍ ... لمْ يَثْنِهِ وَعْرُ الطريقِ وطُولُها
آخاكَ في الإسلامِ أفضلُ مُرْسَلٍ ... نعمَ الأُخُوَّةُ لا يُرامُ مَثيلُها
مِنْ أينَ أبدأُ -يا عليُّ- حكايتي ... إني لأخشى أنْ تطولَ فصولُها
قد تخذلُ الأفكارُ طالبَ وُدِّها ... ويخونُ ورقاءَ الغصونِ هَديلُها
مَن أنتَ؟ قالَ المجدُ لي مُتَعَجِّباً ... هذا (أبو السِّبْطَيْنِ) كيفَ تقولُها؟!
تعليق