دخلت عكرشة بنت الأطرش بن رواحة على معاوية، وكانت قد بلغ الكبر منها وبيدها العصا، فسلمت عليه بإمرة المؤمنين.
فقال لها معاوية: الآن صرت أمير المؤمنين عندك يا عكرشة؟!
قالت: نعم لأن عليا (عليه السلام) لم يكن على قيد الحياة.
فقال معاوية: ألست الحاملة السيف يوم صفين، والواقعة بين الصفين، وتقولين:
أيها الناس!.
انظروا أنفسكم ، فإن كنتم على هدى فلن يضركم إضلال الآخرين، فإنهم لن يخرجوكم من الجنة، التي لا موت فيها ولا شيخوخة، فلا تقاس نعمة الجنة بهذه الدنيا، فاشتروا الجنة التي لا هم منها ولا نصب، فكونوا على بصيرة من دينكم، واصبروا حتى تنالوا حقكم، وثبتوا أقدامكم، وتعاونوا فيما بينكم حتى يأتيكم النصر.
إن معاوية قد جمع لكم هؤلاء الأعراب، غلف القلوب، من الجهال، لا يدركون الإيمان، ولم يطلعوا على العلم والحكمة، فدعاهم إلى الدنيا بالباطل، فكبروا له.
عباد الله! خافوا الله، ودافعوا عن دينكم، إن معاوية وأشياعه يريدون ضعضعة الدين، وإطفاء نور الحق، هذه بدر الصغرى، وعقبة الأخرى.
يا معشر المهاجرين والأنصار! كونوا على بصيرة من أمركم، وصمموا على عزمكم، فستلتقون منع أهل الشام غدا، وهم يخافون سيوفكم، كأنهم حمار يصيح من دبره، وكبعير يطرح بعروره.
ستقولون: نراك بهذه العصا، وأنت في وسط عسكرين، وهذه عكرشة بنت الأطرش بن رواحة، تريد هلاك عسكر أهل الشام، فلو لم تكن مشيئة الله، فما هذا العمل منك؟
قالت: يقول الله تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ]
فقال معاوية: صدقت، ما حاجتك؟
قالت: إن الصدقات التي كانت تؤخذ منا، كانت تعطى لمحتاجينا، أما الآن فقد تغير الأمر عما كان عليه قبل، فالصدقات لا توزع على محتاجينا، فإن كان هذا العلم بأمرك وبإشارة منك، فلابد من أحد أن ينبهك على هذه الغفلة، وأن تتوب منها، ولو لم يكن هذا العمل على علم من عندك، ويقوم به أحد دون إذنك، فلابد من تنبيهك على ذلك حتى لا يتولى هذا الأمر من العمال الخائنين والظلمة.
فقال معاوية: قد يحدث لنا من الخلل في أمور الرعية، ونحن حد الإمكان نتغلب على هذه الحالات ونجبر ما حدث.
فقالت: سبحان الله! إن الله لم يقرر لنا حقا يضر بالآخرين، وهو علام الغيوب.
تعليق