(1)
استشهاد الإمام (ع) تاريخ وعبرة لعلهم يتقون !!
(كريم مرزة الاسدي)
سئل المتنبي ذات يوم , لماذا تركت مدح الإمام (ع) , وأنتابن الكوفة , فأجاب :
وتركتُ مدحي للوصيِّ تعمداً إذ كان نوراً مستطيلاً شـــــــــــاملا
وإذا استطال الشيءُقامَ بذاتهِ وصفاتُ ضوءِ الشمس تذهبُ باطلا(1)
وكان البيتان موجودين في الطبع الأولى للبرقوقي (1903م), ثم حذفت من الديوان , ولكنهما موجودان في معظم كتب الأدب والتاريخ العربي , ويقولابن أبي الحديد المعتزلي شارح نهج البلاغة من قصيدة له في حق الإمام علي (ع) :
يارسمُ لا رسمتك ريحٌ زعـــــزعُ وسرتْ بليل ٍفي عراصك خروعٌ
قد قلتُ للبرق الذي شق َّ الدّجى فكـــــــــــــأنّ زنجياًهناك يجدعُ
يا برق ُإنٍ جئت الغري فقلٍْ لــهُ أتراك تعلمُ منَ بأرضـــــكمودعُ
فيك الإمام المرتضى فيك الوصي المجتبى فيك البطين الأنـــــزعُ
زهدُ المسيح ِوفتكـة الدّهر ِ الذي أودى بهَ كســـــــــرىوفوز تبعُ
هذا ضميرُ العالم المــوجود عن عدم ٍ وسرّ وجوده المســـتودعُ
ورأيتُ ديـــــنَ الأعتزال وأنـّني أهـوى لأجلكَ كـــــلَّمَنْ يتشيعُ
لا أريد أن أتكلم عن خصال الإمام (ع) وخلقه وزهده وتقواهوعدله وشجاعته وقرابته من الرسول (ص) , وأحقيته , وسبقه في الإسلام , ومؤاخاته للنبيالكريم (ص) , وتفانيه في مساعدة الفقراء , وقد أوجزت ذلك في قصيدتي عن الإمام (ع):
ألا للهِ من نفس ٍ تســــــــامتْ عن الدنيا وذي الدنيا حطامُ
فأنتَ شعاعُ كلِّ عظيم ِ نفس ٍ ومنكَ ســـما عباقرة ٌ عظامُ
مجالاتُ اتســـ اعكَ كلُّ أفق ٍ بليغ ٌ أو تقــــيٌّ أو همــــــامُ
ولو كانتْ ســجية ُ أيِّ فردٍ بواحدةٍ لحــــلَّ لهُ القيــــــــامُ
هذه الأمور لا يختلف عليها اثنان من المسلمين , ونحن الآننلقي فكرة مختصرة عن استشهاده الشريف للذكرى , إذ بعد موقفه الحكيم بإطلاق الماء عندسيطرته عليه في ذي الحجة سنة (36 هـ) (2) ( حزيران 657 م) , بعد أن منع عن جيشه أبانمغركة صفين التي استمرت حتى ( 37 هـ / 657م) , وقبوله التحكيم , إنشق الخوارج عنه, فانتصر عليهم في معركة النهروان في ( 17 تموز 658 م (3) /9 صفر 38 هـ ) وبتحريض منهمتوجه عبد الرحمن بن ملجم المرادي إلى5) الكوفة , ونزلها في (شعبان 40 هـ/ أواخر كانونالأول 660 م) , وحل ضيفاً عند ( قطام بنت الأصبغ التميمي ) . وكان بها مسحة جمال فتعلقبها (4) , فطلبت دم علي مهراً لها (5) , وعندما لقى " شبيب بن بجرة الأشجعي ,فأعلمه ما يريد , ودعاه أن يكون معه , فأجابه إلى ذلك , فأخذا أسيفهما , ثم جاها ختىجلسا مقابل السدة التي يخرج منها الإمام علي , فلما خرج من الباب نادى أيها الناس الصلاةالصلاة , وكذلك كان يفعل كل يوم , ومعه درته يوقظ الناس , فاعترضه الرجلان "(6) وصربه ابن ملجم على جبهته فأصابه إصابة بالغة , وأخطأه شبيب فوقع سيفه على الطاق, وهرب فنجا في غمار الناس , وكانت قطام قد بعثت وردان ليساعدهما , ولكنه هرب عند ضربالإمام ولم يشارك (7) , وتم ذلك ليلة ( تسع عشرة من رمضان سنة 40 هـ / 22 - 1 -661م) , فمكث الإمام بعدها يومين , ففي ليلة إحدى وعشرين , وكانت ليلة الجمعة إلى نحوالثلث منها قضى نحبه شهيداً مظلوماً(24 /1 /661 م), وهو ابن ثلاث وستين سنة .(8) قمرية, وبالميلادي 61 سنة (600 - 661م) , غلماً أن النبي (ص) أكبر منه ثلاثين سنة ميلادية, أذ ولد عام الفيل (570م) في غهد عمرو بن هند .
ويسجل لنا الإمام (ع) موقفاً إنسانياً رائعاًلا يكاد يقفهغيره في كيفية التعامل مع الخصم حتى في أحرج ساعات الحياة حيث يصد الغدر بالرحمة ,إذ يوصي ابنه الإمام الحسن (ع) بشأن قاتله , وبإجماع كل المؤرخين (9) , فيذكر ابن خلدون: إنه أوصى يا بني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين وتقولوا قتل أمير المؤمنينلا تقتلوا إلا قاتلي ...يا حسن إن أنا مت من ضربتي فاضربه بسيفه ولا تمثلن بالرجل, فإني سمعت رسول الله (ص)يقول : إياكم والمثلة (10) , ويقول ابن سعد في طبقاته الكبرى" فقال علي : إنه أسيرنا أحسنوا نزله , وأكرموا مثواه , فإن بقيت قتلت أو عفوت, وإن مت فاقتلوه قتلتي , ولا تعتدوا "إنّ الله لا يخب المعتدين " (11), ويزيد ابن أكثم الكوفي " فكان علي ( رضي الله عنه) يفتقده ويقول لمن في منزلهأرسلتم إلى أسيركم طعاماً؟ " (12) . هذه أسطر ليس تقرأها وتتعدى , إنها أسمى معانيالإنسانية , نقول هذا ليس من باب العواطف , وإنما بعد تأمل كبير في التاريخ الإنسانيالمشبع بالأنانية المفرطة للمتسلطين على مصائر البشر , ورقاب الناس .
ما أحوج زماننا لدروس ذلك الزمان , زماننا الذي يفتك بالآلافعلى الشبهات والظن الآثم , والضعف النفسي , وعدم الإيمان بالله حقاً وحقيقة , نعم ذلكالزمان وأعني زمان الإمام ,فالحديث عن ذكراه الذي يوصي بالرحمة على قاتل خليفة المسلمين, وأمير مؤمنيه بالجرم المشهود والدليل القاطع مع سبق الإصرار ! هذا هو الفرق بين الإيمانبالله والخلود المطلق , وبين الإيمان بـ (الأنا)لحظة نطفة وجيفة , أمّا القصاص ,فهذاحكم الله والعدل عينه لمسيرة المجتمع الإنساني " ولكم في القصاص حياة يا أوليالألباب لعلكم تتقون " (13) .
ليس عبثاً أنْ يتأمل عبد الحميد بن عبد ربه الأندلسي , حينفتل الإمام (ع) بسيف اللعين عبد الرحمن بن ملجم , وكان الخوارج قد بعثوا البراك بنعبد الله لقتل معاوية فأصاب عجزه , و وعمر بن بكر التميمي لقتل عمرو بن العاص , ولكنهقتل خارجة صاحب شرطته , إذ تخلف عمرو عن الصلاة , فقال ابن عبد ربه الأندلسي حسب روايةابن العماد الحنبلي في (شذرات ذهبه ) :
وليت إذ فدت عمراً بخارجةٍ فدت علياً بمن شاءت من البشرِ
وحين سئل أبي العلاء المعري , كما صئل (متنبيه) من قبل ,لماذا لم تمدح النبي (ص) وآل بيته , أجاب من قصيدة يجيب بها الشريف أبا ابراهيم موسىبن إسحاق :
عللاني فإنّ بيض الأمــــــــــاني فنيتْ والظلام ليس بفانِ
وعلى الدهر من دماء الشهيديـ ــن عليٍّ ونجلـهِ شاهدان ِ
فهما في أواخــــــــر ِالليل فجرا ن وفـــي أولياتهِ شفقـانِ
وجمــــــــــال الأوان قبل جدودٍ كلُّ جدٍّ منهم جمـال أوانِ
ياابن مستعرض الصفوف ببدرٍ ومبيد الجموع من غطفان ِ
أحد الخمســـة الذين هم الأغـْ ـراض في كلِّ منطق ٍوالمعاني
والشخوص التي خلقن ضياءً قبل خلق المريخ والميزان (14) ِ
شرعنا بالرمز الأول في أدبن العربي , وختمنا برمزه الثاني, ماذا بقى ؟!
لما قتل الإمام (ع) , لم يوجد بخزانته إلا ستمائة درهم ,وقيلسبعمائة , وكما يقول ( محمد بن كعب القرظي ) " سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقدرأيتني وأنا أربط الحجر على بطني من الجوع , وإنَّ صَدَقتي لتبلغ اليوم أربعة الآفدينار " (15) , وما كان يفرق في عطاياه بين زيد وعمرو , ولا يفضل في المعاملةأحداً على أحد , ولما سئل عن سبب حسن معاملته للموالي , فأجاب: " قرأت ما بينالدفتين , فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا ,, وأخذ عوداًمن الأرض ووضعهبين إصبعيه" (16) , ولما قال له أشراف العرب " ياأمير المؤمنين أعطٍ هؤلاءهذه الأموال , وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي " (17) ,, فقاللهم : " أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور " (18) .
العدل والتقى والبلاغة و الشجاعة والزهد والإنسانية والجرأةلا يمكن أن تجتمع إلا عند الأولياء , هذه دنياكم وتلك دنياهم , وما كلّ سلطان بسلطان, فبأي آلآء ربكما تكذبان !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1)راجع أيضاً: الحسني : سيرة الرسول(ص) ج 7 , السيد محسنالأمين : أعيان الشيعة م2 ص 515 , دار التعارف - بيروت 1983م : يذكر أيضاذكرهمها البرقوقيمما استدركه من ذيل شرح الواحدي المطبوع في أوؤبا , وذكرهما صاحب نسمة السحر , ولاداعي للإطالة قوة البيتين وعظمتهما لا تحيدان عن المتنبي .
(2) تاريخ اليعقوبي : م 2 ص 188 دار صادر 1960 بيروت .
(3) ency.brit, vol , 21 p . 940.
أعلب كتب التاريخ تجعل معركة النهروان أواخر سنة 37 هـ ,ولكنحدثت ضد بقية الخوارج في ربيع الآخر سنة 38 هـ, كما يذكر ابن األأثير في 0 كامله) ج4 ص 721 دار الكتاب العربي 1997م بيروت.
(4) (كتاب الفتوح ) : ابن أكثم الكوفي م1 ص 504 , ويذكر اليعقوبيفي (تاريخه) م 2 ص 212(صادر)فنزل على الأشعث بن قيس الكندي , وأقام عنده شهر يستحدسيفه , وخرج علي في الغلس , وأدخل رأسه من باب خوخه المسجد فضربه على رأسه فسقط , وصاحخذوه , فابتدره الناس , فجعل لا يقرب منه أحد إلا نفحه بسيفه فبادر أليه قثم بن العباسفاحتمله وضرب به الأرض , لصاح يا علي نح عني كلبك .
(5) brokelmann(carl) , (history of theislamic..) 1950 p 70 london.
الطبقات الكبرى ) : ابن سعد ج 3 ص 26دار الكتب العلمية1990م بيروت. ) (6 )
(7) (المختصر في أخبار البشر) : أبو الفداء م 1 ص 93 - دارالكتاب العربي - بيروت ز
(8)ولد الإمام علي (ع) في السنة الثلاثين بعد عام الفيل(600م)في يوم الجمعة 13 رجب في البيت الحرام , ولم يولد قبله ولا بعده مولود في البيتالحرام , وأبوه اسمه (عبد مناف), وأبو طالب كنيته , ويدل على أن أبا طالب اسمه عبدمناف ,أن أباه عبد المطلب , لما أوصاه بالنبي (ص) , قال :
أوصيك يا عبد مناف بعدي بموحدٍ بعد أبيه فردِ
&&&&
(2)
في ذكرى استشهاد علي بن ابي طالب ( ع )
(هادي الحسيني)
لم ينجب التاريخ الاسلامي رجلا مثل الامام علي بن ابي طالب، فهو العالم والبطل والفقيه والفيلسوف وامام المتقين ، وقد قتل ابطال العرب في اكثرمن ثمانين معركة وغزوة خاضها . وكان عمار بن ياسر في معركة صفين قبيل استشهاده وهورجل قارب عمره التسعين يقول له : سيدي عليك بلباس الدرع من الظهر حتى لا يأتي احد الجباءويطعنك من الخلف حينها اين سنذهب نحن ؟ قال لعمار ( لا ابقاني الله ان ابقيت عليه) !
وروي عن الرسول الكريم ( ص ) بعد ان هاجر من مكة الى المدينةمرغماً ، كان قد بعث بكتاب الى ابن عمه الامام علي بن ابي طالب ( ع ) يبلغه فيه ، امابعد فاذا وصلك كتابي هذا فاجلب أليّ الفواطم ، والمقصود بالفواطم هنا ، فاطمة بنت اسدوفاطمة الزهراء وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب .
وما كان من امير المؤمنين وهو صبي في العشرين من العمر ،الا وشد راحلة الفواطم وسار على قدميه يتبع ضعينة محمد ( ص ) ويهم بالوصول قبل مغيبالشمس ، وفي الطريق شاهد ابو جهل وثلة من اعداء الرسول يتخذون مكانا ليتربصوا بأي شيءيذهب الى محمد واصحابه ، فاوقف الامام علي الضعينة ، وتقدم اليهم من دون ان يعترضوهفقال لهم :
اسمعوا يا معاشر قريش لا تقولوا جبن بن ابي طالب وخرج منحيث لا ندري ، هذه ضعينة محمد انا ذاهب بها اليه ، من احب منكم ان اثري لحمه فليتبعني؟!
وتلاومت قريش ، قالوا : صبي يخرج بضعينة محمد عدونا اللدودالذي عاب آلهتنا وأفسد شباننا من دون ان نوقفه او نقتله ، وانبرت له قريش واوقفته!
فقال له ابو جهل : ارجع بالضعينة ؟
فقال الامام ، لا والله أم أرجع الى الارض ام يرجع معكم اكثريشعرا !
فتقدم له عبد اسمه مهلع ، وبضربة واحدة قتله الامام !
فقال له ابو جهل ، يا ابن العم انتم ونحن من شجرة واحدة ،فارجع بالضعينة حتى لا تعيرنا العرب ؟
فرد الامام عليه قائلا : لا والله وان احببت ان الحقك بصاحبكفعلت !!!
فعاد ابو جهل واصحابه خائبين من حيث ما جاءوا ، اما الامام( ع ) فقد اوصل ضعينة نساء الرسول وجسده مضرج بالدماء .
بهذه الشجاعة والقيم العليا استطاع امير المؤمنين علي بنابي طالب ( ع ) ان يقتحم التاريخ اقحاما لا نظير له وان يخّلد فيه ويذكر اسمه في كلبطون الكتب العربية والاسلامية وحتى الغربية ..
ذلك ان علي بن ابي طالب كان مقاوماً للظلم والباطل على مدىسنوات عمره ، وظل وعاش واستشهد ومازال نبراساً يحتذى به بالشجاعة ، والرجولة ، والشهامة، والعدل ، والحق ، والاخلاق العظيمة ، والاخلاص ، والعفو عند المقدرة ، والتسامح ،والمحبة ، والرجولة ، والاصالة ، والعراقة ، والعلم ، وكان سباقاً في حل المعضلات..
هذا المثال في النبل الرفيع والمواقف الفريدة على مّر التاريخمنذ اكثر من 1400 سنة وحتى يومنا هذا وسيستمر الى ملايين السنين وثمة امثلة كثيرة فيتاريخنا .
فسلاماً عليك يا ابا الحسن ونحن نحيي ذكرى استشهادك على يدابن ملجم الذي خسر الدنيا والآخرة ، لكنه حين ضربك بسيفه المسموم فرددت حينها جملتكالشهيرة ( فزت بها ورب الكعبة ) . ألم يقرأ السياسي العراقي الغارق في مستنقع الغشوالسرقة والرذيلة والقتل والتفجيرات تاريخ امير المؤمنين علي (ع) ليكونوا قدوه له خاصةوان اغلب الاحزاب التي تسيطر على السلطة في العراق هي من الاحزاب والتيارات الدينيةالتي تنتمي الى شيعة الامام علي !!
&&&
(3)
(الأمام علي عليه السلام الشهيد المظلوم)
( صادق غانم الأسدي)
عبر مراحل التاريخ تجد أن اغلب الشخصيات إيثارا بالمجتمعوالتي يتغلب عليهم صفة الانبساط والتواضع , أو ربما تتخلل معيشتهم فترات يسودها الفقروالعوز , وأكثر تلك الحالات تتردد في سير الأنبياء والأولياء وهذا ما تتحدث عليه كتبالتاريخ مع أنهم استطاعوا من خلال مدارسهم الربانية أن تصقل مدارك وعقول البشر وتصنعالإنسان إذا صح التعبير على قول الدكتور المرحوم الوائلي , وواحدة من تلك الشخصياتوالتي لم تجد مثيل لها أو تتكرر بالمجتمع لما تجسدت فيها من صفات العدل والقوة والرحمةهو يعسوب المسلمين وسيد البلغاء أمير المؤمنين علي عليه السلام ,فهو الدعامة الأولىبالإسلام وناصر رسول الله محمد صلى الله عليه واله وأبو الأئمة الأطهار شهيد الحق,بسيفه استطاع أن يذود كل التيارات المعادية والخطر عن الدين , تشرفت الكعبة بمولده, استجاب الله وارجع الشمس كي لا تغيب عنه فريضة , هو الذي خاطبها وقال لها أيتها الشمساشهدي عند ربك هل اشرقتي يوما وأنا نائم , لا أريد بهذا المقال القصير أن استعرض سيرتهذا الرجل الفذ لأننا قد نظلمه في التعبير والوصف أو لانستحضر كل الأعمال والمعطياتالتي طرزها علي عليه السلام خلال فترة حياته, لم يكن استهداف أمير المؤمنين عن طريقالصدفة والحقد عليه فقط , بل هي سلسلة من المؤامرات بدأت على أخيه رسول الله وزوجتهلدثر كل تراث الرسول وسنته التي قال عنها الرسول الكريم صلى الله عليه واله ما أتاكمالرسول فخذوه وما نهاكم عنه فا نتهو واتقوا الله أن الله شديد العقاب , إثناء العصرالأموي الذي دام حوالي 82 سنة استهدف علي على المنابر بالسب وتزيف حقيقته ولكن الذيرأينه قد ارتفع يوما بعد يوم ,وملئ اسمه مشارق الأرض ومغاربها , في الحقيقة أن الذيقتل علي عليه السلام هو الحق ومحاربته للظلم وعدم تهاونه لحظة في مسالمة الجور, وسياستهمع الرعية وتطبيق النظام القائل أكرمكم عند الله اتقاكم , وحبه للفقراء واليتامى وإدارةالدولة بنفسه كون له أعداء وخصوصا من بني أمية الذين تجردوا من جميع المناصب , وتساوىالجميع في الحقوق والواجبات أمام هذه السياسة العادلة , حتى قال عنه رسول الله صلىالله عليه واله ذات يوم بحق علي ,( يجري الحق علي لسانه وقلبه ), وحينما كتب احمد بنحنبل عن الخلفاء كتاباً قال: ما رأيت سيرة كسيرة علي , بالتأكيد أن هذه الشخصية الإسلاميةالفريدة قد أحيكت لها مؤامرة كبيرة جدا وتخطيط مسبق حتى قيل أن منفذ الجريمة عبد الرحمنبن ملجم لعنة الله عليه قد وضع سيفه أو خنجره بالسم لمدة 30 يوم , وجاء بالكتب والسيرالتاريخية ونعرج بشكل مختصر على حادثة استشهاد علي عليه السلام هو (أن نفرا من الخوارجاجتمعوا بمكة ، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم ، وذكروا أهل النهر وان وترحمواعليهم ، فقال بعضهم لبعض : لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهموأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهر وان ، فتعاهدوا عند انقضاءالحج على ذلك ، فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليا ، وقال البركبن عبيد الله التميمي : أن أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي ، أنا أكفيكمعمرو بن العاص ، وتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء ، واتعدوا شهر رمضان في ليلةتسع عشرة منه ، ثم تفرقوا فأقبل ابن ملجم لعنه الله - وكان عداده في كندة - حتى قدمالكوفة ، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شئ ، فهو في ذلك إذ زار رجلامن أصحابه ذات يوم من تيم الرباب ، فصادف عنده قطامة بنت الأخضر التيمية ، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهر وان ، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها ، وسأل في نكاحها وخطبها ، فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق ؟ فقال لها : احتكمي ما بدالك ، فقالت له : أنا محتكمةعليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك جميع ماسألت ، فأما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فأنى لي بذلك ؟ وفعلاً تم العملية صباحايوم 19 من رمضان وقد علم علي عليه السلام قبل مقتله بعبد الرحمن بن عوف لعنه الله ولكنليس عنده الجرم المشهود , وحين تنفيذ العملية أثناء تأدية صلاة الصبح قال كلمته المشهورة( فزت ورب الكعبة ) لم يتأسف أمير المؤمنين لموته لأنه ترك حظه من الدنيا واخذ من الآخرةفالموت له هو عبارة عن قنطرة عبر عليها إلى الحياة الحرة الكريمة وهو القائل دخوليإلى الجامع خير من دخولي إلى الجنة والسبب أن الجامع فيه مرضاة الله والجنة فيه مرضاتيومرضاة الله خير من مرضاتي , وفي اليوم التالي وهو على فراش الموت أوصى ولديه الحسنبوصايا إيمانية كثيرة منها إطعام المساكين ومساعدة الفقراء وحب لنفسك ماتحب لغيرك وحثهمعلى الالتزام بالصلاة فهي عمود الدين والأمانة وحسن الصحبة , وحتى أوصى بالأسير وقالأطعموه وأحسنوا إليه أن عشت فهو لي وان مت فالعفو هو اقرب للتقوى ولا تمثلوا به , فلمقضى أمير المؤمنين نحبه وفرغ أهله من دفنه أمر الحسن عليه السلام أن يؤتي بعبد الرحمنبن ملجم فقال له ياعدو الله قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين فأمر بضرب عنقه, وبذلك انطوت صفحة من صفحات الإسلام المشرقة والتي بشر بها أمير المؤمنين عن قضاياالعلم والفقه وخسر المسلمين رجلاً وعالما وفقيها وأسكت القرآن الناطق ,ولازال المسلمونليومنا هذا يتذكرون استشهاده بمرارة تدمع لها العيون دم ورحم الله الشاعر حينما قال:
وكنا قبل مقتله بخير نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الدين لا يرتاب فيه ويقضي بالفرائض مستبينا
السلام على أمير المؤمنين ويعسوب الدين والنائم بفراش الرسولوقسيم الجنة والنار ومدمرالناكثين والقاسطين والمارقين وزوج البتول وحافظ سر الرسولوشفيعا للمؤمنين والمسلمين يوم التلاقي
&&&&
الإمَامُ عَلِيّ ... إغْتِيَالُ الجَسَدِوَ بَقَاءُ المَشّرُوع.
محمد جواد سنبه
الكثير من الشّخصيّات في العالمَيّن القديموالحديث، نادت بالعدالة والحريّة والمساواة. لكن أفكار هذه الشّخصيّات، ظلّت مأسورةبرقعة المكان ومحدوديّة الزمان، بمعنى محدوديّة العالميّة أو الانّتشار. بيّد أنّ شخصيّةالإمام عليّ (ع) مسكت أقطار الأرض وأزمّة الزمان. إضافة لذلك، لَمْ تتقادم هذه الشخصيّةبمرور الوقت، ولمْ تبلَ أفكارها على الإطلاق. لابلّ أثبت التاريخ، أنّ البشريّة بحاجةدائمة ومتجددة، لمنهج الإمام عليّ (ع)، وفكره وسلوكه واخلاقه، وورعه وجهاده، لتنهلالانسانيّة من النّمير العذّب لهذه الشخصيّة الرّساليّة المباركة.
بدأ الإمام (ع) حياته في أحضان الكعبة الشّريفة،وعاش روحانيّة الرّسالة، التي كان يتنفّسها من عبقّ النّبوّة الخاتمة. وكانت خاتمةحياته الشّريفة في محراب الوحدانيّة، عقيدةً وانتماءً. فقوله عندما أحسّ بحرارة السيّفالغادر، الذي هوى على هامته (فزتُ ورب الكعبة)، هو تأكيد لنهاية أخبره بها المصطفى(ص).هذه الخاتمة كانت بمثابة إمضاء إلهي، لقدَرٍ محتوم على شخصيّة، لمْ يستوعب الناس قَدْرها،ولم يفهموا دورها كما ينّبغي. ولمْ يستفدّ أيضاً من وجودها بعمّق، سوى ثلّة من اللذينظلّوا يسقطون بعد الإمام (ع) شهداء في مذّبح الحريّة.
شَاهدَ أبو تُراب (ع) وهو لمّ يزلّ صبياً،جرأة طواغيت قريّش وهم يغرون صبيانهم، لإيذاء النبي(ص)، فكان ينقضّ عليّهم كالليّثالجسور، فيمسكهم واحداً واحداً، ولم يتركهم حتى يَقضِم آذانهم وأنفوفهم فسموه (القَضِمْ).وظلّت هذه الرّوح الفدائيّة عند أبي الحَسَن (ع) مَعلماً واضحاً في كلّ أدوار حياته.إنّ أعداء عليّ صنعوا تاريخاً شاذّاً، وظلّ الإمام عليّ (ع) يكافح ببسالة منّقطعة النّظير،ليقوّم مسيرة الإنحراف. فأصبح (ع) منتجاً لأنّماط نضاليّة، كافحت الظّلم السلطويّ والثّراءالماديّ، اللذان أقيما على حساب الجياع، والمحرومين من ضعفاء الأمّة. وبقى المشروعالإصلاحيّ للإمام عليّ (ع) حياً في ضمير محبيّه، يقارعون به الظّلم والجوّر أيّنماوجد، فخلّد التاريخ ذلك المنهج الرساليّ، الذي سار عليّه الإمام (ع).
اختار الإمام منذ البداية أنْ يسير في المجتمع،وفق رؤيّة عمادها إقامة الحقّ، وإشاعة المساواة، والدفاع عن حقوق المحرومين. فكان يصّحرعن مشروعه ذاك بقوله (ع): (أَمَا وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ،لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ، وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ، وَمَاأَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ، أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ، وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَابِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْعَفْطَةِ عَنْزٍ). إذن منع الظّالم من كِظّته (إمتلاء بطنه)، واعطاء المظلوم ليسدّسَغَبِه (جوعه)، هو مشروع الإمام الإنسانيّ. السّاعي لتحقيق حلم البشريّة للوصول إلىحالة التكافل المعيشي، وتحقيق عنصر العدالة والمساواة وتحرير الإنسان من رقّ الأزمات،التي تُذلّ قَدْره وتُهدر كرامته.
هذا المشروع الرّسالي النبيلّ، صنع ما يكفيمن المحبين لعليّ (ع)، كما صنع الكثير من الأعداء. يذكر الشهيد مرتضى مطهري في كتابه(محمد وعليّ/ص 306) مايلي: (إنّ التاريخ يعرف الكثيرين ممّن لا شهرة لهم، ضحّوا بأرواحهمفي سبيل حبّ عليّ (ع).. فأين نجد هذه الجاذبية في العالم؟ لا أحسب أنَّ لها شبيهاً.وإنّ لعليّ كذلك من الأعداء من ينقلب حاله عند سماع اسمه. لقد مضى عليّ كفرد، وبقىكمدرسة تجتذب إليها جماعات وتطرد جماعات.)(انتهى). الإمام عليّ (ع) لم يضع يوماً مّا،مصلحته الشخصيّة في أيّ جزء من اهتماماته، فكان يتصرف وفق فلسفة صارمة، تُقدّم مصّلحةالمجّتمع على جميع المصالح الأخرى.
هذا الموقف الصّلب الذي لا ينثني ولا يلين،نجده في ثنايا تصريحاته (ع) الخطابيّة، التي كان يكاشف بها الناس، وإشاراته التي كانيوجهها كرسائل، تُخبر عن إصراره بالتمسك بهذا الموقف. يذكر ابن عباس: (دَخَلْتُ عَلَىأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بِذِي قَارٍ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُهَذَا اَلنَّعْلِ فَقُلْتُ لاَ قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ (ع) وَاَللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّإِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً.). إذنالقضيّة في مفهوم الإمام (ع)، هي التأكيد على تطبيق الحقّ ومنع تطبيق الباطل، وخارجهذا المنظور فالمسألة لا قيمة لها، في نظر الإمام على الإطلاق.
لقدّ شكّل المجّتمع، هدفاً استراتيجيّاًعند الإمام عليّ (ع). وهدفه يحمل مقصداً غائيّاً، نابع عن وعي عميق، بأنّ المسؤوليّةليست فرصة للإثراء، على حساب آلام النّاس. كما أنّها ليست وجاهة ومرتبة، للتعالي والترفّععلى الآخرين. إنّها أمانة، فإذا صلح الراعي صلحت الرعيّة. يقول الإمام (ع): (وواللهلأُسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلاّ عليّ خاصَّةً). إذن الهدفالنّهائي عند الإمام، سلامة وصلاح أمور المجّتمع، فإذا صلحت وسلمت، سلم الإمام من تبعاتذلك، دون النظر لما يلحق به على وجه الخصوص. المهم عند الإمام عليّ سلامة المجتمع،لا سلامته الشخصيّة. هذا المنطق غير مألوف، في نظر اللذين يتقلدون زمام المسؤوليّة،سابقاً ولاحقاً أيضاً.
إنّ إصرار الإمام عليّ (ع) على تطبيق مايؤمن به، على أرض الواقع، ألّب عليّه الأعداء اللذين تضرّرت مصالحهم، بسبب إصرار الإمام(ع)، على تطبيق تلك المبادئ. لذا تشكّلت أربع قوى مناهضة للإمام هي:
•1. اصحاب الثارات، وهم الفئة التي ظلّتحاقدة على الإمام (ع) لتمسكها بتقاليد الجاهليّة. وكانت تطلق على الإمام (ع) لقب (قاتلالعرب).
•2. الحاسدون، وهم الجّماعة اللذين كانواينظرون، لعلاقة النبي (ص) مع ابن عمه (ع) بعين الحسد والحسرة. لمنزلة الإمام الرفيعةعند الله تعالى ورسوله (ص)، وكثرة فضائله ومناقبه وشجاعته وبسالته.
•3. حزب طلاّب السلطة والمصالح الخاصّة،وعلى رأسهم بني أميّة.
•4. الخوارج، وهم الطّبقة الجّاهلة المتطرّفة،التي فهمت الإسلام على أنّه مجرّد نصوص جامدة، لا تتحمل التفسير ولا التأويل ولا النقاشولا البحث.
لقد حرص الإمام عليّ (ع) على صيانة حريّةالتعبير عن الرأي، باعتبارها جزءاً من حريّة المجتمع. وإنّ كانت هذه الحريّة ستُستخدَمضدّ الإمام شخصيّاً، لكنّ الإمام أعطى فسحة كافية لهذا التعبير. صاح (الخريت بن راشد)،أحد المتمردين على الإمام (ع) بأعلى صوته وأمام الملأ: (لا و الله لا أطيع أمرك، ولا أصلي خلفك، و إني غداً لمفارق لك. فقال له الإمام عليّ (ع): ثكلتك أمّك إذاً تنقضعهدك، و تعصي ربك، ولا تضر إلاّ نفسك. فقال رجل للإمام (من أصحاب الإمام): لمَ لا تأخذهالآن، قبل أنّ يخرج، و يفسد في الأرض؟. فقال الإمام (ع): (لو فعلنا هذا بكل من يُتّهململأنا السّجون). أكثر من ذلك، سَئل رجل الإمام عليّ، وهو في مسّجد الكوفة بمسألة فقهيّة،فأجابه الإمام بسرعة ودقّة، فصاح أحد الخوارج الجالسين في المسّجد: (قاتله الله كافراًما أفقهه)، فأراد بعض الأصحاب أنْ يؤدبوه، فمنعهم الإمام (ع) وقال: (رويداً إنّما هوسبّ بسب، أو عفو عن ذنب). فسلام على أبي تراب (ع) يوم ولد ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا،والعاقبة للمتقين.
استشهاد الإمام (ع) تاريخ وعبرة لعلهم يتقون !!
(كريم مرزة الاسدي)
سئل المتنبي ذات يوم , لماذا تركت مدح الإمام (ع) , وأنتابن الكوفة , فأجاب :
وتركتُ مدحي للوصيِّ تعمداً إذ كان نوراً مستطيلاً شـــــــــــاملا
وإذا استطال الشيءُقامَ بذاتهِ وصفاتُ ضوءِ الشمس تذهبُ باطلا(1)
وكان البيتان موجودين في الطبع الأولى للبرقوقي (1903م), ثم حذفت من الديوان , ولكنهما موجودان في معظم كتب الأدب والتاريخ العربي , ويقولابن أبي الحديد المعتزلي شارح نهج البلاغة من قصيدة له في حق الإمام علي (ع) :
يارسمُ لا رسمتك ريحٌ زعـــــزعُ وسرتْ بليل ٍفي عراصك خروعٌ
قد قلتُ للبرق الذي شق َّ الدّجى فكـــــــــــــأنّ زنجياًهناك يجدعُ
يا برق ُإنٍ جئت الغري فقلٍْ لــهُ أتراك تعلمُ منَ بأرضـــــكمودعُ
فيك الإمام المرتضى فيك الوصي المجتبى فيك البطين الأنـــــزعُ
زهدُ المسيح ِوفتكـة الدّهر ِ الذي أودى بهَ كســـــــــرىوفوز تبعُ
هذا ضميرُ العالم المــوجود عن عدم ٍ وسرّ وجوده المســـتودعُ
ورأيتُ ديـــــنَ الأعتزال وأنـّني أهـوى لأجلكَ كـــــلَّمَنْ يتشيعُ
لا أريد أن أتكلم عن خصال الإمام (ع) وخلقه وزهده وتقواهوعدله وشجاعته وقرابته من الرسول (ص) , وأحقيته , وسبقه في الإسلام , ومؤاخاته للنبيالكريم (ص) , وتفانيه في مساعدة الفقراء , وقد أوجزت ذلك في قصيدتي عن الإمام (ع):
ألا للهِ من نفس ٍ تســــــــامتْ عن الدنيا وذي الدنيا حطامُ
فأنتَ شعاعُ كلِّ عظيم ِ نفس ٍ ومنكَ ســـما عباقرة ٌ عظامُ
مجالاتُ اتســـ اعكَ كلُّ أفق ٍ بليغ ٌ أو تقــــيٌّ أو همــــــامُ
ولو كانتْ ســجية ُ أيِّ فردٍ بواحدةٍ لحــــلَّ لهُ القيــــــــامُ
هذه الأمور لا يختلف عليها اثنان من المسلمين , ونحن الآننلقي فكرة مختصرة عن استشهاده الشريف للذكرى , إذ بعد موقفه الحكيم بإطلاق الماء عندسيطرته عليه في ذي الحجة سنة (36 هـ) (2) ( حزيران 657 م) , بعد أن منع عن جيشه أبانمغركة صفين التي استمرت حتى ( 37 هـ / 657م) , وقبوله التحكيم , إنشق الخوارج عنه, فانتصر عليهم في معركة النهروان في ( 17 تموز 658 م (3) /9 صفر 38 هـ ) وبتحريض منهمتوجه عبد الرحمن بن ملجم المرادي إلى5) الكوفة , ونزلها في (شعبان 40 هـ/ أواخر كانونالأول 660 م) , وحل ضيفاً عند ( قطام بنت الأصبغ التميمي ) . وكان بها مسحة جمال فتعلقبها (4) , فطلبت دم علي مهراً لها (5) , وعندما لقى " شبيب بن بجرة الأشجعي ,فأعلمه ما يريد , ودعاه أن يكون معه , فأجابه إلى ذلك , فأخذا أسيفهما , ثم جاها ختىجلسا مقابل السدة التي يخرج منها الإمام علي , فلما خرج من الباب نادى أيها الناس الصلاةالصلاة , وكذلك كان يفعل كل يوم , ومعه درته يوقظ الناس , فاعترضه الرجلان "(6) وصربه ابن ملجم على جبهته فأصابه إصابة بالغة , وأخطأه شبيب فوقع سيفه على الطاق, وهرب فنجا في غمار الناس , وكانت قطام قد بعثت وردان ليساعدهما , ولكنه هرب عند ضربالإمام ولم يشارك (7) , وتم ذلك ليلة ( تسع عشرة من رمضان سنة 40 هـ / 22 - 1 -661م) , فمكث الإمام بعدها يومين , ففي ليلة إحدى وعشرين , وكانت ليلة الجمعة إلى نحوالثلث منها قضى نحبه شهيداً مظلوماً(24 /1 /661 م), وهو ابن ثلاث وستين سنة .(8) قمرية, وبالميلادي 61 سنة (600 - 661م) , غلماً أن النبي (ص) أكبر منه ثلاثين سنة ميلادية, أذ ولد عام الفيل (570م) في غهد عمرو بن هند .
ويسجل لنا الإمام (ع) موقفاً إنسانياً رائعاًلا يكاد يقفهغيره في كيفية التعامل مع الخصم حتى في أحرج ساعات الحياة حيث يصد الغدر بالرحمة ,إذ يوصي ابنه الإمام الحسن (ع) بشأن قاتله , وبإجماع كل المؤرخين (9) , فيذكر ابن خلدون: إنه أوصى يا بني عبد المطلب لا تحرضوا على دماء المسلمين وتقولوا قتل أمير المؤمنينلا تقتلوا إلا قاتلي ...يا حسن إن أنا مت من ضربتي فاضربه بسيفه ولا تمثلن بالرجل, فإني سمعت رسول الله (ص)يقول : إياكم والمثلة (10) , ويقول ابن سعد في طبقاته الكبرى" فقال علي : إنه أسيرنا أحسنوا نزله , وأكرموا مثواه , فإن بقيت قتلت أو عفوت, وإن مت فاقتلوه قتلتي , ولا تعتدوا "إنّ الله لا يخب المعتدين " (11), ويزيد ابن أكثم الكوفي " فكان علي ( رضي الله عنه) يفتقده ويقول لمن في منزلهأرسلتم إلى أسيركم طعاماً؟ " (12) . هذه أسطر ليس تقرأها وتتعدى , إنها أسمى معانيالإنسانية , نقول هذا ليس من باب العواطف , وإنما بعد تأمل كبير في التاريخ الإنسانيالمشبع بالأنانية المفرطة للمتسلطين على مصائر البشر , ورقاب الناس .
ما أحوج زماننا لدروس ذلك الزمان , زماننا الذي يفتك بالآلافعلى الشبهات والظن الآثم , والضعف النفسي , وعدم الإيمان بالله حقاً وحقيقة , نعم ذلكالزمان وأعني زمان الإمام ,فالحديث عن ذكراه الذي يوصي بالرحمة على قاتل خليفة المسلمين, وأمير مؤمنيه بالجرم المشهود والدليل القاطع مع سبق الإصرار ! هذا هو الفرق بين الإيمانبالله والخلود المطلق , وبين الإيمان بـ (الأنا)لحظة نطفة وجيفة , أمّا القصاص ,فهذاحكم الله والعدل عينه لمسيرة المجتمع الإنساني " ولكم في القصاص حياة يا أوليالألباب لعلكم تتقون " (13) .
ليس عبثاً أنْ يتأمل عبد الحميد بن عبد ربه الأندلسي , حينفتل الإمام (ع) بسيف اللعين عبد الرحمن بن ملجم , وكان الخوارج قد بعثوا البراك بنعبد الله لقتل معاوية فأصاب عجزه , و وعمر بن بكر التميمي لقتل عمرو بن العاص , ولكنهقتل خارجة صاحب شرطته , إذ تخلف عمرو عن الصلاة , فقال ابن عبد ربه الأندلسي حسب روايةابن العماد الحنبلي في (شذرات ذهبه ) :
وليت إذ فدت عمراً بخارجةٍ فدت علياً بمن شاءت من البشرِ
وحين سئل أبي العلاء المعري , كما صئل (متنبيه) من قبل ,لماذا لم تمدح النبي (ص) وآل بيته , أجاب من قصيدة يجيب بها الشريف أبا ابراهيم موسىبن إسحاق :
عللاني فإنّ بيض الأمــــــــــاني فنيتْ والظلام ليس بفانِ
وعلى الدهر من دماء الشهيديـ ــن عليٍّ ونجلـهِ شاهدان ِ
فهما في أواخــــــــر ِالليل فجرا ن وفـــي أولياتهِ شفقـانِ
وجمــــــــــال الأوان قبل جدودٍ كلُّ جدٍّ منهم جمـال أوانِ
ياابن مستعرض الصفوف ببدرٍ ومبيد الجموع من غطفان ِ
أحد الخمســـة الذين هم الأغـْ ـراض في كلِّ منطق ٍوالمعاني
والشخوص التي خلقن ضياءً قبل خلق المريخ والميزان (14) ِ
شرعنا بالرمز الأول في أدبن العربي , وختمنا برمزه الثاني, ماذا بقى ؟!
لما قتل الإمام (ع) , لم يوجد بخزانته إلا ستمائة درهم ,وقيلسبعمائة , وكما يقول ( محمد بن كعب القرظي ) " سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقدرأيتني وأنا أربط الحجر على بطني من الجوع , وإنَّ صَدَقتي لتبلغ اليوم أربعة الآفدينار " (15) , وما كان يفرق في عطاياه بين زيد وعمرو , ولا يفضل في المعاملةأحداً على أحد , ولما سئل عن سبب حسن معاملته للموالي , فأجاب: " قرأت ما بينالدفتين , فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضل هذا ,, وأخذ عوداًمن الأرض ووضعهبين إصبعيه" (16) , ولما قال له أشراف العرب " ياأمير المؤمنين أعطٍ هؤلاءهذه الأموال , وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي " (17) ,, فقاللهم : " أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور " (18) .
العدل والتقى والبلاغة و الشجاعة والزهد والإنسانية والجرأةلا يمكن أن تجتمع إلا عند الأولياء , هذه دنياكم وتلك دنياهم , وما كلّ سلطان بسلطان, فبأي آلآء ربكما تكذبان !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1)راجع أيضاً: الحسني : سيرة الرسول(ص) ج 7 , السيد محسنالأمين : أعيان الشيعة م2 ص 515 , دار التعارف - بيروت 1983م : يذكر أيضاذكرهمها البرقوقيمما استدركه من ذيل شرح الواحدي المطبوع في أوؤبا , وذكرهما صاحب نسمة السحر , ولاداعي للإطالة قوة البيتين وعظمتهما لا تحيدان عن المتنبي .
(2) تاريخ اليعقوبي : م 2 ص 188 دار صادر 1960 بيروت .
(3) ency.brit, vol , 21 p . 940.
أعلب كتب التاريخ تجعل معركة النهروان أواخر سنة 37 هـ ,ولكنحدثت ضد بقية الخوارج في ربيع الآخر سنة 38 هـ, كما يذكر ابن األأثير في 0 كامله) ج4 ص 721 دار الكتاب العربي 1997م بيروت.
(4) (كتاب الفتوح ) : ابن أكثم الكوفي م1 ص 504 , ويذكر اليعقوبيفي (تاريخه) م 2 ص 212(صادر)فنزل على الأشعث بن قيس الكندي , وأقام عنده شهر يستحدسيفه , وخرج علي في الغلس , وأدخل رأسه من باب خوخه المسجد فضربه على رأسه فسقط , وصاحخذوه , فابتدره الناس , فجعل لا يقرب منه أحد إلا نفحه بسيفه فبادر أليه قثم بن العباسفاحتمله وضرب به الأرض , لصاح يا علي نح عني كلبك .
(5) brokelmann(carl) , (history of theislamic..) 1950 p 70 london.
الطبقات الكبرى ) : ابن سعد ج 3 ص 26دار الكتب العلمية1990م بيروت. ) (6 )
(7) (المختصر في أخبار البشر) : أبو الفداء م 1 ص 93 - دارالكتاب العربي - بيروت ز
(8)ولد الإمام علي (ع) في السنة الثلاثين بعد عام الفيل(600م)في يوم الجمعة 13 رجب في البيت الحرام , ولم يولد قبله ولا بعده مولود في البيتالحرام , وأبوه اسمه (عبد مناف), وأبو طالب كنيته , ويدل على أن أبا طالب اسمه عبدمناف ,أن أباه عبد المطلب , لما أوصاه بالنبي (ص) , قال :
أوصيك يا عبد مناف بعدي بموحدٍ بعد أبيه فردِ
&&&&
(2)
في ذكرى استشهاد علي بن ابي طالب ( ع )
(هادي الحسيني)
لم ينجب التاريخ الاسلامي رجلا مثل الامام علي بن ابي طالب، فهو العالم والبطل والفقيه والفيلسوف وامام المتقين ، وقد قتل ابطال العرب في اكثرمن ثمانين معركة وغزوة خاضها . وكان عمار بن ياسر في معركة صفين قبيل استشهاده وهورجل قارب عمره التسعين يقول له : سيدي عليك بلباس الدرع من الظهر حتى لا يأتي احد الجباءويطعنك من الخلف حينها اين سنذهب نحن ؟ قال لعمار ( لا ابقاني الله ان ابقيت عليه) !
وروي عن الرسول الكريم ( ص ) بعد ان هاجر من مكة الى المدينةمرغماً ، كان قد بعث بكتاب الى ابن عمه الامام علي بن ابي طالب ( ع ) يبلغه فيه ، امابعد فاذا وصلك كتابي هذا فاجلب أليّ الفواطم ، والمقصود بالفواطم هنا ، فاطمة بنت اسدوفاطمة الزهراء وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب .
وما كان من امير المؤمنين وهو صبي في العشرين من العمر ،الا وشد راحلة الفواطم وسار على قدميه يتبع ضعينة محمد ( ص ) ويهم بالوصول قبل مغيبالشمس ، وفي الطريق شاهد ابو جهل وثلة من اعداء الرسول يتخذون مكانا ليتربصوا بأي شيءيذهب الى محمد واصحابه ، فاوقف الامام علي الضعينة ، وتقدم اليهم من دون ان يعترضوهفقال لهم :
اسمعوا يا معاشر قريش لا تقولوا جبن بن ابي طالب وخرج منحيث لا ندري ، هذه ضعينة محمد انا ذاهب بها اليه ، من احب منكم ان اثري لحمه فليتبعني؟!
وتلاومت قريش ، قالوا : صبي يخرج بضعينة محمد عدونا اللدودالذي عاب آلهتنا وأفسد شباننا من دون ان نوقفه او نقتله ، وانبرت له قريش واوقفته!
فقال له ابو جهل : ارجع بالضعينة ؟
فقال الامام ، لا والله أم أرجع الى الارض ام يرجع معكم اكثريشعرا !
فتقدم له عبد اسمه مهلع ، وبضربة واحدة قتله الامام !
فقال له ابو جهل ، يا ابن العم انتم ونحن من شجرة واحدة ،فارجع بالضعينة حتى لا تعيرنا العرب ؟
فرد الامام عليه قائلا : لا والله وان احببت ان الحقك بصاحبكفعلت !!!
فعاد ابو جهل واصحابه خائبين من حيث ما جاءوا ، اما الامام( ع ) فقد اوصل ضعينة نساء الرسول وجسده مضرج بالدماء .
بهذه الشجاعة والقيم العليا استطاع امير المؤمنين علي بنابي طالب ( ع ) ان يقتحم التاريخ اقحاما لا نظير له وان يخّلد فيه ويذكر اسمه في كلبطون الكتب العربية والاسلامية وحتى الغربية ..
ذلك ان علي بن ابي طالب كان مقاوماً للظلم والباطل على مدىسنوات عمره ، وظل وعاش واستشهد ومازال نبراساً يحتذى به بالشجاعة ، والرجولة ، والشهامة، والعدل ، والحق ، والاخلاق العظيمة ، والاخلاص ، والعفو عند المقدرة ، والتسامح ،والمحبة ، والرجولة ، والاصالة ، والعراقة ، والعلم ، وكان سباقاً في حل المعضلات..
هذا المثال في النبل الرفيع والمواقف الفريدة على مّر التاريخمنذ اكثر من 1400 سنة وحتى يومنا هذا وسيستمر الى ملايين السنين وثمة امثلة كثيرة فيتاريخنا .
فسلاماً عليك يا ابا الحسن ونحن نحيي ذكرى استشهادك على يدابن ملجم الذي خسر الدنيا والآخرة ، لكنه حين ضربك بسيفه المسموم فرددت حينها جملتكالشهيرة ( فزت بها ورب الكعبة ) . ألم يقرأ السياسي العراقي الغارق في مستنقع الغشوالسرقة والرذيلة والقتل والتفجيرات تاريخ امير المؤمنين علي (ع) ليكونوا قدوه له خاصةوان اغلب الاحزاب التي تسيطر على السلطة في العراق هي من الاحزاب والتيارات الدينيةالتي تنتمي الى شيعة الامام علي !!
&&&
(3)
(الأمام علي عليه السلام الشهيد المظلوم)
( صادق غانم الأسدي)
عبر مراحل التاريخ تجد أن اغلب الشخصيات إيثارا بالمجتمعوالتي يتغلب عليهم صفة الانبساط والتواضع , أو ربما تتخلل معيشتهم فترات يسودها الفقروالعوز , وأكثر تلك الحالات تتردد في سير الأنبياء والأولياء وهذا ما تتحدث عليه كتبالتاريخ مع أنهم استطاعوا من خلال مدارسهم الربانية أن تصقل مدارك وعقول البشر وتصنعالإنسان إذا صح التعبير على قول الدكتور المرحوم الوائلي , وواحدة من تلك الشخصياتوالتي لم تجد مثيل لها أو تتكرر بالمجتمع لما تجسدت فيها من صفات العدل والقوة والرحمةهو يعسوب المسلمين وسيد البلغاء أمير المؤمنين علي عليه السلام ,فهو الدعامة الأولىبالإسلام وناصر رسول الله محمد صلى الله عليه واله وأبو الأئمة الأطهار شهيد الحق,بسيفه استطاع أن يذود كل التيارات المعادية والخطر عن الدين , تشرفت الكعبة بمولده, استجاب الله وارجع الشمس كي لا تغيب عنه فريضة , هو الذي خاطبها وقال لها أيتها الشمساشهدي عند ربك هل اشرقتي يوما وأنا نائم , لا أريد بهذا المقال القصير أن استعرض سيرتهذا الرجل الفذ لأننا قد نظلمه في التعبير والوصف أو لانستحضر كل الأعمال والمعطياتالتي طرزها علي عليه السلام خلال فترة حياته, لم يكن استهداف أمير المؤمنين عن طريقالصدفة والحقد عليه فقط , بل هي سلسلة من المؤامرات بدأت على أخيه رسول الله وزوجتهلدثر كل تراث الرسول وسنته التي قال عنها الرسول الكريم صلى الله عليه واله ما أتاكمالرسول فخذوه وما نهاكم عنه فا نتهو واتقوا الله أن الله شديد العقاب , إثناء العصرالأموي الذي دام حوالي 82 سنة استهدف علي على المنابر بالسب وتزيف حقيقته ولكن الذيرأينه قد ارتفع يوما بعد يوم ,وملئ اسمه مشارق الأرض ومغاربها , في الحقيقة أن الذيقتل علي عليه السلام هو الحق ومحاربته للظلم وعدم تهاونه لحظة في مسالمة الجور, وسياستهمع الرعية وتطبيق النظام القائل أكرمكم عند الله اتقاكم , وحبه للفقراء واليتامى وإدارةالدولة بنفسه كون له أعداء وخصوصا من بني أمية الذين تجردوا من جميع المناصب , وتساوىالجميع في الحقوق والواجبات أمام هذه السياسة العادلة , حتى قال عنه رسول الله صلىالله عليه واله ذات يوم بحق علي ,( يجري الحق علي لسانه وقلبه ), وحينما كتب احمد بنحنبل عن الخلفاء كتاباً قال: ما رأيت سيرة كسيرة علي , بالتأكيد أن هذه الشخصية الإسلاميةالفريدة قد أحيكت لها مؤامرة كبيرة جدا وتخطيط مسبق حتى قيل أن منفذ الجريمة عبد الرحمنبن ملجم لعنة الله عليه قد وضع سيفه أو خنجره بالسم لمدة 30 يوم , وجاء بالكتب والسيرالتاريخية ونعرج بشكل مختصر على حادثة استشهاد علي عليه السلام هو (أن نفرا من الخوارجاجتمعوا بمكة ، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم ، وذكروا أهل النهر وان وترحمواعليهم ، فقال بعضهم لبعض : لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهموأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهر وان ، فتعاهدوا عند انقضاءالحج على ذلك ، فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله : أنا أكفيكم عليا ، وقال البركبن عبيد الله التميمي : أن أكفيكم معاوية ، وقال عمرو بن بكر التميمي ، أنا أكفيكمعمرو بن العاص ، وتعاقدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء ، واتعدوا شهر رمضان في ليلةتسع عشرة منه ، ثم تفرقوا فأقبل ابن ملجم لعنه الله - وكان عداده في كندة - حتى قدمالكوفة ، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شئ ، فهو في ذلك إذ زار رجلامن أصحابه ذات يوم من تيم الرباب ، فصادف عنده قطامة بنت الأخضر التيمية ، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهر وان ، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها ، وسأل في نكاحها وخطبها ، فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق ؟ فقال لها : احتكمي ما بدالك ، فقالت له : أنا محتكمةعليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك جميع ماسألت ، فأما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فأنى لي بذلك ؟ وفعلاً تم العملية صباحايوم 19 من رمضان وقد علم علي عليه السلام قبل مقتله بعبد الرحمن بن عوف لعنه الله ولكنليس عنده الجرم المشهود , وحين تنفيذ العملية أثناء تأدية صلاة الصبح قال كلمته المشهورة( فزت ورب الكعبة ) لم يتأسف أمير المؤمنين لموته لأنه ترك حظه من الدنيا واخذ من الآخرةفالموت له هو عبارة عن قنطرة عبر عليها إلى الحياة الحرة الكريمة وهو القائل دخوليإلى الجامع خير من دخولي إلى الجنة والسبب أن الجامع فيه مرضاة الله والجنة فيه مرضاتيومرضاة الله خير من مرضاتي , وفي اليوم التالي وهو على فراش الموت أوصى ولديه الحسنبوصايا إيمانية كثيرة منها إطعام المساكين ومساعدة الفقراء وحب لنفسك ماتحب لغيرك وحثهمعلى الالتزام بالصلاة فهي عمود الدين والأمانة وحسن الصحبة , وحتى أوصى بالأسير وقالأطعموه وأحسنوا إليه أن عشت فهو لي وان مت فالعفو هو اقرب للتقوى ولا تمثلوا به , فلمقضى أمير المؤمنين نحبه وفرغ أهله من دفنه أمر الحسن عليه السلام أن يؤتي بعبد الرحمنبن ملجم فقال له ياعدو الله قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين فأمر بضرب عنقه, وبذلك انطوت صفحة من صفحات الإسلام المشرقة والتي بشر بها أمير المؤمنين عن قضاياالعلم والفقه وخسر المسلمين رجلاً وعالما وفقيها وأسكت القرآن الناطق ,ولازال المسلمونليومنا هذا يتذكرون استشهاده بمرارة تدمع لها العيون دم ورحم الله الشاعر حينما قال:
وكنا قبل مقتله بخير نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الدين لا يرتاب فيه ويقضي بالفرائض مستبينا
السلام على أمير المؤمنين ويعسوب الدين والنائم بفراش الرسولوقسيم الجنة والنار ومدمرالناكثين والقاسطين والمارقين وزوج البتول وحافظ سر الرسولوشفيعا للمؤمنين والمسلمين يوم التلاقي
&&&&
الإمَامُ عَلِيّ ... إغْتِيَالُ الجَسَدِوَ بَقَاءُ المَشّرُوع.
محمد جواد سنبه
الكثير من الشّخصيّات في العالمَيّن القديموالحديث، نادت بالعدالة والحريّة والمساواة. لكن أفكار هذه الشّخصيّات، ظلّت مأسورةبرقعة المكان ومحدوديّة الزمان، بمعنى محدوديّة العالميّة أو الانّتشار. بيّد أنّ شخصيّةالإمام عليّ (ع) مسكت أقطار الأرض وأزمّة الزمان. إضافة لذلك، لَمْ تتقادم هذه الشخصيّةبمرور الوقت، ولمْ تبلَ أفكارها على الإطلاق. لابلّ أثبت التاريخ، أنّ البشريّة بحاجةدائمة ومتجددة، لمنهج الإمام عليّ (ع)، وفكره وسلوكه واخلاقه، وورعه وجهاده، لتنهلالانسانيّة من النّمير العذّب لهذه الشخصيّة الرّساليّة المباركة.
بدأ الإمام (ع) حياته في أحضان الكعبة الشّريفة،وعاش روحانيّة الرّسالة، التي كان يتنفّسها من عبقّ النّبوّة الخاتمة. وكانت خاتمةحياته الشّريفة في محراب الوحدانيّة، عقيدةً وانتماءً. فقوله عندما أحسّ بحرارة السيّفالغادر، الذي هوى على هامته (فزتُ ورب الكعبة)، هو تأكيد لنهاية أخبره بها المصطفى(ص).هذه الخاتمة كانت بمثابة إمضاء إلهي، لقدَرٍ محتوم على شخصيّة، لمْ يستوعب الناس قَدْرها،ولم يفهموا دورها كما ينّبغي. ولمْ يستفدّ أيضاً من وجودها بعمّق، سوى ثلّة من اللذينظلّوا يسقطون بعد الإمام (ع) شهداء في مذّبح الحريّة.
شَاهدَ أبو تُراب (ع) وهو لمّ يزلّ صبياً،جرأة طواغيت قريّش وهم يغرون صبيانهم، لإيذاء النبي(ص)، فكان ينقضّ عليّهم كالليّثالجسور، فيمسكهم واحداً واحداً، ولم يتركهم حتى يَقضِم آذانهم وأنفوفهم فسموه (القَضِمْ).وظلّت هذه الرّوح الفدائيّة عند أبي الحَسَن (ع) مَعلماً واضحاً في كلّ أدوار حياته.إنّ أعداء عليّ صنعوا تاريخاً شاذّاً، وظلّ الإمام عليّ (ع) يكافح ببسالة منّقطعة النّظير،ليقوّم مسيرة الإنحراف. فأصبح (ع) منتجاً لأنّماط نضاليّة، كافحت الظّلم السلطويّ والثّراءالماديّ، اللذان أقيما على حساب الجياع، والمحرومين من ضعفاء الأمّة. وبقى المشروعالإصلاحيّ للإمام عليّ (ع) حياً في ضمير محبيّه، يقارعون به الظّلم والجوّر أيّنماوجد، فخلّد التاريخ ذلك المنهج الرساليّ، الذي سار عليّه الإمام (ع).
اختار الإمام منذ البداية أنْ يسير في المجتمع،وفق رؤيّة عمادها إقامة الحقّ، وإشاعة المساواة، والدفاع عن حقوق المحرومين. فكان يصّحرعن مشروعه ذاك بقوله (ع): (أَمَا وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ،لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ، وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ، وَمَاأَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ، أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ، وَلاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَابِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْعَفْطَةِ عَنْزٍ). إذن منع الظّالم من كِظّته (إمتلاء بطنه)، واعطاء المظلوم ليسدّسَغَبِه (جوعه)، هو مشروع الإمام الإنسانيّ. السّاعي لتحقيق حلم البشريّة للوصول إلىحالة التكافل المعيشي، وتحقيق عنصر العدالة والمساواة وتحرير الإنسان من رقّ الأزمات،التي تُذلّ قَدْره وتُهدر كرامته.
هذا المشروع الرّسالي النبيلّ، صنع ما يكفيمن المحبين لعليّ (ع)، كما صنع الكثير من الأعداء. يذكر الشهيد مرتضى مطهري في كتابه(محمد وعليّ/ص 306) مايلي: (إنّ التاريخ يعرف الكثيرين ممّن لا شهرة لهم، ضحّوا بأرواحهمفي سبيل حبّ عليّ (ع).. فأين نجد هذه الجاذبية في العالم؟ لا أحسب أنَّ لها شبيهاً.وإنّ لعليّ كذلك من الأعداء من ينقلب حاله عند سماع اسمه. لقد مضى عليّ كفرد، وبقىكمدرسة تجتذب إليها جماعات وتطرد جماعات.)(انتهى). الإمام عليّ (ع) لم يضع يوماً مّا،مصلحته الشخصيّة في أيّ جزء من اهتماماته، فكان يتصرف وفق فلسفة صارمة، تُقدّم مصّلحةالمجّتمع على جميع المصالح الأخرى.
هذا الموقف الصّلب الذي لا ينثني ولا يلين،نجده في ثنايا تصريحاته (ع) الخطابيّة، التي كان يكاشف بها الناس، وإشاراته التي كانيوجهها كرسائل، تُخبر عن إصراره بالتمسك بهذا الموقف. يذكر ابن عباس: (دَخَلْتُ عَلَىأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ بِذِي قَارٍ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُهَذَا اَلنَّعْلِ فَقُلْتُ لاَ قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ (ع) وَاَللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّإِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً.). إذنالقضيّة في مفهوم الإمام (ع)، هي التأكيد على تطبيق الحقّ ومنع تطبيق الباطل، وخارجهذا المنظور فالمسألة لا قيمة لها، في نظر الإمام على الإطلاق.
لقدّ شكّل المجّتمع، هدفاً استراتيجيّاًعند الإمام عليّ (ع). وهدفه يحمل مقصداً غائيّاً، نابع عن وعي عميق، بأنّ المسؤوليّةليست فرصة للإثراء، على حساب آلام النّاس. كما أنّها ليست وجاهة ومرتبة، للتعالي والترفّععلى الآخرين. إنّها أمانة، فإذا صلح الراعي صلحت الرعيّة. يقول الإمام (ع): (وواللهلأُسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلاّ عليّ خاصَّةً). إذن الهدفالنّهائي عند الإمام، سلامة وصلاح أمور المجّتمع، فإذا صلحت وسلمت، سلم الإمام من تبعاتذلك، دون النظر لما يلحق به على وجه الخصوص. المهم عند الإمام عليّ سلامة المجتمع،لا سلامته الشخصيّة. هذا المنطق غير مألوف، في نظر اللذين يتقلدون زمام المسؤوليّة،سابقاً ولاحقاً أيضاً.
إنّ إصرار الإمام عليّ (ع) على تطبيق مايؤمن به، على أرض الواقع، ألّب عليّه الأعداء اللذين تضرّرت مصالحهم، بسبب إصرار الإمام(ع)، على تطبيق تلك المبادئ. لذا تشكّلت أربع قوى مناهضة للإمام هي:
•1. اصحاب الثارات، وهم الفئة التي ظلّتحاقدة على الإمام (ع) لتمسكها بتقاليد الجاهليّة. وكانت تطلق على الإمام (ع) لقب (قاتلالعرب).
•2. الحاسدون، وهم الجّماعة اللذين كانواينظرون، لعلاقة النبي (ص) مع ابن عمه (ع) بعين الحسد والحسرة. لمنزلة الإمام الرفيعةعند الله تعالى ورسوله (ص)، وكثرة فضائله ومناقبه وشجاعته وبسالته.
•3. حزب طلاّب السلطة والمصالح الخاصّة،وعلى رأسهم بني أميّة.
•4. الخوارج، وهم الطّبقة الجّاهلة المتطرّفة،التي فهمت الإسلام على أنّه مجرّد نصوص جامدة، لا تتحمل التفسير ولا التأويل ولا النقاشولا البحث.
لقد حرص الإمام عليّ (ع) على صيانة حريّةالتعبير عن الرأي، باعتبارها جزءاً من حريّة المجتمع. وإنّ كانت هذه الحريّة ستُستخدَمضدّ الإمام شخصيّاً، لكنّ الإمام أعطى فسحة كافية لهذا التعبير. صاح (الخريت بن راشد)،أحد المتمردين على الإمام (ع) بأعلى صوته وأمام الملأ: (لا و الله لا أطيع أمرك، ولا أصلي خلفك، و إني غداً لمفارق لك. فقال له الإمام عليّ (ع): ثكلتك أمّك إذاً تنقضعهدك، و تعصي ربك، ولا تضر إلاّ نفسك. فقال رجل للإمام (من أصحاب الإمام): لمَ لا تأخذهالآن، قبل أنّ يخرج، و يفسد في الأرض؟. فقال الإمام (ع): (لو فعلنا هذا بكل من يُتّهململأنا السّجون). أكثر من ذلك، سَئل رجل الإمام عليّ، وهو في مسّجد الكوفة بمسألة فقهيّة،فأجابه الإمام بسرعة ودقّة، فصاح أحد الخوارج الجالسين في المسّجد: (قاتله الله كافراًما أفقهه)، فأراد بعض الأصحاب أنْ يؤدبوه، فمنعهم الإمام (ع) وقال: (رويداً إنّما هوسبّ بسب، أو عفو عن ذنب). فسلام على أبي تراب (ع) يوم ولد ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا،والعاقبة للمتقين.