**
(موسوعة التفسير المقارن. ح- 13-)
(علي القطبي الموسوي)
وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227). الشعراء
الشعر من ثقافة الشعوب وتراثها.
كان الشعر ولا زال أحد عناوين ثقافة الشعوب، ورمز للتراث الإنساني للأقوام والدول والأمم. ولايمكن عزل الثقافة العربية عن شعرائها كالمتنبي وأبي العلاء المعري والفرزدق والجواهري وغيرهم، كما لا يمكن عزل الثقافة الفارسيّة عن الشعراء مثل حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وبابا طاهر، وغيرهم، والشاعر بوشكين عن الثقافة الروسية، وطاغور عن الثقافة الهندية، وهكذا. وإن كان البعض يحاول أن يضيّع تراث الصناعة الشعرية العريقة، ومسخ فنّها ونظامها وكيانها الخاص بكيان طارئ وهو ما يسمى في الوقت الحاضر الشعر النثري.
الشعر الحقيقي صناعة أدبية لها نظامها الهندسي الخاصّة، وأطوارها وألحانها الموسيقية وأوزانها وبلاغتها الخاصّة بها.
أمّا صناعة النثر فهي صناعة أدبية أيضاً، ولكنّها خالية من الهندسة النظميّة اللغويّة الخاصة، والنغمة الموسيقية الشعريّة والبلاغة الأدبية والأوزان الشعرية، وهي أدواتُ خاصّة بصناعة الشعر.
ولكن يطلق عليها تعسفاً بأنّها من الشعر، ثم أن الشعر العامودي ليس حديثاً حتى تضيف له ما ليس فيه. الشعرالعامودي صناعة أدبية قديمة وانا أتحدث عنه في هذا الموضوع.
شخصياً أحترم المقطوعات النثرية باعتبارها فن خاص وصناعة خاصّة، كما أحترم القصة والرواية والنقد وهذه الفنون أو الصناعات كما يعبر عنها الشيخ المحقق محمد رضا المظفر (رحمه الله).
الشعر علم واختصاص مستقل، وليس علماً مساعداً.
لكن الشعر ليس مرتبة علمية، وليس فقها،ً وليس من علوم القرآن، ولا من علوم العقيدة، ولا من علم الحديث، ولا من علم الرجال.
الشاعر الحقيقي هائم مشغول بالشعر، ويشغله شعره عن علوم القرآن، ويشغله عن أحايث النبي وتحصيل العلوم الطبيعية والدينية والروحية وكافة العلوم.
فليس من المعقول أن يكون الشخصُ عالماً في الدين أو في باقي العلوم الطبيعية، وهو مشغول ليله ونهاره في كتابة الشعر لأن الشعر يستغرق وقت وعقل الإنسان، وفكره وروحه وخياله.
الشعر ليس كفاءة سياسية
يدعي البعض في الزمن الحاضر (عن جهل أو عن سياسة) إن الشعر مرتبة علمية يستحق صاحبها أن يجلس على منبر العلماء والفقهاء، وأكثر من هذا، بل ربما جلس بعض الشعراء على مناصب الوزارات متقدماً على أهل الشهادات الحقيقية والخبرات العلمية اللازمة.
أتساءل: ما هي علاقة الشعر بإدارة الدول والسياسة والعلوم كافة؟
إذا كان الشاعر صاحب شهادة وإختصاص وخبرة في مجال معين من المنطقي أن يستلم مسؤولية في مجال اختصاصه، ولكن أن يعتلي الشاعر أي منصب أو منبر بمجرد الشاعرية فهذا الجهل، أو الخبث بعينه. الشاعر محترم في اختصاصه ومن المنطقي أن تّحترم اختصاصات الآخرين.
العلماء ورثة الأنبياء
من علماء الدين عندنا شعراء عديدون، وأما من الفقهاء ومراجع الدين قليل جداً من يكتب الشعر.
وقصدي الشاعر هو الشاعر الذي يتفرغ إلى موضوع الشعر وكتابته ونشره وسماعه.
وليس المقصود أن العلماء والعظماء لا يحبون الشعر، ولا يكتبون بعض الأبيات، ولكن القصد الإشتغال بالشعر والإكثار منه ليس سيرة الفقهاء الكبار، ولا من سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
من الشيخ المفيد إلى الشيخ الطوسي والعلامة الحلي والمحقق الحلي، الشهيد الحر العاملي، وضياء الدين العراقي والسيد الخوئي والصدرين الشهيدين والسيستاني والفقهاء من آل الشيرازي ليسوا من الشعراء، لا لأنهم غير قادرين على الشعر، ولكن كي لا يشغلهم الشعر عن العلم. لأن العلماء ورثة الأنبياء.
هل الشعر دليل على العلم، أم العكس.
الشعر صناعة بحد ذاتها وليس علماً مساعداً للعلم فمن يستغرف في تحصيله يكون سبباً في ضعف الملكات العلمية لدى الطالب أو العالم في مجال علميٍ آخر.
يشغل الشعر بال صاحبه معظم أوقاته ويسهر ليله ويشغل فكره في الأوزان والخيال والقريحة والقوافي والمنافسة......ويشغله عن العلم والبحث والتحقيق، والعمر قصير والعلوم كثيرة.
يقيناً إنّ الإستغراق في الشعر هو قوة للشاعر وضعف وتأخير في مستوى تقدمه العلمي وتحصيله.
كذلك حال باقي العلوم فلو كان العالم الفقيه شاعراً متفرغاً للشعر سيؤثر على مستواه الفقهي، كما لو كان المهندس مهندساً وطبيبا في نفس الوقت لكان هذا ضعفاً في اختصاصه الطبّية واختصاصه الهندسي. إلاأن يترك أحد الإختصاصين ويتفرغ للآخر؟
حفظ الشعر وحفظ القرآن الكريم.
سمعت مرة أحد الخطباء وهو من الشعراء المجيدين
قرأ في محاضرة على الأقل عشرة أبيات عل ألأقل من الشعر القريض ثم عشرة مثلها من الشعر الشعبي وفي نهاية المحاضرة، قرأ بقدر ما قرأ في البداية من الشعر، ولكن خطيبنا قرأ آيةً واحدة على أساس أنّ الآيةَ عنوان المحاضرة، فأخطأ في الآية، واعتذر وقرأها صحيحة وقال إنّه جاء مستعجلاً مما سبب الخطأ، وطلب العذر. وبعد لحظات أعاد الآية وأخطأ مرّة أخرى، واعتذر مرة أخرى.
أقول للشعراء والخطباء: كل انسان يخطأ ولكن شيخنا حين قرأت أربعين بيتا لم تخطأ في بيت واحد، وأخطأت في آية واحدة. هل هذا صحيح؟ هل هذه عمامة الشعر أم عمامة القرآن والفقه والعقيدة؟
الشعر عند أئمة آل البيت عليهم السلام:
لم يستغرق أئمة أهل البيت عليهم السلام كثيراً في الشعر بل لهم أبيات معدودة وفي غالبها، بل ربما في كلها أبيات للحكمة والموعظة والتربية وليس كما يفعل الشعراء من المديح المفرط والذم المفرط.
توجد العديد من الأبيات تنسب إلى أئمّة أهل البيت، سيّما إلى أمير المؤمنين، وإن كانت اختلفت بعض الأقوال في نسبة رجوع هذه الأبيات إليه عليه السلام أقول:
حتى وإن صحّت نسبتها له فهي أبيات قليلة ومحدودة وبالكاد تجمع منها ديواناً واحداً، بل هي حكم ودروس ومواعظ جاءت بقواعد موزنة وقوافي متشابهة وصحيحة.
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب
وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب
-----------------------------------------
فقم بعلم ولا تطلب به بدلا *** إن الناس موتى وأهل العلم أحياء
وقيمة امرء ما قد كان يحسنه *** وأهل الجهل لأهل علم أعـــداء
-----------------------------
وينسب إليه سلام الله عليه:
ولرب نازلةٍ يضيق لها الفتى ...... ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها..... فرجت وكنت أظنها لا تفرج
الإمام علي الهادي عليه السلام: (وإني لقليل الشعر)
قال المسعودي في مروج الذهب: سعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجواد أن في منزله كتبا وسلاحا من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصا وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن.
فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا ووجدناه يقرء القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالسا في مجلس الشرب فدخل عليه والكاس في يد المتوكل.
فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكاس التي كانت في يده فقال: والله ما يخامر لحمي ودمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال: أنشدني شعرا فقال: إني قليل الرواية للشعر فقال: لابد فأنشده وهو جالس عنده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم غلب الرجال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد دفنهم أين الأساور والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
قال: فبكى المتوكل حتى بلت لحيته دموع عينيه ، وبكى الحاضرون، و دفع إلى علي أربعة آلاف دينار، ثم رده إلى منزله مُكَرَّما. إذن هي أبيات في الموعظة والدعوة إلى الله تعالى.
خصائص الشعر عند أئمة أهل البيت.
ابتعد المعصومون الأربعة عشر عن الصفات السلبية التي ذكرها القرآن الكريم عن.
•1- فأئمة أهل البيت لم يكونوا يقولون ما لايفعلون.
•2- لم يكونوا من الذين هم في كل واد يهيمون
•3- لم ينطبق عليه قوله تعالى يقولون ما لايفعلون.
•4- كانوا مقلين في الشعر. أي لم يكثروا منه ولم يستغرق وقتهم وفكرهم. وقول الإمام علي الهادي(ع)، وإنّي لقليل الرواية للشعر دليل على مدعانا