المرأة العاملة
بين الإرهاق وتأنيب الضمير
بقلم : رويده الدعمي
كثيراً ما نسمع ونرى نساءاً يشتكين من أزواجهن وسوء معاملتهم لهن .. لكن الذي لم نألفه في مجتمعنا وجود نساء يشتكين من انفسهن وسوء معاملتهن لأزواجهن !!
هذا ما حصل بالفعل من خلال اعترافات زميلتي في العمل – أم لثلاثة ابناء - وهي تشرح لي عن طبيعة علاقتها المتوترة مع زوجها قائلة :
- لقد تعبت من نفسي وسوء معاملتي لهُ ، فدائماً تجدينني مكفهرة الوجه متجهمة في المنزل وعصبية المزاج معه ومع الأولاد خاصة عندما اعود من عملي متعبة ومرهقة ، فأملأ البيت بالصراخ والضجيج ، على عكس طبيعتي عندما اكون في العمل !
سألتها : وهو .. ما رأيه بكل هذا ؟
قالت بندم وقد تلألأت الدموع في عينيها الجميلتين :
- لقد تعب هو أيضاً من طبعي ومزاجي الحاد .. ورغم هذا مازال يتمتع بحسه العاطفي تجاهي ومازال يظهر لي كل الحب والاحترام .
- وأنتِ هل تحبيه كما يحبكِ ؟
قالت على الفور : نعم أحبه .. لكني لا أُظهِر لهُ ذلك .. ثم أكملت بألم : وعندما يحاول إثارة غيرتي بأن يهددني بالزواج بالثانية أردّهُ بأسلوب جارح ينمُّ عن عدم اهتمامي بهِ وبما يفكر فيه مطلقاً !
قلتُ لها بهدوء وقد أحزنني تضارب المشاعر والتصرفات في داخلها :
- وهل فعلاً لا يهمكِ زواجهُ بالثانية ؟
أجابت بامتعاض :
- كيف لا يهمني ؟ انني احبهُ كثيراً .. لكن ( كرامتي ) لا تسمح لي باظهار غيرتي عليه ، كما انني تعودتُ منذ صغري على عدم اظهار مشاعري الحقيقية للآخرين ممن احبهم واحترمهم ، إذ يمنعني ( الحياء ) من ذلك ، لذلك تجدينني لا أُفصح لزوجي عن حبي ومودتي الحقيقيين.
الى هنا صارت زميلتي تمسح دموع ندمها وألمها وأعجبني فيها صراحتها وعدم عنادها فهي مقرة معترفة بكل تقصيرها تجاه زوجها وشريك عمرها ذلك الرجل الطيب والعطوف .
حاولت ان أقوّي فيها روح الإرادة والقدرة على التغيير فقلت بعد التوكل على الله :
إن مشكلتكِ هذه ( متشعبة ) فأنتِ تعانين من طبائعكِ التي اعتدتِ عليها مثل شدة الحياء وكرامة النفس وعدم القدرة على التعبير عن مشاعركِ وأحاسيسكِ .. هذا اولاً ، كما انكِ تعانين من ( حدة المزاج ) بسبب متاعب العمل هذا ثانياً ..
وأخيراً فأنتِ تعانين من ( تأنيب الضمير ) لكل ما يجري ، وهذا الأخير هو الذي سيجعلكِ بإذن الله تتغلبين على كل تلك الأمور السلبية في حياتكِ ..
عليكِ اولاً ان تتركي ( الحياء ) جانباً فهو وإن كان صفة محمودة للفتاة والمرأة غير المسلمة لكنه من الصفات المذمومة للزوجة مع زوجها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصف الزوجة الصالحة بالقول :
(( خير نساؤكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء .. )) وسائل الشيعة ، ج 20 ، ص 29- 32
فعليكِ أختاه ان تعودي نفسك على البوح بمشاعر الحب والود للزوج حتى وان كان بطريقة غير مباشرة كرسالة شوق قصيرة من جوالكِ او هدية جميلة تحمل كل معاني الحب والتقدير وشيئاً فشيئاً سيرتفع حاجز الحياء وسترين ان علاقتكِ بهِ تسير نحو الأحسن ان شاء الله تعالى .
وكذلك ( الكرامة وعزة النفس ) يجب ان لا تتلبث بها المرأة في علاقتها مع زوجها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
(( ان خير نساؤكم الولود الودود العفيفة ، العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها .. )) نفس المصدر السابق .
ورسولنا المصطفى هنا لا يقصد الذلة التي تستوجب تحقير النفس وتصغيرها بل يريد من المرأة ان تعطي من نفسها الشيء الذي يمكن حياتها الزوجية من الاستمرار ، وان لا تبقى تردد في كل مشكلة لفظة " كرامتي " فكم من امرأة تلبثت بالكرامة والعزة فخسرت بيتها وزوجها وحتى أولادها !!
فما دامت القيمومة للرجل كما أراد الله تعالى ، فعلى الزوجة ان تكون طوع زوجها ، تطيعه في كل صغيرة وكبيرة ماخلا المعصية فحينها ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
أما بالنسبة لحدة المزاج الناتج من متاعب العمل خارج المنزل فعلى المرأة العاملة ان تعرف بأن عملها داخل المنزل ومسؤولياتها تجاه الزوج والأولاد هي الوظيفة الرئيسية التي حباها الله سبحانه وتعالى ، حينما طلب منها ان تكون زوجةً صالحة وأماً مثالية ، اما العمل خارج المنزل فهو وظيفة ثانوية يجب أن لا توليها كل اهتمامها ناسيةً أو متناسية وظيفتها الأولى والأهم !
ولا تنسي أختاه أن نكد الزوجة يعتبر من اكبر معوقات نجاح الحياة الزوجية ، فقد تتلاشى جميع الفضائل التي تتميز بها الزوجة ويصبح لا وزن لها ولا قيمة اذا كانت الزوجة حادة المزاج ، سيئة الطبع ، محبة للنكد .
فالمرأة المؤمنة والتي تخاف الله سبحانه وتعالى يجب ان لا تُعكر صفو الحياة الزوجية وان لا تفرط في واجباتها الأخروية بسبب وظيفة دنيوية !!
وأخيراً تعالي معي اختاه لنتعرف معاً على حقيقة ( المرأة العاملة ) في نظر رب العزة جل وعلا ، حيث جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله قائلاً له :
(( ان لي زوجة اذا دخلتُ تلقتني ، وإذا خرجتُ شيعتني ، وإذا رأتني مهموماً قالت لي : ما يهمك ؟ ان كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك ، وان كنت تهتم بآخرتك فزادك الله هماً ، فقال رسول الله : إن لله عمالاً وهذه من عماله ِ ، لها نصف أجر الشهيد )) نفس المصدر السابق .
وفي نفس المصدر أيضاً ورد عن الإمام علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال :
(( خير نسائكم الخمس ، قيل : وما الخمس ؟ قال : الهينة اللينة المؤاتية ، التي إذا غضب زوجها لم تكتحل بغمضٍ حتى يرضى ، وإذا غاب زوجها حفظتهُ في غيبتهِ ، فتلك عامل من عُمّال الله ، وعامل الله لا يخيب )) .
تعليق